أغنيات للطوفان القادم من وراء التل / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
....................
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
....................
صَاحِ !/ لأنَّ المسافةَ مِن بَيتِ صَدِيقي إلى خَيْمتي مَليئةٌ بالجثثِ
وسياراتِ الإسعافِ / تختبئُ الأحصنةُ في جُيوبي / لأنَّ بَنْكِرْياسي مِنطقةٌ
عَسكريةٌ / تأتي الكِلابُ المسعورةُ إلى وِزارة الحرب / لأنَّ صَدْري أَعْلَى مِن
البَرقِ / أَملأُ أكياسَ الطَّحينِ الفارغةَ بالصَّهيلِ المقتول /
هُبوبُ الرِّياحِ
على شَعْر خُنصري يَهْمسُ في أُذُنِ القَمر : (( لا سَنَامُ الْجَملِ احتياطيٌّ
نفطيٌّ ولا جِيفةُ القِرْش مُخيَّمُ لاجئين )) / هَذا أنا أُؤَدِّي التحيةَ العسكريةَ لِذِكْرياتِ الشَّفق/ نَرُشُّ
قَليلاً مِن مِلْحِ الدُّموعِ عَلى طَعامِنا المتروكِ للبَعوض / مَشَت السَّكاكينُ
على الجِسْرِ الواصلِ بَيْنَ رِئَتَي الخريفِ / بَيْنما كُنتُ أَعُدُّ جُروحي التي
تصطدمُ بثوبِ الثلج / وكُلَّما قرأَ الموجُ الجريدةَ رَأى اسْمَه في صَفْحةِ
الوَفَياتِ / فَلْيَكُنْ نَعْشُكَ يَا جَلادي هُوَ النَّاطقَ الرَّسْمِيَّ بِاسْمِ
الفَراشاتِ /
يَا نَبْتةً تُغَنِّي في هَذا المساءِ
القَريبِ مِن الرُّعودِ / دَمِي أَمْ دَمُكِ ذلكَ الأحمرُ اللامعُ عَلى الأغصان ؟
/ مَلامِحي المفتَّتةُ قِنْديلٌ غَامِضٌ / كُلَّما حَطَّمَت الصَّواعقُ أَعصابَ
الشَّعيرِ / ارتفعَ صَوْتُ مُحرِّكاتِ الشَّاحناتِ العَسْكريةِ /
وَدَاعاً عَمُودي الفِقري ! / سَرَقه
الغُزاةُ لِيَحْشوه بالماريجوانا / لَكِنِّي أَنسِفُ ما تبقَّى مِن ذِكرياتِ
القَمحِ / مُخَزِّناً البُرْتقالَ في بَقايا عِظامي / والنهرُ يَموتُ على سَريرِ
زِنزانتي / لأنَّ أشجارَ الزِّينةِ أَكَلتْ جَوارحَه / فَيَا أيُّها السَّرابُ /
إنَّ الراهباتِ يَرْقُصْنَ لأنَّ البَقَّ أكَلَ أخشابَ الصُّلبان /
في لَيْلةٍ يُحاصِرُها الغِيابُ / كَان
الصَّيفُ جَالِساً على كُرْسِيٍّ يَقرأُ أشعاري أَمامَ المِدفأةِ / والثلوجُ عَلى
مُرْتفعاتِ البُكاء / لا أَمْلكُ الموتَ/ ولا الموتُ يَمْلكني / كِلانا مَمْلوكٌ /
واللهُ سَيِّدُنا / لا أُحاصِرُ خُطواتي/ ولا خُطواتي تُحاصِرني / كِلانا
مُحَاصَرٌ بِسُيوفِ الموْجِ / تَبحثُ لَيْمونةُ الذَّبحِ عَن ابنها في صُراخ
الحِراب/ مَاتت الذُّبابةُ بَعْدَ أَنْ أَكَلت بِثَدْيَيْها / ونَعْشي يَحرسُ
