مقتل مصارع الثيران
للشاعر / ابراهيم ابو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "
دار اليازوري / عَمَّان 2007م .
كانت براميل النفط تسبح في نزيفها
يقول لي الندى المبحوح :
(( خذ جمجمتي واربح الثانية مجاناً ))
أقول للندى المنثور في ريش النسور :
(( هنيئاً لكَ ، صرتَ برميلَ نفط ! ))
يُعجَب ثور القحط باحمرار دمه الزيتي
على الرايات المنكسة في طحال القتيل
إن أجساد السحب الذبيحة جمهورٌ في الحلبة
على شفتيكِ يا سيدة المشجعات عرقُ زيتون
وانطلق ثورٌ على أُذنيه كل الابتسامات
التي جاءت من وقوف سيدة خريفية الغبار
على سارية العلم المكسورة
والظلامُ للبكاء صورة
تذكرةٌ ممزقة على كتف رجل يدور
حول غربال مرَّ في أنف جرادة
ملابسها عصورٌ من الأنهر المتزوجة حديثاً
رجلٌ مات خلف أحجار البحيرات التي تتثاءب
على ظهور الثيران المندهشة ضياعاً
عندما يبدل النسيان جِلدَه في كوخ التوت
كنْ أجمل الضحايا في الوطن الخراب
قتلناكَ مثلما تُقتل الكلاب المسعورة
بعد أن تحلبها الديدان المذعورة
في البستان الحديدي
وتخلينا عن جفنيكَ يوم احتجتَ رموشنا
ثم تقاسمنا ملابسكَ الملونة كالحرائق
عيونكَ أضواء سيارات معطلة
في منعطفات وريد الزئبق
والنيلُ حيطانه صمغ الأشجار المحترقة
لا عَرقٌ حول عَرَقي ولا صهيل
لهجةُ الخراف تتكسر في البراكين
ضحكةً لغياب النخيل
ما جنسيةُ خِزانات العوسج
في أوعية المياه الملوثة بالملكات ؟
لا ذبحتي الصدرية تعرف الجواب
ولا البروق المخضرة ولا الباب الصامت
رعشةُ قلم تمتص الأحباب
لم يبقَ عند قبري إلا كلام الحجارة الساكت
وتنمو أعمدة الليمون في أسناني
ركضاً في أفلاك رحيل المصابيح
والحزنِ المدجَّن والحطبِ الجريح
أنا والرعد نجمع الجرائد في الريح
امرأةٌ تباع وطنٌ يباع
يقضم نسرُ القوافي موجَ الضياع
وتتزوج الفراشات الزهرية في معدة الجياع
شيَّعت سنبلةَ الرعد زلازلُ الجسد
أتفرس في وجوه الحمَامات
قد أُذبح في يوم مشمس
ملائم للرحلات المدرسية
أن ترجع إلى كوخك النحاسي
فلا تجد سوى مقاصل مزروعة
على الحيطان كالبراويز الرخيصة
أعقابُ البنادق في خياشيم الطاعون
الليلُ أشقر فتصعد من صياح الأوحال
حمامةٌ نحو مجزرة الروح
يا أيها المسيح المتدفق في السماء ضوءاً
لم يصلبوك على خشبة عارهم
لكن الجراد الوطني في أعوام التفاحات المرتعشات
صلبني على كل أخشاب السناجب المنطفئة
هناك مذنَّب في أقصى رغبة الركض اللانهائي
في مدارات المرفأ المحاصَر
وأنوارِ الحجر المخدوش
أختُ البارود تزور النباتات المتسلقة
على شظيات عودة الجيش المهزوم
الوحلُ المتناقض والجِلدُ المغرور
كومةُ صخور سامة في لهب الشعلة الأبيض
يكنِّس الشهادةَ الجامعية للإجاص اليتيم
والهويةَ العسكرية للنحلات المتقاعدات
تحت أظافر المسجونين المبعثرة أعلاماً منكسة
سراييفو جِلد أخضر للشلال المتكئ
على غمد قمحة تستصلح قلوبَ الطريق الصخرية
كقلب يهودية سمَّمت النبيَّ
يا راحلين إلى لافتات محاكم التفتيش
في دهاليز البنكرياس
