محاولة لفهم لغة البحر / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...............
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...............
الآنَ ينتهي حُكْمُ الجرادِ / في عواصمِ الزَّبدِ الْمُثْخَنةِ بالملِكاتِ
السَّبايا / تنكمشُ ممالكُ القُمامةِ وجُمهورياتُ
الدَّيناصور/ في عُلَبِ السَّردينِ الفارغةِ / وعُلَبِ المِكياجِ الْمُمتلئةِ
بِضَفائرِ اليَتيماتِ /
بَريدُ الأعاصيرِ
هو تحدِّي جنون الأكاسرة/ أُسَرِّحُ باريسَ مِن حَقيبةِ ماري أنطوانيت / المصنوعةِ
مِن جُلودِ العَبيدِ / أَعْقِدُ اتفاقيةً مَعَ جُفوني / لأَدفنَ مملكةَ الحطبِ/ في
الشاطئِ الذي يكونُ فيه الراعي عدوَّ الغنمِ !/ ترعى المغاراتُ الصقورَ وأعوادَ
الثِّقابِ / المخصَّصةَ لِشُموعِ الضَّحكِ / تتسلقُ طُفولةُ المساءِ أناشيدَ الرُّعاةِ
/ لِتَبْلغَ طُفولتي التي رَمَتْها الْمَلِكَةُ / في غُرفة الألعاب الخاصة
بأبنائها ! /
أَزرعُ مُذكَّراتِ التوقيفِ الصادرةَ عَن بَناتِ
آوَى/ على سِياج حديقتي / لأتعلَّمَ تعبَ الشموسِ الفضيةِ في المحاكمِ العَسكريةِ /
لَم يَعُد الرَّملُ يُفرِّق بين بَناتِ آوَى وبناتِ أفكاره / في مُخَيِّلتي تنمو
أغصانُ النسيان/ ويختلط ظمأُ شِفاهِ الوَداعِ بأوجاع السُّيول/ في رَاحَتَيْكِ يا
نافذتي أوراقٌ للخريفِ الموْلودِ في دمائنا / هَل يَقْدِرُ المحكومُ بالإعدامِ أن
يَكُونَ رُومانسياً ؟ / الطريقُ إلى المدينة التي استعارها الملوكُ مِن ظِلِّي
بالقُوَّةِ / يَمُرُّ عَبْرَ دَمِي / فَيَا عَاشِقةَ البُكاءِ في ليالي الشِّتاء/
لا تنتظريني خَلْفَ جَذْر الشموس الجريحة وأصفادِ نحيبي / لأن السجونَ التي بَلعت
الشَّجرَ الأحمرَ تجري ورائي /
أيُّها السَّجانُ / لا تَبِعْ قَلْبَكَ
للقُرْصان / الذي يتجسَّس على الملح الأسْود في دموع البنفسج / الغُزاةُ يَأتونَ مِنَ
الجِهاتِ المحروسةِ بالصَّدى والقُبورِ الكِلْسِيَّةِ/ يَحْمِلُونَ أسماءَنا ويَسْرِقُونَ
رُموشَنا / فما فائدةُ أن أكونَ زَهْرةً بَيْنَ الأضرحة ؟! / أنا والموتُ شقيقان
في الطريق / والأيتامُ حَوْلنا يَلعبون بجثث أُمَّهاتهم/ وهذا البحرُ يَفنى
كخَوْخةٍ هَشَّة / أَجمعُ مُفْرداتِ ثَوْرة اليانسون على ممالك أحزاني / أَحْفِرُ
دمي في خَشب المراكب المكسَّرة/ كي تَسحبَ قَشَّةُ الطريقِ اللوْزَ/ مِن عِظام
البحَّارة الغَرْقى/ أُفَتِّشُ عن ذكريات النَّار/في القُيودِ الحديديةِ الصَّدِئةِ/
وحَبَّاتُ الرَّمل تسألُ مَعِدةَ الرَّصيف/ مِن أَين يَأخذُ السَّجانُ الرَّماديُّ
راتبَه ؟! / أُجيبُ عَن أسئلةِ المحقِّق في زاوية الغرفة / والمسدَّساتُ التي
تستحِمُّ على مكتبي بدماء الشهداء / أَعْرفها كأزهار الطفولة التي نَسَفها
المخبِرون والسلاطين/ الذين رَمَوا شعوبَهم في السُّكوت المحاصَر/ كُلُّ شيءٍ في
غُرفتي يُقاوِمهم: (( الجدرانُ والبلاطُ وصُورةُ جَدِّي ))/ صَوْتي أعشابُ الكَمان
/ يَحْرُسُ الصوتَ والصدى / أناشيدُ الفجر تَفورُ في أهدابي / أُقاوِمُ الرِّمالَ
المتحرِّكة/ التي تتناوبُ على حِراثة الأنهارِ الرُّومانسيةِ / أَنا النُّطْفةُ
المتشكِّلة
في ذاكرة الإعصار
/ أنا الراعي الذي قُتلت أغنامُه / أنا قطيعُ الغنم الذي رأى مَقتلَ الراعي /
نكتبُ أسماءَنا على نِصال السِّهام /
ونَهْربُ مِن المعركة / أَسألُ رمالَ الشَّفق / كَم جُثةً لهنديٍّ أحمر رماها
الرجالُ المدجَّجون بالأرصفة ؟ / كَم بِنْتاً وَأَدَهَا أعضاءُ نادي الجاهلية ؟ /
كَم أميراً سَرق براءةَ البرتقال في جثث الأطفال ؟/ وطَبَّاخُ الأمير يَبحث في
صُحون المطبخ عن أكفان أبنائه / كَيف أَمشي ومقاصلُ الورد تعيش في جَوْربي ؟!/ كيف
