نقل المعركة إلى الغرب
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
لن تقوم حركات الجهاد والمقاوَمة في العالَم العربي والإسلامي بأدائها على أحسن وجه إلا إذا نقلت المعركة خارج حدودها الضيقة ، أي نقل المعركة إلى عواصم العالَم ، وتأسيس منظمة تحاكي طريقةَ عمل الموساد ، أي استهداف كل مَن يُحارِب الإسلام والمسلمين في العالَم ، واستئصاله أينما وُجِدَ على ظهر هذا الكوكب . ومن شأن نقل المعركة إلى الخارج تخفيف الضغط عن الداخل ، وإعادة خلط الأوراق بالنسبة للأعداء، وإحداث ارتباك في السياسات العسكرية الإرهابية للكيان الصهيوني وحلف الناتو المتجمع بزعامة أمريكا ضد الإسلام . مما سيؤدي إلى نتائج باهرة وانتصارات حاسمة واضحة لحركات الجهاد والمقاوَمة والتحرر والتحرير. ومن أفضل الشعارات المرفوعة في سياق نقل المعركة إلى عواصم العالَم الشعارُ الذي رفعه وديع حداد القائد البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "وراء العدو في كل مكان "، وهذا هو الشعار الذي يُعبِّر عن طموحات الأمة لتحقيق أحلامها في التحرر .
ومفهوم العدو ينبغي أن يتحدد ضمن سياقين : العدو الداخلي ( النظام السياسي العربي العميل ) والعدو الخارجي ( الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا ). وللأسف فإن بعض الأنظمة العربية قد تحوَّلت إلى خنجر غدر حقيقي في ظهر الأمة العربية . أما بالنسبة للعدو الخارجي فينبغي تفعيل مبدأ الجهاد العالمي العابر للقارات ، وأفكار صدام الحضارات والحربِ بين الأديان ، لذلك فإن نظريتي الخصوصية في صدام الحضارات تتركز حول سبعة محاور رئيسية ذات تفريعات عديدة :
أ ) إلغاء الفاتيكان نهائياً بوصفه منظمةً إرهابية ودولةً تحمل تاريخاً دموياً في الإبادة والتطهير العِرْقي وارتكابِ جرائم الحرب، ويتمثل ذلك في الحروب الصليبية التي تم شنها على المسلمين في ديارهم سواءٌ في بيت المقدس أو الأندلس ، وأيضاً حروب الإبادة ضد الشمال الأوروبي البروتستنتي ، وتأسيسِ محاكم التفتيش .
ب) شطب الصليب من أعلام الدول الأوروبية .
ج ) منح المرأة حقها في الطلاق بكل سلاسة خصوصاً المرأة الكاثوليكية ، وإباحة تعدد الزوجات .
د) إسقاط الأنظمة الملكية في أوروبا ، خصوصاً النظام الملكي الإسباني كخطوة أساسية في مشروع تحرير الأندلس .
هـ) إرشاد أميرات أوروبا إلى ارتداء الحجاب .
و) إقامة صلاة الجمعة في البيت الأبيض .
ز ) إعادة فتح التحقيق في جريمة قتل عماد الفايد بوصفها مثالاً صارخاً على صدام الحضارات .
وقد يعتقد البعض أن الحرب ستشكِّل عبئاً اقتصادياً هائلاً على الدولة ، فأقول هذا صحيح، ولكن من قال لك إن الدولة بدون حرب في رخاء اقتصادي ؟. فمصر على سبيل المثال التي لم تخض أية حرب منذ عام 1973م، يفترض أن يكون اقتصادها في القمة بسبب غياب الحرب ، لكن هذا لم يحدث، فاقتصادها ميت . واتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني يفترض بها أن تجلب الرخاء الاقتصادي للمواطن، ولكن هذا لم يحصل، فالدول العربية تتحمل عبئاً اقتصادياً هائلاً سواءٌ حاربت أم لم تحارِب . لكن القاعدة الأساسية الثابتة أن اتفاقيات السَّلام أكثر كلفةً من الحرب . وأن وضعية الحرب بالنسبة للعالَم العربي ضد أعدائه مثل الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا أفضل بكثير من اتفاقيات السلام.فالسلام يمنح أمناً مجانياً للأعداء، ويُلمِّع صورةَ الغزاة على حساب الأمة العربية ، مع ضياع ثروات البلاد العربية لصالح الغرب الإمبريالي وعملائه من الحكام العرب ، أما الحرب فهي تُثبِّت مركزيةَ الوطن العربي ، وتحمي ثرواتِه ، وتجعل منه طرفاً قادراً على فرض شروطه على الآخرين ، وهذا يعطيه دافعيةً قوية في السياسة الدولية ، ونفوذاً اقتصادياً مربِحاً في شتى المناطق . ومثال إيران ما زال أمام أعيننا .