استريحوا على عتبات القش الذي يغنِّي
على سكة حديد مهجورة
نصبتها الغزلان في رائحة تواريخ الأنهار
وطنُ المنافي عنبٌ هل جَرَحْتني ؟
عمري يمامةٌ مخنوقة في محل تحف
يا نبياً قبَّلت عمامتَه العالية نجماتُ القلب
مدَّ يديكَ الطريتين اللتين نبع منهما الماء
لتسقيَ صحراء ملامحنا وأجسادَنا الحجرية
إننا أموات انتشلنا دمَنا من شرايين أرضنا
فانتشلْنا من أكوام العار الرمادي
كي نتداخل مع صهيل الرياح في الغزوات
والسلام عليك أيام جئتنا وسكنتَ فينا
أيها الشاهد الشفيع الغيث في ضوء عيوننا
لأني مسكين تلعب النيازك بعواطفي
دخلتُ في عزلة العواصف
وسامُ معدتي فوق أسماء العاج المخدوش
تفضلْ أيها الوطن المخصص للمرتزقة تفضلْ
اقتلْ فَرَاشَ الزرقة المأسورة
اطمئن فلن تتحدى الذكرياتُ عباءةَ الدراق
يحتلني عشقُ المجرات في خرير ذهني
يفصِّل عنفُ الكهرمان اكتئاباً على مقاس حيطاننا
مئذنةٌ ينفجر فيها قلبي ولا تنفجر
يراني الشتاء المبتل بأقواس النصر فأراه
كي يبوس تصحرُ الليل شرايينَ المذبح
وهي تضيء للطيور المهاجرة وجهي
وجهٌ للغيم يمتصني
أَفِقْ شجراً حضنته القناديل
أمشي إلى وجهي فيرفعني على ظهر القطار
مضت السياط إلى حفرتها
اغرسْني عند رعد الكلام
ولا أمشي إليها خوفَ أن أبكيَ
على أسماء البلابل
فوق مياه تحتل اسمي
ولا أمضي إلى حيث أرادت طفولة الوحل
خارجَ أنوثة الخوخة المترنحة على الرصيف المجهول
وسط زندي عند المكتبة الخالية من الغيم
إن دمي خالٍ من البهارات تماماً
لكن العصفر دخل بالخطأ إلى ذرات الأكسجين
في هواء الإطارات المستعملة في جراح الأرض
والنجماتُ تعسكر في فتحات مضخات المياه
في العراء المرتعش على ثيابي
ترى شجيراتُ الثلج ما لا أراه
أعانق ما لا تراه البروق فأنساه
مدخنة لَيلي أفاقت استفقْ زمرداً
جسَّ نبضَ الطوفان هل أنا حديقتي ؟
جاءت السكين في العربات المذهَّبة
لأقول ما عناوين الفقمات في مكتب البريد
الزلزالُ يتغطى بالذكريات التي تمضي
لحافي أقصر من حبل رقص عليه سرير المجزرة
علِّمْني طريقةَ البراكين في البكاء الكهرماني
أتى العمر ذهب البرقوق إليه ممتطياً عود مشنقة
بنكرياسي دربي ويحتسي الغصنُ شوربةَ العدس
هل تسمح أسود اللوز للمرعى بأن يركض في جنازتي ؟
تبحث الراقصات الزجاجيات عن تذاكر الحفلة
وأفتش عن رأس أبي المرمية في الآبار الجوفية
تشك الصحراءُ في ذلك الأصفر الاحتفالي
على مدرجات البنادق الجديدة
وأنا أعلِّم شكَّ قوس قزح أن يتيقن من مماتي
امرأةٌ تبكي علي لحظة إعدامي الرومانسي
جسدٌ الضوء تثقبه الريح العارية
وتضمه النساء المتشحات بالسواد
في أودية المحيطات غير المكتشَفة
يرفض غيمُ بلادي أن أُدفن فيه
يتكدس البارود في ثقوب زفيري
فينهار انهياري قرب جثماني
وأسأل الأرضَ أين اسمكِ أو سؤالي ؟
ادفنيني في أي قلبٍ مهاجر
في جبيني صلاة النوارس
والمحارُ يمنح اسمَه لذرية الياسمين
مثلما تدخل الحيوانات في بياتها الشتوي
تدخل أرصفة جراح النسر
في اكتئابها الموسمي وخياناتِ الملوك .