بيرل باك ورفض التنصير
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 13/1/2017
..........................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 13/1/2017
..........................
وُلدت الأديبة الأمريكية بيرل باك ( 1892_
1973) في ولاية فرجينيا الأمريكية ، لأبوين يَعملان في مجال التنصير ( التبشير )،
وسافرت معهما إلى الصين وهي في شهرها الخامس ، وعاشت سنوات طويلة في الصين ، حيث
تعلمت خلالها اللغة الصينية ، وفهمت عادات الشعب الصيني وتقاليده . وقد حاولت
جاهدةً أن تجعل رواياتها جسراً بين الثقافة الأمريكية والثقافة الصينية ، رغم
الاختلافات الفكرية ، والتناقضات الثقافية .
لم تكن بيرل باك تنتمي
لأسرة من الْمُنصِّرين ( المبشِّرين بالمسيحية ) فَحَسْب ، بَل كانت هي أيضاً
مُبشِّرة ، عملت في صفوف هيئة الإرساليات التبشيرية . وتأثرت بتجارب والدَيْها ،
فقد كانت أُمُّها راوية بارعة للقصص ، خصوصاً القصص المتعلقة بالحرب الأهلية
الأمريكية . كما أن جولات والدها التبشيرية في الأرياف والمناطق المنعزلة وَفَّرت
له رَصيداً هائلاً من القصص ، التي كان يرويها لأولاده عِند عَودته ، وقد تركت
أثراً عميقاً في نفْس ابنته بيرل .
ومن الأحداث الصادمة في
حياتها وحياة عائلتها ، نشوء جمعية صينية سرية في عام 1900 ، قادت ثورةً لطرد
الأجانب ، وطالبت الصينيين الذين تنصَّروا بالعَودة إلى دياناتهم الأصلية . وهذا
الأمر اضطرها هي وعائلتها للهروب مِن منزلهم إلى ساحل البحر ، للنجاة من هذه
الثورة . ورغم هذه المعاناة ، إلا أن بيرل كانت تعتبر الثورة نتيجة منطقية
للاستغلال الغربي ، وما عاناه الصينيون مِن ظُلم الغرب وحِقد أبنائه . فقد كان
التنصير وسيلة للسيطرة على الشعب الصيني ، وإخضاعه للثقافة الغربية .
وفي عام 1910 ، سافرت
بيرل إلى أمريكا ، للالتحاف بكلية راندولف للبنات ، وهناك واصلت الكتابة في
المجلات والصحف، وفازت بجائزتين أدبيتين . الأولى لأحسن قصة تكتبها طالبة،
والثانية لأفضل قصيدة . وقد عانت كثيراً في الكلية ، إذْ ظَهرت الاختلافات بينها
وبين زميلاتها، بسبب أفكارها وطريقة تربيتها ، وتَمَّ اعتبارها غريبة الأطوار ،
لكنَّها استطاعت أن تعيد تشكيل حياتها لتنسجم مع الحياة الغربية في طريقة الحياة
والحديث واللباس . وقد حصلت على ليسانس
الآداب من كلية راندولف ماكون للبنات عام 1914 ، ثُمَّ عملت مُدرِّسة للفلسفة في
نفْس الكلية لمدة سنة واحدة ، وبعدها عادت إلى الصين ، للاعتناء بوالدتها المريضة
. وفي الوقت نفْسه ، قامت بتدريس اللغة الإنجليزية للطلاب الصينيين . كما استغلت
وقت فراغها لدراسة المؤلفات الصينية بشكل أكثر عُمقاً .
والجديرُ بالذِّكر أنَّ
الاسم الحقيقي لهذه الكاتبة هو"بيرل سيدينستريكر"،ولكنَّها عندما
تزوَّجت حَملت اسم عائلة زوجها " جون لوسينج باك " ، وهو خبير زراعي
عيَّنته هيئة الإرساليات البروتستانتية لتعليم الصينيين طرق الزراعة الأمريكية ،
وهكذا تحوَّل اسمها إلى " بيرل باك".
سافرت بيرل مَعَ زوجها
في أنحاء الصين ، وشاهدت عن قُرب النِّزاعات الاجتماعية في المجتمع الصيني ، وتفكك
الأُسرة ، والصراعات النفسية التي تسيطر على حياة الصينيين ، ورأت مشاعر التمزق
بين القديم والحديث ، والصِّدام بين النظام الأبوي الصارم والحياة المتحررة للفرد
. فقد انتشر في المجتمع الصيني التدخين على نطاق واسع ، وازداد الاختلاط بين
الجنسين ، وانتشر الرقص الأمريكي ، وبَرزت فكرة التمرد ضد السُّلطة الأبوية ، وصار
الشابُّ يتَّخذ قرار الزواج بعيداً عن أُسرته ، وقد كانت الأُسر الصينية تختار
الزوجات لأبنائها ، وتتولى تزويجهم . وفي ظل هذه الظروف ، ظَهرت الدعوات إلى
الشيوعية ، كرد فعل مضاد لفلسفة الحياة الغربية .
في عام 1925 ، سافرت إلى
أمريكا من جديد ، لعلاج ابنتها كارول التي كانت تعاني من التخلف العقلي ، ولكنْ
تَبَيَّنَ أنها ستظل مُعاقة طيلة حياتها .
وفي عام 1933 ، كتبت
بيرل مقالاً انتقدت فيه المنصِّرين ( المبشِّرين ) الذي يحرصون على زيادة أعداد
الداخلين في دِينهم عن طريق ابتزازهم واستغلال جهلهم وفقرهم ، ودُون مُراعاة
ظُروفهم الإنسانية . أدى نشر المقال لاستقالتها من هيئة الإرساليات التبشيرية،
فكان طلاقاً أبدياً بينها وبين المؤسسة التي عملت في صفوفها وانتمت إِلَيها .
وفي عام 1935 ، طَلَّقها
زوجها جون لوسينج باك ، وتزوَّجت في العام نفْسه ريتشارد جون والش ، رئيس شركة جون
داي للطباعة والنشر ، ورئيس تحرير مجلة آسيا ، وأقامت معه في أمريكا حتى وفاته عام
1960 .
تعلمت بيرل الصينية قبل
الإنجليزية ، ثُمَّ تعلمت الإنجليزية ، وهذا وَفَّرَ لها ثَروة لغوية هائلة ، وجعل
أسلوبها الأدبي قوياً ومتماسكاً . وقد انكبَّت على قراءة القصص مُنذ نعومة أظفارها
، وهي كاتبة غزيرة الإنتاج . وقد لُقِّبت بالكاتبة الصينية لأن معظم كتاباتها
مُستوحاة من الحياة في الصين. حصلت على جائزة بوليتزر ( 1932) عن روايتها الأرض
الطيبة ، وحصلت أيضاً على جائزة نوبل للآداب عام 1938 ، لتكون بذلك أول كاتبة
أمريكية تفوز بهذه الجائزة العالمية .
من أبرز رواياتها :
الأرض الطيبة ( 1931) . بيت منقسم ( 1935) . جناح المرأة ( 1946). الموجة الكبيرة ( 1948) .
رسالة من بكين ( 1957). الموت في قلعة ( 1965) .