سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/01‏/2017

الطريق إلى الطريق / قصيدة

الطريق إلى الطريق / قصيدة

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

.............

   في مَساءاتِ الزُّمردِ التي تَسْبقُ إِعْدامي / تُلَوِّثُ أجراسُ صَالاتِ الرَّقْصِ دُموعَ الجنرالاتِ / رَملُ القلوبِ أعشابٌ خائنةٌ / تتسوَّقُ الزوجاتُ الخائناتُ في أبجديةِ الرَّصاصِ المطاطيِّ / يَتعرَّفُ الأَسرى عَلى فَتياتٍ جَديداتٍ كَمساميرِ المقاعدِ/ والموْتى يُنشِدون في المعْبدِ نَخْبَ ضَياعهم / تَصْلُبُ الفتياتُ العارياتُ الحزنَ على صُدورهنَّ المصلوبةِ أمامَ تُجَّارِ الرَّقيقِ الأبيضِ / وفي شَمالِ الأكفانِ مَزادٌ عَلنيٌّ لِبَيْعِ صُكوكِ الغُفران ذَاتِ الحجمِ العائليِّ /
     هُنا أو هُناك / رُوما إِلى الهلاك / سَقَطَ البكاءُ الجليديُّ في القُلوبِ النُّحاسيةِ / كِلابٌ بُوليسيةٌ تَقودُ كِلاباً بُوليسيةً/ يَحملُ الرَّمادُ على كَتِفَيْه قَطِيعاً مِن المسدَّسات / والمقاعِدُ الخشبيةُ عَلَيْها مَقاعدُ خشبيةٌ تُدعَى زَبائنَ الحربِ / لا شَيْءَ في الممرَّاتِ الباردةِ سِوى ضَفائرِ النِّساءِ / أكَلَت الفِئرانُ أحْمَرَ الشِّفاهِ / والْتَهَمَت الجِرذانُ خُدودَ العَرَائِسِ / وَنَسِيَت الرَّاهباتُ في غُرفةِ الاعترافِ حُبُوبَ مَنْعِ الْحَمْلِ ومُضَادَّاتِ الاكتئابِ /
     كُونِي شَهوانيةً يَا أمواجَ الحزنِ كَمِقْصلةٍ مِن الكَافيارِ / الحضارةُ هِيَ كُشْكُ سَجائر مَصْنوعٌ مِن خَشَبٍ فاخرٍ ! / تهريبُ الأحلامِ الممنوعةِ في خَاصِرةِ السُّيول / قَد يَغتصبُ الظلُّ الخشبيُّ لَوْنَ صَمْتِنا / صَمْتٌ رماديٌّ أَعْني بُرتقالاً مُحْتَرِقاً بدموعِ اليَتيماتِ / دَخَلَتْ في الدَّيْرِ الموحِشِ الرَّاهباتُ العَمْياواتُ / تَنخرُ أَيامَهنَّ الإعلاناتُ التجاريةُ / والبَرْقوقُ مُخْرِجٌ سِينمائيٌّ للمذابحِ العاديةِ/ إِمبراطوريةُ السُّل على هَامشِ يَوْمياتِ المساجين / يُسْعِفُ نزيفُ العاصفةِ المجروحين / مِن أَرْضِنا نَبتوا سُمَّاً صَارِخاً في تضاريسِ اللوْزِ / أنا الْمُهَاجِرُ في دِمائي / لا أبْحَثُ عَن السَّجَّادِ الأحمرِ في المطَاراتِ / لأنَّ دَمِي هُوَ السَّجَّادُ الأحمرُ في الذِّكرياتِ /    
     أُغنياتُ بَناتِ كِسْرى/ قَمرٌ يَطْلعُ مِن أَزِقَّةِ الجِرذان / غَابةُ الأظافرِ / الذِّكرياتُ المعلَّبةُ كَحَليبِ الرَّاقصاتِ/ نَزيفي أثاثُ قلوبِ اليَتامى / نَرمي دُموعَنا السَّاخنةَ على البَلاطِ الباردِ / وَكُلُّ القَواربِ مُحمَّلةٌ بأكياسِ الذِّكرياتِ وَجُثثِ الصَّيادين / فَكُنْ فَيْلسوفاً كَالحطبِ لِنَفْهمَ فَلسفةَ المحكومين بالإعدام / أو فَلْسفةَ الزَّوْجاتِ الخائناتِ / سَيَحْرِقُ صَوْتُ المطرِ أخشابَ البيانو في ليالي الخريف /

     لا فَرْقَ بَيْنَ الأبيضِ والأسْوَدِ / تُحْلَبُ نُهودُ النِّساءِ في بَراميلِ النِّفْط / وَالشُّطآنُ تَصُبُّ الحليبَ في النِّفْط / يَنهمرُ عَرَقي في حُفر المجاري / أُلَمِّعُ سَيفي بِمِلْحِ دُموعي/ فَادْفِنُوا سَيفي مَعي في قَبري / وُلِدْنا مَعاً / وَمِتْنا مَعاً / انتصَرْنا مَعاً / وانكسَرْنا مَعاً .

27‏/01‏/2017

يوهانس فلهلم ينسن وسقوط الملك

يوهانس فلهلم ينسن وسقوط الملك

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 27/1/2017

...................

  يُعتبَر الأديب الدنماركي يوهانس فلهلم ينسن ( 1873_ 1950) أول كاتب دنماركي كبير في القرن العشرين . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1944 .
     اتَّجه في بداية حياته لدراسة الطب ، لكنه اضطر إلى ترك دراسته بسبب ظروفه المادية الصعبة. وتوجَّه إلى عالَم الكتابة والأدب . تزوَّجَ عام 1910 ، واستقر في كوبنهاجن لعدة سنوات ، لكنه كان محباً للسفر ، فزار معظم بلاد العالم ، ونشر عدداً من الروايات المسلسَلة باسم مستعار ، وعمل مُراسلاً للصحف في إسبانيا وأمريكا .
     تُعتبَر روايته " الدنماركيون " ( 1898 ) أول عمل ينشره باسمه الحقيقي ، وقد عرَّفت القُرَّاءَ بِه ، وأسَّست لعلاقة متينة بينه وبين مُتابعي الأعمال الأدبية . ثُمَّ أتبعها في نفس العام برواية       " حكاية سكان هيمرلاند " التي تُمثِّل ميلادَه الأدبي الحقيقي ، وبداية شُهرته العالمية .
     وقد كان ينسن كاتباً غريب الأطوار، ومُثيراً للجدل في الحياة الثقافية الدنماركية ، فهو مَعروف بجداله المتهور ، وأُطروحاته الفكرية الغريبة ، وأفكاره التي تعتريها الشكوك والعنصرية ، ومعَ هذا ، فلم يُظهِر أية ميول فاشية أو مُعادية للأجناس والأعراق .
     ولا يزال ينسن حتى يومنا الحالي ، يُعتبَر الأب الروحي للحداثة الدنماركية ، خصوصاً في مجال الشِّعر الحديث. فقد كتب قصيدةَ النثر، وعُرف بأسلوبه القائم على استخدام اللغة الحية والمباشرة، وامتازت أعمالُه الأدبية بتصوير تطور الفرد كجزء من التطور العام للبشرية والحضارة.
     والجديرُ بالذِّكر أنَّ اسم الكاتب ينسِن يرتبط دائماً بروايته الملحمية العالمية " سقوط الملِك "   ( 1933) التي كانت السبب الرئيسي لفوزه بجائزة نوبل للآداب . وقد تم اختيار هذه الرواية أفضل رواية دنماركية في القرن العشرين،وذلك في استفتاء نظَّمته الصحافة الدنماركية عام 1999.
     وهذه الرواية التاريخية تتحدث عن وقائع تاريخية مُتخيَّلة بأسلوب رمزي مُبطَّن ، حيث تظهر التناقضات الإنسانية ، وتبرز الإشكاليات التاريخية ، وتتكشف تفاصيل الحياة وطبيعة حركتها في الزمان والمكان . وتظهر الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في كشف خيوط اللعبة الإنسانية والتاريخية _ إِن جاز التعبير _. والروايةُ تُمثِّل سيرة تاريخية رمزية ومُتخيَّلة لزمن الملوك والقياصرة، حيث يتمُّ تسليط الضوء على شخصية الملِك كريستيان الثاني ، أحد ملوك الدنمارك في القرن السادس عشر .
     تقوم الرواية على فكرة المزج بين الواقعية النقدية والواقعية الشاعرية ، وضمن هذا الخليط الرمزي ، يتَّضح مسارُ حياة هذا الملِك ومصيرُه ، وتظهر مشاعره وأحلامه وانكساراته ولحظات ضَعفه . كما تتناول الروايةُ أحوال الدنمارك بعد تمرد الشعب السويدي على الاحتلال الدنماركي في ذلك الوقت .
     وهنا يتَّضح مبدأ التحليل الرمزي ، ومحاولة إسقاطه على تفاصيل الواقع . كما تتَّضح الدلالات الفلسفية العميقة التي تحكم العلاقات الإنسانية ، وتتحكم بالعلاقات بين الدول والشعوب. وقد قدَّم الكاتب رؤيته التحليلية للإشكاليات النقدية المتعلقة بثقافة عصر ما قبل الحداثة ، وصَوَّرَ مراحل التطور الإنساني كجزء من منظومة تطور البشرية على جميع الأصعدة .
     إنَّ هذه الرواية العالمية تكمن قُوة تأثيرها في الأفكار الكامنة بين السطور ، وصُوَرها الفنية متعددة الطبقات والدلالات، والأزمات الإنسانية الوجودية ، والعلاقات الدولية المنكسرة والمتشظية، واستحضار التاريخ ، وإعادة صناعته فلسفياً ورمزياً وخيالياً ، من أجل إثبات حقيقة أن الرموز السُّلطوية تظل باقية في كُل زمان ومكان .
     من أبرز أعماله الأدبية : الغابات ( 1904). قصائد ( 1906) . العالم الجديد ( 1907) . أساطير جديدة ( 1908 ) . روح الشمال ( 1911) . الفصول ( 1923) .

24‏/01‏/2017

مقدمة كتاب / صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف )

مقدمة كتاب/ صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) 

تأليف : إبراهيم أبو عواد

دار الأيام للنشر والتوزيع ، عَمان 

الطبعة الأولى ، 2017 ،عدد الصفحات 203 ،

................