أفتخرُ بِأهدابي أمام البحر الأعمى ؟!/ كيف أَفْرُشُ جِلدي أمامَ البغايا زجاجاً
لموْكِبِ النبيلات ؟!/ نزيفُ الثلوجِ ياقوتُ المساءِ على مداخن أكواخ المنافي /
الطَّحينُ شِعْرُ العواصف / وكان طفلُ المرعى يُحْتَضَرُ / على كَتفِ جَدَّته
القتيلة/ خَنجري جمهوريةُ الليمونِ الرَّافضِ / وقصورُ الذئبِ في جسد التُّوتِ هِيَ لَوْنُهم الزَّائلُ / والطوفانُ
لا يستأذن من البشر / أين سَيَهرب القتلةُ الذين يَقْضون إِجازةَ الصيف/ خَلْفَ
رَبطاتِ العُنُق ؟!/ قطاراتٌ تَحمل الدِّيناميتَ/ تَسْبح في معدتي الصحراوية / هل
سَيَفْتحون الزنازين أمامَ السَّائحات العاريات ؟! / اتركوا الوطنَ ضائعاً /
ولنعشقْ صُوَرَ الخيل في كلام السَّحاب / تتسابقُ اللبؤاتُ في شراييني/ لفرض
الضرائب على بكاء الأيتام / أنشأَ اللصوصُ نِقَابةً لِقُطَّاع الطُّرق/ لِتَكُونَ
أعمالُهم موافقةً لدستور جمهورية أسماك القِرْش/ الذي اسْتَوْردوه مع باقي البضائع
!/
ملاحظةٌ كَتَبَتْهَا
رِئتي قبل اعتقالها : [ مِن مَظاهرِ الديمقراطية عند حكومات الأدغال الدموية :
مظاهراتٌ للشواذ جنسياً في طرقات الحيْض / فتاةٌ تضع على وجهها نِصْفَ طَنٍّ من
المساحيق تَقود سيارةَ مَرْسيدس / مسابقةٌ لطلبة الهندسة في الجامعات الذَّابلة
لتصميم أَفضلِ مِقْصلةٍ رُومانسية !/. ملابسُ البارونةِ تتوهج على جثامين الثائرين
/ تصاميمُ هندسيةٌ ممتازة لسجون عَصْرية ! / الانتخاباتُ التي حَقَّق فيها
القَيْصر 99%
والبقيةُ تأتي !/ والعدالةُ على طريقتهم : إذا سَرَقَ الشريفُ تركوه وإذا سرق
الفقيرُ أقاموا عليه الْحَدَّ ]/
مِزاجُ الإمبراطورةِ المتقلِّبُ / وزَوْجُها
الذي لا يَتَفَقَّدُ حُفرَ المجاري / إلا عند قدوم المصوِّرين/ لِتَكونَ الذِّكرى
مَحْفورةً على جِلد الماعز ! / نَخجلُ مِن أقنعتنا / نَهربُ مِن وُجوهنا/ نَرْمي
مَلامحَ المراهِقاتِ في أجسادِ النَّوارس/ نَذبحُ نساءَنا في المساء/ مُنتظِرين
قُدومَ الشِّتاءِ مِن أَجفان النَّخاسِين / أَشُمُّ رَوائحَ المنفى مِن شُرفتي المطلَّةِ / على بُكاءِ الغابات /
والحقولُ يَنهبون لونَها / لِيُقيموا حَضارةَ البارود / لم تَعُدْ دَوْلةُ الْمُرْتَزِقَةِ
إِلا إِسْطبلاً لِخَيْلِ الإمبراطورةِ /
هَذا أنا / كُلَّما
نَظرتُ إلى المِرآةِ أطلقتُ النارَ على المِرآةِ / يَحْقِنُ النَّمرُ ظِلالَ
البحرِ بالعطش / إِنَّ الفِطرَ السَّامَّ خَادِمُ الهذيان/ في مُعسكرات المجاعة /
وكانت الفئرانُ تَنهش ذاكرةَ المعركة بَيْنَ الصَّوتِ والصَّدى / متى يَقتلعُ
الصَّدى الورقيُّ عُمْرَ الأسفلتِ مِن قَش الجنون ؟!/ هذه صُكوكُ الغُفرانِ سَاعةُ يَدٍ
لقُرصانٍ مُتقاعِدٍ / والأرضُ تَلْفِظُ جِراحي لِكَيْلا تَتسمَّمَ / أُصيبت جيوشُ
الهذيانِ بالتُّخمة / رمى النَّخاسون إِخْلاصَ الجنود عَبْرَ الأبواب/ فتحوا في
أمعائنا أرشيفاً للمواكب الملكية / وذلك الجنونُ الرَّصاصيُّ / يَسكب عُيونَ الإوزِّ في ضِحكة السِّنديان/
فانتظِرْني أيها السَّيافُ / ولا تَحْزَني عَلَيَّ يا أُمِّي / سَيَصْعَدُ
النَّعناعُ مِن جُثماني / وتَنْمو الجوَّافةُ في الهياكلِ العَظْميةِ /
الديمقراطيةُ دُميةٌ
يَتَسلى بها بَوَّابُ محكمةِ التفتيش في وقت فراغه / قبل أن يُمارس هِوايته في
تلميع الأوسمة / يا فَلاحي بِلادي / احْرُسوا القمحَ بالذِّكريات / نحنُ الذين
نَنْزعُ الأوسمةَ عن صدور الأوثان / والقَراصنةُ يُلْقون المِرْسَاةَ في مَدْخل
الملهى الليلي / وَحْدي مَعَ المسافِرين مِن اغتيال الخوخ/ إلى مُدنٍ باعها
حُكَّامها للصدى / لَسْتُ مِن سُلالة قياصرة / ولا أنتمي لقطيعِ الجلادين / ولستُ
الحقدَ / عَلَّمَني عَظْمِي المسحوقُ أن أَمحوَ كلماتِ الشَّعير/ من طُرقاتِ