والعجيب أن مصر _ باعتبارها الدولة المركزية الأولى عربياً _ كان وضعها الداخلي والخارجي أثناء حرب 1973م أفضل بكثير من وضعها بعد اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي يفترض بها أنها جلبت الأمان الاجتماعي والرخاء والانتعاش الاقتصادي . فمصر كانت ذات وزن إقليمي وعالمي أثناء كل حروبها ، أما بعد اتفاقية السلام فصارت مجرد رقم من الأرقام ، بلا وزن في كل المحافل ، ولا أحد يعبأ بها أو حتى ينظر إليها ، فدولة صغيرة مثل قطر صارت تحل مشاكل المنطقة مثل لبنان والسودان وغيرهما ، أما مصر الدولة العربية الأولى ذات التاريخ فتعيش في عوالم الأحلام الهلامية في شرم الشيخ .
إن اتفاقيات السلام مَسَخَت الدورَ السياسي للدول العربية التي صارت صفراً على الشمال على الساحة الدولية والإقليمية، فاتفاقية السلام هي موت سياسي حقيقي للدولة التي تُوقِّعها . فياسر عرفات _مثلاً_ الذي وقَّع اتفاقيةَ السلام ، ونال جائزة نوبل مات مُحاصَراً في المقاطعة، بعد أن قُطِعَت عنه كل مقوِّمات الحياة . فماذا استفاد من تقبيل مادلين أولبرايت ؟، وماذا استفاد من اتفاقية السلام التي لم تُوفِّر له السلام فضلاً عن شعبه ؟ . ولنتذكر أن ياسر عرفات حينما كان في ساحة الحرب والمقاوَمة كان يُحسَب له ألف حساب ، وأن الغرب كان يتصل به راجياً التدخل هنا وهناك من أجل عدم المساس بالمصالح الغربية، مرةً للتدخل في حل مشكلة الطائرات التي اختطفتها الجبهة الشعبية، ومرةً لحماية مصالح أمريكا والغرب في لبنان . وقد كان شخصاً مُهاباً ذا وزن على الساحة العربية والعالمية، أما بعد اتفاقية أوسلو المشؤومة، فقد صار عرفات ورقةً محروقة ، مات محاصَراً لم يَسأل عنه حاكمٌ عربي أو أجنبي ، لأن العالَم يفهم لغة القوة فقط . فكل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني حِبر على ورق لم تمنح عرفات موتاً محترماً ، فمات وحيداً محاصَراً منبوذاً من قبل إخوانه قبل أعدائه، والجنود الصهاينة يحاصِرون مبنى المقاطعة. والعجيب أن شارون عجز عن النيل من عرفات أثناء الحروب ، ونال منه أثناء السلام . وهذا يدلك على أن السلام مع العدو الصهيوني أكثر كلفة من الحرب . وإذا كان الصهاينة قد فعلوا هذا بمن وقَّع معهم السلام ، وتَبَادَلَ القبلات وأحاديث الود والصداقة ، فماذا تنتظر منهم أن يفعلوا بالمقاوَمة ؟ . لذا فإن الخيار الإستراتيجي الوحيد للتعامل مع الكيان الصهيوني هو( الجهاد في سبيل الله ضد الكفار) أي الكفاح المسلَّح فقط . فاتفاقية السلام ( الاستسلام ) وفَّرت الأمنَ للكيان الصهيوني دون الشعب الفلسطيني ، كما قامت بتلميع صورته أمام العالَم ليبدوَ الإرهاب اليهودي النازي في ثوب الأخلاق وقيم السلام البراقة. فالقدس تزداد تهويداً ، واحتلال الضفة الغربية يزداد عمقاً ، والحواجز الأمنية في ازدياد لدرجة أن رئيس سلطة أوسلو العميل محمود عباس لا يقدر أن يزيل الحواجز الأمنية أمام بيته ، ولا يقدر على الخروج من بيته إلى أي مكان في الداخل أو الخارج بدون تصريح وإذن مسبق من الكيان الصهيوني . وإن الشعب الفلسطيني لم يخض مسيرة النضال والثورة الطويلة من أجل أن يعيش ذليلاً وسائحاً في أرضه الشرعية.
ولا يفهم العدو إلا لغة القوة والقوة فقط . وما كان للكيان الصهيوني أن يثبت في فلسطين لولا وجود العملاء من أبناء جِلْدتنا حكاماً أو محكومين الذين قدَّموا التسهيلاتِ لاحتضان الكيان الصهيوني ، وتجذير وجوده على أرض فلسطين المحتلة لقاء بعض المنافع الشخصية .
