الرد على احسان الفقيه
الرد على ابن تيمية
.............
نشرت الكاتبة إحسان الفقيه مقالًا في جريدة
القدس العربي اللندنية ، بعنوان : " محاكمة ابن تيمية : حَلْقة في مسلسل
التجديد المزعوم " بتاريخ 11/5/2020 م . وقد عظَّمت ابنَ تيمية ، ووصفته بشيخ
الإسلام ، ودافعت عنه ، وقدَّمته كحمل وديع ، بعيد كُل البُعد عن الفتاوى المتطرفة
والأفكار الشَّاذَّة ، وأن داعش التي تعتمد على أفكار ابن تيمية قد ظَلَمَته ،
وأساءت فَهْمَ كلامه ! .
والمشكلةُ الجذرية أن الكاتبة إحسان الفقيه
غير متخصصة في العلوم الشرعية ، وهي تكتب في مواضيع دينية اعتمادًا على عواطفها
ومشاعرها بأسلوب حماسي جذَّاب ، لكنَّ المواضيع الدينية لا تقوم على مشاعر الحُب
والكُره ، وإنما تقوم على الأدلة المُعْتَبَرَة شرعًا ، والبراهين النقلية
والعقلية معًا . وحُب إحسان الفقيه لابن تيمية وتقديسها له ، قادها إلى أخطاء كثيرة
، وأحكام غير منطقية . والحُب أعمى ، وحُب الشَّيء يُعْمِي ويُصِم .
لقد رَدَّ كثيرٌ مِن العلماء قديمًا وحديثًا
على ابن تيمية، وبيَّنوا انحرفاته وأخطاءه وعقائده الباطلة في التَّجسيم
والتَّشبيه ومُخالفته لإجماع المُسلمين . وأنا طالبُ العِلم الصغيرُ رددتُ على ابن
تيمية في كتابَيْن مَطبوعَيْن : 1_ حقيقة القُرآن ، 2_ بحوث في الفِكر الإسلامي .
ولا أُريد الدُّخول في تفاصيل كثيرة ، لأن الموضوع متشعب . ولكنِّي سأنقل كلامًا
لواحد مِن أكبر علماء المسلمين في التاريخ ، وهو الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني
أمير المؤمنين في عِلم الحديث.وهذا الكلام رَد على ابن تيمية، ورَد على إحسان
الفقيه،في آنٍ معًا.
قال ابن حجر في كتابه الدُّرر الكامنة ( 1/
179و180 و181و182 ) تلخيصاً لأهم العقائد التي أخطأ فيها ابن تيمية : (( وقال
الأقشهري في رحلته في حق ابن تيمية : بارع في الفِقه والأصْلَيْن والفرائض والحساب
وفنون أُخَر ، وما مِن فن إلا له فيه يد طُولَى ، وقَلمه ولسانه متقاربان. قال
الطوفي: سمعتُه يقول : مَن سألني مستفيدًا حَقَّقْتُ له ، ومَن سألني مُتَعَنِّتًا
ناقضتُه فلا يلبث أن ينقطع فأُكفَى مُؤنته . وذكر تصانيفه . وقال في كتابه إبطال
الحِيَل : عظيم النفع ، وكان يتكلم على المِنبر على طريقة المفسرين مع الفقه
والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسُّنة واللغة والنظر ما لا يَقْدر أحد على أن
يورده في عِدَّة مجالس كأن هذه العلوم بين عينيه فأَخذ منها ما يشاء ويَذَر ، ومِن
ثَمَّ نُسب أصحابه إلى الغُلُوِّ فيه ، واقتضى له ذلك العُجْب بنفْسه ، حتى زها
على أبناء جِنسه واستشعر أنه مجتهد فصار يردُّ على صغير العلماء وكبيرهم قَوِيِّهم
وحديثهم ، حتى انتهى إلى عُمر فخطَّأه في شيء ، فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر
عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر ، وقال في حق عليٍّ أخطأ في سبعة عشر شيئًا ، ثُمَّ
خالفَ فيها نَصَّ الكتاب ، منها : اعتداد المُتَوَفَّى عنها زوجُها أطولَ الأجلَيْن
، وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة ، حتى إِنَّه سَبَّ الغزالي فقام
عليه قوم ... فذكروا أنه ذكر حديث النُّزول فنزل عن المِنبَر درجتين فقال كَنُزولي
هذا، فنُسِب إلى التجسيم ، وَرَدَّ على مَن توسَّل بالنبيِّ صلى الله عليه وسَلَّم
أو استغاث ... ، وافترق الناس فيه شِيَعًا ،