عَمُودي الفِقري/ وألا أَفتحَ جُرحي مَرْعَى / لإِبِلِ الخلفاءِ غَيْرِ الشَّرعيين
/
أيتها النساءُ اللواتي
يَضَعْنَ لحومَهنَّ أثاثاً للمسرح المكسور / أيتها النساءُ اللواتي يَغْرِسْنَ
أعضاءهنَّ في أغلفة المجلات السياسية / أيتها النساءُ اللواتي يَكْتُبْنَ
ذُلَّهُنَّ على ثياب عارضات الأزياء في عواصم الرِّعشة / أيتها النساءُ اللواتي
يَفْرُشْنَ أجسادَهنَّ على إعلانات زيادة الضرائب / أيتها النساءُ اللواتي
يُعلِّقْنَ على حَمَّالاتِ صُدُورهِنَّ لافتةَ الثقافة / أُنظُرْنَ إلى المرايا في
مَسْرحِ العرائس مِكياجاً ثقيلاً على قُماش الدُّمى /
قَفَصي الصَّدريُّ لَيْسَ فارغاً / قَد
سَكَنَ فيه أطفالُ العشبِ الذين تَلهث خَلْفَهم آلاتُ القتل / أيها القياصرةُ
الذين يُعطون بائعاتِ الهوى دكتوراة فخرية في البِغاء / أيها الذابلون الذين
يَبيعون الجنسيةَ الوحشيةَ للبرقوق المحاصَر / كُنْتم محارِبِين فاتحين في غُرفِ نَوْمكم أو مَوْتكم / لا
تَعْتَقِلوا التفاحَ وتحقِّقوا مَعَهُ في قاعاتِ الرَّقصِ / المخصَّصةِ للضَّفادعِ
الممتلئةِ بالويسكي /
المنافي التي تَنْبعُ مِن المساءِ
العَسْكريِّ رَصاصٌ في جَيْبِ الرَّعد/ لوس أنجلوس تُهَرِّبُ أبناءها في لحم
الخنازير المعلَّبِ / وتُرسِلهم لِيَنْكسروا كالدِّيدان المخدوعة في فِراش
الزَّوْجية !/ نِقابةُ المومساتِ الديمقراطيةُ / الأقسامُ المخصَّصةُ للحوامل
سِفَاحاً في المدارس الثانوية للبنات/ جَرادةٌ عمياءُ تأسرُ عنبَ الجزائر / في
النبيذ المفروش على طاولات الجنرالات قُرب جبال الألب/ أنا رَصيفُ ميناءٍ يَسيرُ
عليَّ ضَوءُ الفيضان / ولا يَمْشي عليَّ الجنودُ / لُغتي سُطوعُ فَراشاتٍ لا
تَسْتسلمُ للشَّبَكة / وأجفاني أَصُفُّهَا خنادقَ تَبْلعُ الجيوشَ / التي تَرفع
خُشونةَ تاريخِ الأوثانِ رَايةً / فافْرَحْ أيها الرَّمادُ الأُرجوانيُّ / إِنَّ
الجنودَ يَزْرعونَ أقواسَ النَّصرِ في أغشيةِ البَكارةِ /
قَالَ الزَّبدُ المدفونُ في مَعدةِ المطر :
(( أَضمنُ أن يَكونَ جَسدي مَعَ زَوْجتي ولا أَضمنُ أن يَكونَ قَلْبي مَعها )) /
يا حُرَّاسَ الغُبار / اغْسِلوا وُجوهَكم حِين تَكْسرون المرايا / لكي تَرَوْا
أقنعتكم خَارِجَ يَانسونِ الأمطار / أَعوادُ المشانقِ في السَّاحاتِ العامةِ
الممتدةِ في صُدورِ الثائرين / أيها المنفيُّون في سَاحِل الجِراح/ السَّاكنون في
الحنين إلى بنادق الثوار في الميادين الأسيرة / خُذوا قَلْبي سَدَّاً أَمَامَ
زَحْفِ الجرادِ المتحضِّرِ !/ إِنَّ الورودَ البلاستيكيةَ على النُّعوشِ الخشَبيةِ
/ أُسْقِطُ النظامَ الجمهوري في شَراييني / أرضٌ جَرْداء كأعلامِ القَراصنة / تاجٌ
مُرصَّع بِنَزيفِ بِلاد البُروق / امرأةٌ تَفتحُ كُهوفَ مِكْياجها أمامَ عَدساتِ
المهرِّجين /
صَديقي النِّسْيان / حَاوِلْ أن تتذكرني !/
أنا فتىً مِن الشَّرق/ أخذوا الصنوبرَ مِن ثِياب جَدِّي/ سَرَقوا جُثْماني / وأبي
مَا زِلْنا نَبحثُ عَنْه / أَدْخلُ زِنزانتي مُسَلَّحاً بالذِّكرياتِ / أَخذوا
أوراقي والأقلامَ / حَتَّى العنكبوتُ في الزَّاويةِ أَخَذوها ! /
وكان ثلجٌ نائماً على مِنجلٍ يُحْتَضَرُ /
ويَستجوبُ القُضبانَ / هَل الحزنُ وَردةُ المقامَرة التي يَقودها إِمبراطورُ
الغبارِ في البار ؟!/ هَل الشَّعبُ ضِمْنَ أوراقِ اللعب على طاولة الأميرةِ
الشَّابة ؟! / أنتعلُ أطيافَ الأنقاض/ وتنامُ الفتياتُ المغتصَباتُ على أجنحةِ
الفَراشات / والصَّوْلجانُ يَقْتفي أَثَري على أزهار الهاوية/ أنا أنتحرُ/
وَحَفَّارُ القبورِ يَستلمُ راتبَه التقاعديَّ/ فَمَن يَدْفِنُني في أجفانِ
الغَسَق؟/
عَرَّابَ الدَّولةِ الصاعدَ إِلى الأرشيفِ