وقد قام حكامنا بتسليم الشعوب رهينةً لأعداء الأمة نظير المحافظة على عروشهم وأنظمتهم الحاكمة دون إسناد شعبي ، وبالتالي على الشعوب أن تخوض مسيرة التحرر والتحرير بنفسها ضمن المنطق والعقلانية والموازنة بين المنافع والمضار بعيداً عن الفوضى والجعجعة والعواطف غير المنضبطة لأن هذه معركتها ، فالشعب هو القائد الحقيقي للوطن، إذ إن الحاكم يأتي ويذهب، ويظل الشعب. وقد رأينا بعد سقوط صدام حسين كيف أن الشعب هو الذي قاد مسيرة الجهاد والمقاوَمة والتحرير رغم دور الحكومة العراقية العميلة وجيشها المهزوم المتهالِك الذي هو ظل باهت لجيش جبار سابقاً، وقد رأينا دور العملاء المرتزقة في السلطة الحاكمة العراقية التي وضعها الاحتلالُ في التآمر على المقاوَمة وصبغها بالإرهاب والجريمة، من أجل أن يحافظوا على عروشهم، وتحقيق مكتسبات شخصية ، ونيلِ رضا سيدهم الأمريكي، في حين أن الشعب العراقي لا يجد ماءً نظيفاً أو كهرباء أو أمناً أو وظائف عمل أو مستقبلاً مشرقاً . وللأسف فقد دخل العراق في العصر الحجري بفعل أكاذيب الديمقراطية والحرية والمستقبل الرائع، فصار أكثر تخلفاً من الدول الإفريقية جنوب الصحراء .
وللأسف فإن اللوبي العربي المتحالف مع أمريكا المتصهيِنة يمارس دورَه في إسقاط الدول العربية واحدةً تلو الأخرى . فحرب العراق ، ثم حرب غزَّة المراد منها تصفية القضية الفلسطينية ، ثم أمر اعتقال الرئيس السوداني لتجزئة السودان ، والله وحده يعلم على من سيأتي الدور القادم .
إن عملية التحرير الشاملة ، وإعادة بناء الأمة العربية بناءً شمولياً يعيد أمجادَ الحضارة العربية الإسلامية تتطلب رفض الرقص على إيقاع الشيطان الأمريكي، وإعادة بلورة مشروع الفتح الإسلامي للعالَم بدءاً من أوروبا باعتبارها العدوة الأقرب ، وهذا المفهوم هو مفهوم تحريري مضاد لقتل المدنيين ، فالتركيز الجهادي في الداخل الأوروبي يبقى مسلَّطاً على الأعداء المحارِبِين .
إنه تحرير الإنسان من عبادة الإنسان وإنقاذ الضائعين من هذه الرأسمالية المتوحِّشة القاتلة التي حوَّلت الإنسانَ إلى سلعة للبيع والشراء ، وإلى مشروع استثماري يدر الربح على عِلْية القوم ، أما الفقراء والمهمَّشون فيظلون بائسين لا يجدون قوت يومهم ضمن رأسمالية سادية وحشية ، ومن الضروري إنهاء هذه العلمانية الرأسمالية التي قتلت المرأةَ باسم حقوق المرأة، وحوَّلتها إلى بضاعة رائجة في سوق الرقيق الأبيض ، وحصرت كيانَها البشري في أعضائها الجنسية ، فصارت المرأة مجرد شيء يباع ويُشتَرى بوصفها مركز المفعول به.
إن الغرب الإمبريالي بوصفه الإيقاع التجريدي المتمركز حول نواة الاستعباد الانتكاسي قام بتأسيس أكبر سوق نخاسة في التاريخ البشري،لكن هذه السوق مصبوغة بالشعارات البراقة الخادعة. فعلى سبيل المثال لا الحصر قد قام بالسماح للمومسات بالعمل وفق الدساتير ، وبيع أجسادهن لمن يدفع أكثر بما لا يتعارض مع القانون الوضعي ، وهذا تأسيس شمولي للاتجار بالبشر ، وشرعنة تجارة الرقيق الأبيض ، لكن غلَّف هذه الجريمةَ بغطاء الحرية الشخصية للأفراد . وهذه الرؤية تعكس حجم التضليل الانهياري في استعادة تجارة العبيد ، وزمنِ الجواري ، وأسواقِ النخاسة ، بشكل أسوأ من كل عصور الاستعباد ، وتحويل الفرد إلى سلعةٍ بيد أخيه ، واستعباد الناس بواسطة استخدام المال لابتزاز حرية الآخرين ، ومصادرتها دون وجه حق .