هل الحاكم العربي عضو في " القاعدة " ؟
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 3/11/2010م .
إن الحاكم العربي الذي يحكم منذ عصر الديناصورات هو أفضل من يُجنِّد الشباب في تنظيم القاعدة . فقد حوَّل البلاد إلى مزرعة شخصية وإسطبل لحضرته وعائلته وحاشيته ضمن منظومة فساد استبدادية شاملة . فلسانُ حاله يقول : (( أنا الدولة والدولة أنا )) . وهذه الدكتاتورية أنتجت واقعاً عربياً منهاراً على كافة الأصعدة . فنصفُ الشباب العربي عاطل عن العمل ، وثلث العالم العربي أُمي لا يقرأ ولا يكتب ، وهذا الأفقُ المخنوق يدفع الشباب إلى التطرف وتبني أفكار العنف ورفض الآخر سواءٌ كان شرقياً أم غربياً. وبالتالي صار إرهابُ الأنظمة الحاكمة ضد شعوبها بيئةً خصبة لتكاثر الآراء المتطرفة، والأفكار التكفيرية ، والجماعات المسلحة التي لا تؤمن إلا برفع السلاح ضد الجميع .
ولم يقف النظام الرسمي العربي عند هذا الحد ، بل صار يستثمر في تنظيم القاعدة لابتزاز الغرب والحصول منه على مساعدات مالية وعسكرية وقمع المعارضة باسم مكافحة " الإرهاب ". وهذه هي الفلسفة المعتمدة في العقلية الحاكمة .
فعلى سبيل المثال ، كانت اليمن دولةً منسية في عوالم الإهمال ، ولكن بمجرد ظهور القاعدة فيها ، صارت محط أنظار العالم، وتُعقَد المؤتمرات لدعمها وخطب ودها . وبدأت مئات الملايين من الدولارات تهبط عليها ، والمساعدات العسكرية تأتيها من كل الجهات. وكأن تنظيم القاعدة صار الداعم الأكبر للاقتصاد اليمني .
والأمر ذاته يتكرر في شمال أفريقيا . فتنظيمُ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي جعل أمريكا وأوروبا تقدِّمان كل المساعدات المعنوية والمادية للجزائر ومالي وموريتانيا ... إلخ . ليس من أجل سواد عيون شعوب المنطقة ، ولكن من أجل مكافحة " القاعدة " . وصارت مؤتمرات الاتحاد الأوروبي تضع قضايا شمال أفريقيا على رأس القائمة ، وهي التي كانت منبوذة طوال عقود، ولا أحد ينظر إليها. فمثلاً، صار الرئيس الفرنسي في منامه يحلم بالقاعدة ورهائنها في شمال أفريقيا ، فهو يُصرِّح بأنه لن يخضع لمن سمَّاهم بالإرهابيين ، في حين أنه يدفع الملايين للقاعدة للإفراج عن المحتجَزين لديها .
ولو انتقلنا لباكستان لرأينا أن أمنها القومي واقتصادها الوطني صار مبنياً على الاستثمار في مكافحة " الإرهاب ". فتنظيمُ القاعدة صار _ بالنسبة لباكستان _ منجم ذهب ، لولاه لن تحصل على مليارات الدولارات سنوياً ، وأحدث الأسلحة الأمريكية . وهذا يُقوِّي موقفها أمام الهند ، ويجعل منها دولةً قوية تمسك بأوراق ضغط كثيرة في المنطقة . وقد رأينا كيف أن حلف الناتو هرول إلى باكستان طالباً رضاها بعد حرق شاحنات الوقود المتوجهة إلى أفغانستان .
والمضحك المبكي أن تنظيم القاعدة صار أحد أركان بناء الاقتصاد الوطني في كثير من الدول. وهذا سيؤدي في المرحلة القادمة إلى افتتاح فروع له في كل الدول العربية بمساعدة السُّلطات ، وذلك للحصول على كل أنواع المساعدات الغربية ، وامتلاك أدوات ضغط على أمريكا وأوروبا . وستشهد المرحلة المقبلة صدور إعلانات وهمية من قبل الأنظمة الرسمية العربية عن إحباط عمليات إرهابية ، وذلك لخداع العالم بوجود تنظيم القاعدة ، الأمر الذي يستدعي الدعم المالي والعسكري وفتح الأبواب في المحافل الدولية والتسول بعين قوية .
وسيدرك الغربُ بعد فوات الأوان أن خادمه في المنطقة ( الحاكم العربي ) يلعب بذيله ، ويتصرف كما لو كان عضواً في "القاعدة " . وسيصل الغربُ _ بعد أن يخسر في حروب الاستنزاف_ إلى قناعة مفادها أن تنظيم القاعدة لو لم يكن موجوداً لقامت الأنظمة العربية باختراعه لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية واقتصادية .