الرَّمادي / لماذا تأخذُ شَعْري الفِضي إلى قَاعةِ الإعدام ؟! / لا تكنْ بائعاً
مُتجوِّلاً في مَقْهى أظافري المنثورةِ / على صَنوبرِ العُشَّاق / لا تكنْ
حَطَّاباً لأشجارنا الدَّمويةِ في الخريف الشَّاعري / مِثْلَ الموظفين الجدد في
ممالك رِياح الخماسين/ لا تُطْلِقْ على نُعوشِ الأيتامِ لَقَبَ " مستقبلك
السياسي" / اذهبْ إلى المقبرة لترى مُستقبلكَ السِّياسي ! /
حَطبٌ قُرمزيٌّ يَمشي على السَّجاد الأحمرِ /
في مُعْتَقَلاتِ إِبادة الهنود الْحُمر / فيا سَائِقي مَرْكباتِ نَقلِ الجنود/
أَمْهِلوا قِطَّتي العَرْجاءَ بَعْضَ الوقتِ/ لِلعُبور إلى الرئة الثانية
للزُّقاق/ مَزرعةُ خَنازير بَرِّيةٍ في ثِياب ممثِّلاتِ هُوليود/ غَرْناطةُ زُمردةٌ
في أكفِّ أصحابِ الحانات / وَتِلْكَ القَرابينُ عَلى حِيطان المعَابِدِ رَجْفَةٌ /
وَأُمراءُ الحروبِ يَفْتتحون مَهْرجانَ صُكُوكِ الغُفران / قارةٌ تَقفزُ مِن
غَابةِ النِّفطِ إلى غَابة النِّفطِ / كَقِرَدةٍ مُبْتدئين ضَلُّوا طَرِيقَهم /
واحتاجوا إِلى دَليلٍ سِياحيٍّ !/
الضَّحايا يَتَزَلجون على المسدَّساتِ
الخشبية / نِساءُ الشِّتاءِ لِتَسْليةِ العُميان في الصَّيف / حَفلةُ الإبادةِ
تَغرق في تبادُلِ الهدايا / والمشرَّدون في الخارج يَبحثون عن القَشِّ لِيَناموا
عليه !/ يَنامُ الميناءُ على ذِراعي اليُمنى / وأوسمةُ القَش يُلمِّعها خَنجرُ
الذِّكريات / أُطهِّر عَواصمَ رِئتي مِن الدِّيدان/ التي تَسْرقُ ظِلالَ
البَابُونَجِ على رُخامِ المجازر / يُلاحِقني الرَّعدُ في مَراعي الكُوليرا مِن
كُوخٍ إلى كُوخ / ويُلقي الألغامَ في نُعاسِ الياسمين / أَسألُ جُثمانَ أبي / عندما
تغفو على وِسادتي الحيتانُ الزَّرقاءُ / هَل سَتَشْهدُ رِمالُ البَحْرِ ضِدَّ
الضَّحية ؟ / إنَّ دَمَ الضَّحِيَّةِ لَيْسَ أزرقَ /
قَد يَرْمي الجلادُ أصابعي عَلى أخشابِ
المرفأ / قَد تُوزِّعُ السُّلطاتُ صُوَرَ الزَّنابقِ عَلى الحمَامِ الزَّاجلِ/
لِيَبْحثَ السُّلُّ عَن خُطواتِ الرِّيح على المرمرِ الملوَّثِ باكتئابِ الشُّطآن
/ تَمْشي السَّنابلُ حَافيةً على رُخام القبورِ الخاليةِ / لَكنَّ ألوانَ الحزنِ
تُقاتِل/ جُرحي إشارةُ مُرورٍ/ لِتَعْبرَ الدَّلافينُ إلى عُروقي النُّحاسيةِ /
والأغرابُ مَشْغولون بترتيبِ غُرفِ نَوْمهم/ كَجِرْذان في مُقتبل العُمر تتعاطى
مُضَادَّاتِ الاكتئابِ / يَلْمعُ البارودُ عَلى الأسفلتِ الرَّصاصيِّ المنتشرِ على
لُحومِ الفُرْسان / أنهارٌ بِلا أظافر على سَاعة يَدِي / ورِمالٌ تَرْكضُ في
زَفيري/ تُدَرِّبُ البَعوضَ على السِّباحة في جَماجمنا / المدنُ الذبيحةُ مِرآةٌ
مخدوشةٌ على قُماشِ أكفانِ البَجع /
قَبْلَ أن يَصُبُّوا نُعوشَ أهلي في البِئر
المجاوِرةِ للوَداع / بَحَثوا عَن عُكَّازةِ أبي تحتَ الرُّكام الهابطِ في رِئة ذِئبِ
الهزيمة / قَبْلَ أن يَنْصِبوا الفِخاخَ لعصافير الحيِّ في حَناجر المصلِّين /
قَبْلَ أن يَبيعوا سَرِيري وأظافري لِيَشْتروا مِكياجاً للأميراتِ / وبعضَ فساتينِ
السَّهرةِ المضاءةِ بأضواءِ السَّياراتِ المارَّةِ على جُلودِ الفَراشات / قَبْلَ
أن تَلتقيَ صَديقاتُ السُّلطانةِ عَلى أجزاءِ كَفَنِ الوَرْدةِ / قَبْلَ أن
يَرْموا المذابحَ على شاشاتِ التِلفاز / قَبْلَ أن يَبنوا شَركةَ حَفَّاري
القُبورِ على خُدودِنا / قَبْلَ أن يَحْبِسوا دُخانَ المصانعِ في شَرايينِ
الفتياتِ المغتصَباتِ في سَراييفو / أَطْلَقوا سَراحَ الحدائقِ الأسيرةِ في
خِيامنا المرقَّعةِ / لِتَكُونَ مَرْكباتُ نَقلِ الجنودِ أَقلَّ تَلْويثاً للبيئة
! /
جُيوشُ الصَّدى مُسْتَنْقعاتٌ مَسْعورةٌ /
