خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )
الجزء التاسع
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
[1] الصهيونية الغربية والصهيونية العربية :
إذا استمر النظام الجدلي الأمريكي في اختراع السياسة الإرهابية فإنها سترتد عليه وبالاً ، وقد رأينا أولى مظاهر الانكسار الأمريكي في هجمات 11/9 التي نقلت المعركة إلى قلب هذه الإمبراطورية التي تظن نفسها وكأنها جزيرة طبيعية محصَّنة ضد الهجمات الخارجية . وقد اعتمد تنظيم القاعدة في تبرير هذا الفعل على السياسة الأمريكية المنحازة بالكامل للعدو الصهيوني _ القاعدة العسكرية المتقدمة الحافظة لمصالح الغرب في المنطقة _ الذي يبدو أنه صار عبئاً ثقيلاً على كاهل العم سام . والعلاقة الأمريكية الصهيونية سوف تتصدع تماماً حينما تشعر أمريكا أن الكيان الصهيوني هو عبء ثقيل عليها ، وحجر عثرة في طريق تقدمها ، والحفاظِ على مكانتها الدولية. لكن المقلق في الموضوع أن الذين يحكمون أمريكا يُقدِّمون مصلحة الكيان الصهيوني على مصلحة بلادهم ، وذلك للحصول على امتيازات شخصية بحتة ومنافع آنية ذاتية لا يستفيد منها المواطن الأمريكي العادي دافع الضرائب. فالنظام السياسي الأمريكي في هذه النقطة يتشابه تماماً مع النظام السياسي العربي ، حيث الحاكم العربي يُقدِّم مصلحةَ الغرب على مصلحة وطنه وشعبه في سبيل حفاظه على الكرسي، وتحقيق مكاسب شخصية له ولحاشيته، في حين أن الشعب يزداد فقراً . لكن فض الاشتباك وتمزيق الحبل السُّرِّي بين الكيان الأمريكي والكيان الصهيوني ليس مستحيلاً ، بل هو آخذ في التبلور بسرعة ، خصوصاً مع بدء العد التنازلي لانهيار الحضارة الأمريكية الشاذة عن المسار الإنساني . وإذا بدأ الشخص في الغرق فإن هدفه الأول سيكون إنقاذ نفسه دون النظر إلى من حوله، وهذا ما سيحصل في السياسة الدولية وتصدعاتِ محور الشر الأمريكي الأوروبي في القالب الصهيوني . وتظل مسألة الأنظمة العربية التي تعمل ضد مصالح أوطانها وشعوبها تدفعنا باتجاه بناء مجد الأمة بعيداً عن السياسات الرسمية المتواطئة مع المشاريع المعادية. فالحقيقة الخطيرة في الوطن العربي هي وجود أكثر من كيان صهيوني في داخله، وليس فقط في فلسطين المحتلة. فالصهيونية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الصهيونية اليهودية ومقرها في فلسطين المحتلة ، والصهيونية النصرانية ومقرها في أمريكا وأوروبا،والصهيونية الأعرابية ومقرها في العالَم العربي، وهي عبارة عن الأنظمة السياسية الحامية للوجود اليهودي الصهيوني ظناً منها أنها بذلك تحافظ على مصالحها ، وتضمن استمرارها في الحكم لأطول مدة ممكنة عبر نيل رضا أمريكا، فهذه الأنظمة المتواطئة مع الأعداء تعتقد أن أقصر طريق لقلب أمريكا هو نيل رضا الكيان الصهيوني، لذا تتحرك وفق هذه القاعدة للحصول على مكتسبات شخصية بحتة على حساب مصير الأوطان والشعوب العربية .
