تحديات في طريق
القصيدة
إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 26/4/2012
إن القيم
الثورية التي تؤسسها القصيدةُ من شأنها إخراج الحلم البشري من زوايا العتمة إلى
قلب النور عبر توليد ثقافة الأسئلة التي تُنقِّي رموز الذاكرة من الشظايا الفكرية
المتوارثة . مما يؤدي إلى إعادة إنتاج القوة الشعورية داخل الكيان الشعري ، وتفجير
الطاقة الرمزية في الأبجدية المعرفية المتحولة إلى نظم اجتماعية تخلو من التوحش ،
وتظهر على شكل جرعات لغوية تنتشر في الأفق القصائدي . وهذا التكثيف المركَّب
يُعتبَر تاريخاً جديداً لمراحل الحياة الاجتماعية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها ،
وتأسيساً للكيان الإنساني الذي تعاد صياغته من جديد .
وهذا
العالَم الجديد الذي تبنيه القصيدةُ ضروري للغاية من أجل كسر القوالب الجاهزة ،
وتحطيم السلوكيات الثقافية النمطية المضادة للإبداع ، والتجديدِ ، ومنظومةِ
الأسئلة المتحررة من سطوة التقليد .
لكنَّ
المشكلة الفكرية التي تعترض طريق القصيدة تكمن في تفشي العوالم الوهمية التي
تفرزها الأنساق المستبدة الحارسة لتاريخ الظلم الاجتماعي ، وهذا يؤدي إلى تجذر
الأزمات الإنسانية ، وانتشارِ الفراغ الشامل في الأحاسيس البشرية ، وبالتالي تصبح
الثقافة الشعرية في المجتمع الذي تم اختطافه من قِبَل الأوهام السُّلطوية ترفاً
زائداً عن الحاجة ، وتجميعاً لفظياً مختلطاً يخلو من المعنى التطبيقي . وعندئذ
تعجز القصيدةُ _ بسبب الضغط الاجتماعي السلبي _ عن تحليل الأنساق الإنسانية
الحالمة ، وربطِ مسارات التاريخ بقيمة الهوية الإنسانية ، وتوليدِ أساس منطقي
للفعل المجتمعي العمومي .
وهذا الحصار
الخانق الذي يُقيِّد حركةَ اللغة الشعرية يتطلب _ من أجل كسره _ أن تتفوق القصيدةُ
على ذاتها . وهذه الخطوة الصاهرة للمراحل لم يمكن تطبيقها إلا عن طريق تكوين
سلوكيات معرفية جديدة لا تكتفي بوصف الحراك الاجتماعي داخل أنظمة الشِّعر ، أو
تشخيص الامتداد الشعري في الحياة الإنسانية، بل أيضاً تساهم في صناعة المجتمع
الحاضن لأشكال الإبداع، والمنضوي تحت راية الأبجدية المتفجرة القادرة على منح
الجماعة البشرية الخلود العابر للزمان والمكان .