أعراسَ الطيورِ مِن حَديدِ الأقفاص / وجُثثُ الأطفالِ على الأراجيحِ في حَديقةِ
الصَّقيعِ /
القَمْحُ والضَّبابُ يَقْتتلان عَلى اقتسامِ
شَفَتِي / نَسِيَ القَمْحُ أَنَّا كُنَّا في قَفَصٍ وَاحِدٍ في بِلادٍ مُسجَّلةٍ
بِاسْمِ الإِمبراطورة / نتناولُ الهواءَ الباردَ / ونَحْتسي أكواباً مِن القَش /
هذا السَّرابُ يَزرعُ القَمحَ في لَحْمي / صَوْتي يَعُجُّ بالغابات / فَكُنْ
وَفِيَّاً أَيُّها القَشُّ إِنْ غَدَرَت بِنا شُموعُ العاشقين / تاريخُ أحزاني
يُولَد مِن لَمعانِ الموْجِ الصَّحراوي / والحقولُ أقربُ مِن ذَاكرتي / أَيُّها
المقْتولون في ضَوْءِ القَمر / لا تَقْتلوا القَمرَ بَعْدَ أنْ تَمتصُّوا ضَوْءَه
/ لا تُتاجِروا بِدَمِ الغَيْمات /
أُصيبتْ بِسَرطانِ الثَّدي بُحيرةٌ لا
تَمْلكُ ثَمنَ العِلاجِ / لَكِنَّ الأدغالَ تُقاتِل / تَزوَّج التتارُ هَزيمتهم في
مِياهٍ مُخْتَلِطَةٍ بالحِبرِ / لكنَّ النارَ أَحْرقت الرَّايةَ البيضاءَ /
استراحتْ قَوافلُ مُحمَّلةٌ بالموْتى/ في جُمْجُمةِ زَهْرةٍ بَرِّيةٍ / لكنَّ
الصَّحراءَ فَرَشَتْ عَرَقَها استراحةً لِسَائقي الشَّاحنات / اكْتَشَفْنا آثارَ
أقدامٍ عَلى جَناحٍ صَقْرٍ مَرْميٍّ في قَارِبٍ / يَسْتخدمه القُرْصانُ للإبحار في
دُموع الدَّلافين / لكنَّ البحرَ لم يَبْكِ / رَسَبَتْ شُرفتي في امتحانِ الفيزياء
/ لكنَّ نيوتُنَ أحدُ تلاميذي /
يَا
أسماكَ الجوعِ المهاجِرةَ في نَبضاتي/ لِيَكُن الحِوارُ بَيْننا دَافِئاً كالأمطار
/ في الزِّنزانة الانفراديةِ غَيْرِ المسْقُوفةِ / شَفَّافاً كالعَواصفِ /
سَرِيعاً كَدُموع الصَّبايا الخائفاتِ مِن العُنوسة / هَادِئاً كَبَقايا القُرى
بَعْدَ الإِعصارِ /
دَمْعي وَاقفٌ عَلى دَرَجِ بَيْتي يَنْتظرُ سَيَّارةَ الأُجرةِ/ كُلَّما
اجْتَاحَ الفَيضانُ خَاصِرةَ الشَّوْك كَبَّرَ قَلْبي وَوَجْهي / سَقَطَ السُّقوطُ
عَلى سُقوطِ الشَّعْرِ المستعارِ للملكاتِ / وَعَلا صَوْتُ الأذانِ / رِياحٌ
تَخدشُ العَرَقَ على جَبيني / دماءٌ على وُجوهِ شَقائقِ النُّعمانِ تَمْسحها
الفيضاناتُ /
إِلى حَبَّاتِ التُّرابِ جَسَدَانا أيُّها
البَلوطُ / فَرَضَ تاجُ الحصى الزُّجاجيِّ عُقوباتٍ على وَجْنَتِي / حِينَ رَفضتْ
قَصائدي أن تُوَقِّعَ اتفاقيةَ سَلامٍ مَعَ الظمأ / اشتاقَ الضَّبابُ إِلى
مُعَانَقةِ ضَوْءِ القَمرِ / عِنْدَ التَّلةِ المقابِلةِ لِنَظراتِ الصَّقر /