فمِنهم مَن نَسَبَه إلى التجسيم لِمَا ذَكَرَ في العقيدة الحموية والواسطية
وغيرهما من ذلك كقَوله إن اليد والقَدَم ... والساق والوجه صفات
حقيقية للهِ، وأنَّهُ مُسْتَوٍ على العرش بذاته ، فقِيل له يلزم من ذلك التَّحَيُّز
والانقسام ، فقال أنا لا أُسلِّم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام ، فأُلزم
بأنه يقول بتحيُّز في ذات اللهِ . ومِنهم مَن يَنْسِبُه إلى الزَّندقة لِقَوله إن
النبيَّ صلى الله عليه وسَلَّم لا يُستغاث به ، وأن في ذلك تنقيصًا ومنعًا من
تعظيم النبيِّ صلى الله عليه وسَلَّم ، ... ، ومِنهم مَن يَنسبه إلى النفاق لِقَوله
في عليٍّ ما تقدَّم ، ولقوله إنه كان مخذولًا حيث ما توجَّه، وإنه حاولَ الخلافةَ
مِرارًا فلم يَنَلْها ، وإنما قاتل للرئاسة لا للدِّيانة ، ولقَوله إنه كان يُحب
الرئاسة، وإن عثمان كان يحب المال ، ولقوله أبو بكر أسلم شيخًا يدري ما يقول ،
وعليٌّ أسلمَ صَبِيًّا ، والصبيُّ لا يَصِحُّ إسلامُه على قَوْل ، وبكلامه في قصة
خِطبة بنت أبي جَهل... وقصة أبي العاص بن الربيع ، وما يُؤخَذ من مفهومها فإنه شَنَّع
في ذلك فألزموه بالنِّفاق لِقَوله صلى الله عليه وسَلَّم _ في عليِّ بن أبي طالب :
(( ولا يُبْغِضُكَ إلا مُنافق )) [
صحيح مسلم ] . ونَسَبَه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يَلْهَج بِذِكْر
ابن تومرت ويُطريه ، فكان ذلك مُؤكِّدًا لِطُول سِجنه ، وله وقائع شهيرة ، وكان
إذا حُوقِق وأُلزم يقول : لَم أُرِدْ هذا ، إنما أردتُ كذا ، فيذكر احتمالًا بعيدًا
)) انتهى.
وبالإضافة إلى ما سبق ، ينبغي أن يُعلَم أن
ابن تيمية مُتعصِّب بشكل أعمى للمذهب الحنبلي ، أو بشكل أدق : مُتعصِّب
لِمُجَسِّمة الحنابلة . والحنابلةُ عُمومًا معروفون بالغِلْظة والقَسوة والشِّدة
والتَّعصب المَقيت . وإِلَيْكَ هذا النص الذي ننقله بِطُوله بسبب أهميته الكُبرى ،
مِن كتاب : تاريخ المذاهب الإسلامية ، للشيخ محمد أبو زهرة ، مِن كبار عُلماء
الأزهر الشريف في القرن العشرين :
(( معَ قوة رجال الفِقه الحنبلي لم يكن
انتشارُه متناسبًا معَ هذه القوة واتساع الاستنباط فيه ، وإطلاق فقهائه حرية
الاجتهاد لأهله ، فقد كان أتباع المذهب من العامة قليلين ، حتى إِنهم لَم يكونوا
سَواد الشعب في أي إقليم من الأقاليم ، إلا ما كان من أمرهم في نَجْد، ثم في كثير
من الجزيرة العربية بعد سيادة حُكم آل سُعود في تلك الجزيرة . ولماذا كانت تلك
القِلَّة؟ والجواب عن ذلك أن عدة أسباب تضافرت فقلَّلت من انتشار هذا المذهب )) .
مِن بين تلك الأسباب : (( شِدَّة الحنابلة وتعصُّبهم، وكثرة خِلافهم معَ غَيرهم ،
لا بالحُجَّة والبُرهان، بل بالعمل ، وكانوا كُلما قَوِيَتْ شَوْكَتُهم اشتدُّوا
على الناس باسم الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنكَر ، واقرأ ما كتبه ابن الأثير
في الكامل: (( وفيها أي في سنة 323 هـ ، عَظُمَ أمر الحنابلة ، وقَوِيَت شوكتُهم ،
وصاروا يَكْبِسُون دُورَ القُوَّاد ( القادة ) والعامة ، وإن وجدوا نبيذًا أراقوه
، وإن وجدوا مُغَنِّيةً ضربوها ، وكسروا آلةَ الغِناء، واعترَضوا في البيع والشراء،ومشي
الرجال مع النساء والصِّبيان ، فإذا رَأَوا ذلك سألوه عن الذي معه مَن هُوَ ؟ ،
فأخبرَهم ، وإلا ضربوه ، وحَمَلوه إلى صاحب الشرطة ، وشَهِدوا عليه بالفاحشة ،
فأزْعَجوا بغداد ... )) . وبهذه الأعمال وغيرها ، نَفَرَ الناسُ مِنهم ، وقَلَّ
أتباعُهم .