[2] الرؤساء الأمريكان هم خدم اليهود :
لقد دخلت أمريكا في دهاليز التضحية بمجدها الزائف في سبيل الدفاع عن الكيان الصهيوني بفعل حكام البيت الأبيض الذين يُغَلِّبون مصالحهم الشخصية على مصالح شعبهم ، فيصبح نيل رضا اللوبي اليهودي هو الوسيلة الوحيدة للفوز بالانتخابات_ أية انتخابات_ ، ويصبح الإمضاءُ على كل قرارات دعم كيان الاحتلال الصهيوني المفتاحَ الرئيسي لصناعة مستقبل سياسي قائم على جثث الضحايا الفلسطينيين ، وأنقاضِ بلادهم المسروقة . وقد وجدنا كل الرؤساء الأمريكيين يُقَدِّمون الولاء الأعمى للكيان الصهيوني ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نرى كيف أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول رئيس أمريكي أسود، ولستُ هنا في معرض تقديم ترجمة له أو سيرة ذاتية ، وإنما الوقوف على معالم فلسفته التي أوصلته إلى المركز الأول في أمريكا . فمن المعروف أن لون البشرة ذو حساسية كبيرة في أمريكا القائمة_بالأساس _ على العنصرية والتمييز العِرْقي. ولكن أوباما_ الشخص الغامض الجاهل صاحب التجربة الضحلة في السياسة، وعديم الإنجازات، والذي ليس له وزن أو خبرة في عوالم السياسة ودهاليزها _ ما كان ليصل إلى هذا المنصب الرسمي الحساس لولا وجود رئيس فاشل بكل المقاييس سبقه وهو جورج بوش الصغير الذي شطب أية فرصة للحزب الجمهوري أن يظهر ويسطع في سماء أمريكا ، ومع تفشي الكوارث التي اقترفها جورج بوش الصغير مثل القيام بجرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عِرْقي في العراق وأفغانستان،والهزائمِ العسكريةِ ، وانهيارِ الاقتصاد ، وجعل أمريكا أكثر عرضة للمخاطر، وتشويه صورتها المزيَّفة المصبوغة بحقوق الإنسان والديمقراطية خصوصاً في حروبها غير الشرعية ومعتقل غوانتانامو ...إلخ . كل هذه السياسات جعلت الشعب الأمريكي يصاب باليأس من الحزب الجمهوري كاملاً ، وراح المواطن الأمريكي يغرق شيئاً فشيئاً في الكوارث التي تلاحقه وتحاصره من كل الجهات، وبما أن الغريق يتعلق بقشة ولا يخشى البلل، كان الحزب الديمقراطي هو الخيار الوحيد للشعب الذي ينظر إليه على أنه المخلِّص من سياسة الجمهوريين التي أدخلت أمريكا في مأزق وجودي خطير . وبالطبع فأي مرشَّح ديمقراطي سيفوز سواءٌ كان أبيض أو أسود أو أحمر. ولم يفز أوباما لأنه عبقري أو أنه مالك الحلول السحرية لمشاكل أمريكا المتفاقمة ، بل لأن ملابسات فشل الجمهوريين وعلى رأسهم جورج بوش الصغير خدمته بشكل كبير، فمصائب قوم عند قوم فوائد. وما كان لرئيس أسود أن يفوز في الظروف العادية. فلو كان الجمهوريون يقومون بعمل رائع في إدارة البلاد لما نظر أحدٌ إلى أوباما. فالكثيرون يظهرون على أنهم عباقرة ، ليسوا لأنهم عباقرة فعلاً، بل لأن من حولهم أغبياء . والكثيرون يظهرون عمالقة، ليسوا لأنهم عمالقة في حقيقة الأمر بل لأن من حولهم أقزام . وهذا بالضبط ما قاد الرجل الأسود إلى البيت الأبيض في مجتمع محصور في التمييز العنصري ، حيث تصير لون البشرة إنجيلاً مقدَّساً لدى الأتباع . وأوباما دشَّن حملته الانتخابية بالذهاب إلى الكيان الصهيوني ووضع القبعة اليهودية على رأسه مع أنه نصراني ، فيُفترض _ وفق الميثولوجيا الإنجيلية والعقائدِ الواهمة _ أن اليهود صلبوا المسيحَ بعد أن عانى منهم . لكننا نجد حباً ظاهرياً غير منطقي لليهود ليس لأنهم قوم أطهار شرفاء ، فكل العالَم يعرف أفعالهم التي هي وصمة عار في تاريخ البشرية ، بل لأنهم قوم يملكون مفاتيح الدنيا بما لديهم من إمكانيات ونفوذ وسلطة. وكل الذين يريدون مستقبلاً دنيوياً باهراً _ كما يتوهمون _ ، ويعتقدون بأن الغاية تبرر الوسيلةَ فإنهم يحاولون جاهدين الاتصال باليهود وتقديم تنازلات شديدة في سبيل الحصول على مكاسب ذاتية دنيئة ، ولا يقتصر هذا الأمر على السياسة فحسب ، بل يمتد إلى الأدب خصوصاً جائزة نوبل التي تعتبر أهم جائزة في العالَم ، ولا يمكن لشخص ينتقد الكيانَ الصهيوني أن يحصل عليها مطلقاً،ويمتد كذلك إلى التمثيل خصوصاً في هوليود، وغير ذلك من المجالات الحياتية ذات القيمة التأثيرية في العالَم.
