نشر الجهاد العالمي
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
إن الإسلام هو الثورة الانقلابية والفعل التحريري للمخلوقات . فالأنظمة الاستبدادية الفاسدة في العالَم العربي والإسلامي تعمل جاهدةً على تجريد الإسلام من المنحى الجهادي الثوري الانقلابي الشامل،والعمل على حصر الإسلام في المسجد وقراءة القرآن دون تطبيق ما جاء به القرآنُ الكريم . فهي تدعم ما تسميه الإسلام المعتدل،حيث التطبيل والتزمير للحاكم في كل الأحوال، ولَوْي أعناق النصوص الدينية لشرعنة الأنظمة الطاغوتية ، وغالباً ما يقوم بهذه المهمة علماء السلاطين . كما أن أمريكا نفسها تحاول تدجين الإسلام ، وجعله مجرد طقوس وشعائر محصورة في المسجد، ومنفصلة عن الحياة . وقد جنَّدت جيشاً من أزلامها في المنطقة العربية والإسلامية حكاماً ومحكومين لتقديم صورة ممسوخة عن الإسلام بأنه دين استسلام للاحتلال وخنوع وتخاذل تحت شعار التسامح والاعتدال والسلام وقبول الآخر . فالجهاد صار إرهاباً مذموماً ، وأصحاب اللحى صاروا متطرِّفين يُشكِّلون خطراً على ما يسمى بالعالَم الحر والديمقراطية المزدهرة في هذه الدول البوليسية . فمثلاً نجد الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الأولى في العالَم الإسلامي تراجع مستواه بشكل مرعِب بسبب سيطرة الدولة على كل صغيرة وكبيرة فيه، فالعلماء غير قادرين على التعبير بحرية عن مسائل الجهاد ، والأمورِ السياسية ، والفساد المالي والأخلاقي ... إلخ . وهذا كله عائد إلى أن النظام المصري الإرهابي قد وضع يدَه على مؤسسة الأزهر، وقام بتدجينه عبر محاصرته مالياً ، وجعل العلماء خاضعين لراتب آخر الشهر من الحكومة ، مما جعل الفتوى تتأثر سلباً بالتيار السياسي . فالعالِم قبل أن يتكلم لقول كلمة الحق يحسب ألف حساب لراتب آخر الشهر الذي إذا قُطِع عنه فسيجد نفسه في الشارع هو وأسرته، وهذا يُشكِّل عامل ضغط كبيراً على حرية فكره، مما يضطره إلى الصمت أمام الأحداث الجسام ، أو اختراع فتوى متناسبة مع هوى السلطة الحاكمة .وينبغي علينا _ للخروج من حالة الموات _ اعتماد نظرية تصدير الجهاد العالمي ، أو الجهاد العابر للقارات الذي يُشكِّل خلاصاً للبشرية. والنواة الأساسية لهذه النظرية هي قتل العدو أينما وُجِد في هذا العالَم، والوصول إليه في أي مكان وأي زمان ، وهذا يستلزِم الوصولَ إلى الغزاة أينما وُجِدوا ، فكوكب الأرض هو أرض معركتنا الشرعية . ولكن ينبغي الابتعاد عن استهداف المدنيين والأبرياء ، والتركيز على المقاوَمة الشرعية ضد الاحتلال وأعوانه ، والجهاد ضد الأعداء المحارِبين .
