خطأ لفظة " اللواط"
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
من الأمور التي يتوجب أن ننتبه إليها هي المصطلحات المستخدمة في نصوصنا الدينية ، ومدى التزامها بالكتاب والسنة الصحيحة. ومن هذه المصطلحات الشائعة لفظة " اللواط "، وهذه اللفظة سيئة للغاية لأنها مشتقة من اسم نبي كريم سيدنا لوط صلى الله عليه وسلم ، وذات دلالة على فاحشة ، فاشتقاق اسم فاحشة من اسم نبي كريم كُفْرٌ بواح . لذا فنحن نجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لفظة " اللواط " أو " لوطي" أو " اللوطية " أو أنه صلى الله عليه وسلم اشتق اسم فاحشة من اسم نبي ، لأن هذا العمل كفرٌ ، ومحال على الأنبياء المعصومين أن يقعوا في هذا الفعل الشنيع . لذلك أنصح إخواني بعدم استعمالها نهائياً لأنها كلمة كُفْرية ضد الإسلام تماماً، ويجب استعمال مكانها" فعل قوم لوط " للدلالة على إتيان الذكر للذكر. كما أنه من المعلوم أن خبر الآحاد( خبر الواحد) إذا عارض ثوابتَ الدِّين ( القرآن والسُّنة المتواترة في الأدلة قطعية الدلالة ) فإنه يُرفَض فوراً ، كما أن العلماء وضَّحوا مسألة الحديث الصحيح سنداً الشاذ متناً [ بالنسبة لخبر الآحاد ( الواحد ) ، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 1/ 131 ) : (( وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر ، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر ، واختلف في حكمه ، فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل به ، ويفيد الظن، ولا يفيد العلم )) اهـ. وفي فتح الباري( 4/ 156): ((خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يُعمَل به)) اهـ. قلتُ : أما بالنسبة للحديث الصحيح سنداً الشاذ متناً ، فقد قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ( ص 112 و113) : (( وإنما يُعَلَّل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه ، فيصير الحديث معلولاً ، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة )) اهـ ].
ولنستعرض الأحاديث الواردة في الموضوع لكي نقف على حقيقة الأمر بشكل علمي منهجي تفصيلي .
أولاً : وردت العبارة النبوية الشريفة الثابتة " عمل قوم لوط " في أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة منها :
[1] عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به )) [رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 395 ) برقم ( 8047 ) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.] .
[2] عن جابر _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط )) [رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 397 ) برقم ( 8057 ) وصحَّحه، ووافقه الذهبي] .
ثانياً : بالنسبة لاشتقاق اسم عمل قوم لوط من اسم سيدنا لوط صلى الله عليه وسلم ، فقد وردت في أحاديث منها [لم ترد لفظة " اللواط " عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث المعتمدة والمشهورة ] :
[1] ما رواه أبو داود ( 2/ 564 ) : عن ابن خيثم قال : سمعتُ سعيد بن جبير ومجاهداً يحدثان عن ابن عباس في البكر يؤخذ على اللوطية ، قال : يُرجَم .
[2] ما رواه أحمد ( 1/ 317 ) : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ملعون من عمل عمل قوم لوط )) ، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ثلاثاً في اللوطية.
قلتُ : لفظة " اللوطية" ليست من كلام ابن عباس _ رضي الله عنه_ كما هو واضح من سياق الحديث الأول ، وفي الحديث الثاني ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا واضحٌ . ويغلب على ظني أنها من كلام أحد الرواة الذي اختزل فعل قوم لوط بهذه اللفظة الشاذة المعارِضة للعبارة النبوية الثابتة " عمل قوم لوط " ، وأقحم فهمَه الخاص في الحديث معلِّقاً عليه بهذه اللفظة المرفوضة " اللوطية " .
[3] ما رواه أحمد ( 2/ 182) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( هي اللوطية الصغرى )) ، يعني الرَّجل يأتي امرأته في دبرها .
قلتُ : عبارة " اللوطية الصغرى " وردت ثلاث مرات في مسند الإمام أحمد في ثلاثة أحاديث مختلفة بأرقام ( 6706) و( 6967 ) و ( 6968 ) مع الانتباه إلى أن هذه الأحاديث الثلاثة مختلف في رفعها ووقفها .
فالواجب الالتزام بما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي عبارة " عمل قوم لوط " ورفض ألفاظ من قبيل " اللوطية " أو " اللواط " أو " اللوطي" لأنها ألفاظ كفرية تشتق اسمَ فاحشة من اسم نبي عظيم هو سيدنا لوط صلى الله عليه وسلم . ولو وردت هذه الألفاظ في أحاديث في أعلى درجات صحة السند ، فيجب أن تُرفَض لأنها أخبار آحاد ضد قواعد الإسلام الأساسية القادمة من الكتاب والسنة المتواترة . فلا تُتعِب نفسك في الحكم على السند ، لأن العلة الأساسية في المتن _ رغم أن علة السند الاختلاف في الوقف والرَّفع_ ، إذ إن تلك الألفاظ الشنيعة طعنٌ في نبي معصوم قاوم الفاحشةَ في قومه، فهل جزاؤه أن يُشتَق من اسمه الشريف اسماً للفاحشة؟.
إنها مسألة غاية في الخطورة ، لأن من طعن في نبي فهو كافر ، ومن رماه بفاحشة أو نقيصة أو ذمَّه فهو كافر . فما بالك بهذه اللفظة الشنيعة ؟! . فإياك أن تعتقد أن المسألة تشديد أو غلو في الدِّين أو تعقيد ، فأسماء الأنبياء الشريفة تدل على شخوصهم الطاهرة ، ويجب أن تظل محفوظة من كل دنس أو شبهة . ولا يغرنك تكرارها في كلام العلماء ، لأن الحق أحق أن يُتَّبع ، واعرف الحق تعرف رجاله ، كما أن انتشار هذه الألفاظ من عموم البلوى . وأنا واثق أن علماءنا لم تظهر لهم المسألة بهذا الارتباط أو الاقتران الكارثي بين اسم نبي واسم فاحشة، فظنوا المسألة مجرد لفظ يُطلَق علماً بأنه ورد في أحاديث ذات أسانيد مُعتمَدة ، ولا مشاحة في استخدام الألفاظ _ كما هو سائد_، والأمر أكبر من ذلك بكثير. فنحن نحسن الظن بعلمائنا ، ونعذرهم لأنهم لم ينتبهوا إلى هذه المسألة ، لكن المعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا غير ، وجلَّ من لا يسهو .
ونختم بما قاله محمد أمين في حاشية ابن عابدين ( 7/ 162) : (( اعلم أن من القواعد القطعية في العقائد الشرعية أن قتل الأنبياء ، أو طعنهم في الأشياء ، كفر بإجماع العلماء )) اهـ .