عَلى الطُّرقِ الصَّحراويةِ / مُلْتَصِقةٌ على جُدرانِ النَّوم / تَتمرَّدُ العَصافيرُ
في قَسماتِ وَجْهِ المرعى/ أَيُّها الصَّيادُ الذي يتقيأُ القَياصرةَ/ في دَفْترِ
جَمعِ الطَّوابع / لا تَأْسِر الكَروانَ بأغلالِ المطرِ الحِمضيِّ / لا تُرشِد
العَوانسَ إلى أشلائي/ في طُرقاتِ النِّسيان / لا تَعْرِضوا أظافري في المتاحفِ/
أمامَ الذُّبابِ المعدني / لا تُعطوا رِئةَ جارتنا الأرملةِ هَدِيَّةً / لِبناتِ
الإقطاعيين المدْمِناتِ على الكُحول / أَحْضِروا جُثثَ الملوكِ المهرِّجين /
لِنَدْفِنَها في صَالةِ القِمار /
حَفَروا الأحكامَ العُرْفيةَ عَلى أمعاءِ
الشُّهداء/ قِطَّةُ البُكاءِ التي تُضْرِبُ عَن تقبيلِ الفِئران/ حَقَنُوها
بِرمالِ المنفى / واللصوصُ الشُّرفاءُ يَفْتتحون في كَبِدِ حَمامةٍ / مَعْرضاً
للمساميرِ الجديدة/ والمراهِقاتُ العَاشِقاتُ يُعَلِّقْنَ شَبابَهنَّ / على
بوَّابات العَمى/ هَيكلٌ مِن عِظام الشَّفق / قِلادةٌ مُعلَّقةٌ في رَقبةِ صَنمٍ
اسْمُه المنفى / ثَعلبٌ ذُو فِراء وَسِخ / العَواصمُ الخاليةُ إلا مِن
القَوَّادِين / إِنَّ الدَّمعَ شَاهِدُ قَبْرٍ للبُرتقالِ الغَريب/ والرَّصيفُ
مُهرِّجٌ طُحلبٌ / يَتزلج عَلى أوردةِ المساءِ / قُرْبَ حِيطانِ بئرٍ مُسيَّجةٍ
بِبُكاءِ البَغايا / والبَاعةُ الْمُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ عُرُوشَ الملوكِ
المخلوعينَ في طُرُقَاتِ الكُوليرا /
حَاضِناً الكَرزَ المهجورَ/ في دِماءِ
الشُّعوبِ اللاهثةِ/ والأرستقراطياتُ يُحضِّرْنَ رَسائلَ الدُّكتوراة عَن
دِيمقراطية المجزرة/ ودموعِ أُمِّي في خَريفِ الرُّعود/ رُبَّما يُصبِح اغْتيالي
خَبَراً رُومانسياً / في نَشْرةِ أخبارٍ صَادرةٍ مِن مِذياعٍ قَديمٍ / عَلى طاولةٍ
نظيفةٍ في مَطْعمٍ للوَجباتِ السَّريعة / نَبصقَ قاتلينا في سَلَّةِ المهملاتِ/
تحتَ شبابيكِ غُرف التعذيبِ المفتوحةِ على لُعابنا / نبصقُ قَاتلينا في أرشيفِ
البُوليسِ السِّري/ قُرْبَ أزهارِ النَّار/ أزُفُّ إِلى الترابِ أعضائي/ هذه
الشَّجراتُ المختبئةُ في سَريري/ تنتظرُ الوَهَجَ القاتلَ / صَالاتُ الرَّقصِ
مَفتوحةٌ أمامَ العُشَّاقِ / الذين صَمَّموا المذابحَ في قُلوبنا / والقَراصنةُ
المهذَّبون يُوَسِّعون المعْتَقَلاتِ المارَّةَ / أنهاراً مِن تَوابيتَ / صَنَعَها
عُمَّالُ نظافةٍ مُحْتَرِفون في وَرْشةِ الخليفة / دَمِي يَسيلُ على خُدودِ
الأندلس / يَغْرِسُ رَصيفُ الليلِ أنيابَه في كَفِّي/ يَذْهبُ النَّخيلُ إِلى
المدرسةِ مُسْرِعاً/ مَطرٌ يُبَلِّلُ أعشابَ المذبحةِ / والمجرمُ صَارَ رُومانسياً
/ في حُكومةِ انقراضِ المرجانِ البَحْريِّ / يَضعُ الموجُ حِزامَ الأمانِ / بَعْدَ
أن يَدهسَ القُصورَ الرَّمليةَ /
تَقَدَّمْ أيها الشاطئُ القُرمزيُّ / أنا
وأنتَ فَراشتان تَحومان حَوْلَ ضِفافِ الجرح / الممتدِّ مِن غروزني إلى سَراييفو
جُثثاً وَبساتين / تندلعُ المجازرُ في لَوْنِ السَّنابل / وسَاعِدي كُوخٌ لأسرابِ
الدَّجاجِ المهاجِرِ/ مِن النَّدى المذبوحِ في زِنزانتي الانفراديةِ/ قَدْ يَحتاجُ
الغُزاةُ إلى تلالٍ مِن الصَّابونِ / بَعْدَ حُروبِ الإِبادةِ المصنوعةِ لملءِ
وَقْتِ الفَراغ!/ يَبْقرُ النَّرجسُ بَطْنَ الرَّصاصةِ البِكْرِ / وكُلُّ مَمالكِ
الإِبادةِ أدغالُ هَوَسٍ / وَجْهي نهارٌ قَادِمٌ سَاجِدٌ لِلْمَلِكِ /
سِجْنٌ عَجوزٌ يَمتصُّ طَيرانَ العُقبانِ في
الخريفِ / وكانَ ضِفدعُ المذبحةِ يُخَزِّنُ أسناني في عُلبِ السَّجائرِ الأجنبيةِ
/ نَعْشي صَارَ مَقهىً لِرَاقصاتِ النِّفطِ / يُداهِمني القَمحُ أُقبِّله لأنه
سَيْفي / وَدُموعُ الرَّاهباتِ تُعبِّدُ الطريقَ إلى ستالينغراد / وصَوْتُ المطَرِ