حَرِيقٌ أصابَ حُقولَ النِّفطِ في فَمِ الشَّعير / لا تَرُشُّوا عَلَيْه بُكاءَ
الأطفالِ كَي يَنطفئَ / لا ترشُّوا عَلَيْه حَليبَ الأبقارِ التي وَرِثَها الأسفلتُ
عَن أَبِيه /
الدُّروبُ التي تُفضِي إِلى رُمْحٍ مَنسيٍّ
في ظَهْرِ الميناءِ مُغْبَرَّةٌ / تَارِيخي صَاعِدٌ في حَنجرة الغَيم / هُناكَ /
في أطرافِ غابةٍ يَعْلوها غَيمٌ وقَوسُ قُزَحَ / كوخٌ حَوَّلَتْه السُّلطاتُ إلى
حَطَبٍ/كانت تَسْكنه عائلةٌ تَحتفلُ بِالعيدِ مُنتظرةً قُدومَ أبنائها المنفيين /
أعيادُ الطوفانِ هُوِيَّةُ الحقولِ / فَوْقَ
طَيرانِ السِّنديان في مَوْسمِ هِجرته / عِشْنا مَعَ دَمِنا المشاعِ في بَيادرنا /
لكنَّ الطغاةَ عِندَ حُضورِهم أَحْضَروا كلابَهم البُوليسيةَ / ليتأكَّدوا أنَّهم
غُزاة /
تنطفئُ أنوارُ الشوارعِ/ وتصبحُ خَاليةً إلا
مِن الرِّيح / يَحشدُ الظلامُ رَمادَ الجرائمِ الرُّومانسيةِ / الأذانُ يَنْزعُ
الظلامَ الجاثمَ على زَيتونِ الدموعِ / وِذْكرياتُ الأعداءِ تَحمل مِعْولاً
وبندقيةً وتمضي إلى قِتالهم / لَن يُحدِّدَ سَجَّاني مَوعدَ إفطاري / وقَلْبي غَيْرُ
وَاقِعٍ تَحْتَ الانتدابِ البريطاني / تَخَلَّتْ عَنِّي وِسادتي / وحِينَ قَرأتُ
مَا كَتَبَتْهُ في سيرتها الذاتية لَم أَجد اسْمي ! /
عَبَرَتْ تفاحةٌ ناريةٌ على جُثةِ أرسطو/
إلى ذِروة المواجَهةِ بَيْنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ / وَقَعَتْ جَبهةُ الإِمبراطورِ
في ظِلالها المالِحةِ شَمالَ الانهيارِ / عَلِقَ الصَّليلُ على أسلاكِ الكَهرباء
في أَنفِ عُصفور/ ممنوعٍ مِن الدُّخولِ إلى عُشِّه ! / لم يُقاتِل ظمأُ الصَّحاري
لأنه كانَ عريساً جديداً ! / وتجارُ الحروبِ يُنظِّمون بازاراً خَيْرياً /
لمساعدةِ ضَحايا الحروب ! / الرِّمالُ تُقلِّم أظافري والسَّجانون يَخْلعونها /
وفي فَترةِ الموتِ الليليِّ / يُسخِّن خَفْرُ السَّواحلِ القَهوةَ على شُموعِ
بكائهم /
عَزِيزتي الأمطار / إِنْ مَررتُ فِي بَالِكِ
ذَاتَ مَساءٍ / فاقْتحمي قَيْدي وَحَديدَ القُضبان / ظِلالُ الهديلِ على خَاتَمي
الذي ضَاع في مَاءِ عُيوني/ سَوْفَ تمزِّقُ الكُوليرا أسنانَ النَّسرِ / ولا
أعْرفُ هَل يَذهبُ النَّسرُ إلى طَبيبِ الأسنان / أم يموتُ في قِممِ الجبالِ
وَحيداً / سُنبلةٌ رَفَضَتْ سَيَّافي الأرضِ / ولا تَنتمي إلى قُصورٍ مختبئةٍ في
حَبَّاتِ النَّدى /
نقشُ الهزيمةِ عَلى حَطبِ الرُّموشِ
المكسورةِ / القَتلةُ يَعُودون إِلى زَوْجاتهم بَعْدَ انتهاءِ الدَّوامِ