[3] أمريكا تسير إلى قبرها :
انحراف القطار الإمبراطوري الأمريكي عن السكة لا يعني أن أمريكا محكومة بالإعدام في الوقت الراهن ، بل يعني أنها ما زالت على قيد الحياة لكنها تغرق وتكافح الغرق ، ووظيفة البشرية هي إبعاد يد أمريكا عن طوق النجاة ، وحتى على فرض عودة أمريكا إلى السكة الصحيحة _ وهذا مستبعد_ فإن الجهد المبذول لإتمام عملية العودة سيؤثر سلباً على قوتها ، ويكون قد استنفد كميةً كبيرة من وقتها وجهدها . وهذا أيضاً يجعلها بعيدة عن الصدارة ، لأن عودتها إلى السكة _ على فرض التسليم بها_ سيجعل منها متأخرة عن كل القطارات العابرة التي سبقتها، ففي كلا الحالتين : العودة إلى السكة أو عدمها فإن أمريكا خاسرة ومتأخرة ومحصورة في جدلية العد التنازلي . ومع ازدياد الأزمات الخطيرة في الداخل الأمريكي ، لن يتمكن الأمريكان من التركيز في السياسة الخارجية . وهذه نظرية قد تبدو سهلة المأخذ للوهلة الأولى لكن تطبيقها صعب جداً لا مستحيل ، ولن تنفع إلا إذا تم تأسيس خطة شاملة وجذرية لإشغال أمريكا بمشاكلها الداخلية ، وإقامة الحواجز بين عقل أمريكا وقلبها مما يؤدي إلى التشتت والارتباك في اتخاذ القرارات الحاسمة ، الأمر الذي يجعل من العقلية الجدلية للحطام الروحي طريقاً ملتصقاً بكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ومنهجية التعاقب في الإدارات الأمريكية منهجية وهمية ومضيعة للوقت ، وابتزاز لأصوات الناخبين الذين يُقدَّمون كقرابين على خشبة المذبح السياسي ،فاللوبي اليهودي الصهيوني هو الذي يحكم أو على أقل تقدير يُوجِّه مسارَ الحكم لصالحه بغض النظر عن وجود الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في سدة الحكم . وحريٌّ بنا الانتباه إلى أن الهوة تتسع في المجتمع الأمريكي المضطرب المقدِم على تناحرات عِرْقية ، ومشاكلِ طبقية صادمة قد تعيده إلى أجواء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب . ولم تكن أمريكا في يوم من الأيام مجتمعاً متجانساً وحضارة راسخة الجذور والأبعاد والملامح ، فهي ليست بأكثر من مؤسسة استثمارية وشركة مساهمة محدودة ، وقد ظلَّت الحرب بين تقاطعات المجتمع هي الأساس الفكري ، لكن الحرب قد تكون ظاهرة أو مستترة ، وقد تأخذ أشكالاً متعددة بما فيها الناحية العسكرية . وقيمة النزاع بين تشكيلات الاجتماعيات المبعثرة تظل ناراً تحت الرماد، فالمجتمع الأمريكي من خلال عقليته الثقافية مجتمع مُعَسْكَر ، وما أدَّى إلى هذه الثقافة العنيفة هو التاريخ السوداوي العنيف بين البيض والسود منذ نشأة الكيان الأمريكي غير الشرعي. لكن الأرباح المادية قد أخفت هذه النزاعاتِ نسبياً وبشكل مؤقت ، وبما أن زمن الازدهار الاقتصادي بدأ يغادر ضمن دورته المعهودة في التنقلات، فإن بوادر نزاعات حقيقية بدأت تظهر ، وسوف تتعمق في المستقبل القريب المنظور ، لأن كرة الثلج أثناء تدحرجها سوف تكبر شيئاً فشيئاً، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً . أما تصريحات الساسة الأمريكيين حول خطط الإنقاذ فتظل كلاماً في الهواء هدفها دغدغة العواطف، وعدم التفريط بأصوات الناخبين في أي حملة ممكنة .