إنَّ هذا الكتاب عبارة عن خواطر ذاتية وأفكار شخصية ، دُون العَودة إلى أيِّ مَرجع . لقد استسلمتُ للتَّداعيات الفكرية ، وسَلَّمْتُ نَفْسي للأحاسيس والذكريات والوَعْيِ واللاوَعْي ، ولم أكتب دراسةً تعتمد على التَّوثيق والمنهج العِلْمِيِّ . أردتُ لهذا الكتاب أن يَكون أفكاراً شخصية نابعة من القلب إلى القلب . رُبَّما أكُون قَد نَجحتُ ، ورُبَّما أخفقتُ . وعلى أيَّة حال، إنَّ الحياة مَزيجٌ من الدَّواء والسُّم، والحب والكراهية، والنجاح والفشل، والانتصار والهزيمة. وشَرَفُ المحاوَلة يَكفيني .
لا أزْعُم أنني الفَيلسوف العبقريُّ ، ولا أُقدِّم نَفْسي كَمُنظِّر على البشرية . لَسْتُ وَصِيَّاً على مشاعر الناس . أحترمُ الأشخاصَ الذين يُحِبُّونني ويَعتبرونني عبقرياً وناجحاً . وأحترمُ الأشخاصَ الذينَ يَكرهونني ويَعتبرونني جاهلاً وفاشلاً . إنَّ المرجعيةَ الفكريةَ وزاويةَ الرؤيةِ تُحدِّدان طبيعةَ الأشياء، وماهيةَ الأحكامِ الصادرة .
والشَّيْءُ المؤسف أنَّ أحكامنا في كثير من الأحيان تَكون غَير دقيقة ، لأنَّنا نَحكم على صَورةِ الشَّيء التي صَنَعَتْهَا عُقولُنا ، ولا نَحكم على حقيقة الشَّيء . إنَّنا نَحكم على التاريخ المتخيَّل ، ولا نَحكم على التاريخ كما هو على أرض الواقع . إنَّنا نَحكم على الأشياء وَفْقَ أهوائنا الشخصية وما نَتَمَنَّاه، ولا نَحكم على الأشياء كما هي في الحقيقة. لقد انشغلنا بصورة الشَّيء، وابتعدنا عن حقيقة الشَّيء. والْحُكْمُ على الشَّيء فَرْعٌ عَن تَصَوُّرِه ، والناسَ أعداءُ ما يَجْهَلون .
إنَّ الحقيقةَ مِثْل الدَّواء الْمُر ، طَعْمُه يُضايقنا ويَستفز مشاعرَنا ، ويُشْعِرنا بالاستياء والضِّيق ، لكنَّ الشِّفاء فِيه . والإشكاليةُ الكُبرى في السياق الإنساني تتجلى في اختيار الطريق السَّهل الذي لا يُوصِل إلى أيِّ شَيء ، والهروب مِنَ الطريق الوَعِر الذي يُوصِلنا إلى الغاية الْمَرْجُوَّة . لقد قَتَلَنَا الاستسهال ، وَقَتَلَ رُوحَ الحقيقة في قلوبنا. لا نَنظُر إلى عواقب الأمور. نتخندق في اللحظة الآنِيَّة ، ونَعيش ضِمْن قُيود الواقع الحالي،ولا نَنظر إلى ما وراء الأشياء، ولا نُخطِّط للمستقبل. إنَّ مُستقبلنا وراء ظُهورنا ، لأنَّنا نَنظر إلى الماضي باستمرار . نَهرب من الحاضر المؤلم ، ونخاف من المجهول ، ولا نثق بِقُدرتنا على صناعة المستقبل ، لذلك نَعود إلى الماضي ، ونُحْضِره كما هُوَ إلى واقعنا الْمُعاش . وهذه العمليةُ الخطيرة تُشْعِرنا بِجَدوى حياتنا . وتعاطي الماضي بهذه الصِّيغة القاتلة يُشْبِه تعاطي المخدِّرات . إنَّها النَّشوةُ المؤقَّتة الزائلة ، ثُمَّ العذاب الأبدي ، والمعاناة الدائمة .
في عالَم الكتابة ، أتقمَّصُ شخصياتٍ مُتعدِّدة ، لأنَّني أنظُر إلى نَفْسي مِن كُلِّ الزوايا . أكشِفُ نِقاطَ قُوَّتي ، وأكتشِفُ نِقاطَ ضَعفي . أنا الخيالِيُّ والواقعيُّ . لا تَتَّهِمْني بالتناقض ، إِنَّ الفلسفة هي التغيير المستمر لزاوية الرؤية . والتَّنظيرُ لا علاقة له بالتطبيق ، كما أن الرومانسية لا علاقة لها بالزواج . ألعبُ دَوْرَ القاضي والقاتل والضحية في نَفْسِ الوقت. فلا تَستغرِب مِن كَلامي. أعيشُ بين الفلسفة والهلوسة ، وأبني مَجدي على أنقاضي . ولا مَجْدَ لِي إلا السراب. أسْبَحُ في المنطقة العميقة. الشاطئُ ورائي، وَلَم أعُدْ أراه . لا فُرصة أمامي إلا مُواصلة السباحة، والقتال حتى اللحظة الأخيرة . مُكْرَهٌ أخاكَ لا بَطَل .
يَتكوَّن هذا الكتاب من أربعة أجزاء : الجزء الأول _ الفَيلسوف والعانس . وهو خِطاب يُوجِّهه الفَيلسوف للعانس ، ويُوضِّح فيه المبادئَ الفلسفية في العلاقات الاجتماعية ، خصوصاً الزواج والعُنوسة . ولا شَكَّ أن الزواج هو العنصر الأساسي في عملية الحراك الاجتماعي .
والجزء الثاني _ سُوسيولوجيا الجِنس ، ويَكشف معالِمَ البُنية الاجتماعية للطاقة الجنسية ، ويُوضِّح التقاطعات الحاسمة بين الإنسان ومُحيطه الاجتماعي مِن جِهة، وبين المشاعر الإنسانية والعلاقات الجسدية مِن جِهة أُخرى .
والجزء الثالث_ صرخة الأزمنة . ويَتضمَّن مَقولات شخصية شديدة التَّكثيف ، وهي نابعة من أفكاري الذاتية ، وليس أفكار الآخرين .
والجزء الرابع_سِفر الاعتراف.وهو شَرح للمقولات وتفسير لها أي إنَّه شرح لصرخة الأزمنة.

لقد حَاولتُ جاهداً أن أُقَدِّمَ نظريةً فلسفيةً خاصةً بِي بَعيداً عن تقليد الآخرين ونسخِ أفكارهم. وبصراحة ، لا أقْدِرُ أن أُقَيِّمَ عَملي، ولا أعْرِفُ هَل سَيَكُون هذا الكتاب سَبَباً لمحبة الناس لِي ، أو كُرههم لي . وعلى أيَّة حال ، أنا أحترمُ مشاعرَ الناس، لكنَّ مشاعرهم لا تَحْكُمني، ولا تُؤثِّر في أفكاري . أعْرِفُ أنَّ الحقيقة صادمة بطبيعتها ، وأنَّ الدواء الْمُر لا بُدَّ مِن شُربه . إنَّني أقول كَلِمتي دون ضَغط داخليٍّ ، ودُون إملاءات خارجية . وأقْبَلُ النَّقدَ البَنَّاءَ بِصَدرٍ رَحْب . والتاريخُ سَيَحْكُم لي أو عَلَيَّ .

20‏/01‏/2017

فرانس إيميل سيلانبا وحتمية القدر

فرانس إيميل سيلانبا وحتمية القدر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ،20/1/2017

.......................

  وُلد الكاتب الفنلندي فرانس إيميل سيلانبا ( 1888_ 1964) لأبوَيْن مُزارعَيْن . وعلى الرغم من الفقر المدقع الذي كانت تعيش فيه عائلته ، إلا أنه عاش طفولة سعيدة، كما تَمَكَّنت عائلته من إرساله إلى المدرسة . وفي عام 1908 ، بدأ يدرس العلوم الطبيعية في جامعة هِلسنكي ، وهذا الأمر أثَّرَ بشكل واضح على أفكاره وأحلامه وعوالم الكتابة في ذِهنه ، كما أنَّه غيَّر نظرته إلى الحياة والكَون،وجعله يَتعاطف مع الفقراء والمسحوقين والمنبوذين في المجتمع. وقد ترك الدراسة في عام 1913قبل تخرجه بسبب مشكلاته الأسرية، وتكالب الأمراض عَلَيه ، وكثرة دُيونه ، وعدم استطاعته التَّكيف مع حياة المدينة . لقد كانت المدينةُ وحشاً يُطارده ، وكابوساً يُسيطر عَلَيه ، ويَقضي على أحلامه ، ويُدمِّر مشاعره ، فقد رأى فيها وحشية النظام الاستهلاكي المادي ، حيث تَغيب الأحاسيس الدافئة بين الناس، وتبرز المصالح الشخصية، والحياة العملية الخالية من العواطف.
     عاد سيلانبا إلى الريف الذي نشأ فيه ، بعد اكتسابه العِلم والمعرفة ، واتِّساع آفاقه ، واطِّلاعه على مؤلفات كبار الأدباء الإسكندنافيين والعالميين الذين أثَّروا فِيه بشكل واضح ، وغيَّروا كثيراً من أفكاره ، وساهموا في إعادة تشكيل نظام حياته . ثم تزوج ، وعمل لفترة قصيرة في دار نشر قريبة من العاصمة هِلسنكي . ساهمت حياة الريف في استعادة صحته وتوازنه النفسي ، وبدأ الكتابة عن هذه البيئة التي أحبَّها وعرفها جيداً ، وخالط أهلها ، وأدركَ أحزانهم وأفراحهم ، واطَّلع على أحلامهم وخَيباتهم.وفي عام 1916 صدرت له أول رواية بعنوان( الحياة والشمس ). وهي قصة حب عادية في ليالي الصيف ضمن البيئة الفنلندية ، كما أنها تبحث عن دَور الإنسان في هذا الوجود ، وعلاقته بعناصر الطبيعة ، ووظيفته المركزية في الكَون .
     شَكَّلت الحرب الأهلية الفنلندية( 1918) صدمةً هائلة بالنسبة للكاتب، وحَطَّمت معنوياته، وهشَّمت أحاسيسه ، وأفقدته الثقة بنفْسه ، وبَدَّلت نظرته إلى عناصر الوجود ، فصارَ يَعتبر الحياة الجائرة نَوعاً مِن العبث والوهم والأحلام الضائعة . وهذه الأفكار صارت المبادئ الأساسية في رواياته اللاحقة . ففي رواية " الإرث المتواضع " ( 1919) ، يموت البطل في الحرب بين الأطراف المتناحرة، معَ أنَّه واقف على الحياد، ولم يشارك في الحرب، وليس له أية علاقة بالأطراف المتناحرة. وهذه الفلسفة تَنبع من النظرة القدرية للكاتب ، حيث الإنسان مَحكوم بحتمية القَدَر ، ولا يَملِك أن يُغيِّر شَيئاً في حياته ، لأنه لا يَتحكم بمساره ومصيره . فالأمرُ مَفروضٌ على الإنسان الذي ليس له ناقة ولا جَمل في حياته. وهذه النظرة التي تُكرِّس عَجز الإنسان ، وعدم قُدرته على رسم حياته، إنما هي نزعة تشاؤمية تُجرِّد الإنسان مِن قُدرته على التغيير ، وقد جاءت هذه النَّزعةُ كردة فِعل نابعة من صدمة الحرب الأهلية بين أبناء البلد الواحد.وفي زمن الصراعات والحروب ، يَفقد الكثير من الناس قيمة اليقين ، وتُصبح المسلَّمات في موضع الشك والتساؤل والتشاؤم ، نتيجة القلق ، وكثرة القتل ، وانهيار الحياة الإنسانية ، وانتشار الخراب ، وسقوط مُنجزات الحضارة .
     نشر سيلانبا الكثير من الأعمال الأدبية ، من أبرزها رواية " النوم في الشباب " ( 1931) التي تتحدث عن خادمة يتيمة مُفعمة بالحياة والحيوية ، إلا أن حياتها تنتهي بشكل مأساوي بعد إصابتها بمرض السُّل. أمَّا في روايته" طريق رَجل " ( 1932)، فقد رَكَّزَ على مراحل تطور شاب فلاح ، وأظهرَ أهمية العلاقة العُضوية بين الإنسان والطبيعة ، وبين الفلاح وأرضه .
     وفي عام 1934، قَدَّمَ الكاتبُ أفضلَ مؤلفاته على الإطلاق، وهي رواية " ناس ليالي الصيف"، المكتوبة بلغة وصفية وغنائية شديدة الدِّقة . وفي هذه الرواية ، تتجلى النظرة الحتمية إلى الإنسان والكون ، حيث القَدر المحتوم ، والأحاسيس الدافئة ، والحياة المفعمة بالعواطف ، والشخصيات البسيطة والمعقَّدة ، وتفاصيل الحياة الصغيرة ، والقضايا الوجودية الكُبرى .
     وعُموماً، يُصوِّر الكاتب في أعماله الأدبية سُكان الريف الذين يعيشون مُتَّحدين مع الأرض ، رافضين التَّخلي عنها ، ويكشف عن واقعهم المأساوي ، ويُبرِز حياة البؤس التي يَعيشونها . ودائماً، شخصياته تأتي من الطبقات المتدنية في المجتمع ، حيث تتكرَّس المعاناة الحقيقية في سبيل تَوفير لُقمة العَيش ، وينتشر الظلم والاضطهاد والحقد الاجتماعي والتفاوت الطبقي. وتُواجه الشخصيات مصيرها المحتوم بكثير من السلبية أو اللامُبالاة الهادئة، بَحثاً عن الأمل الكاذب، أو الراحة النفسية الوهمية ، أو لحظات السعادة العابرة .
     في عام 1939 ، حصل على جائزة نوبل للآداب " لفهمه العميق لحياة الفلاحين في بلاده ، وتصوير مشاعرهم وأحلامهم ، وطريقتهم في الحياة ، وعلاقتهم العُضوية معَ الطبيعة " ، ليكون بذلك أول كاتب فنلندي يحصل على هذه الجائزة العالمية.وفي عام 1941، طَلَّقَ سيلانبا زوجته ، وعانى من مشكلات صحية ناتجة عن إدمان الكحول، لكنه عاد في عام 1943 إلى الحياة العامة ، وصارَ يُلقي أحاديث في الإذاعة ، أحدثت صَدىً هائلاً بين المستمعين ، ولاقت شعبية كبيرة .

     مِن أبرز رواياته: الحياة والشمس ( 1916) . أحب بلدي ( 1919) . اعتراف ( 1928) . النوم في الشباب( 1931). طريق رَجل ( 1932). ناس ليالي الصيف ( 1934).

19‏/01‏/2017

فهرس كتاب / حقيقة القرآن

فهرس كتاب / حقيقة القرآن

تأليف : إبراهيم أبو عواد

الطبعة الأولى ، 394 صفحة

دار الأيام للنشر والتوزيع / الأردن

................