وهنا تتكرس نظرية الانقسام العظيم . فقد دخل كوكبنا في نظرية الانقسام العظيم ، حيث انفصل الشرق الإسلامي عن الغرب الصليبي انفصالاً محتوياً على شرارة الحرب والصدام الحتمي المصيري الكَوْني الذي يستعيد زمنَ الحروب في بيت المقدس . فالانقسام الحتمي بين الشرق والغرب موجود على أرض الواقع وليس خيالاً ذهنياً تجريدياً . وينبغي تعميق هذا الانقسام والعمل على عسكرته لتحرير الغرب من الغرب كي يجد الخلاصَ الروحي والمادي معاً . ولا يمكن للشرق الإسلامي أن يفرض شروطَه على الغرب الإرهابي إلا عبر عسكرة العالَم ، ونقلِ الكفاح المسلَّح في عواصم كوكب الأرض. فالغرب النازي لا يفهم إلا لغةَ القوة، ويجب أن نتعامل معه وفق مبدأ الحديد والنار لكي نوقفه عند حده ، أما التعامل معه بالاستسلام ، وتقبيل الأيدي ، واستجداء المساعدات فلا فائدة منه . وقد وجدنا كيف أن شخصاً مثل عماد الفايد قد تعامل برومانسية بالغة مع الغرب ، وتعاطى مع إفرازاته الملوَّثة بالعشق والمتعة ، فكان مصيره القتل على يد هذا الغرب الذي يزعم الحريةَ والديمقراطية والحب والذكريات .
ونحن إذ نذكر نظرية الانقسام العظيم لا بد أن ندرس ملابسات التفاصيل الدقيقة لحالة الخيانة في الداخل العربي ، ونُعَرِّج على مسألة أنصاف المثقفين من أبناء جلدتنا الذين اعتنقوا التغريب منهجاً لهم بعد أن أداروا ظهرهم لهويتهم وتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية ، فصاروا عملاء للقوى الإرهابية الإنجيلية والتوراتية في أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني ذلك الورم السرطاني الذي ينبغي اجتثاثه عن طريق حرب مفتوحة داخلياً وخارجياً .
إن نشاط الطابور الخامس في المجتمعات العربية الإسلامية ما كان ليظهر بقوةٍ لولا وجود أنظمة حاكمة عميلة هي أساس الطابور الخامس . فالأنظمة العربية الاستبدادية مستهلَكة حتى النخاع لا فائدة منها ، ووظيفتها هي تأدية خدمات للغرب القوي مادياً مقابل استمرار حكمهم في المنطقة العربية . ففي الوطن العربي توجد الجيوش لتثبيت العروش ، دون أدنى اعتبار للدفاع عن الوطن أو الشعب . ومن زاوية أخرى يحز في النفس أن نرى بعض مفكِّرينا وأدبائنا يعتنقون ثقافة الغرب، وينسخون المذاهبَ الغربية في شتى المجالات كالسياسة والأدب والفلسفة ، ظناً منهم أنهم يدخلون العصرَ الحديث بكل ثقة،ويتفوقون على أقرانهم،ويصلون إلى العالمية والشهرة والإبداع. وهذا كلام مغلوطٌ تماماً . فمثلاً الكُتاب العرب بعضهم ينسخ الواقعيةَ الاشتراكيةَ التي اخترعها الكاتب الروسي مكسيم جوركي ، وبعضهم يعتنق الماركسية التي صنعها كارل ماركس وشيعته ، وبعضهم يعتنق الوجودية المترنحة بين هايدغر وسارتر . وفي ظل هذه الخارطة المتهاوية نتوصل إلى أسباب عجز الكُتاب العرب عن الوصول إلى العالمية لأنهم ناسخون يسرقون المفكِّرين الغربيين دون أن يعتزوا بمنجزات الحضارة العربية الإسلامية ، ويحاولوا تطويرها وإيصالها للعالَم . فالعالَم يريد شيئاً جديداً عليه غير معهود بالنسبة إليه، أما أن يظل الكُتاب العرب ينسخون ثقافةَ الغرب، ففي هذه الحالة سوف يدير الغربُ ظهرَه ، لأنه ببساطة سيكون في هذه الحالة هو الأصل ، والآخرون هم التقليد . وحينما نقدِّم حضارتنا العربية الإسلامية في إطار توازن الأصالة والمعاصرة وضمن حداثة منهجية تحافظ على الثوابت ، وتجدِّد في الآليات والوسائل ، فعندئذ سيتوق الغربُ لسماع ما عندنا والذي لا يوجد عنده، فنصبح نحن الأصلَ، والغربُ هو التقليد .