كَسَرَ صَوْتَ الرَّصاصِ كالمزهرِيَّةِ /
بَيْنَ كَرْبلاءَ وَجُروحِ الفَارسِ دَمْعي
الشَّفافُ / خُيولُ الخليفةِ تَسقط كَبَيْضِ النَّعام / وَرأسُ الحسينِ لا تَسقطُ
/ عَبَرَ إلى غَدِهِ الواضحِ سَيِّداً / في جَنَّةٍ بلا شمسٍ ولا زَمْهرير /
أنيناً كانَ قَصْرُكَ أيها الوَلدُ الأُمويُّ المتجوِّلُ عَلى إِشارات المرورِ /
لبيعِ غَثيانِ الصَّحراءِ / سَراباً كانَ اختباؤُكَ يا سَارِقَ النَّدى / مِن
أجفانِ طُيورِ البَحرِ الحبيسةِ / بَيْنَ الحيطانِ المدهونةِ بالقتلِ وَمِرْآتكَ /
كُرياتُ دَمِي نُسورٌ فِي فُوَّهةِ القِتال
/ طَلَّقْتُ خَوْفي مِن مَحْكمةٍ / قُضاتها يَتقاضون رِماحَهم مِن حُكومةٍ عَلى
أُهبةِ الهذيانِ/ أُحبُّ الصَّهيلَ يَجْتاحني في رَبيعِ التوابيت / والشَّوارعُ
تركضُ في عِظامِنا الموزَّعةِ بالتَّساوي على رِجال الأمن / ومُفاجِئاً كندمِ
الزَّوجاتِ الخائناتِ / جاءَ اعترافُ الفِرنجة : (( بِعْنا نساءَنا للذي دَفَعَ
أكثر !))/ جِراحاتي زَيتونةُ الأيتامِ/ وَرُموشي مُنْتَجَعٌ سِياحيٌّ في إِجازة
آخِرِ الأسبوع/ إبليس وتاتشر يَتناولان غَداءَ عملٍ مُعَطَّراً / بنعوش الجيش الجمهوري
الإيرلندي/ وكانَ الصِّربُ يَشْربون الوَهمَ في سراييفو/عِنْدَ شَواهدِ قُبور
الشُّموس/ ويُلْقون الزُّجاجاتِ الفارغةَ في بَرْلمان الصَّحراءِ/ التي كانتْ
رَوْضةً لليتيماتِ الرَّافعاتِ الهلال شِعاراً / أحزانُ الأعشابِ طائرةٌ ورقيةٌ /
لَن أَتركَ رَقَبتي مَائدةَ غَداء لِكِسْرى / الطيورُ المرتعشةُ مِرْوحةُ التلالِ
الغاضبةِ / والغُزاةُ يَأخذون الصُّوَرَ التِّذكاريةَ / في بَنكرياس الموج /
وَالقواعدُ العسكريةُ في أمعائنا/ هِيَ جَوازُ سَفَرٍ للفِطر السَّام/ كَي يَنموَ
على لُحومِنا/ التُّهمُ الجاهزةُ تنتظرُ السِّنجابَ المندهشَ في بَلدته/ التي
هَدَمها اللازوردُ الرماديُّ / ليبنيَ إِمبراطوريةً أكثرَ انفتاحاً على الجرادِ /
سَرَطانُ الثَّدْيِ ودُودُ المقابرِ يَتَصَارَعَانِ عَلى احتكارِ صَدْرِكِ
أيَّتُها الغريبةُ / وَعِنْدما يُذبَح الموتُ أكونَ في الجنَّةِ أو النَّارِ /
بَلْدتي المفتوحةَ للأشباحِ المغْلَقةَ
أمامي/ قَبِّليني لأني ذَاهِبٌ لِكَي أتزوَّجَ التُّرابَ / أَصعدُ مِن قِبري
بِأَمْرِ سَيِّدي/ تعلَّمتُ كيفَ أُضَمِّدُ جِراحي / قَبْلَ أن تتعلمَ الإسبانياتُ
قِيادةَ السيارات في أندلسنا / التُّوتُ البَرِّيُّ يَنشرُ صُوَرَ لُصوصِ البلاد /
والنَّحلُ يُهاجم عُواءَ الحِجارة في مُعْتَقَلاتِ سَيْبيريا / لا الرَّصاصةُ
أُمِّي / ولا الثورةُ البُلشفية ثَوْرتي/ دَمْعي الثأرُ زاحفاً / وأصواتُ بَلدتي
تَجْرفُ نباحَ حَطبِ الموقدة / ويُجَمِّعُ مُجْرِمو الحربِ أرصدتهم مِن الجماجم / في
بِرميل البَارود /
أنا حَارِسُ حُدودِ الأسماك/ في الشَّفقِ
البعيدِ عَن خَيْمتي/ حُدودُ دَوْلتي مِن نزيفي الأخضرِ حتى صُداعي الأزرقِ /
وَحُدودُ كُرياتِ دَمي مِن مِشْنقتي اللازَوَرْدِيةِ حتى مِقْصلتي القُرْمزيةِ /
وَحُدودُ ذِكرياتي مِن تابوتي البلاستيكيِّ حتى نَعْشي النُّحاسيِّ / رأسي
أُرجوحةٌ لأطفالِ البَرقوق / يَحْملون تاريخَ عَمُودي الفِقري في الصَّحاري
الجليديةِ / الغَسَقُ ابنُ عَمِّي لكنِّي يتيمٌ /
في ذلك الصَّمتِ البنفسجيِّ / تُولَد
مَدينتي المعدنيةُ على ضِحكة الصَّنوبر/ أَفتحُ قلبي للذِّكرياتِ الغَريبةِ / كَي
تَدخلَ مِياهُ البحرِ في نُخاعي الشَّوْكي / عُيوني هِيَ غُربتي / فلا تَبكِ
عَليَّ يَا أنا / سأحتفلُ بأشكالِ ذَبْحتي الصَّدريةِ / لأنَّ الرَّعدَ طَهَّرَ
خُيوطَ بُكائي مِن حَضارةِ دَمِ الحيْضِ / وتحتَ إِبطِ الذَّاكرةِ مِشنقةُ
الأعشابِ / قَدْ بِعْنا فلسطين / وصِرْنا رومانسيِّين /
