الضوء الاجتماعي والمصير المشترك
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
..............
التعاملُ مع الحقائق الاجتماعية هو في الحقيقة
تعاملٌ معَ أساليب التفكير البشري ، ومصادرِ المشاعر الإنسانية ، لأنَّ الحقائق
الاجتماعية لَيست كُتُلًا صَمَّاء ، ولا كيانات معزولة ، ولا قوالب جامدة ، بَل هي
حقائق معرفية ذات جُذور راسخة في بُنية المجتمع ، تُمثِّل انعكاسًا للحُلم
الإنساني على الصعيدَيْن : الفكري والشُّعوري . وكُل عملية انعكاس في المنظومة
الاجتماعية تدفع باتجاه البحث عن مَصدر الضَّوء الاجتماعي الأساسي، لأن وُجود الضَّوء
سابق على انعكاسه ، وماهية الشيء سابقة على تأثيراته في عناصر البيئة المُحيطة .
2
الضَّوءُ الاجتماعي هو طبيعة التأسيس
الشُّعوري على قاعدة الفكر الإنساني ، وكُل ضَوء يجب أن يكون واضحًا في ذاته ، وقادرًا
على توضيح الطريق للآخرين . ووفق هذه المُعادلة ، يتحدَّد منهجُ نجاة الفرد
المرتبط بالخلاص الجماعي،لأن الجُزء والكُل في قارب واحد،وهذا يجعل مصيرهما
مُشتركًا.ولا يُمكن للقارب أن يصل إلى بَر الأمان في ليل العواصف ، إلا إذا
اتَّجَهَ نَحو ضَوء المَنارة بأقصى سُرعته . وكما أن ضَوء المَنارة هو أمل
النَّجاة للقارب ، كذلك الشُّعور الإنساني النبيل المُشيَّد على الفكر الإبداعي ،
هو أمل النجاة للفرد والجماعة.
3
المَصيرُ المُشترك لَيس شعارًا عاطفيًّا
للاستهلاك اليَومي ، وإنَّما هو أساس وجودي متين في صميم العلاقات الاجتماعية ، لأنَّ
المصير المُشترك هو الإطار الذي يُوحِّد كافةَ الجُهود البشرية ، ويَفرِض على
الأنساق الاجتماعية المتحركة نحو المستقبل أن تتعاون مِن أجل تحقيق الهدف المنشود
. وبما أنَّ أقصر طريق بين نُقطتَيْن هو الخط المستقيم، كذلك أقصر طريق بين
الوسيلة والغاية هو المَصير المُشترك ، لأنَّه الضمانة الأكيدة لرص الصُّفوف،
وتوحيد الجُهود ، وحَشد الموارد ، وتوفير الوقت . وهذا يَمنع إضاعة الجُهود
وبَعثرة الموارد في طُرقات جانبية مُتشعِّبة ، ويَجعل جميعَ طاقات قوى الشعب في
طريق واحد ، تمامًا كالنهر الكبير الذي يشقُّ مَجراه الأساسي ، ويَحفر طريقَه
الرئيسي ، بكامل قُوَّته وتركيزه ، دُون إضاعة اندفاع مياهه الهادرة في روافد
جانبية وأنهار صغيرة هامشية .
4
رِحلةُ البَحث عن الحقائق الاجتماعية في
ضَوء المَصير الإنساني المُشترك ، تُمثِّل وُجودًا مُكتمل الأركان ، وحياةً قائمةً
بذاتها ، لأن البَحْثَ عَن الحياةِ حياةٌ ، والسَّعْي نَحو الضوءِ ضَوْءٌ ، وما
دام المجتمعُ يسير نحو ضَوءِ النجاة وأملِ الخلاص ، فهو مُجتمع حَي مُتحرِّك ،
يمتلك تاريخه الحضاري ، وذاكرته الإبداعية ، وأحلامه الشخصية ، وقادر على الوصول
إلى النتيجة المَرْجُوَّة والغاية المنشودة . ومَن واصلَ قَرْعَ باب المُستقبل
بقُوَّة وإصرار ، بلا مَلَل ولا يأس ، سيُفتَح له في الوَقت الذي لا يتوقَّعه ،
كما يُفتَح بابُ المغارة التي تَحتوي على الكنز ، ولكنَّ الشَّجاعة صَبر ساعة ،
والتاريخ الإنساني _ بشكل عام _ مِثل لُعبة عَض الأصابع ، مَن يَصرخ أوَّلًا يَخسر
اللعبةَ ، ويَخرج مِن التاريخ ، ويَسقط في الفراغ ، وهذا يدل على أهمية القُوَّة
والثبات في وجه الأزمات ، وضرورة التَّحَلِّي بالقُدرة على التَّحَمُّل ، والعمل
تحت الضغوطات الشديدة . والألمُ يُصِيب الناسَ جميعًا، لكنَّ القَوِيَّ مَن
يتحمَّل ويَصبر ويحاول إزالته بهُدوء وتركيز، لأنَّ الصُّراخ والارتباك والفوضى
نِقَاط ضَعْف، تُفاقم حجمَ المشكلة ، ولا تُسَاهِم في الحَل . والمجتمعُ في
الأزمات مِثل السَّابح في البحر ، كِلاهما إذا ارتبكَ غَرِقَ .