مقدمة..........................................5
1_ تلاوة القُرآن................................7
2_ وَصْف القرآن ووجوب الإيمان به...............31
3_ حقيقة القرآن وتصديقه للكتب السابقة............103
4_ مُحاجَجة الْمُنكِرين الجاحدين..................171
5_ تنْزيه القرآن عن الشِّعْر................................256
6_ تأوُّل المتأوِّلين وتحريفاتهم...........................262
7_ تغييرهم حُكم القرآن.............................273
8_ الْمُحْكَم والْمُتشابِه.................................286
9_ النَّسْخ..................................................339
10_ الأمثال.............................344
11_ إنزال القرآن............................352
12_ هَجْر القرآن.......................357
13_ وجوب الْحُكم بالقرآن.......................359
14_ سَجَدات التِّلاوة....................366
فِهْرِس..............................393

17‏/01‏/2017

يوم تزوج الخليفة الذي لم نبايعه

يوم تزوج الخليفة الذي لم نبايعه / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

    جَرادةٌ مَزَّقَ كِلابُ الجنرالِ أجنحتَها/بَعْدَ أن وَجدوا مُذَكَّراتها بَيْنَ جُثَّتين تَسُدَّان ثُقوبَ الصَّوْلجان / إِجبارُ أحزانِ الطُّرقاتِ تَحْتَ تهديدِ السِّلاح على التَّصفيق للمَوْكبِ العَابِرِ حَشراتٍ / سُنبلةٌ صَادَروا مُؤلفاتِها كَمَا صَادَروا رَسائلَ السُّجناء /
     في بِلادِ القَياصرةِ العَبيدِ يَصيرُ الشَّعبُ مُنظمةً سِرِّيةً محظورةً !/يَدخلُ الرَّمادُ في نُعوشِ الْمُرْتزِقة/ تَرقيةُ ذِئابِ الوَادي إِلى رُتبةِ مُجرمي حَرْبٍ / حَفلٌ لتوزيعِ البنادقِ على شُيوخِ القَبائلِ لِحِراسةِ الأعداء / أميرةُ الخريفِ الدَّمويِّ تتزيَّنُ للدِّيدان/ نَسِيَتْ عُلبةَ المكياجِ لأن قَبْرَها عُلبةُ التُّرابِ /
     يَا أيَّتها الغِزلانُ التي يَكْسرُ قُرونَها مَواكبُ الآلهةِ المرتزِقةِ / يا أيتها الغِزلانُ التي تَحملُ أحلامَها على رُموشها / وتمشي أمامَ القَتْلى لإيصال الأنهارِ إلى أضرحتها / إِنْ تَعِبْتِ مِن المشي فَنَامِي عَلى أكفاني/ كَي تُشاهدي الجوْعَى في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحي/ للقلبِ الطَّريدِ أدغالُ الحِبرِ / للأرشيفِ أفئدةُ السُّنونو في جَبهةِ القِتالِ الأزرقِ / تتدفقُ مِياهُ البِئرِ على رِيشِ نَسْرٍ / سَحَبَ منه العَسَسُ جِنْسِيَّته/ لأنه لَم يُقدِّم التهاني للخليفةِ/ إِنْ أَغْلَقوا الحدودَ أمامَكم/ فارْحَلوا إلى صَدْري لِتُقيموا فِيه/ إِنْ قَالوا إِنَّكم خَارِجون على شَريعةِ الدِّيناميت / فاشْكُروهم عَلى مَوْتهم وارْحَلوا /
     جُرِحَ صَقْرُ المنافي / سَالَت دِماؤه في غَابةِ الدَّمعات/ العَسكرُ يَجْلسون حَوْلَ خَطِّ الاستواءِ / وفئرانُ السَّفينةِ تُطوِّقُ كُوخَ حُلْمي / مِصْباحي الزَّيتيُّ في سَقْفِ الكُوخ / أُحَضِّر مَأْدبةَ غَداء للموْجِ المنفيِّ / وأنا أَسِيرُ جُنونِ الرَّمْل / رَهينُ الشَّفقِ الهشِّ / فَيَا مِرآةَ الدُّموعِ / لا تُمارِسي الجِنْسَ مَعَ الهياكلِ العَظْميةِ / بَطَّةٌ تَشربُ الشَّاي في ذَاكرةِ حِصَانٍ جَامِحٍ / وتنظِّفُ الأغصانَ مِن كَهَنةِ البوليسِ السِّياسيِّ / سَيَحْرقُ قَوْسُ قُزَحَ حُقولَ الكريستالِ / عِندما تَفقدُ السَّنابلُ بَكَارَتَها / وتَخسرُ الرِّياحُ عُذْرِيَّتها / كأنني كَفَرْتُ بالرُّومانسيةِ / وَتَفَرَّغْتُ للكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ /
     أيَّتُها المرأةُ الْمَنْسِيَّةُ بَيْنَ صُحونِ المطبخِ / مَتَى تُفَرِّقِينَ بَيْنَ السَّائِلِ الْمَنَوِيِّ وسَائِلِ الْجَلْيِ ؟ / دُستورُ دَوْلةِ بَناتِ آوَى لِكَي يَسرقُ الأغنياءُ الفقراءَ / سأَقضي شَهْرَ العَسلِ بَيْنَ أسماءِ السُّجناءِ وأرقامِهم / فلا تَكرهيني يا مَزهرياتِ السِّجْنِ الانفراديِّ / سَيُصبحُ رَقْمُ السَّجينِ أكثرَ أهميةً مِن اسْمِهِ / أنا كُلُّ شَيْءٍ إِلا أنا / الوَطَنُ الآخَرُ / وَالشَّعبُ الآخَرُ / وَالْحُلْمُ الآخَرُ / وأنا الآخَرُ / كُلما نَظرتُ إلى طِفْلةِ الصَّدى / رَأيْتُها في مَرايا الخريفِ شَيْخُوخةً تَرْتدي أقنعةَ الموتى / وَتَسيرُ على عُكَّازَتَيْنِ نَحْوَ الانطفاءِ الأبَدِيِّ . 

16‏/01‏/2017

أغنيات للطوفان القادم من وراء التل / قصيدة

أغنيات للطوفان القادم من وراء التل / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