لَمْ أَزرعْ في رِئتي حُقولَ الصَّوْتِ /
لأُقدِّمَ الزُّهورَ للعُشَّاقِ في حَاناتِ لَندن / لم أُنظِّفْ بَلاطَ زِنزانتي /
لِيَمشيَ عَلَيْه فُقهاءُ البَلاط / لم أكتب القصائدَ / لأتغزَّلَ بانكماشِ
الرَّاهباتِ في الحكايات/
لم أُعَانِقْ لُغتي / لأخطَّ
المراثي على الحزنِ المتدفِّقِ/ مِن شُقوقِ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ /
حِينَ يَأخذُ الأباطرةُ أشجارَنا إِلى
التَّجنيدِ الإجباري / في الجيش الذي يُحارِب نَفْسَه/ أجلسُ مَعَ الأمواجِ /
نَدرسُ بَصماتِ البلابلِ على الحجارة الدَّامعةِ / أعشقُ أبجديةَ مَوْتي في
أُمسياتِ صَوْتي/ أعمارُنا شموعٌ سَوْداء/ لأنَّ النُّسورَ أَكلتْ جُثَّةَ
النَّهار/
قِطَطَ الوادي / لا تَبْحثي عَن وَطنٍ /
أحزاني وَطَنُكِ/ قَد يَرْحلُ الموجُ عَن الغُرفةِ التي وُلد فيها/ ويأخذُ مَعَهُ
أشجارَ الحِبر/ ويَتركُ الحصيرَ باكياً على كَتفِ البلاط / ثم يُقتَل في الغُرفة
التي وُلد فيها / ذَهَبت الصَّبايا إِلى الانتحارِ / وَبَقِيَت قُمصانُ النَّوْمِ
على حَبْلِ الغَسيلِ / والطحالبُ سَقَطتْ في عُلبِ المِكياج / الصُّراخُ يَغتصبُ
عُروقي / ولم أُفَرِّقْ بَيْنَ الرصاصِ المطاطيِّ وأقلامِ الرصاصِ /
وَحيداً كأرملةٍ خَلَعُوا حِجَابَها /
وبَنَوْا عَلى ضَفائرها ممالكَ السُّكوت / كان اليَانسونُ الذي يُغطِّي رُفاتي /
أنا المطارَدُ في بِلاد الزَّرْنيخ / في زُجاجِ غُرفِ التحقيق/ في الشَّوارعِ
الموحلة/ التي تُفضي إلى مُغامرات أُمراءِ الحروبِ/ المدوَّنةِ على جِنازةِ
الدَّيناصورات/كُلَّما فَحَصَ النَّرْجِسُ حِيطانَ الْمُعْتَقَلِ / تكسَّرتْ
ظِلالُ الْخَنجرِ الأثريِّ / وكُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيتُ قِناعي
يَتَوَهَّجُ كالمطَرِ /
مَاحِياً آثار مايكل أنجلو على أجسادِ
الشَّحاذين / في ممالك الانتحار شَمالَ المتوسِّط/ قُرى الجِرذانِ البشريةِ التي
حَوَّلوها إلى مَدافن / هِيَ أضلاعُ النبيذ / يَجرحون الفُلَّ الذي يُزَيِّن
نَافذةَ بَحَّارٍ في عَكَّا / صَديقاتي نُجومَ السَّماءِ البعيدةِ عَن جُلودِ
العُقبان / قَد اختلطَ هَدِيرُ محرِّكاتِ الطائراتِ/ بِدَمِ اليَنابيعِ السَّاخنِ
/ أكواخٌ لِطُيورِ البَحرِ/تَجمع سُعالَ الزَّبد على الشَّاطئِ / نُخَزِّنُ في
رِيش دَجاجةٍ أحزانَ شِبَاكِ الصَّيدِ الفارغةِ / البَحرُ أقربُ إلى رُموشي مِنِّي
/ وَيَغارُ عليَّ مِنِّي / جُلودُنا تَحرسُ أعداءَنا / والضَّبابُ يَمْضي إلى
ثُكنته العَسْكريةِ / في سَراديبِ القُصورِ الرَّمْليةِ /
فِي إِحْدى الليالي نامت الليالي فِيَّ /
وعِندما تتفجَّرُ المرافئُ في عيون النوارس / ويلتقطُ أطفالُنا الصُّوَرَ
التِّذكاريةَ/ لحركة البَرقِ عَلى جُلودِ الإماء / يُصبِح جِلدي كُوخاً / تَقضي
فِيه الرِّمالُ الكُحليةُ شَهْرَ العَسلِ / وَحِينَ تَموتُ النوارسُ تكونُ
أجنحتُها هِيَ أكفانَها / أَعيشُ في قَلْبِ الرُّعْبِ/ وَأَخافُ أَن أَعودَ إِلى
البَيْتِ / فَأَسْمَعَ بُكاءَ أُمِّي / لَمْ أُشارِكْ فِي حَفْلةِ زِفاف حَبَّةِ رَمْلٍ
إلى الصَّدى/ جَرَفَ السَّيْلُ ذِكرياتِ النَّسر/ فَوْقَ رُؤوسِ العبيدِ
المتَدَحْرِجَةِ عَلى زُنودِ السَّيَّافين/ بِطْريقٌ يَجْمعُ أَشلاءَ أُسْرته في
كَفَّيه الصَّغيرتين / ويَدْفِنُها في قِيعانِ الفَجْر/ ذُبابةٌ تَنْقلُ على
جَناحها ثَوْراً مُكْتَئِباً / إِلى عِيادة الطَّبيبِ البَيْطري / أَعْطاني
مِفتاحَ كَهْفِه عُصْفورٌ/ والليمونةُ التي تَكْبُرُ في شِريان الأرضِ / تَكتبُ
يَوْمِيَّاتِها على ذُبولِ القَراصنةِ / وأُمراءُ الأنقاضِ يُنَظِّفون السُّفنَ في
