كتبها : إبراهيم أبو عواد
إن رئيس سلطة أوسلو ياسر عرفات بكوفيته كان ذا رمزية عالية جداً رغم كل الكوارث التي ارتكبها ، والهزائم التي مُنِيَ بها ، وغيابِ منهجية الإنجازات، ورفعِ الراية البيضاء في أوسلو . ولكن يُحسَب له تحقيق إنجازين كبيرين : الأول _ تحويل اللاجئين إلى مُقاتِلين ، والثاني _ إعادة اسم فلسطين على الخارطة .
وينبغي أن ندرك أن فلسطين وَقْفٌ عربي إسلامي لا يجوز التصرف فيه ، ولا يحق لما يسمى منظمة التحرير الفلسطينية أن تكون الممثل الشرعي والوحيد للقضية. وللأسف فهذه السياسة التي أَفرزت جسماً مسخاً يدعى منظمة التحرير هي نتاج الانقلاب الذي قاده عرفات على الشقيري .
وخطورة هذا الانقلاب واختطاف منظمة التحرير تتمثل في تحويل فلسطين من قضية عربية إسلامية عالمية إلى قضية فلسطينية قُطْرية ضيقة في أيدي بعض المشبوهين ، وتحويل العالَم العربي والإسلامي من شريك أساسي في تحرير فلسطين إلى مجرد وسيط بعيد ذي دور متآكل .
وبالطبع كل هذه النتائج إنما ظهرت بفعل السياسة الدكتاتورية المنفردة لعرفات الذي لسان حاله يقول : (( أنا الدولة والدولة أنا )) ، فجاء تهميش الشقيري وعدم الإشارة له نتيجة طبيعية لاستبداد ما يسمى بالقائد الرمز الذي تفترض رمزيته إزالة كل الرموز المحيطة به السابقة واللاحقة ليظل في الأذهان هو القائد الملهِم الرمز الزعيم الأسطوري...إلخ .
والعجيب أنه كان هناك تخوف من تفريط الشقيري بقضية فلسطين أو التنازل عنها جراء دبلوماسيته وما يُقال عن ضعفه ، لكن الذي تنازل ورفع الراية البيضاء هو عرفات في أوسلو ، ولم يتنازل الشقيري. فمنظمة التحرير بزعامة الشقيري لم تتنازل عن فلسطين ، لكن الذي تنازل هي منظمة التحرير بزعامة عرفات التي اختطفها من الحضن العربي الإسلامي العالمي ، وحوَّلها إلى مزرعة شخصية له وللموالين له عبر تسميتها بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
وفي آخر كلمة للشقيري في الأمم المتحدة قبل أن يترك العمل في الوفد الفلسطيني سنة 1963م ، قال : (( إن مشكلة فلسطين هي مشكلة استعمارية _ الصواب استخرابية لا استعمارية _ ، ولا يمكن أن تُحل إلا كما حُلت المشاكل الاستعمارية ، وكما حُلت المشكلة الجزائرية . وأنتم تعرفون معنى الحل الجزائري من البداية إلى النهاية . وقد أصبح من الضروري أن نشرع في حركة تحريرية تعتمد على جيش التحرير. وسنبني هذا الجيش ، وستقوم حركة التحرير)) [ انظر أربعون عاماً، ص 501، نقلاً عن كتاب أحمد الشقيري زعيماً فلسطينياً ورائداً عربياً للدكتورة خيرية قاسمية ] .
وكما هو معلوم للقاصي والداني فإن بعض الأنظمة العربية هي خط الدفاع الأول عن الكيان الصهيوني مقابل امتيازات مالية تصب في جيوب المسؤولين ، وتعهد ببقاء الحكام على الكراسي بينما الشعب يفتش عن الطعام في سلال القمامة.
والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن العرب أُمَّة متخلفة همجية بدوية بدائية سادية حرَّرها الإسلامُ وهذَّبها ، ونقلها من طور الحيوانية الشهوانية إلى مرحلة الوجود البشري الحقيقي على الساحة العالمية . فمثلاً قارن بين سيرة عمر بن الخطاب قبل إسلامه ، وسيرته بعد إسلامه ، ستفهم مغزى كلامي بدقة . فالدِّين الذي حوَّل رُعْيانَ الغنم _ الحفاة العراة البدائيين الضائعين في صحراء الجزيرة العربية المعزولة الذين لا وزن لهم ولم يكن أحد يسمع بهم _ إلى سادة للعالَم أزالوا الرُّومَ والفُرْس في فترة قصيرة ، وفرضوا شروطَهم على قيصر وكسرى ، وسيطروا على العالَم ، لهو دِين لا يمكن أن يكون إلا سماوياً ، لأنه نقل البشر العائشين كالأنعام إلى سادة كوكب الأرض في شتى المجالات.
وبما أن الإسلام غائب عن الوطن العربي ، فقد غطس العربُ في جاهلية جديدة أسوأ من الجاهلية الأولى في بعض الجوانب ، وعادوا إلى التخلف وعبادة الأصنام البشرية، وهذا ما جعل العالَم العربي في مؤخرة الأمم ، بلا وزن ولا قيمة ، فاشلاً في كل المجالات .
وانطلاقاً من موت كوكب الأرض يُصار إلى حقيقة أنه ليس لدينا ما نخسره ، لذا تغدو الحياةُ الحقيقية في إطار التحرر والتحرير تنبع من فكرة تحويل الشعب إلى استشهاديين ، فتحرير القدس وسامٌ على الصدور لا يستحقه أي حاكم عربي ، لذلك لم يرد الله تعالى منحَ شرف تحرير القدس لأي حاكم عربي لئلا يفتتن الناسُ به، ويصير بطلاً قومياً تُرفَع صوره في المحافل والمظاهرات ، وهو لا يستحق ذلك بعد أن جعل من الدولة العربية إسطبلاً غارقاً في الفساد المالي والإداري ، وأضحى الوطنُ العربي أجملَ مقبرة في العالَم ، ريشةً في مهب الريح بلا وزن على الساحة العالمية والإقليمية ، وهو الذي يزخر بالإمكانيات المادية الهائلة ، والعقولِ الخارقة التي تطردها الحكوماتُ العربية إلى الغرب ضمن خطة منهجية لتحويل الشعب إلى جهال وقطيع غنم تحت الحكم العسكري المصبوغ بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وللأسف فلا يوجد حقوق ولا إنسان . فالعالَم العربي يزداد تخلفاً وانكساراً بفعل الأنظمة العميلة التي تحكمه بالحديد والنار دون النظر إلى مشاريع التنمية التي تظل حِبراً على ورق. فالحاكم يقامر بالبلاد والشعب، وللأسف فإن الشعب الذي تحوَّل إلى دجاج لا يملك إلا أن يظل يهتف للقائد المهزوم ، وكأن الضحيةَ تعشق جلادها ومغتصبَها ، لأنها تعتقد أنه خلاصها .