إن محاربة الإسلام واللغة العربية على أشده، فأنت عندما تتجول في الدول العربية سوف تُصْعَق حينما ترى اللافتات مكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية مع أن الدساتير في البلاد العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذه الدول، ولكن العمالة والارتهان للخارج وعقدة الخواجة وتقليد المغلوب للغالب ما زالت متواجدة بصورة جنونية . وإذا دخلتَ فندقاً في دولة عربية سوف تجد الكل يتحدث غير العربية كأننا في شيكاغو . حتى التدريس في جامعاتنا المتهاوية _ التي لا وزن لها عالمياً أو إقليمياً_ بالإنجليزية والفرنسية ظناً من هؤلاء المتغربين أنهم بذلك سوف يتقدمون ، وهذا غير صحيح . فالجامعات العربية متخلفة ذات أسوأ تصنيف على مستوى جامعات العالَم. وما من أُمَّة تركت لغتها الأم إلا انتكست وبقيت متخلفة، ومحال أن تلحق بركب الحضارة. ومن يخالفني في هذه النقطة أطلب منه أن يعطيَني مثلاً على أمة استخدمت لغة المحتل في مؤسساتها وجامعاتها وثقافتها ووصلت إلى القمة . وهذا المثل غير موجود مطلقاً مهما بحث الناس. وهذا التخلف الذي نحن فيه بسبب وجود حكام زرعهم الغرب آلهةً على جماجم الشعب والبلادِ الفاسدة . وللأسف فإن الحاكم العربي جزء من المشكلة لا الحل. وأيضاً بسبب وجود الشعوب المدجَّنة التي صارت أشباحاً راكضة وراء لقمة الخبز. وفي ظل هذا الانهيار الاجتماعي الشامل يجب أن تنطلق الحرب الكَوْنية من بؤرتين مُقَدَّستين : الأسلمة والتعريب على صعيد العالَم أجمع بدءاً من الوطن العربي الإسلامي، صعوداً إلى الشمال حيث أوروبا الصليبية ، وانطلاقاً إلى أمريكا ، ثم باقي دول العالَم ، مستخدمين كل طاقة الأمة الإسلامية ، وهكذا نضمن استمرارية الزخم، وهذه الحقيقة نابعة من كَوْن الإسلام هو الدِّين السماوي الوحيد . كما أن المسلمين هم شعب الله المختار وفق التأصيل الشرعي بعيداً عن الغرور وأيديولوجيات نقاء العِرْق، وتفوق العنصر البشري . لذلك فالمسلم هو الأنا المركزية ذات المسار العالمي، كائناً متكاملاً . أما الغرب النازي فلا وجود له إلا على خارطة الوهم المادي المجازي،وليس بين الشرق الإسلامي وبين الغرب الصليبي النازي إلا السَّيف.
إن كوكب الأرض المتخلف إنما هو بيئة مسحوقة تم تدميرها بشكل منهجي بفعل السياسات الطائشة الطفولية الأنانية للإدارات الأمريكية المتعاقبة . فالاحتباس الحراري، ورفض توقيع أمريكا على اتفاقية كيوتو ، وهلوسة المصانع الأمريكية التي تلوِّث البيئةَ لكي تجنيَ أكبر نسبة من الأرباح ، ما هو إلا مثال بسيط على عقلية الاستبداد الأناني الذي يتمركز حول الذات ومنافعها ، وليكن الطوفان من بعدها . وهذه العقلية الاحتكارية التي تبدأ من الفرد الذاتي انتهاءً بالكوكب كله ، إنما تُشكِّل انتكاسة الحلم البشري المتدفق ، وجنوحه نحو تياراتٍ أيديولوجية إرهابية ذات منحى صهيوني نازي ، وهذا هو الأساس الفكري لفلسفة أنظمة حكم البيت الأبيض . والبيت الأبيض هو منظمة إرهابية محظورة لأن العقلية الحاكمة فيه تعتمد على مبدأ الغاية تبرِّر الوسيلةَ ، فهي مستعدة لفعل أي شيء مقابل تجذير المصالح الشخصية دون النظر إلى معاناة الشعب الأمريكي. لكن العالَم لا يجرؤ على تصنيف الإدارة الأمريكية كمنظمة إرهابية لأن القوي فوق القانون يفرض شروطَه على الضعيف دون اعتراض . فمع دخول كوكب الأرض في شريعة الغاب صار الإنسان عبارة عن ورقة محترقة في مهب السياسات الابتزازية للدول الكبرى التي تخترع قوانين مصبوغة بشعارات الحرية وحقوق الإنسان لتطبيقها على الدول الضعيفة، وابتزازها، والضغط عليها، والتدخل في شؤونها الداخلية لتحقيق أكبر قَدْر من الامتيازات . وكما يُقال فإن القانون مثل بيت العنكبوت ، لا تقع فيه إلا الكائنات الصغيرة ، أما الكائنات الكبيرة فلا تملك إلا أن تمزِّقه.
