الحضارة الضائعة والبلاد القاسية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن ، 19/5/2020
...............
الحضارات القائمة على قتل البشر،
تظهر فلسفتها المتغطرسة في الآثار العمرانية. الغرور قبر الإنسان وضريح الحضارة.
يهدمون الإنسان، ثم يبنون المقابر بكل أناقة، وفق أحدث نظريات الهندسة المعمارية.
كان الفراعنة حريصين على تشييد قبورهم. قضوا حياتهم في التفكير بموتهم. وكانت
حياتهم هي فلسفة الموت. ولدوا في الموت، وعاشوا في الموت، وماتوا في الموت. فهل
شعروا بالحياة؟ مات البشر من أجل حفر قناة السويس. ومات البشر من أجل بناء
الأهرام. هُدِمَ الإنسان، وبُنِيَ السد العالي. فهل هذا نجاح أم فشل؟ لا أجد أفضل
من مصر لاعتمادها أنموذجا. إنها البلد الوحيد المذكور في القرآن والتوراة
والإنجيل. إنها البلد الذي يملك في رصيده سبعة آلاف سنة من الحضارة.
2
عندما تُحشَر الحضارة في الزاوية تبدأ بأكل نفسها. لا تحشروا القِط في الزاوية. ستأكل الثورة أبناءها. تنكمش الحضارة في الزاوية الضيقة، وتبدأ بالاضمحلال التدريجي. وحين تغيب الروافد، فإن البحيرة ستجف. الانفتاح هو القوة. سينفتح النهر على البحر، وينفتح البحر على البحيرة. قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. وقد يتفوق التلميذ على أستاذه. إن الحركة المستمرة هي التي تمنع الدراجة من السقوط.
3
عندما تُحشَر الحضارة في الزاوية تبدأ بأكل نفسها. لا تحشروا القِط في الزاوية. ستأكل الثورة أبناءها. تنكمش الحضارة في الزاوية الضيقة، وتبدأ بالاضمحلال التدريجي. وحين تغيب الروافد، فإن البحيرة ستجف. الانفتاح هو القوة. سينفتح النهر على البحر، وينفتح البحر على البحيرة. قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. وقد يتفوق التلميذ على أستاذه. إن الحركة المستمرة هي التي تمنع الدراجة من السقوط.
3
بلادنا كالطاحونة. إن أردت ألا
تطحن، عليك أن تكون أكبر من الطاحونة . لا تلعب دور الضحية . لم يخلقك الله لتكون
ضحية. لا تخترع مظلومية وتغرق فيها. إصنع مجدك بيديك. لا فائدة من البكاء على
الأطلال. الدموع لن تعيد الموتى، ولن ترجع الأشياء التي ماتت. وظيفة الصياد أن
يصطاد السمكة، لا أن يفكر في مشاعر السمكة لحظة اصطيادها. وظيفة السمكة أن تسبح
وتهرب من الصياد، لا أن تفكر في أبناء الصياد الجياع.
4
4
الانكسار أمام الغريزة هو انكسار شامل. والانهيار
ينسحب على كل العناصر. المجد وحدة واحدة، لا يتشظى ولا يتجزأ. والشخص الذي يخاف من
النظر إلى وجهه في المرآة، سيخاف من كل شيء. وإذا خسر الإنسان نفسه، فسيظل خاسرًا
حتى لو ربح العالَم. والقائد المهزوم سيظل غارقا في الخزي والعار، حتى لو وضع على
صدره كل الأوسمة العسكرية .
5
العالم لا يعترف إلا بالأقوياء حتى لو أشفق على
الضعفاء. كلمة القوي مسموعة في هذا العالم الظالم، وكلمة الضعيف تذهب أدراج
الرياح. لا توجد حرب من أجل الحرب. إن الحرب من أجل الحصول على شروط أفضل في
اتفاقية السلام. والضعيف هو الطرف الخاسر الذي يوقع على معاهدة الاستسلام، ولا
يستطيع أن يوقع على معاهدة السلام. السلام للأقوياء والأنداد، والاستسلام للضعفاء
والمهزومين. اسْعَ من أجل تحقيق أعلى ربح، وادرس احتمال الخسارة، لكيلا تُصدَم إذا
حدثت. لا تترك شيئًا للصُّدفة أو الاحتمالية القاتلة.
6
6
المجرمون عندما يتقاعدون من مناصبهم، يصبحون
مدافعين عن حقوق الإنسان. عندما يشارك الوزير في الحكومة، يصبح محاميًا للشيطان.
يدافع عن أخطاء الحكومة وخطاياها، لأنها هي التي تدفع راتبه الشهري. وحين يخرج من
الحكومة، يصبح معارضًا سياسيًّا، ويبني مشروعه السياسي على فضح ألاعيب الحكومة
والدفاع عن حقوق المواطنين. تماما كالقِط الذي يلتهم الفئران أثناء قوته، وحين
يصبح عجوزًا يائسًا، يدافع عن حقوق الفئران في الحياة الكريمة. وفي كل الأحوال،
ستظل الشعوب البائسة هي فئران التجارب.
7
7
التصورات المسبقة عن الشيء قد تُضيِّع حقيقته.
دراسة التاريخ تعني أن ندرس ما حدث على أرض الواقع، ولا ندرس الأحداث التي تدور في
خيالنا، ونتمنى لو كانت واقعًا. التاريخ هو كشف الحقيقة لا كشف الخيال الذي نتمنى
لو كان حقيقة. والتصورات المحيطة بالشيء قد تنسف ماهية الشيء، وتُحيله إلى هُوية
مخادعة. فالشيء هو الجوهر، أما تصوراتنا المغلوطة عنه، فهي أعراض وهمية قاتلة
للجوهر. هناك فرق بين الهدية والورق التي تلف به الهدية. ولا يمكن المقارنة بين
اللؤلؤ والصَّدَف، أو القلب والقفص الصدري، أو البيت والسور، أو الصورة والبرواز.
والشخص الغني يحمل المال الكثير في كيس تافه لا يساوي شيئًا. الجسد للتراب والدود،
لأن الجسد هو الحامل. والعبرة بالمحمول. وسوف تظل روح الإنسان هي الحقيقة السامية
التي لا يصل إليها التراب ولا الدود.