[4] أكذوبة الإنجيل وخرافة التوراة :
الطبيعة الأيديولوجية للتوراة والإنجيل هي طبيعة أسطورية بشرية تتماهى مع منهجية الحكايات الشعبية والألغاز ، وليست التوراة والإنجيل إلا صفقة استثمارية لتحقيق أرباح مادية شخصية بحتة وكسب تعاطف من يؤمنون بهذين الكتابَيْن . فالإنجيل مثلاً يحدثنا عن معاناة المسيح على يد اليهود ، ومع هذا نجد أمريكا وأوروبا تقدِّسان اليهودَ والصهاينة ، فأين اتِّباع الإنجيل والعمل به ؟. وكثيرٌ من أقطاب الحركة الصهيونية كانوا ملاحدة فأين تعاليم التوراة وأين الالتزام بشريعة موسى ؟ . وهذا يعكس أن ما يسمى بالكتاب المقدَّس ليس سوى أداة ضغط على أتباعه لابتزازهم وتحقيق مكاسب ذاتية عن طريق المتاجرة بالدِّين والشعارات الأيديولوجية . تماماً كما كان يحدث في أوروبا عصر الظلام وكنائسِ القرون الوسطى . فمثلاً الإمبراطور شارل الخامس كان يقوم بدور حامي الكنيسة الكاثوليكية لكسب تعاطف الشعب ، وتثبيتِ أركان نظامه السياسة عن طريق ربط السياسة بالدِّين بشكل مغرِض ذي أهداف ذاتية ، ولا تتعلق بإيمانه الصادق بمرجعية الكنيسة في السياسة، لا سيما أن المبدأ الإنجيلي الشهير أعطِ ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر ، قد كرَّس مبدأ الفصل بين الكنيسة ومؤسسة الحكم السياسي ، ومع هذا نجد أن الحاكم السياسي قد أخذ لقبَ " حامي الكنيسة "، وبالطبع هذا يدل على استغلال الدِّين لأغراض سياسية هدفها تثبيت الحكم السياسي لأطول فترة ممكنة عن طريق دغدغة عواطف الناسِ الذي يعتقدون واهمين أن الكنيسة طريقهم إلى الجنة، فأراد رأس النظام السياسي تثبيت جنته الأرضية عن طريق المتاجرة بشعارات متعلقة بالجنة في الآخرة . وإنها لعبة مكشوفة ومتكررة عبر الأزمان. وها هي ملكة بريطانيا رأسُ الكنيسة في ربط متطرف بين السلطتين الدينية والسياسية .
[5] شطب أمريكا من الخارطة :
إن التوظيف الإمبراطوري الذي يستعيد أساطير الاستخراب الذي كرَّسته بريطانيا وفرنسا قبل سقوطهما ما هو إلا مرحلة زمنية آنية مضمحلة ، أما الآن فأوروبا بشكل كامل هي ذيل لأمريكا وظل باهت لها. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الإمبراطورية الأمريكية الورقية لم تتعلم الدرسَ جيداً . فالورطة الشاملة التي وقعت فيها من خلال احتلال العراق وأفغانستان تعكس تأسيساً انتكاسياً لملامح الحضارة الزائفة . وهذه الورطة تعكس بدون شك ضعف الفلسفة السياسية الأمريكية في امتصاص الصدمات، وتدل كذلك على قصر نظر أمريكا ، وعدم قدرتها على استيعاب الحدث ثم السيطرة عليه . وكل ذلك راجع إلى المراهقة السياسية التي تجعل من أفعال الإدارة الأمريكية ردود أفعال سريعة ، وزلات لسان ، وحركات عبثية غاضبة نتيجة غياب القدرة على السيطرة على المشاعر . وهذه الإمبراطورية الزائفة تتشابه في هذا السياق مع أفعال الأطفال أو المراهقين التي تأتي كرد فعل غير عقلاني، سريع ومتعجل، ويفتقد إلى الأحكام العقلانية المنطقية . ولم تعد الديمقراطية المزعومة إلا بطاطا مقلية في مطاعم الوجبات السريعة . وفي خضم كل توغلات أمريكا في الخارج، وقتلها للمدنيين بصواريخ الطائرات وقذائفِ المدافع ، اكتشفتْ بشكل متأخر جداً أن زجاج بيتها الشخصي يتساقط دون أن تنتبه لذلك ، وهذا مسمارٌ عميق في نعش ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، وصار الاتحاد مفهوماً ملتبساً منهاراً ، خصوصاً