أَحْشاءِ شُعوبهم / التي قَذَفوها في الدُّروبِ الْمُرْتَعِشَةِ / فيا أيَّتُها
الوَردةُ البلاستيكِيَّةُ / لا تَنتظِري الْمَحْكُومَ بالإعدامِ /
سَأَلني الليلُ عَن اسْمي فَلَمْ أُجِبْه / لأني
ألتقطُ عَبَراتِ التِّلال/ وأُخَبِّئها في صُندوقِ البريدِ / أنا رَاعي غَنم في
مَنافي الرَّعدِ / وَقَدْ لا أَجِدُ مَن يَدفنني إذا مِتُّ في صَرخةِ البَرْقوق/
مَا فائدةُ العَشاءِ على ضَوْءِ الشُّموعِ والعناكبُ تَسْبحُ في عَصيرِ البرتقال
؟/ سَتَرْتدي النِّساءُ قُمصانَ النَّوْمِ / ويَمْشِينَ في الجِنازةِ
العَسكرِيَّةِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ /
شَوْكُ الضَّياعِ يَثْقبُ تَجاعيدَ الصَّليل
/ ممالكُ الغُروبِ تَعودُ مع قاربي مِن جَنْي الرُّؤوسِ المقطوعةِ / أمواجُ
الشَّفقِ لَيْست نَبتةً يُمزِّقها الكَهَنةُ / أَمْسَكَتْني يَمامةٌ ثُمَّ
أَطْلَقَتْني في حُلْمِ خَناجرِ الفَيَضانِ / وَالعُشبُ يُبدِّلُ شَفَراتِ السُّيوفِ / كما تُبدِّلُ الرَّاقِصةُ
خَلاخِيلَها / تَمُوجُ فَوْقَ الحقولِ
أُغنيةٌ تَسخرُ مِن لُصوصِ النِّفطِ / غَزَالٌ يَخْلعُ جَواربَه/ ويَعُدُّ
أَرْجُلَه عَلى سَجاجيدِ المذبحةِ / يُوَدِّعُ قَلبُ اللبؤةِ زَوايا المغَارةِ /
يَقودُ الليمونُ فِي الشَّارِعِ مُظَاهَرةً ضِدَّ الأحكامِ العُرفيةِ / لَسْنا
أثاثاً يُبدِّله أُمراءُ الحربِ مَتى شَاؤوا / أنامُ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ
القِطَاراتِ / وكُلَّما جاءَ المساءُ / رَأيتُ وُجوهَ الأمواتِ على زُجاجِ
القِطَاراتِ/ البَحْرُ وَصِيَّةُ الْمَحْكُومِ بالإعدامِ/فَكُنْ وِصَايةَ القاتلِ
عَلى الضَّحِيَّةِ/
مَطرٌ غارقٌ في التَّثاؤبِ / الرَّصاصُ
المطاطيُّ هُوَ أَعْراسُ اليَتامى / وَذَلِكَ القَمرُ يَضحكُ لِي وَيَقْتلني /
فَتياتُ بَغْداد أنتنَّ شَجرٌ أخضر/ في رَبيعِ دَم الأضرحةِ / إِلى التُّرابِ هَذا
اتِّجاهُ حَوَاسِّنا / فَهَل جَماجِمُنا سَتَصيرُ بَعْدَ إِبادَتِنا إِشارةَ
مُرورٍ / في شَارِعٍ مُزْدَحِمٍ قُرْبَ مَصَانعِ البِيرة ؟ / جُمْجمةٌ تَقودُ دَرَّاجتها النَّاريةَ/ على إِزارِ بَعوضةٍ /
رُعاةُ البقرِ يَتبادلون التَّهاني/ بَعْدَ إِبادةِ الهنود الْحُمْرِ/ أقامَ
الحمَامُ عُرْساً للبَقِّ على مَائدةِ الأيتام / رَجعت القِطَطُ إِلى يَنابيعِ
الألم / أَدغالُ عُيوني تَسجدُ في المحاريبِ للإِلهِ / عُصفورٌ يَأكلُ أَبَاه عَلى
غُصْنٍ/ لا يَرْصده المخبِرُون المتكاثِرون كَبَيْضِ الحشراتِ / انتشرتْ ذَاكرةُ
الفاصولياءِ عَلى حَدائقِ النُّعوش / لم يَكْبُرْ جَسَدي عَلى اقتلاعِ شَرايينِ
النَّهر / أَعيشُ مُرَاهَقتي المتأخرةَ قَبْلَ احتضاري بَعْدَ انتحاري / وَسَوْفَ
تُحصَد وَردةُ الضَّريحِ / وَهِيَ تَحْضُنُ قَوْسَ قُزَحَ / نَزْرعُ الأكفانَ
الشَّمْسِيَّةَ بَيْنَ دِماءِ الزَّيتون وعَرَقِه/ لا أُنوثةَ فِي أدغالِ الوقتِ /
انقرضتْ عَقاربُ السَّاعةِ / وعَاشَت الأفاعي في شَمْسِ الهزيمةِ / وَسَقطت
البراويزُ عَن جُدْرانِ الطَّحالبِ / لَنْ يَلتقيَ
العُشَّاقُ خَارِجَ مُعَسْكراتِ الإِبادةِ / لأنَّ القَمرَ وَقَعَ في بُحيرةِ
الدَّمع / افْتَخِرْ بِي يَا أَبي أَمامَ رِجالِ القَبيلةِ / وافْرَحي يا أُمِّي /
يَنْتظرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ الأضرحةِ /
أُمِّي تُنَظِّفُ مَساميرَ نَعْشي بِمِلْحِ
دُمُوعِهَا / الزَّنازينُ مَسْقطُ رَأْسِ السُّنونو / والوَرْدُ يَصْعدُ مِن
جُثْمانِه / تُفتِّش دُموعي عَن زِنزانةٍ/ لِكتابةِ الصَّدى عَلى جَسدِ الصَّوْتِ/
لتحريضِ صَدأ الحديدِ على الحديدِ/ لخلع قلبي مِن قلبي / وَسَوْفَ يَرقصُ العَبيدُ
مَعَ الجواري ذَاتَ مساءٍ .