    صَاحِ !/ لأنَّ المسافةَ مِن بَيتِ صَدِيقي إلى خَيْمتي مَليئةٌ بالجثثِ وسياراتِ الإسعافِ / تختبئُ الأحصنةُ في جُيوبي / لأنَّ بَنْكِرْياسي مِنطقةٌ عَسكريةٌ / تأتي الكِلابُ المسعورةُ إلى وِزارة الحرب / لأنَّ صَدْري أَعْلَى مِن البَرقِ / أَملأُ أكياسَ الطَّحينِ الفارغةَ بالصَّهيلِ المقتول /
     هُبوبُ الرِّياحِ على شَعْر خُنصري يَهْمسُ في أُذُنِ القَمر : (( لا سَنَامُ الْجَملِ احتياطيٌّ نفطيٌّ ولا جِيفةُ القِرْش مُخيَّمُ لاجئين )) / هَذا أنا أُؤَدِّي التحيةَ العسكريةَ لِذِكْرياتِ الشَّفق/ نَرُشُّ قَليلاً مِن مِلْحِ الدُّموعِ عَلى طَعامِنا المتروكِ للبَعوض / مَشَت السَّكاكينُ على الجِسْرِ الواصلِ بَيْنَ رِئَتَي الخريفِ / بَيْنما كُنتُ أَعُدُّ جُروحي التي تصطدمُ بثوبِ الثلج / وكُلَّما قرأَ الموجُ الجريدةَ رَأى اسْمَه في صَفْحةِ الوَفَياتِ / فَلْيَكُنْ نَعْشُكَ يَا جَلادي هُوَ النَّاطقَ الرَّسْمِيَّ بِاسْمِ الفَراشاتِ /
     يَا نَبْتةً تُغَنِّي في هَذا المساءِ القَريبِ مِن الرُّعودِ / دَمِي أَمْ دَمُكِ ذلكَ الأحمرُ اللامعُ عَلى الأغصان ؟ / مَلامِحي المفتَّتةُ قِنْديلٌ غَامِضٌ / كُلَّما حَطَّمَت الصَّواعقُ أَعصابَ الشَّعيرِ / ارتفعَ صَوْتُ مُحرِّكاتِ الشَّاحناتِ العَسْكريةِ /
     وَدَاعاً عَمُودي الفِقري ! / سَرَقه الغُزاةُ لِيَحْشوه بالماريجوانا / لَكِنِّي أَنسِفُ ما تبقَّى مِن ذِكرياتِ القَمحِ / مُخَزِّناً البُرْتقالَ في بَقايا عِظامي / والنهرُ يَموتُ على سَريرِ زِنزانتي / لأنَّ أشجارَ الزِّينةِ أَكَلتْ جَوارحَه / فَيَا أيُّها السَّرابُ / إنَّ الراهباتِ يَرْقُصْنَ لأنَّ البَقَّ أكَلَ أخشابَ الصُّلبان /
     في لَيْلةٍ يُحاصِرُها الغِيابُ / كَان الصَّيفُ جَالِساً على كُرْسِيٍّ يَقرأُ أشعاري أَمامَ المِدفأةِ / والثلوجُ عَلى مُرْتفعاتِ البُكاء / لا أَمْلكُ الموتَ/ ولا الموتُ يَمْلكني / كِلانا مَمْلوكٌ / واللهُ سَيِّدُنا / لا أُحاصِرُ خُطواتي/ ولا خُطواتي تُحاصِرني / كِلانا مُحَاصَرٌ بِسُيوفِ الموْجِ / تَبحثُ لَيْمونةُ الذَّبحِ عَن ابنها في صُراخ الحِراب/ مَاتت الذُّبابةُ بَعْدَ أَنْ أَكَلت بِثَدْيَيْها / ونَعْشي يَحرسُ أعراسَ الطيورِ مِن حَديدِ الأقفاص / وجُثثُ الأطفالِ على الأراجيحِ في حَديقةِ الصَّقيعِ /
     القَمْحُ والضَّبابُ يَقْتتلان عَلى اقتسامِ شَفَتِي / نَسِيَ القَمْحُ أَنَّا كُنَّا في قَفَصٍ وَاحِدٍ في بِلادٍ مُسجَّلةٍ بِاسْمِ الإِمبراطورة / نتناولُ الهواءَ الباردَ / ونَحْتسي أكواباً مِن القَش / هذا السَّرابُ يَزرعُ القَمحَ في لَحْمي / صَوْتي يَعُجُّ بالغابات / فَكُنْ وَفِيَّاً أَيُّها القَشُّ إِنْ غَدَرَت بِنا شُموعُ العاشقين / تاريخُ أحزاني يُولَد مِن لَمعانِ الموْجِ الصَّحراوي / والحقولُ أقربُ مِن ذَاكرتي / أَيُّها المقْتولون في ضَوْءِ القَمر / لا تَقْتلوا القَمرَ بَعْدَ أنْ تَمتصُّوا ضَوْءَه / لا تُتاجِروا بِدَمِ الغَيْمات /
     أُصيبتْ بِسَرطانِ الثَّدي بُحيرةٌ لا تَمْلكُ ثَمنَ العِلاجِ / لَكِنَّ الأدغالَ تُقاتِل / تَزوَّج التتارُ هَزيمتهم في مِياهٍ مُخْتَلِطَةٍ بالحِبرِ / لكنَّ النارَ أَحْرقت الرَّايةَ البيضاءَ / استراحتْ قَوافلُ مُحمَّلةٌ بالموْتى/ في جُمْجُمةِ زَهْرةٍ بَرِّيةٍ / لكنَّ الصَّحراءَ فَرَشَتْ عَرَقَها استراحةً لِسَائقي الشَّاحنات / اكْتَشَفْنا آثارَ أقدامٍ عَلى جَناحٍ صَقْرٍ مَرْميٍّ في قَارِبٍ / يَسْتخدمه القُرْصانُ للإبحار في دُموع الدَّلافين / لكنَّ البحرَ لم يَبْكِ / رَسَبَتْ شُرفتي في امتحانِ الفيزياء / لكنَّ نيوتُنَ أحدُ تلاميذي /
     يَا أسماكَ الجوعِ المهاجِرةَ في نَبضاتي/ لِيَكُن الحِوارُ بَيْننا دَافِئاً كالأمطار / في الزِّنزانة الانفراديةِ غَيْرِ المسْقُوفةِ / شَفَّافاً كالعَواصفِ / سَرِيعاً كَدُموع الصَّبايا الخائفاتِ مِن العُنوسة / هَادِئاً كَبَقايا القُرى بَعْدَ الإِعصارِ /
     دَمْعي وَاقفٌ عَلى دَرَجِ بَيْتي يَنْتظرُ سَيَّارةَ الأُجرةِ/ كُلَّما اجْتَاحَ الفَيضانُ خَاصِرةَ الشَّوْك كَبَّرَ قَلْبي وَوَجْهي / سَقَطَ السُّقوطُ عَلى سُقوطِ الشَّعْرِ المستعارِ للملكاتِ / وَعَلا صَوْتُ الأذانِ / رِياحٌ تَخدشُ العَرَقَ على جَبيني / دماءٌ على وُجوهِ شَقائقِ النُّعمانِ تَمْسحها الفيضاناتُ /
     إِلى حَبَّاتِ التُّرابِ جَسَدَانا أيُّها البَلوطُ / فَرَضَ تاجُ الحصى الزُّجاجيِّ عُقوباتٍ على وَجْنَتِي / حِينَ رَفضتْ قَصائدي أن تُوَقِّعَ اتفاقيةَ سَلامٍ مَعَ الظمأ / اشتاقَ الضَّبابُ إِلى مُعَانَقةِ ضَوْءِ القَمرِ / عِنْدَ التَّلةِ المقابِلةِ لِنَظراتِ الصَّقر / حَرِيقٌ أصابَ حُقولَ النِّفطِ في فَمِ الشَّعير / لا تَرُشُّوا عَلَيْه بُكاءَ الأطفالِ كَي يَنطفئَ / لا ترشُّوا عَلَيْه حَليبَ الأبقارِ التي وَرِثَها الأسفلتُ عَن أَبِيه /
     الدُّروبُ التي تُفضِي إِلى رُمْحٍ مَنسيٍّ في ظَهْرِ الميناءِ مُغْبَرَّةٌ / تَارِيخي صَاعِدٌ في حَنجرة الغَيم / هُناكَ / في أطرافِ غابةٍ يَعْلوها غَيمٌ وقَوسُ قُزَحَ / كوخٌ حَوَّلَتْه السُّلطاتُ إلى حَطَبٍ/كانت تَسْكنه عائلةٌ تَحتفلُ بِالعيدِ مُنتظرةً قُدومَ أبنائها المنفيين /
     أعيادُ الطوفانِ هُوِيَّةُ الحقولِ / فَوْقَ طَيرانِ السِّنديان في مَوْسمِ هِجرته / عِشْنا مَعَ دَمِنا المشاعِ في بَيادرنا / لكنَّ الطغاةَ عِندَ حُضورِهم أَحْضَروا كلابَهم البُوليسيةَ / ليتأكَّدوا أنَّهم غُزاة / 
     تنطفئُ أنوارُ الشوارعِ/ وتصبحُ خَاليةً إلا مِن الرِّيح / يَحشدُ الظلامُ رَمادَ الجرائمِ الرُّومانسيةِ / الأذانُ يَنْزعُ الظلامَ الجاثمَ على زَيتونِ الدموعِ / وِذْكرياتُ الأعداءِ تَحمل مِعْولاً وبندقيةً وتمضي إلى قِتالهم / لَن يُحدِّدَ سَجَّاني مَوعدَ إفطاري / وقَلْبي غَيْرُ وَاقِعٍ تَحْتَ الانتدابِ البريطاني / تَخَلَّتْ عَنِّي وِسادتي / وحِينَ قَرأتُ مَا كَتَبَتْهُ في سيرتها الذاتية لَم أَجد اسْمي ! /
     عَبَرَتْ تفاحةٌ ناريةٌ على جُثةِ أرسطو/ إلى ذِروة المواجَهةِ بَيْنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ / وَقَعَتْ جَبهةُ الإِمبراطورِ في ظِلالها المالِحةِ شَمالَ الانهيارِ / عَلِقَ الصَّليلُ على أسلاكِ الكَهرباء في أَنفِ عُصفور/ ممنوعٍ مِن الدُّخولِ إلى عُشِّه ! / لم يُقاتِل ظمأُ الصَّحاري لأنه كانَ عريساً جديداً ! / وتجارُ الحروبِ يُنظِّمون بازاراً خَيْرياً / لمساعدةِ ضَحايا الحروب ! / الرِّمالُ تُقلِّم أظافري والسَّجانون يَخْلعونها / وفي فَترةِ الموتِ الليليِّ / يُسخِّن خَفْرُ السَّواحلِ القَهوةَ على شُموعِ بكائهم /
     عَزِيزتي الأمطار / إِنْ مَررتُ فِي بَالِكِ ذَاتَ مَساءٍ / فاقْتحمي قَيْدي وَحَديدَ القُضبان / ظِلالُ الهديلِ على خَاتَمي الذي ضَاع في مَاءِ عُيوني/ سَوْفَ تمزِّقُ الكُوليرا أسنانَ النَّسرِ / ولا أعْرفُ هَل يَذهبُ النَّسرُ إلى طَبيبِ الأسنان / أم يموتُ في قِممِ الجبالِ وَحيداً / سُنبلةٌ رَفَضَتْ سَيَّافي الأرضِ / ولا تَنتمي إلى قُصورٍ مختبئةٍ في حَبَّاتِ النَّدى /
     نقشُ الهزيمةِ عَلى حَطبِ الرُّموشِ المكسورةِ / القَتلةُ يَعُودون إِلى زَوْجاتهم بَعْدَ انتهاءِ الدَّوامِ الرَّسميِّ في المجزرة/ يُعانِقون أطفالَهم/ يحثُّونهم على الاجتهاد في المدرسة/ وأطفالُنا يَأخذون ذِكْرياتِهم مِن جَنازيرِ الدَّباباتِ / أحزانُ الرَّصيفِ مَحطةُ قطاراتٍ لتحميلِ القَتْلى/ والأَسْرى يَزْرعون الرُّومانسيةَ بَيْنَ جَثامينِ الفَراشاتِ / أَيَّتها الأميرةُ المزيَّنةُ بِالحطبِ والزَّبدِ الفاخِرِ / لَن تَشْتري تابوتَ أُمِّي / إِنَّه الرَّحيلُ عَن هَذه الأرضِ / التي تَخنقُ أجفانَها أَجراسُ المذبحةِ / أغنامي المتفرِّقةَ كالجلادين المتقاعِدِين / لنكنْ أصدقاءَ مِثْلَ المخبِرِين / سَافَرْنا فِي جَثامينِ الأشعةِ الشَّمْسيةِ / لِي خُطاي عَلى جُلودِ الضِّباعِ القُرْمزية/ وَلَكِ خُطاكِ عَلى جُثةِ الرَّاعي / اسْتَرَحْنا في فُوَّهة العَشْبِ كالإِماءِ / اقَْتَسَمْنا دُموعَ البَراري / كالأَسْرى الذين يُزيِّنون قُيودَهم بالأوسمةِ / وَسَأَمْضي فِي رِحلتي وَحيداً / نِعاجَ المأساةِ / لا تَغْسلي أكفاني بِدَمْعِ اليتيماتِ / ولا تُساعِدي الضَّبابَ في تَزيين ضَريحي /
     جَدِّي كانَ يَزرعُ التِّينَ في المجرَّاتِ/ آثارُ يَدَيْه عَلى أَشجارِ الذَّاكرةِ فَوْقَ التُّرابِ/ وهُوَ الآنَ تَحْتَ التُّرابِ / فَلا تَبِعْ دَرَّاجتكَ الهوائيةَ أيُّها اليَنبوعُ لِتشتريَ لِي أكفاناً مُسْتَوْرَدَةً / البَدَوياتُ يَتَقَمَّصْنَ الغجرياتِ / خَسِرَ الغجرُ / وَخَسِرَ البَدْوُ الرُّحَّلُ / وَانتصرَ الرحيلُ / أنا المؤذِّنُ الوَحيدُ عَلى كَوكبِ الزُّهرة / سَيِّدي وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ / وَلا مَلِكَ إلا الْمَلِكُ /
     أيُّها المطرُ الذي يَعْبُرُ الضَّبابَ البَنفسجيَّ/ أراكَ مِن وَراءِ دُموعِ نافذتي / غُرفتي سِراجُها مُطْفَأ / لكنَّ سُعالي يَتوهَّجُ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / أُوزِّعُ الهدايا التِّذكاريةَ على السَّائرين في جِنازتي / للنِّسيانِ وَردةُ المجازرِ / للنَّحلِ مملكةٌ لا يَغْتصبها جَليدُ المنافي/ وتِلْكَ الآبارُ في هَديلِ البُحيراتِ قَريةٌ للسُّل/ سَارَ الليلُ عَلى جُثمانِ الرَّاقصةِ/ وَدُودُ التُّرابِ يَأْكلُ ثَدْيَيْها / انتهت الرَّقْصةُ إِلى الأبدِ/ وَالعَناكبُ تتقاتلُ عَلى اقتسامِ الفَساتين المهجورةِ/ أَتوكَّأُ على أَفعى/ وَبَراميلُ البَارودِ تتوكَّأ على عَمودي الفِقريِّ / وَفِي كُرياتِ دَمِي حَرْبُ شَوارِع / وأنا القاتِلُ والضَّحيةُ .

15‏/01‏/2017

أموت في كومة الأنقاض واقفاً / قصيدة

أموت في كَومة الأنقاض واقفاً / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