وكلما ازداد الترابط بين سطوح الذاكرة الوجدانية للإرهاب البروتستنتي المصبوغ بالإرهاب اليهودي النازي تفاقمت السالبية الأحادية المبنية على علاقات إشكالية العِلَّة والمعلول . فالواضح أن الكيان الأمريكي هو العِلَّة( المصدر ) والكيان الصهيوني هو المعلول ( النتيجة )، وهذه العلاقة هي المشهورة والمعتمدة . لكنَّ نظرة خاطفة من الجانب الآخر قد تقودنا إلى نتيجة آنية مفادها أن الكيان الأمريكي هو موظَّف عند الكيان الصهيوني . وهذه النظرة حالة خاصة غير قابلة للتعميم . لكننا نطرحها لنكشف حقيقة أن الطفل المدلَّل ( الكيان اليهودي الصهيوني ) قد يحكم أُمَّهُ ( الكيان الأمريكي البروتستنتي الصهيوني )، ويتحكم في مسار حركاتها، ويجبرها على تغيير برنامج حياتها . وهذه النقطة الكارثية تُعتبَر مسماراً جديداً في نعش أمريكا ، يُعجِّل في موتها القادم لا محالة ، ويُسرِّع من عملية انطفاء حضارة الوهم الذهنية الفاقدة لشرعية الوجود الأخلاقي السَّامي والتواجد الحر العادل . وكل إشكاليات الانهيار الاجتماعي الأمريكي مرجعها إلى ضعف التركيبة الداخلية في إمبراطورية الشر الأمريكية التي تعيد إنتاجَ القيم بما يتناسب مع مسارها ومصالحها ، أو بالأحرى مصالح النخب الحاكمة في شتى المجالات ، لأن الخاسر سيكون الشعب الأمريكي الدائر في أفلاك مشاكله دون أن تلتفت إليه حكومته الغارقة في مشاريعها الشخصية بفعل جماعات الضغط المتنفذة. والإنسان الأمريكي يسير باتجاه مضاد لإنسانيته ، وذلك عائد إلى ثنائيات التشظي الصارمة في تقاطعات الكيانات المتصارعة في داخل العقل الجمعي الأمريكي .
فالدلالة المكسورة المبنية على امتدادات انحسار قدرة الوعي إنما جاءت من ضعف قبضة أمريكا ، واضمحلال النظم الفكرية المعادِلة لأكذوبة نشوة تفوقها.وقد أصبحت تصريحات الساسة مثل المخدرات التي يتعاطاها الفرد لكي ينسى مشاكله ، لكنه سيكتشف مع مرور الوقت أن مشاكله ازدادت بشكل مخيف يهدِّد وجودَه على هذه الأرض . وكلما استمر الانهيار الاقتصادي الأمريكي انزاحت قيم الاستقطاب باتجاه ضاغط على ذاتية الأفراد ، الأمر الذي يُحيل واقعيةَ النشوة العسكرية الكاذبة إلى تمزقات حقيقية في أعضاء العم سام. والأزمات التي تذبح أمريكا من الوريد إلى الوريد خطورتها تكمن في قدرتها الفائقة على إسقاط الأقنعة وإزالة المكياج ، فظهر الوجهُ القبيح الحقيقي لأمريكا .