مع ظهور حواجز شديدة بين الولايات الغنية والفقيرة ، أو ذات الحظ الوافر وذات الحظ المتعثر ، أو المعتمدة على الصناعة والتكنولوجيا الفائقة وبين الولايات المعتمدة على الزراعة والصناعات البدائية . وكل هذه الفروق في مجتمع غير متجانس ولا رابط بين أفراده إلا الربح المادي ، ستتكرس أكثر فأكثر ، مما ينذر بأن ذروة المأساة لم تظهر بعد ، وأن الأسوأ قادم ، ولم يظهر سوى خيط دخان من نار تتأجج تحت الرماد . ولستُ أبالغ إذا قلتُ إن أمريكا هي أغبى إمبراطورية قامت في التاريخ لأنها لا تملك تاريخاً وهويةً وجذوراً حضارية قادرة على حمل الدلالة الشعبية، والانطلاق بها نحو آفاق أكثر رحابة وسيطرة عالمية. كما أنها تؤسس للوهم على أرضية الأساطير ، ثم تنطلق ظناً منها أنها تستند إلى أرضية صلبة . فالكائن قد يكذب على الآخرين من أجل مصلحة ما، أما أن يكذب على نفسه ثم يُصدِّق الكذبةَ، فتلك كارثة مدوية سقط فيها النظامُ الأمريكي العبثي.ومن هنا ندرك أن ما يسمى بروح الانتماء السياسي والاجتماعي لم تكن إلا انتماءً للدولار مهما اتَّجهت بوصلته ، وبما أن الاقتصاد الرأسمالي _ الذي هو إنجيل أمريكا الرسمي_ قد بدأ يترنح فإن غالبية الشعب ستكفر بهذه الحضارة الزائفة التي تنفق المبالغ الهائلة على سباق التسلح والتسليح وغزو الفضاء في حين أن المواطن الأمريكي عاطل عن العمل ، ويفتش في سلال القمامة عن الطعام ، وينام على مقاعد الحدائق العامة في مجتمع قاتل مقتول . والأداء الإستراتيجي العالمي يحتِّم على العنصر البشري أن يعمل بأقصى طاقته لشطب أمريكا من الخارطة في أسرع وقت ممكن ، وعدم الاكتفاء بالتعويل على أزماتها الداخلية والخارجية التي تدق المساميرَ في نعشها ، بل يجب على كل التشكيلات الثورية العالمية دق المسامير في نعش أمريكا حتى دفنها، سواءٌ في الداخل الأمريكي أو الخارج . فليس بين الإسلام والغرب إلا السيف حتى السيطرة الشمولية على العالَم ، ضمن منهجية انتصار الهلال على الصليب . فالعالَم لا يتسع للهلال والصليب معاً ، ولا يتسع للشرق والغرب معاً ، ولا يتسع للإسلام وأمريكا معاً . ولا يوجد منتصران في الحرب ، بل منتصر واحد وخاسر واحد . وكلما كرَّسنا مبادئ تطبيقات الجهاد العالمي العابر للقارات غدا العالَم أكثر إشعاعاً وحرية ، فالمشروع الغربي قد فشل فشلاً كارثياً في قيادة السفينة البشرية إلى بر الأمان ، وهذا واضح للعيان ، فكوكبنا يسير إلى الأسوأ ، وهذه السفينة الكونية تغذ الخطى نحو الارتطام بالصخور . ولا يوجد حل عملي فعال إلا بسحب البساط من تحت أقدام الغرب ، والْحَجْر عليه باعتباره سفيهاً لا يملك أهلية التصرف . ومن ثم قيادة الإسلام للعالَم باعتباره الدِّين السماوي الوحيد . وهذا يتطلب إعادة بناء الجهاد الكوني الشامل ، ونقل المعركة إلى الداخل الأمريكي والداخل الأوروبي ضمن أطر عسكرة الكوكب ، ونقل المعارك في عواصم العالَم بهدف تعزيز مسيرة السلام والحرية والعدالة بشكل حقيقي لا صوري زائف ، فالغرب هو القاتل المأجور، ولا يوجد قاتل يملك القدرة على التنظير في قيم العدالة والإخوة الإنسانية، والقاتل لا بد من قتله حتى يعم الخير باقي الأرجاء،تماماً كبتر العضو الفاسد المسموم الملوَّث في الجسم الإنساني خوفاً من سريان السم إلى باقي أعضاء الجسد ، وهذا البتر يضمن استمرار باقي أعضاء الجسم في مواصلة عملها لضمان ديمومة الحياة الجميلة .