    أنا هُنا يَعْني هُناكَ / فِي دَاخِلي ضَوْءٌ خَفِيٌّ للزِّنزانة / وجِسْمي سَيَّجَه البَرْقُ بأشجارِ الليمون/ قَد لا يَجدني الهديلُ حِينَ يَزُورُني في بَيْتي/ وَرُبَّما يَمْنعونه مِن زيارتي هُنا / فَتَحْفِرُ عُيوني السُّورَ الملتفَّ حَوْلَ أهازيجِ البراكين / دَمٌ يَحْشو الأسفلتَ في أوصالِ الأزهارِ / دَمٌ يُغمَى عَلَيْه يَسقطُ يَنهارُ كَعِظام الهنودِ الْحُمْرِ عَلى زُجاجِ الكَاديلاك / لا أبحثُ عَن أوسمةٍ تَنْقُشها الجيوشُ المسلَّحةُ بالشَّخيرِ عَلى جِسْمي / إِنَّ اليَمامَ الذِي كَانَ يُلمِّع أَوْسمتي قَدْ مَاتَ /
     بَكَى البَكاءُ في حَنجرةِ نَوْرسٍ نَفَتْهُ قبيلتُه / يُرَوِّضُ الزَّئيرَ رَمْلُ الشَّاطِئِ / لِتَعْبرَ المرايا التي تَنْكسرُ عَلى يَدِ البَحر / كأنَّ مَرْفأَ الصَّخبِ يَسْبحُ فِيَّ / وَيَتْركُ قَميصَه على الشَّاطئِ / فتأتي النَّوارسُ لِتَصْطَادَه / والنَّوارسُ صَادقت البَحْرَ قَبْلي / وَلَكِنَّ وَجْهي لا يَعْرِفُني حِينَ يَنظرُ إِلَيَّ فِي المِرْآةِ / وبَنَاتُ الْمَلِكِ المخلوعِ يَرْتَدِينَ الثَّقافةَ كَحَمَّالاتِ الصَّدْرِ الْمُلَوَّنةِ /
     طِفْلٌ بَاكٍ يَبحثُ في أزقة المخيَّمِ المذبحةِ عن وَالدَيْه / بُحَيْرةٌ تتشظَّى في دَمْعه / لا يَمْلكُ ثمنَ مِشْطٍ/ فَصَارتْ جُذورُ السِّنديانِ مِشْطاً/ في راحتَيْه زَهْرةٌ وبَعْضُ الأحزانِ/ واليَتامى يَجْمعون خُوَذَ الجيوشِ المهزومةِ/ كَي يَبيعوها في السُّوقِ السَّوْداءِ / والحمَّى تَشْربُ عَصيرَ العنبِ في جَسدِ الإسكندر/ يَقفُ الناسُ عَلى أحجارِ النِّسيانِ يَحْمِلون رَاياتِ الهزيمةِ / والعَسْكرُ المعدنيُّ أَضْرَموا عَارَهم في رُتبهم العَسْكريةِ / والسَّرابُ يَصيرُ رَمْلاً أزرقَ في صَحراءَ لا نِهايةَ لَها /
     نَحْوَ فِتْيةٍ يَقْرأون القُرآنَ في زوايا المعتقَل يَنْطلقُ مَطرُ القلبِ / نَحْوَ جِهةٍ تَكونُ فِيها الرِّياحُ أبطأَ مِن نَبضاتِ الأسفلتِ يَسيرُ النَّرجسُ / نحوَ أرصفةٍ أقلَّ خُشونةً مِن القُيود تمضي الينابيعُ / نحوَ تَاجٍ يَتكسَّرُ كَظِلِّ القِططِ الضَّالةِ على الجدارِ تَجْري رَائحةُ العُفونة /
     أحياناً يُقدِّم لِيَ الشِّتاءُ دَعوةً لحضور العَشاءِ / فأذهبُ أنا وخَيْمتي/ تَكْسرُ أَبجديتي تِيجانَ الليمون/ بقايا تِيجان مُكسَّرةٍ في دِماءِ العَاصفةِ/ تدلُّ على ثَوْرةِ الموتى ضِدَّ الموتى / والعارُ يَسرقُ ما تبقَّى مِن أعضاءِ السُّجناءِ / وَفْقَ دُستورِ الألم / ويُسمِّي ذلكَ عِيدَ الاستقلالِ ! /
     لَمَّا هَزمتُ السَّجَّانين استلقيتُ على خَدِّ الشجرة / أُفكِّر في التشابه بين الحطام والحطام / مَلَلْتُ مِن خِطابات آكِلِ النَّمل/ لا يُتْقِنُ غَيْرَ تأبينِ أشجارِنا/ كُلُّ الأدغالِ سَتَفِيقُ / أَصْعَقُها كَي تَفيقَ/ أَصْدرتْ بَناتُ آوَى مَرْسوماً يَتَّهمني بالخِيانة / لَمْ أَخُن التفاحاتِ المقتَرِباتِ مِن نَبْضِ الحمَامِ /
لَسْتُ خَائِناً أيتها البَراري/ التي تَسْلخني عَن لَمَعانِ رُؤوسِ الرِّماحِ /
     أَيَّتها النِّساءُ العَارياتُ على شَواطئِ الرَّغبةِ / هَذا جُثماني فَلا تَلْعَبْنَ الشِّطْرَنجَ على سَطْحه / أيتها الصَّبايا المكْتَئِباتُ في رُومَا المتْعَبَاتُ مِن مُمارسةِ الجِنسِ مَعَ عَدَساتِ المصوِّرين / ذلكَ ضَرِيحي في الشَّفقِ فلا تَصْعَدْنَ إِلَيْه / يَا زَوْجاتِ فُرْسانِ الفِرنجةِ الخائناتِ / لا تَتَذَكَّرْنَ حَوافرَ الخيولِ السَّابِحةِ في مَعِدتي / لا تَحْزَنْ عَلَيَّ أيُّها البَحْرُ / إنَّ دَمِي يَحْرُسُهُ دَمُ البَعُوضِ /
     أَنا وَالبُرْتقالُ ثَوْرتان تَصْرخان في العَدَمِ/ كَي تتكلمَ الحيطانُ / أَخْرجُ مِن عُزْلةِ الخوْخِ / لأكتشفَ اكتئابَ تفاحِ المشانقِ / الخيولُ الخشبيةُ / والمرَاحِيضُ الرُّخاميةُ / والمسْتَقْبَلُ الذي مَضَى / والماضِي الذي سَيَأْتي / أرْجُوكَ يا ضَوْءَ القَمَرِ / امْنَحْنِي وَقْتَاً كَي أُلَمِّعَ نَصْلَ مِقْصَلتي بِمِلْحِ دُموعي قَبْلَ إعدامي / والزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن جَدائلِ النِّساءِ بَيْنَ حِبَالِ الغسيلِ وحِبَالِ المشانِقِ /
     يا مَلِكاتِ نَزيفي اللواتي يَسْرِقْنَ نَزيفي / أَنتنَّ دُمَىً في مَسْرحِ العَرائسِ / تجفُّ المساحيقُ على وُجُوهِكُنَّ / تَخْلعنَ أُنوثتكنَّ كالمِعطفِ البَالي / تَرْكُضْنَ في مَداراتِ الرِّعْشةِ على الرُّخامِ الوَرْدِيِّ القَاتِلِ / مَا فَائِدةُ الرُّومانسيةِ إذا كَانت المرأةُ مَقتولةً بَيْنَ صُحونِ المطبخِ وثَلاجةِ الموتى ؟ /
     نَعْنَاعٌ يَدْرسُ الفَلْسفةَ في كِيمياءِ دَمِ السُّجناء / يَغْفو ضَوءُ الشَّمعةِ على مَعاولِ الهشيمِ / والموْجُ يَضْرِبُ سَطْحَ الصَّليل / ولا فُرسان يَحْملون السُّيوفَ/ أَيُّ حُكومةٍ تَجْرحُ صَوْتَ العُشبِ المغطَّى بأكفانِ الفلاحين؟!/ أوتادُ خِيامِ المشرَّدين عَلى ضِفافِ اللهبِ / والزَّوابعُ تحدِّدُ مَواعيدَ حَصادِ القُطن في قَفَصِي الصَّدْريِّ / ودُمُوعي تُهشِّمُ زُجاجَ نظَّارتي الشَّمْسِيَّةِ / لَنْ نلتقيَ في الغُروبِ أيتها الجواري المذبوحاتُ / لأنَّ المخبِرِين أَغْلَقوا سُوقَ النِّخاسةِ بالشَّمعِ الأحمرِ /
     مِنْ أوراقِ فَهْدٍ مَنبوذٍ : (( حُكومةُ الفِطْرِ السَّام مَصْنوعةٌ في الخارج ! )) / لماذا تَعْشقينَ سَفْكَ أعصابِ المشرَّدين / عَلى عَنبرِ الحِيتان الرَّشيقة ؟ / لماذا تَنقلين نَاطحاتِ السَّحاب / على ظُهورِ الجواميسِ النَّحيلةِ ؟ /
     أنتحرُ تَدْريجياً في مِصْيدةِ الحضارة/ فلا تَتْركيني يَا أُمِّي / سَيُصْبِحُ مِنديلُكِ كَفَني/ وَدُموعُ أَبي تَاريخاً لِهِجْرةِ رُموشي المسمومةِ / أتجوَّلُ في صَحراءِ دَمِي كالسُّنبلةِ المشنوقةِ / ولا دَرَاهِمَ تَحْملُ صُوَرَ الخليفةِ غَيْرِ الشَّرعي / نَتَشَمَّسُ على حَوافِّ قُبورِنا/ يأكلُ الحمَامُ الزَّاجِلُ قُماشَ الأكفانِ / والرُّؤوسُ المتطايِرةُ صَارَتْ طَابَعَ بَريدٍ / وَذَلِكَ السَّجينُ يُفكِّر فِي ضَوْءِ أبجديةِ النَّارِ / والفَراشاتُ تُكلِّم الحائطَ/ لَكِنَّ  ثَعالبَ الرَّجفةِ هِيَ فُقاعةُ صَابون / تَخْرجُ بَعْدَ أنْ يُعلِّقَ السَّجَّانُ أظافرَ أبنائه/ على حَبْلِ الغسيل الطويل / فلا تَمْنحوا الفَراشاتِ تصاريحَ الدُّخولِ / إلى قَلبِ المطر/ ولا تَسْمحوا لأُمِّي أنْ ترى جُثَّتي المنثورةَ / في أكوابِ الشَّاي الأخضرِ .