الرَّسميِّ في المجزرة/ يُعانِقون أطفالَهم/ يحثُّونهم على الاجتهاد في المدرسة/
وأطفالُنا يَأخذون ذِكْرياتِهم مِن جَنازيرِ الدَّباباتِ / أحزانُ الرَّصيفِ
مَحطةُ قطاراتٍ لتحميلِ القَتْلى/ والأَسْرى يَزْرعون الرُّومانسيةَ بَيْنَ
جَثامينِ الفَراشاتِ / أَيَّتها الأميرةُ المزيَّنةُ بِالحطبِ والزَّبدِ الفاخِرِ
/ لَن تَشْتري تابوتَ أُمِّي / إِنَّه الرَّحيلُ عَن هَذه الأرضِ / التي تَخنقُ
أجفانَها أَجراسُ المذبحةِ / أغنامي المتفرِّقةَ كالجلادين المتقاعِدِين / لنكنْ
أصدقاءَ مِثْلَ المخبِرِين / سَافَرْنا فِي جَثامينِ الأشعةِ الشَّمْسيةِ / لِي
خُطاي عَلى جُلودِ الضِّباعِ القُرْمزية/ وَلَكِ خُطاكِ عَلى جُثةِ الرَّاعي /
اسْتَرَحْنا في فُوَّهة العَشْبِ كالإِماءِ / اقَْتَسَمْنا دُموعَ البَراري /
كالأَسْرى الذين يُزيِّنون قُيودَهم بالأوسمةِ / وَسَأَمْضي فِي رِحلتي وَحيداً /
نِعاجَ المأساةِ / لا تَغْسلي أكفاني بِدَمْعِ اليتيماتِ / ولا تُساعِدي الضَّبابَ
في تَزيين ضَريحي /
جَدِّي كانَ يَزرعُ التِّينَ في المجرَّاتِ/
آثارُ يَدَيْه عَلى أَشجارِ الذَّاكرةِ فَوْقَ التُّرابِ/ وهُوَ الآنَ تَحْتَ
التُّرابِ / فَلا تَبِعْ دَرَّاجتكَ الهوائيةَ أيُّها اليَنبوعُ لِتشتريَ لِي
أكفاناً مُسْتَوْرَدَةً / البَدَوياتُ يَتَقَمَّصْنَ الغجرياتِ / خَسِرَ الغجرُ /
وَخَسِرَ البَدْوُ الرُّحَّلُ / وَانتصرَ الرحيلُ / أنا المؤذِّنُ الوَحيدُ عَلى
كَوكبِ الزُّهرة / سَيِّدي وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ / وَلا مَلِكَ إلا الْمَلِكُ /
أيُّها المطرُ الذي يَعْبُرُ الضَّبابَ
البَنفسجيَّ/ أراكَ مِن وَراءِ دُموعِ نافذتي / غُرفتي سِراجُها مُطْفَأ / لكنَّ
سُعالي يَتوهَّجُ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / أُوزِّعُ الهدايا التِّذكاريةَ على
السَّائرين في جِنازتي / للنِّسيانِ وَردةُ المجازرِ / للنَّحلِ مملكةٌ لا
يَغْتصبها جَليدُ المنافي/ وتِلْكَ الآبارُ في هَديلِ البُحيراتِ قَريةٌ للسُّل/
سَارَ الليلُ عَلى جُثمانِ الرَّاقصةِ/ وَدُودُ التُّرابِ يَأْكلُ ثَدْيَيْها /
انتهت الرَّقْصةُ إِلى الأبدِ/ وَالعَناكبُ تتقاتلُ عَلى اقتسامِ الفَساتين
المهجورةِ/ أَتوكَّأُ على أَفعى/ وَبَراميلُ البَارودِ تتوكَّأ على عَمودي
الفِقريِّ / وَفِي كُرياتِ دَمِي حَرْبُ شَوارِع / وأنا القاتِلُ والضَّحيةُ .