فرانس إيميل سيلانبا وحتمية القدر
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ،20/1/2017
.......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ،20/1/2017
.......................
وُلد الكاتب الفنلندي
فرانس إيميل سيلانبا ( 1888_ 1964) لأبوَيْن مُزارعَيْن . وعلى الرغم من الفقر
المدقع الذي كانت تعيش فيه عائلته ، إلا أنه عاش طفولة سعيدة، كما تَمَكَّنت
عائلته من إرساله إلى المدرسة . وفي عام 1908 ، بدأ يدرس العلوم الطبيعية في جامعة
هِلسنكي ، وهذا الأمر أثَّرَ بشكل واضح على أفكاره وأحلامه وعوالم الكتابة في
ذِهنه ، كما أنَّه غيَّر نظرته إلى الحياة والكَون،وجعله يَتعاطف مع الفقراء
والمسحوقين والمنبوذين في المجتمع. وقد ترك الدراسة في عام 1913قبل تخرجه بسبب
مشكلاته الأسرية، وتكالب الأمراض عَلَيه ، وكثرة دُيونه ، وعدم استطاعته التَّكيف
مع حياة المدينة . لقد كانت المدينةُ وحشاً يُطارده ، وكابوساً يُسيطر عَلَيه ،
ويَقضي على أحلامه ، ويُدمِّر مشاعره ، فقد رأى فيها وحشية النظام الاستهلاكي
المادي ، حيث تَغيب الأحاسيس الدافئة بين الناس، وتبرز المصالح الشخصية، والحياة
العملية الخالية من العواطف.
عاد سيلانبا إلى الريف الذي نشأ فيه ، بعد اكتسابه العِلم والمعرفة ،
واتِّساع آفاقه ، واطِّلاعه على مؤلفات كبار الأدباء الإسكندنافيين والعالميين
الذين أثَّروا فِيه بشكل واضح ، وغيَّروا كثيراً من أفكاره ، وساهموا في إعادة
تشكيل نظام حياته . ثم تزوج ، وعمل لفترة قصيرة في دار نشر قريبة من العاصمة
هِلسنكي . ساهمت حياة الريف في استعادة صحته وتوازنه النفسي ، وبدأ الكتابة عن هذه
البيئة التي أحبَّها وعرفها جيداً ، وخالط أهلها ، وأدركَ أحزانهم وأفراحهم ،
واطَّلع على أحلامهم وخَيباتهم.وفي عام 1916 صدرت له أول رواية بعنوان( الحياة
والشمس ). وهي قصة حب عادية في ليالي الصيف ضمن البيئة الفنلندية ، كما أنها تبحث
عن دَور الإنسان في هذا الوجود ، وعلاقته بعناصر الطبيعة ، ووظيفته المركزية في
الكَون .
شَكَّلت الحرب الأهلية الفنلندية( 1918) صدمةً هائلة بالنسبة للكاتب،
وحَطَّمت معنوياته، وهشَّمت أحاسيسه ، وأفقدته الثقة بنفْسه ، وبَدَّلت نظرته إلى
عناصر الوجود ، فصارَ يَعتبر الحياة الجائرة نَوعاً مِن العبث والوهم والأحلام
الضائعة . وهذه الأفكار صارت المبادئ الأساسية في رواياته اللاحقة . ففي رواية
" الإرث المتواضع " ( 1919) ، يموت البطل في الحرب بين الأطراف
المتناحرة، معَ أنَّه واقف على الحياد، ولم يشارك في الحرب، وليس له أية علاقة
بالأطراف المتناحرة. وهذه الفلسفة تَنبع من النظرة القدرية للكاتب ، حيث الإنسان
مَحكوم بحتمية القَدَر ، ولا يَملِك أن يُغيِّر شَيئاً في حياته ، لأنه لا يَتحكم
بمساره ومصيره . فالأمرُ مَفروضٌ على الإنسان الذي ليس له ناقة ولا جَمل في حياته.
وهذه النظرة التي تُكرِّس عَجز الإنسان ، وعدم قُدرته على رسم حياته، إنما هي نزعة
تشاؤمية تُجرِّد الإنسان مِن قُدرته على التغيير ، وقد جاءت هذه النَّزعةُ كردة
فِعل نابعة من صدمة الحرب الأهلية بين أبناء البلد الواحد.وفي زمن الصراعات
والحروب ، يَفقد الكثير من الناس قيمة اليقين ، وتُصبح المسلَّمات في موضع الشك
والتساؤل والتشاؤم ، نتيجة القلق ، وكثرة القتل ، وانهيار الحياة الإنسانية ،
وانتشار الخراب ، وسقوط مُنجزات الحضارة .
نشر سيلانبا الكثير من الأعمال الأدبية ، من أبرزها رواية " النوم في
الشباب " ( 1931) التي تتحدث عن خادمة يتيمة مُفعمة بالحياة والحيوية ، إلا
أن حياتها تنتهي بشكل مأساوي بعد إصابتها بمرض السُّل. أمَّا في روايته" طريق
رَجل " ( 1932)، فقد رَكَّزَ على مراحل تطور شاب فلاح ، وأظهرَ أهمية العلاقة
العُضوية بين الإنسان والطبيعة ، وبين الفلاح وأرضه .
وفي عام 1934، قَدَّمَ الكاتبُ أفضلَ مؤلفاته على الإطلاق، وهي رواية
" ناس ليالي الصيف"، المكتوبة بلغة وصفية وغنائية شديدة الدِّقة . وفي
هذه الرواية ، تتجلى النظرة الحتمية إلى الإنسان والكون ، حيث القَدر المحتوم ،
والأحاسيس الدافئة ، والحياة المفعمة بالعواطف ، والشخصيات البسيطة والمعقَّدة ،
وتفاصيل الحياة الصغيرة ، والقضايا الوجودية الكُبرى .
وعُموماً، يُصوِّر الكاتب في أعماله الأدبية سُكان الريف الذين يعيشون
مُتَّحدين مع الأرض ، رافضين التَّخلي عنها ، ويكشف عن واقعهم المأساوي ، ويُبرِز
حياة البؤس التي يَعيشونها . ودائماً، شخصياته تأتي من الطبقات المتدنية في
المجتمع ، حيث تتكرَّس المعاناة الحقيقية في سبيل تَوفير لُقمة العَيش ، وينتشر
الظلم والاضطهاد والحقد الاجتماعي والتفاوت الطبقي. وتُواجه الشخصيات مصيرها
المحتوم بكثير من السلبية أو اللامُبالاة الهادئة، بَحثاً عن الأمل الكاذب، أو
الراحة النفسية الوهمية ، أو لحظات السعادة العابرة .
في عام 1939 ، حصل على جائزة نوبل للآداب " لفهمه العميق لحياة
الفلاحين في بلاده ، وتصوير مشاعرهم وأحلامهم ، وطريقتهم في الحياة ، وعلاقتهم
العُضوية معَ الطبيعة " ، ليكون بذلك أول كاتب فنلندي يحصل على هذه الجائزة
العالمية.وفي عام 1941، طَلَّقَ سيلانبا زوجته ، وعانى من مشكلات صحية ناتجة عن
إدمان الكحول، لكنه عاد في عام 1943 إلى الحياة العامة ، وصارَ يُلقي أحاديث في
الإذاعة ، أحدثت صَدىً هائلاً بين المستمعين ، ولاقت شعبية كبيرة .
مِن أبرز رواياته: الحياة والشمس ( 1916) . أحب بلدي ( 1919) . اعتراف ( 1928) . النوم في الشباب( 1931). طريق رَجل (
1932). ناس ليالي الصيف ( 1934).