14‏/01‏/2017

محاولة لفهم لغة البحر / قصيدة

محاولة لفهم لغة البحر / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

     الآنَ ينتهي حُكْمُ الجرادِ / في عواصمِ الزَّبدِ الْمُثْخَنةِ بالملِكاتِ السَّبايا / تنكمشُ ممالكُ القُمامةِ وجُمهورياتُ الدَّيناصور/ في عُلَبِ السَّردينِ الفارغةِ / وعُلَبِ المِكياجِ الْمُمتلئةِ بِضَفائرِ اليَتيماتِ /
بَريدُ الأعاصيرِ هو تحدِّي جنون الأكاسرة/ أُسَرِّحُ باريسَ مِن حَقيبةِ ماري أنطوانيت / المصنوعةِ مِن جُلودِ العَبيدِ / أَعْقِدُ اتفاقيةً مَعَ جُفوني / لأَدفنَ مملكةَ الحطبِ/ في الشاطئِ الذي يكونُ فيه الراعي عدوَّ الغنمِ !/ ترعى المغاراتُ الصقورَ وأعوادَ الثِّقابِ / المخصَّصةَ لِشُموعِ الضَّحكِ / تتسلقُ طُفولةُ المساءِ أناشيدَ الرُّعاةِ / لِتَبْلغَ طُفولتي التي رَمَتْها الْمَلِكَةُ / في غُرفة الألعاب الخاصة بأبنائها ! /
     أَزرعُ مُذكَّراتِ التوقيفِ الصادرةَ عَن بَناتِ آوَى/ على سِياج حديقتي / لأتعلَّمَ تعبَ الشموسِ الفضيةِ في المحاكمِ العَسكريةِ / لَم يَعُد الرَّملُ يُفرِّق بين بَناتِ آوَى وبناتِ أفكاره / في مُخَيِّلتي تنمو أغصانُ النسيان/ ويختلط ظمأُ شِفاهِ الوَداعِ بأوجاع السُّيول/ في رَاحَتَيْكِ يا نافذتي أوراقٌ للخريفِ الموْلودِ في دمائنا / هَل يَقْدِرُ المحكومُ بالإعدامِ أن يَكُونَ رُومانسياً ؟ / الطريقُ إلى المدينة التي استعارها الملوكُ مِن ظِلِّي بالقُوَّةِ / يَمُرُّ عَبْرَ دَمِي / فَيَا عَاشِقةَ البُكاءِ في ليالي الشِّتاء/ لا تنتظريني خَلْفَ جَذْر الشموس الجريحة وأصفادِ نحيبي / لأن السجونَ التي بَلعت الشَّجرَ الأحمرَ تجري ورائي /
     أيُّها السَّجانُ / لا تَبِعْ قَلْبَكَ للقُرْصان / الذي يتجسَّس على الملح الأسْود في دموع البنفسج / الغُزاةُ يَأتونَ مِنَ الجِهاتِ المحروسةِ بالصَّدى والقُبورِ الكِلْسِيَّةِ/ يَحْمِلُونَ أسماءَنا ويَسْرِقُونَ رُموشَنا / فما فائدةُ أن أكونَ زَهْرةً بَيْنَ الأضرحة ؟! / أنا والموتُ شقيقان في الطريق / والأيتامُ حَوْلنا يَلعبون بجثث أُمَّهاتهم/ وهذا البحرُ يَفنى كخَوْخةٍ هَشَّة / أَجمعُ مُفْرداتِ ثَوْرة اليانسون على ممالك أحزاني / أَحْفِرُ دمي في خَشب المراكب المكسَّرة/ كي تَسحبَ قَشَّةُ الطريقِ اللوْزَ/ مِن عِظام البحَّارة الغَرْقى/ أُفَتِّشُ عن ذكريات النَّار/في القُيودِ الحديديةِ الصَّدِئةِ/ وحَبَّاتُ الرَّمل تسألُ مَعِدةَ الرَّصيف/ مِن أَين يَأخذُ السَّجانُ الرَّماديُّ راتبَه ؟! / أُجيبُ عَن أسئلةِ المحقِّق في زاوية الغرفة / والمسدَّساتُ التي تستحِمُّ على مكتبي بدماء الشهداء / أَعْرفها كأزهار الطفولة التي نَسَفها المخبِرون والسلاطين/ الذين رَمَوا شعوبَهم في السُّكوت المحاصَر/ كُلُّ شيءٍ في غُرفتي يُقاوِمهم: (( الجدرانُ والبلاطُ وصُورةُ جَدِّي ))/ صَوْتي أعشابُ الكَمان / يَحْرُسُ الصوتَ والصدى / أناشيدُ الفجر تَفورُ في أهدابي / أُقاوِمُ الرِّمالَ المتحرِّكة/ التي تتناوبُ على حِراثة الأنهارِ الرُّومانسيةِ / أَنا النُّطْفةُ المتشكِّلة
في ذاكرة الإعصار / أنا الراعي الذي قُتلت أغنامُه / أنا قطيعُ الغنم الذي رأى مَقتلَ الراعي /
     نكتبُ أسماءَنا على نِصال السِّهام / ونَهْربُ مِن المعركة / أَسألُ رمالَ الشَّفق / كَم جُثةً لهنديٍّ أحمر رماها الرجالُ المدجَّجون بالأرصفة ؟ / كَم بِنْتاً وَأَدَهَا أعضاءُ نادي الجاهلية ؟ / كَم أميراً سَرق براءةَ البرتقال في جثث الأطفال ؟/ وطَبَّاخُ الأمير يَبحث في صُحون المطبخ عن أكفان أبنائه / كَيف أَمشي ومقاصلُ الورد تعيش في جَوْربي ؟!/ كيف أفتخرُ بِأهدابي أمام البحر الأعمى ؟!/ كيف أَفْرُشُ جِلدي أمامَ البغايا زجاجاً لموْكِبِ النبيلات ؟!/ نزيفُ الثلوجِ ياقوتُ المساءِ على مداخن أكواخ المنافي / الطَّحينُ شِعْرُ العواصف / وكان طفلُ المرعى يُحْتَضَرُ / على كَتفِ جَدَّته القتيلة/ خَنجري جمهوريةُ الليمونِ الرَّافضِ / وقصورُ الذئبِ في جسد التُّوتِ هِيَ لَوْنُهم الزَّائلُ / والطوفانُ لا يستأذن من البشر / أين سَيَهرب القتلةُ الذين يَقْضون إِجازةَ الصيف/ خَلْفَ رَبطاتِ العُنُق ؟!/ قطاراتٌ تَحمل الدِّيناميتَ/ تَسْبح في معدتي الصحراوية / هل سَيَفْتحون الزنازين أمامَ السَّائحات العاريات ؟! / اتركوا الوطنَ ضائعاً / ولنعشقْ صُوَرَ الخيل في كلام السَّحاب / تتسابقُ اللبؤاتُ في شراييني/ لفرض الضرائب على بكاء الأيتام / أنشأَ اللصوصُ نِقَابةً لِقُطَّاع الطُّرق/ لِتَكُونَ أعمالُهم موافقةً لدستور جمهورية أسماك القِرْش/ الذي اسْتَوْردوه مع باقي البضائع !/
     ملاحظةٌ كَتَبَتْهَا رِئتي قبل اعتقالها : [ مِن مَظاهرِ الديمقراطية عند حكومات الأدغال الدموية : مظاهراتٌ للشواذ جنسياً في طرقات الحيْض / فتاةٌ تضع على وجهها نِصْفَ طَنٍّ من المساحيق تَقود سيارةَ مَرْسيدس / مسابقةٌ لطلبة الهندسة في الجامعات الذَّابلة لتصميم أَفضلِ مِقْصلةٍ رُومانسية !/. ملابسُ البارونةِ تتوهج على جثامين الثائرين / تصاميمُ هندسيةٌ ممتازة لسجون عَصْرية ! / الانتخاباتُ التي حَقَّق فيها القَيْصر 99% والبقيةُ تأتي !/ والعدالةُ على طريقتهم : إذا سَرَقَ الشريفُ تركوه وإذا سرق الفقيرُ أقاموا عليه الْحَدَّ ]/
     مِزاجُ الإمبراطورةِ المتقلِّبُ / وزَوْجُها الذي لا يَتَفَقَّدُ حُفرَ المجاري / إلا عند قدوم المصوِّرين/ لِتَكونَ الذِّكرى مَحْفورةً على جِلد الماعز ! / نَخجلُ مِن أقنعتنا / نَهربُ مِن وُجوهنا/ نَرْمي مَلامحَ المراهِقاتِ في أجسادِ النَّوارس/ نَذبحُ نساءَنا في المساء/ مُنتظِرين قُدومَ الشِّتاءِ مِن أَجفان النَّخاسِين / أَشُمُّ رَوائحَ المنفى مِن شُرفتي المطلَّةِ / على بُكاءِ الغابات / والحقولُ يَنهبون لونَها / لِيُقيموا حَضارةَ البارود / لم تَعُدْ دَوْلةُ الْمُرْتَزِقَةِ إِلا إِسْطبلاً لِخَيْلِ الإمبراطورةِ /
     هَذا أنا / كُلَّما نَظرتُ إلى المِرآةِ أطلقتُ النارَ على المِرآةِ / يَحْقِنُ النَّمرُ ظِلالَ البحرِ بالعطش / إِنَّ الفِطرَ السَّامَّ خَادِمُ الهذيان/ في مُعسكرات المجاعة / وكانت الفئرانُ تَنهش ذاكرةَ المعركة بَيْنَ الصَّوتِ والصَّدى / متى يَقتلعُ الصَّدى الورقيُّ عُمْرَ الأسفلتِ مِن قَش الجنون ؟!/ هذه صُكوكُ الغُفرانِ سَاعةُ يَدٍ لقُرصانٍ مُتقاعِدٍ / والأرضُ تَلْفِظُ جِراحي لِكَيْلا تَتسمَّمَ / أُصيبت جيوشُ الهذيانِ بالتُّخمة / رمى النَّخاسون إِخْلاصَ الجنود عَبْرَ الأبواب/ فتحوا في أمعائنا أرشيفاً للمواكب الملكية / وذلك الجنونُ الرَّصاصيُّ / يَسكب عُيونَ الإوزِّ في ضِحكة السِّنديان/ فانتظِرْني أيها السَّيافُ / ولا تَحْزَني عَلَيَّ يا أُمِّي / سَيَصْعَدُ النَّعناعُ مِن جُثماني / وتَنْمو الجوَّافةُ في الهياكلِ العَظْميةِ /  
     الديمقراطيةُ دُميةٌ يَتَسلى بها بَوَّابُ محكمةِ التفتيش في وقت فراغه / قبل أن يُمارس هِوايته في تلميع الأوسمة / يا فَلاحي بِلادي / احْرُسوا القمحَ بالذِّكريات / نحنُ الذين نَنْزعُ الأوسمةَ عن صدور الأوثان / والقَراصنةُ يُلْقون المِرْسَاةَ في مَدْخل الملهى الليلي / وَحْدي مَعَ المسافِرين مِن اغتيال الخوخ/ إلى مُدنٍ باعها حُكَّامها للصدى / لَسْتُ مِن سُلالة قياصرة / ولا أنتمي لقطيعِ الجلادين / ولستُ الحقدَ / عَلَّمَني عَظْمِي المسحوقُ أن أَمحوَ كلماتِ الشَّعير/ من طُرقاتِ عَمُودي الفِقري/ وألا أَفتحَ جُرحي مَرْعَى / لإِبِلِ الخلفاءِ غَيْرِ الشَّرعيين /
     أيتها النساءُ اللواتي يَضَعْنَ لحومَهنَّ أثاثاً للمسرح المكسور / أيتها النساءُ اللواتي يَغْرِسْنَ أعضاءهنَّ في أغلفة المجلات السياسية / أيتها النساءُ اللواتي يَكْتُبْنَ ذُلَّهُنَّ على ثياب عارضات الأزياء في عواصم الرِّعشة / أيتها النساءُ اللواتي يَفْرُشْنَ أجسادَهنَّ على إعلانات زيادة الضرائب / أيتها النساءُ اللواتي يُعلِّقْنَ على حَمَّالاتِ صُدُورهِنَّ لافتةَ الثقافة / أُنظُرْنَ إلى المرايا في مَسْرحِ العرائس مِكياجاً ثقيلاً على قُماش الدُّمى /
     قَفَصي الصَّدريُّ لَيْسَ فارغاً / قَد سَكَنَ فيه أطفالُ العشبِ الذين تَلهث خَلْفَهم آلاتُ القتل / أيها القياصرةُ الذين يُعطون بائعاتِ الهوى دكتوراة فخرية في البِغاء / أيها الذابلون الذين يَبيعون الجنسيةَ الوحشيةَ للبرقوق المحاصَر / كُنْتم محارِبِين  فاتحين في غُرفِ نَوْمكم أو مَوْتكم / لا تَعْتَقِلوا التفاحَ وتحقِّقوا مَعَهُ في قاعاتِ الرَّقصِ / المخصَّصةِ للضَّفادعِ الممتلئةِ بالويسكي /
     المنافي التي تَنْبعُ مِن المساءِ العَسْكريِّ رَصاصٌ في جَيْبِ الرَّعد/ لوس أنجلوس تُهَرِّبُ أبناءها في لحم الخنازير المعلَّبِ / وتُرسِلهم لِيَنْكسروا كالدِّيدان المخدوعة في فِراش الزَّوْجية !/ نِقابةُ المومساتِ الديمقراطيةُ / الأقسامُ المخصَّصةُ للحوامل سِفَاحاً في المدارس الثانوية للبنات/ جَرادةٌ عمياءُ تأسرُ عنبَ الجزائر / في النبيذ المفروش على طاولات الجنرالات قُرب جبال الألب/ أنا رَصيفُ ميناءٍ يَسيرُ عليَّ ضَوءُ الفيضان / ولا يَمْشي عليَّ الجنودُ / لُغتي سُطوعُ فَراشاتٍ لا تَسْتسلمُ للشَّبَكة / وأجفاني أَصُفُّهَا خنادقَ تَبْلعُ الجيوشَ / التي تَرفع خُشونةَ تاريخِ الأوثانِ رَايةً / فافْرَحْ أيها الرَّمادُ الأُرجوانيُّ / إِنَّ الجنودَ يَزْرعونَ أقواسَ النَّصرِ في أغشيةِ البَكارةِ /  
     قَالَ الزَّبدُ المدفونُ في مَعدةِ المطر : (( أَضمنُ أن يَكونَ جَسدي مَعَ زَوْجتي ولا أَضمنُ أن يَكونَ قَلْبي مَعها )) / يا حُرَّاسَ الغُبار / اغْسِلوا وُجوهَكم حِين تَكْسرون المرايا / لكي تَرَوْا أقنعتكم خَارِجَ يَانسونِ الأمطار / أَعوادُ المشانقِ في السَّاحاتِ العامةِ الممتدةِ في صُدورِ الثائرين / أيها المنفيُّون في سَاحِل الجِراح/ السَّاكنون في الحنين إلى بنادق الثوار في الميادين الأسيرة / خُذوا قَلْبي سَدَّاً أَمَامَ زَحْفِ الجرادِ المتحضِّرِ !/ إِنَّ الورودَ البلاستيكيةَ على النُّعوشِ الخشَبيةِ / أُسْقِطُ النظامَ الجمهوري في شَراييني / أرضٌ جَرْداء كأعلامِ القَراصنة / تاجٌ مُرصَّع بِنَزيفِ بِلاد البُروق / امرأةٌ تَفتحُ كُهوفَ مِكْياجها أمامَ عَدساتِ المهرِّجين /
     صَديقي النِّسْيان / حَاوِلْ أن تتذكرني !/ أنا فتىً مِن الشَّرق/ أخذوا الصنوبرَ مِن ثِياب جَدِّي/ سَرَقوا جُثْماني / وأبي مَا زِلْنا نَبحثُ عَنْه / أَدْخلُ زِنزانتي مُسَلَّحاً بالذِّكرياتِ / أَخذوا أوراقي والأقلامَ / حَتَّى العنكبوتُ في الزَّاويةِ أَخَذوها ! /
     وكان ثلجٌ نائماً على مِنجلٍ يُحْتَضَرُ / ويَستجوبُ القُضبانَ / هَل الحزنُ وَردةُ المقامَرة التي يَقودها إِمبراطورُ الغبارِ في البار ؟!/ هَل الشَّعبُ ضِمْنَ أوراقِ اللعب على طاولة الأميرةِ الشَّابة ؟! / أنتعلُ أطيافَ الأنقاض/ وتنامُ الفتياتُ المغتصَباتُ على أجنحةِ الفَراشات / والصَّوْلجانُ يَقْتفي أَثَري على أزهار الهاوية/ أنا أنتحرُ/ وَحَفَّارُ القبورِ يَستلمُ راتبَه التقاعديَّ/ فَمَن يَدْفِنُني في أجفانِ الغَسَق؟/ 
     عَرَّابَ الدَّولةِ الصاعدَ إِلى الأرشيفِ الرَّمادي / لماذا تأخذُ شَعْري الفِضي إلى قَاعةِ الإعدام ؟! / لا تكنْ بائعاً مُتجوِّلاً في مَقْهى أظافري المنثورةِ / على صَنوبرِ العُشَّاق / لا تكنْ حَطَّاباً لأشجارنا الدَّمويةِ في الخريف الشَّاعري / مِثْلَ الموظفين الجدد في ممالك رِياح الخماسين/ لا تُطْلِقْ على نُعوشِ الأيتامِ لَقَبَ " مستقبلك السياسي" / اذهبْ إلى المقبرة لترى مُستقبلكَ السِّياسي ! /
     حَطبٌ قُرمزيٌّ يَمشي على السَّجاد الأحمرِ / في مُعْتَقَلاتِ إِبادة الهنود الْحُمر / فيا سَائِقي مَرْكباتِ نَقلِ الجنود/ أَمْهِلوا قِطَّتي العَرْجاءَ بَعْضَ الوقتِ/ لِلعُبور إلى الرئة الثانية للزُّقاق/ مَزرعةُ خَنازير بَرِّيةٍ في ثِياب ممثِّلاتِ هُوليود/ غَرْناطةُ زُمردةٌ في أكفِّ أصحابِ الحانات / وَتِلْكَ القَرابينُ عَلى حِيطان المعَابِدِ رَجْفَةٌ / وَأُمراءُ الحروبِ يَفْتتحون مَهْرجانَ صُكُوكِ الغُفران / قارةٌ تَقفزُ مِن غَابةِ النِّفطِ إلى غَابة النِّفطِ / كَقِرَدةٍ مُبْتدئين ضَلُّوا طَرِيقَهم / واحتاجوا إِلى دَليلٍ سِياحيٍّ !/
     الضَّحايا يَتَزَلجون على المسدَّساتِ الخشبية / نِساءُ الشِّتاءِ لِتَسْليةِ العُميان في الصَّيف / حَفلةُ الإبادةِ تَغرق في تبادُلِ الهدايا / والمشرَّدون في الخارج يَبحثون عن القَشِّ لِيَناموا عليه !/ يَنامُ الميناءُ على ذِراعي اليُمنى / وأوسمةُ القَش يُلمِّعها خَنجرُ الذِّكريات / أُطهِّر عَواصمَ رِئتي مِن الدِّيدان/ التي تَسْرقُ ظِلالَ البَابُونَجِ على رُخامِ المجازر / يُلاحِقني الرَّعدُ في مَراعي الكُوليرا مِن كُوخٍ إلى كُوخ / ويُلقي الألغامَ في نُعاسِ الياسمين / أَسألُ جُثمانَ أبي / عندما تغفو على وِسادتي الحيتانُ الزَّرقاءُ / هَل سَتَشْهدُ رِمالُ البَحْرِ ضِدَّ الضَّحية ؟ / إنَّ دَمَ الضَّحِيَّةِ لَيْسَ أزرقَ / 
     قَد يَرْمي الجلادُ أصابعي عَلى أخشابِ المرفأ / قَد تُوزِّعُ السُّلطاتُ صُوَرَ الزَّنابقِ عَلى الحمَامِ الزَّاجلِ/ لِيَبْحثَ السُّلُّ عَن خُطواتِ الرِّيح على المرمرِ الملوَّثِ باكتئابِ الشُّطآن / تَمْشي السَّنابلُ حَافيةً على رُخام القبورِ الخاليةِ / لَكنَّ ألوانَ الحزنِ تُقاتِل/ جُرحي إشارةُ مُرورٍ/ لِتَعْبرَ الدَّلافينُ إلى عُروقي النُّحاسيةِ / والأغرابُ مَشْغولون بترتيبِ غُرفِ نَوْمهم/ كَجِرْذان في مُقتبل العُمر تتعاطى مُضَادَّاتِ الاكتئابِ / يَلْمعُ البارودُ عَلى الأسفلتِ الرَّصاصيِّ المنتشرِ على لُحومِ الفُرْسان / أنهارٌ بِلا أظافر على سَاعة يَدِي / ورِمالٌ تَرْكضُ في زَفيري/ تُدَرِّبُ البَعوضَ على السِّباحة في جَماجمنا / المدنُ الذبيحةُ مِرآةٌ مخدوشةٌ على قُماشِ أكفانِ البَجع /
     قَبْلَ أن يَصُبُّوا نُعوشَ أهلي في البِئر المجاوِرةِ للوَداع / بَحَثوا عَن عُكَّازةِ أبي تحتَ الرُّكام الهابطِ في رِئة ذِئبِ الهزيمة / قَبْلَ أن يَنْصِبوا الفِخاخَ لعصافير الحيِّ في حَناجر المصلِّين / قَبْلَ أن يَبيعوا سَرِيري وأظافري لِيَشْتروا مِكياجاً للأميراتِ / وبعضَ فساتينِ السَّهرةِ المضاءةِ بأضواءِ السَّياراتِ المارَّةِ على جُلودِ الفَراشات / قَبْلَ أن تَلتقيَ صَديقاتُ السُّلطانةِ عَلى أجزاءِ كَفَنِ الوَرْدةِ / قَبْلَ أن يَرْموا المذابحَ على شاشاتِ التِلفاز / قَبْلَ أن يَبنوا شَركةَ حَفَّاري القُبورِ على خُدودِنا / قَبْلَ أن يَحْبِسوا دُخانَ المصانعِ في شَرايينِ الفتياتِ المغتصَباتِ في سَراييفو / أَطْلَقوا سَراحَ الحدائقِ الأسيرةِ في خِيامنا المرقَّعةِ / لِتَكُونَ مَرْكباتُ نَقلِ الجنودِ أَقلَّ تَلْويثاً للبيئة ! /
     جُيوشُ الصَّدى مُسْتَنْقعاتٌ مَسْعورةٌ / عَلى الطُّرقِ الصَّحراويةِ / مُلْتَصِقةٌ على جُدرانِ النَّوم / تَتمرَّدُ العَصافيرُ في قَسماتِ وَجْهِ المرعى/ أَيُّها الصَّيادُ الذي يتقيأُ القَياصرةَ/ في دَفْترِ جَمعِ الطَّوابع / لا تَأْسِر الكَروانَ بأغلالِ المطرِ الحِمضيِّ / لا تُرشِد العَوانسَ إلى أشلائي/ في طُرقاتِ النِّسيان / لا تَعْرِضوا أظافري في المتاحفِ/ أمامَ الذُّبابِ المعدني / لا تُعطوا رِئةَ جارتنا الأرملةِ هَدِيَّةً / لِبناتِ الإقطاعيين المدْمِناتِ على الكُحول / أَحْضِروا جُثثَ الملوكِ المهرِّجين / لِنَدْفِنَها في صَالةِ القِمار /
     حَفَروا الأحكامَ العُرْفيةَ عَلى أمعاءِ الشُّهداء/ قِطَّةُ البُكاءِ التي تُضْرِبُ عَن تقبيلِ الفِئران/ حَقَنُوها بِرمالِ المنفى / واللصوصُ الشُّرفاءُ يَفْتتحون في كَبِدِ حَمامةٍ / مَعْرضاً للمساميرِ الجديدة/ والمراهِقاتُ العَاشِقاتُ يُعَلِّقْنَ شَبابَهنَّ / على بوَّابات العَمى/ هَيكلٌ مِن عِظام الشَّفق / قِلادةٌ مُعلَّقةٌ في رَقبةِ صَنمٍ اسْمُه المنفى / ثَعلبٌ ذُو فِراء وَسِخ / العَواصمُ الخاليةُ إلا مِن القَوَّادِين / إِنَّ الدَّمعَ شَاهِدُ قَبْرٍ للبُرتقالِ الغَريب/ والرَّصيفُ مُهرِّجٌ طُحلبٌ / يَتزلج عَلى أوردةِ المساءِ / قُرْبَ حِيطانِ بئرٍ مُسيَّجةٍ بِبُكاءِ البَغايا / والبَاعةُ الْمُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ عُرُوشَ الملوكِ المخلوعينَ في طُرُقَاتِ الكُوليرا /
     حَاضِناً الكَرزَ المهجورَ/ في دِماءِ الشُّعوبِ اللاهثةِ/ والأرستقراطياتُ يُحضِّرْنَ رَسائلَ الدُّكتوراة عَن دِيمقراطية المجزرة/ ودموعِ أُمِّي في خَريفِ الرُّعود/ رُبَّما يُصبِح اغْتيالي خَبَراً رُومانسياً / في نَشْرةِ أخبارٍ صَادرةٍ مِن مِذياعٍ قَديمٍ / عَلى طاولةٍ نظيفةٍ في مَطْعمٍ للوَجباتِ السَّريعة / نَبصقَ قاتلينا في سَلَّةِ المهملاتِ/ تحتَ شبابيكِ غُرف التعذيبِ المفتوحةِ على لُعابنا / نبصقُ قَاتلينا في أرشيفِ البُوليسِ السِّري/ قُرْبَ أزهارِ النَّار/ أزُفُّ إِلى الترابِ أعضائي/ هذه الشَّجراتُ المختبئةُ في سَريري/ تنتظرُ الوَهَجَ القاتلَ / صَالاتُ الرَّقصِ مَفتوحةٌ أمامَ العُشَّاقِ / الذين صَمَّموا المذابحَ في قُلوبنا / والقَراصنةُ المهذَّبون يُوَسِّعون المعْتَقَلاتِ المارَّةَ / أنهاراً مِن تَوابيتَ / صَنَعَها عُمَّالُ نظافةٍ مُحْتَرِفون في وَرْشةِ الخليفة / دَمِي يَسيلُ على خُدودِ الأندلس / يَغْرِسُ رَصيفُ الليلِ أنيابَه في كَفِّي/ يَذْهبُ النَّخيلُ إِلى المدرسةِ مُسْرِعاً/ مَطرٌ يُبَلِّلُ أعشابَ المذبحةِ / والمجرمُ صَارَ رُومانسياً / في حُكومةِ انقراضِ المرجانِ البَحْريِّ / يَضعُ الموجُ حِزامَ الأمانِ / بَعْدَ أن يَدهسَ القُصورَ الرَّمليةَ /
     تَقَدَّمْ أيها الشاطئُ القُرمزيُّ / أنا وأنتَ فَراشتان تَحومان حَوْلَ ضِفافِ الجرح / الممتدِّ مِن غروزني إلى سَراييفو جُثثاً وَبساتين / تندلعُ المجازرُ في لَوْنِ السَّنابل / وسَاعِدي كُوخٌ لأسرابِ الدَّجاجِ المهاجِرِ/ مِن النَّدى المذبوحِ في زِنزانتي الانفراديةِ/ قَدْ يَحتاجُ الغُزاةُ إلى تلالٍ مِن الصَّابونِ / بَعْدَ حُروبِ الإِبادةِ المصنوعةِ لملءِ وَقْتِ الفَراغ!/ يَبْقرُ النَّرجسُ بَطْنَ الرَّصاصةِ البِكْرِ / وكُلُّ مَمالكِ الإِبادةِ أدغالُ هَوَسٍ / وَجْهي نهارٌ قَادِمٌ سَاجِدٌ لِلْمَلِكِ /
     سِجْنٌ عَجوزٌ يَمتصُّ طَيرانَ العُقبانِ في الخريفِ / وكانَ ضِفدعُ المذبحةِ يُخَزِّنُ أسناني في عُلبِ السَّجائرِ الأجنبيةِ / نَعْشي صَارَ مَقهىً لِرَاقصاتِ النِّفطِ / يُداهِمني القَمحُ أُقبِّله لأنه سَيْفي / وَدُموعُ الرَّاهباتِ تُعبِّدُ الطريقَ إلى ستالينغراد / وصَوْتُ المطَرِ كَسَرَ صَوْتَ الرَّصاصِ كالمزهرِيَّةِ /
     بَيْنَ كَرْبلاءَ وَجُروحِ الفَارسِ دَمْعي الشَّفافُ / خُيولُ الخليفةِ تَسقط كَبَيْضِ النَّعام / وَرأسُ الحسينِ لا تَسقطُ / عَبَرَ إلى غَدِهِ الواضحِ سَيِّداً / في جَنَّةٍ بلا شمسٍ ولا زَمْهرير / أنيناً كانَ قَصْرُكَ أيها الوَلدُ الأُمويُّ المتجوِّلُ عَلى إِشارات المرورِ / لبيعِ غَثيانِ الصَّحراءِ / سَراباً كانَ اختباؤُكَ يا سَارِقَ النَّدى / مِن أجفانِ طُيورِ البَحرِ الحبيسةِ / بَيْنَ الحيطانِ المدهونةِ بالقتلِ وَمِرْآتكَ /
     كُرياتُ دَمِي نُسورٌ فِي فُوَّهةِ القِتال / طَلَّقْتُ خَوْفي مِن مَحْكمةٍ / قُضاتها يَتقاضون رِماحَهم مِن حُكومةٍ عَلى أُهبةِ الهذيانِ/ أُحبُّ الصَّهيلَ يَجْتاحني في رَبيعِ التوابيت / والشَّوارعُ تركضُ في عِظامِنا الموزَّعةِ بالتَّساوي على رِجال الأمن / ومُفاجِئاً كندمِ الزَّوجاتِ الخائناتِ / جاءَ اعترافُ الفِرنجة : (( بِعْنا نساءَنا للذي دَفَعَ أكثر !))/ جِراحاتي زَيتونةُ الأيتامِ/ وَرُموشي مُنْتَجَعٌ سِياحيٌّ في إِجازة آخِرِ الأسبوع/ إبليس وتاتشر يَتناولان غَداءَ عملٍ مُعَطَّراً / بنعوش الجيش الجمهوري الإيرلندي/ وكانَ الصِّربُ يَشْربون الوَهمَ في سراييفو/عِنْدَ شَواهدِ قُبور الشُّموس/ ويُلْقون الزُّجاجاتِ الفارغةَ في بَرْلمان الصَّحراءِ/ التي كانتْ رَوْضةً لليتيماتِ الرَّافعاتِ الهلال شِعاراً / أحزانُ الأعشابِ طائرةٌ ورقيةٌ / لَن أَتركَ رَقَبتي مَائدةَ غَداء لِكِسْرى / الطيورُ المرتعشةُ مِرْوحةُ التلالِ الغاضبةِ / والغُزاةُ يَأخذون الصُّوَرَ التِّذكاريةَ / في بَنكرياس الموج / وَالقواعدُ العسكريةُ في أمعائنا/ هِيَ جَوازُ سَفَرٍ للفِطر السَّام/ كَي يَنموَ على لُحومِنا/ التُّهمُ الجاهزةُ تنتظرُ السِّنجابَ المندهشَ في بَلدته/ التي هَدَمها اللازوردُ الرماديُّ / ليبنيَ إِمبراطوريةً أكثرَ انفتاحاً على الجرادِ / سَرَطانُ الثَّدْيِ ودُودُ المقابرِ يَتَصَارَعَانِ عَلى احتكارِ صَدْرِكِ أيَّتُها الغريبةُ / وَعِنْدما يُذبَح الموتُ أكونَ في الجنَّةِ أو النَّارِ /
     بَلْدتي المفتوحةَ للأشباحِ المغْلَقةَ أمامي/ قَبِّليني لأني ذَاهِبٌ لِكَي أتزوَّجَ التُّرابَ / أَصعدُ مِن قِبري بِأَمْرِ سَيِّدي/ تعلَّمتُ كيفَ أُضَمِّدُ جِراحي / قَبْلَ أن تتعلمَ الإسبانياتُ قِيادةَ السيارات في أندلسنا / التُّوتُ البَرِّيُّ يَنشرُ صُوَرَ لُصوصِ البلاد / والنَّحلُ يُهاجم عُواءَ الحِجارة في مُعْتَقَلاتِ سَيْبيريا / لا الرَّصاصةُ أُمِّي / ولا الثورةُ البُلشفية ثَوْرتي/ دَمْعي الثأرُ زاحفاً / وأصواتُ بَلدتي تَجْرفُ نباحَ حَطبِ الموقدة / ويُجَمِّعُ مُجْرِمو الحربِ أرصدتهم مِن الجماجم / في بِرميل البَارود /
     أنا حَارِسُ حُدودِ الأسماك/ في الشَّفقِ البعيدِ عَن خَيْمتي/ حُدودُ دَوْلتي مِن نزيفي الأخضرِ حتى صُداعي الأزرقِ / وَحُدودُ كُرياتِ دَمي مِن مِشْنقتي اللازَوَرْدِيةِ حتى مِقْصلتي القُرْمزيةِ / وَحُدودُ ذِكرياتي مِن تابوتي البلاستيكيِّ حتى نَعْشي النُّحاسيِّ / رأسي أُرجوحةٌ لأطفالِ البَرقوق / يَحْملون تاريخَ عَمُودي الفِقري في الصَّحاري الجليديةِ / الغَسَقُ ابنُ عَمِّي لكنِّي يتيمٌ / 
     في ذلك الصَّمتِ البنفسجيِّ / تُولَد مَدينتي المعدنيةُ على ضِحكة الصَّنوبر/ أَفتحُ قلبي للذِّكرياتِ الغَريبةِ / كَي تَدخلَ مِياهُ البحرِ في نُخاعي الشَّوْكي / عُيوني هِيَ غُربتي / فلا تَبكِ عَليَّ يَا أنا / سأحتفلُ بأشكالِ ذَبْحتي الصَّدريةِ / لأنَّ الرَّعدَ طَهَّرَ خُيوطَ بُكائي مِن حَضارةِ دَمِ الحيْضِ / وتحتَ إِبطِ الذَّاكرةِ مِشنقةُ الأعشابِ / قَدْ بِعْنا فلسطين / وصِرْنا رومانسيِّين /
     لَمْ أَزرعْ في رِئتي حُقولَ الصَّوْتِ / لأُقدِّمَ الزُّهورَ للعُشَّاقِ في حَاناتِ لَندن / لم أُنظِّفْ بَلاطَ زِنزانتي / لِيَمشيَ عَلَيْه فُقهاءُ البَلاط / لم أكتب القصائدَ / لأتغزَّلَ بانكماشِ الرَّاهباتِ في الحكايات/
لم أُعَانِقْ لُغتي / لأخطَّ المراثي على الحزنِ المتدفِّقِ/ مِن شُقوقِ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ /
     حِينَ يَأخذُ الأباطرةُ أشجارَنا إِلى التَّجنيدِ الإجباري / في الجيش الذي يُحارِب نَفْسَه/ أجلسُ مَعَ الأمواجِ / نَدرسُ بَصماتِ البلابلِ على الحجارة الدَّامعةِ / أعشقُ أبجديةَ مَوْتي في أُمسياتِ صَوْتي/ أعمارُنا شموعٌ سَوْداء/ لأنَّ النُّسورَ أَكلتْ جُثَّةَ النَّهار/
     قِطَطَ الوادي / لا تَبْحثي عَن وَطنٍ / أحزاني وَطَنُكِ/ قَد يَرْحلُ الموجُ عَن الغُرفةِ التي وُلد فيها/ ويأخذُ مَعَهُ أشجارَ الحِبر/ ويَتركُ الحصيرَ باكياً على كَتفِ البلاط / ثم يُقتَل في الغُرفة التي وُلد فيها / ذَهَبت الصَّبايا إِلى الانتحارِ / وَبَقِيَت قُمصانُ النَّوْمِ على حَبْلِ الغَسيلِ / والطحالبُ سَقَطتْ في عُلبِ المِكياج / الصُّراخُ يَغتصبُ عُروقي / ولم أُفَرِّقْ بَيْنَ الرصاصِ المطاطيِّ وأقلامِ الرصاصِ /
     وَحيداً كأرملةٍ خَلَعُوا حِجَابَها / وبَنَوْا عَلى ضَفائرها ممالكَ السُّكوت / كان اليَانسونُ الذي يُغطِّي رُفاتي / أنا المطارَدُ في بِلاد الزَّرْنيخ / في زُجاجِ غُرفِ التحقيق/ في الشَّوارعِ الموحلة/ التي تُفضي إلى مُغامرات أُمراءِ الحروبِ/ المدوَّنةِ على جِنازةِ الدَّيناصورات/كُلَّما فَحَصَ النَّرْجِسُ حِيطانَ الْمُعْتَقَلِ / تكسَّرتْ ظِلالُ الْخَنجرِ الأثريِّ / وكُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيتُ قِناعي يَتَوَهَّجُ كالمطَرِ /
     مَاحِياً آثار مايكل أنجلو على أجسادِ الشَّحاذين / في ممالك الانتحار شَمالَ المتوسِّط/ قُرى الجِرذانِ البشريةِ التي حَوَّلوها إلى مَدافن / هِيَ أضلاعُ النبيذ / يَجرحون الفُلَّ الذي يُزَيِّن نَافذةَ بَحَّارٍ في عَكَّا / صَديقاتي نُجومَ السَّماءِ البعيدةِ عَن جُلودِ العُقبان / قَد اختلطَ هَدِيرُ محرِّكاتِ الطائراتِ/ بِدَمِ اليَنابيعِ السَّاخنِ / أكواخٌ لِطُيورِ البَحرِ/تَجمع سُعالَ الزَّبد على الشَّاطئِ / نُخَزِّنُ في رِيش دَجاجةٍ أحزانَ شِبَاكِ الصَّيدِ الفارغةِ / البَحرُ أقربُ إلى رُموشي مِنِّي / وَيَغارُ عليَّ مِنِّي / جُلودُنا تَحرسُ أعداءَنا / والضَّبابُ يَمْضي إلى ثُكنته العَسْكريةِ / في سَراديبِ القُصورِ الرَّمْليةِ /
     فِي إِحْدى الليالي نامت الليالي فِيَّ / وعِندما تتفجَّرُ المرافئُ في عيون النوارس / ويلتقطُ أطفالُنا الصُّوَرَ التِّذكاريةَ/ لحركة البَرقِ عَلى جُلودِ الإماء / يُصبِح جِلدي كُوخاً / تَقضي فِيه الرِّمالُ الكُحليةُ شَهْرَ العَسلِ / وَحِينَ تَموتُ النوارسُ تكونُ أجنحتُها هِيَ أكفانَها / أَعيشُ في قَلْبِ الرُّعْبِ/ وَأَخافُ أَن أَعودَ إِلى البَيْتِ / فَأَسْمَعَ بُكاءَ أُمِّي / لَمْ أُشارِكْ فِي حَفْلةِ زِفاف حَبَّةِ رَمْلٍ إلى الصَّدى/ جَرَفَ السَّيْلُ ذِكرياتِ النَّسر/ فَوْقَ رُؤوسِ العبيدِ المتَدَحْرِجَةِ عَلى زُنودِ السَّيَّافين/ بِطْريقٌ يَجْمعُ أَشلاءَ أُسْرته في كَفَّيه الصَّغيرتين / ويَدْفِنُها في قِيعانِ الفَجْر/ ذُبابةٌ تَنْقلُ على جَناحها ثَوْراً مُكْتَئِباً / إِلى عِيادة الطَّبيبِ البَيْطري / أَعْطاني مِفتاحَ كَهْفِه عُصْفورٌ/ والليمونةُ التي تَكْبُرُ في شِريان الأرضِ / تَكتبُ يَوْمِيَّاتِها على ذُبولِ القَراصنةِ / وأُمراءُ الأنقاضِ يُنَظِّفون السُّفنَ في أَحْشاءِ شُعوبهم / التي قَذَفوها في الدُّروبِ الْمُرْتَعِشَةِ / فيا أيَّتُها الوَردةُ البلاستيكِيَّةُ / لا تَنتظِري الْمَحْكُومَ بالإعدامِ /
     سَأَلني الليلُ عَن اسْمي فَلَمْ أُجِبْه / لأني ألتقطُ عَبَراتِ التِّلال/ وأُخَبِّئها في صُندوقِ البريدِ / أنا رَاعي غَنم في مَنافي الرَّعدِ / وَقَدْ لا أَجِدُ مَن يَدفنني إذا مِتُّ في صَرخةِ البَرْقوق/ مَا فائدةُ العَشاءِ على ضَوْءِ الشُّموعِ والعناكبُ تَسْبحُ في عَصيرِ البرتقال ؟/ سَتَرْتدي النِّساءُ قُمصانَ النَّوْمِ / ويَمْشِينَ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ /
     شَوْكُ الضَّياعِ يَثْقبُ تَجاعيدَ الصَّليل / ممالكُ الغُروبِ تَعودُ مع قاربي مِن جَنْي الرُّؤوسِ المقطوعةِ / أمواجُ الشَّفقِ لَيْست نَبتةً يُمزِّقها الكَهَنةُ / أَمْسَكَتْني يَمامةٌ ثُمَّ أَطْلَقَتْني في حُلْمِ خَناجرِ الفَيَضانِ / وَالعُشبُ يُبدِّلُ شَفَراتِ السُّيوفِ / كما تُبدِّلُ الرَّاقِصةُ خَلاخِيلَها / تَمُوجُ فَوْقَ الحقولِ أُغنيةٌ تَسخرُ مِن لُصوصِ النِّفطِ / غَزَالٌ يَخْلعُ جَواربَه/ ويَعُدُّ أَرْجُلَه عَلى سَجاجيدِ المذبحةِ / يُوَدِّعُ قَلبُ اللبؤةِ زَوايا المغَارةِ / يَقودُ الليمونُ فِي الشَّارِعِ مُظَاهَرةً ضِدَّ الأحكامِ العُرفيةِ / لَسْنا أثاثاً يُبدِّله أُمراءُ الحربِ مَتى شَاؤوا / أنامُ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطَاراتِ / وكُلَّما جاءَ المساءُ / رَأيتُ وُجوهَ الأمواتِ على زُجاجِ القِطَاراتِ/ البَحْرُ وَصِيَّةُ الْمَحْكُومِ بالإعدامِ/فَكُنْ وِصَايةَ القاتلِ عَلى الضَّحِيَّةِ/
     مَطرٌ غارقٌ في التَّثاؤبِ / الرَّصاصُ المطاطيُّ هُوَ أَعْراسُ اليَتامى / وَذَلِكَ القَمرُ يَضحكُ لِي وَيَقْتلني / فَتياتُ بَغْداد أنتنَّ شَجرٌ أخضر/ في رَبيعِ دَم الأضرحةِ / إِلى التُّرابِ هَذا اتِّجاهُ حَوَاسِّنا / فَهَل جَماجِمُنا سَتَصيرُ بَعْدَ إِبادَتِنا إِشارةَ مُرورٍ / في شَارِعٍ مُزْدَحِمٍ قُرْبَ مَصَانعِ البِيرة ؟ / جُمْجمةٌ تَقودُ دَرَّاجتها النَّاريةَ/ على إِزارِ بَعوضةٍ / رُعاةُ البقرِ يَتبادلون التَّهاني/ بَعْدَ إِبادةِ الهنود الْحُمْرِ/ أقامَ الحمَامُ عُرْساً للبَقِّ على مَائدةِ الأيتام / رَجعت القِطَطُ إِلى يَنابيعِ الألم / أَدغالُ عُيوني تَسجدُ في المحاريبِ للإِلهِ / عُصفورٌ يَأكلُ أَبَاه عَلى غُصْنٍ/ لا يَرْصده المخبِرُون المتكاثِرون كَبَيْضِ الحشراتِ / انتشرتْ ذَاكرةُ الفاصولياءِ عَلى حَدائقِ النُّعوش / لم يَكْبُرْ جَسَدي عَلى اقتلاعِ شَرايينِ النَّهر / أَعيشُ مُرَاهَقتي المتأخرةَ قَبْلَ احتضاري بَعْدَ انتحاري / وَسَوْفَ تُحصَد وَردةُ الضَّريحِ / وَهِيَ تَحْضُنُ قَوْسَ قُزَحَ / نَزْرعُ الأكفانَ الشَّمْسِيَّةَ بَيْنَ دِماءِ الزَّيتون وعَرَقِه/ لا أُنوثةَ فِي أدغالِ الوقتِ / انقرضتْ عَقاربُ السَّاعةِ / وعَاشَت الأفاعي في شَمْسِ الهزيمةِ / وَسَقطت البراويزُ عَن جُدْرانِ الطَّحالبِ / لَنْ يَلتقيَ العُشَّاقُ خَارِجَ مُعَسْكراتِ الإِبادةِ / لأنَّ القَمرَ وَقَعَ في بُحيرةِ الدَّمع / افْتَخِرْ بِي يَا أَبي أَمامَ رِجالِ القَبيلةِ / وافْرَحي يا أُمِّي / يَنْتظرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ الأضرحةِ /

     أُمِّي تُنَظِّفُ مَساميرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا / الزَّنازينُ مَسْقطُ رَأْسِ السُّنونو / والوَرْدُ يَصْعدُ مِن جُثْمانِه / تُفتِّش دُموعي عَن زِنزانةٍ/ لِكتابةِ الصَّدى عَلى جَسدِ الصَّوْتِ/ لتحريضِ صَدأ الحديدِ على الحديدِ/ لخلع قلبي مِن قلبي / وَسَوْفَ يَرقصُ العَبيدُ مَعَ الجواري ذَاتَ مساءٍ .