آخر الفراعنة في محكمة الشعب
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 31/1/2011م .
يبدو أن الرئيس المرفوض شعبياً حسني مبارك لم يستفد من تاريخ الحضارة المصرية في تعلم دروس تعاقب أنظمة الحكم . فهو ما زال يعيش في عقلية الدولة البوليسية / القبضة الأمنية ، ويعتقد أن نظام حكمه المتهاوي قادر على الوقوف في وجه كلمة الشعب . وهذه النظرة القاصرة تشير إلى الغرق في النظرة الأمنية الضيقة التي تنظر إلى الشعب كعدو داخلي ينبغي سحقه لئلا يرفع رأسه .
لكن الشعب المصري الذي حفر قناة السويس وأوصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر ، وصنع انتصار 1973م عبر تدمير خط بارليف ، وصنع حضارة عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة ، لا يمكن اعتباره صفراً على الشمال ، فهو رقم صعب لا يمكن تجاوزه. وهذا ما رأيناه على أرض الواقع . فالمظاهرات الشعبية التي ترفع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " هي صرخة الولادة لهذا الجنين الجديد القادم إلى الحاضر بقلوب مليئة بالإيمان بحياة كريمة، وعيون مفتوحة على الوعي الحضاري . فهذه ليست ثورة جياع أو متسولين ، إنها ثورة الكرام الذين يرفضون المهانة ، ويريدون صناعة حاضرهم بأيديهم ، والدخول في مستقبل مشرق لا مكان فيه للاستبداد والقمع . وصدق القائل : احذر الكريم إذا أهنته .
وقد تجلت وحدة كلمة الشعب في تلاحم الشعب والجيش ضمن سمفونية الثورة الناصعة ، ورفض الظلم . فالشعب والجيش وجهان لعملة واحدة اسمها الشرف ، ووجودهما في خندق واحد من أجل التغيير واستعادة دور مصر الحضاري إقليمياً ودولياً يشير إلى التطلع الشعبي إلى شمس الحرية ، فالجيش لم يجيء من أدغال أفريقيا، إنه ابن الشعب وحارس أحلام الأمة .
وفي الجهة المقابلة نجد أن أزلام النظام الحاكم المرفوض شعبياً يهربون تباعاً ، وذلك لأنهم يعتبرون مصر سفينة تغرق ، والأسلم الهروب من السفينة . وهذا يدل على نظرتهم إلى مصر كبورصة مالية يتمسكون فيها ما دامت تدر أرباحاً ، ويهربون منها في وقت الأزمات .
لكن مصر لن تكون سفينة تغرق ، فالربانُ يعرف نفسه ويعرف هدفه بدقة ، ومن يعرف مساره لا يلتفت أثناء سيره ، ولا بد أن يصل ولو بعد حين .
وقوةُ هذه الثورة الشعبية كامنة في انبعاثها من الداخل المصري ، فهي لا تستقوي بالخارج ، وليس لها أجندات خارجية . وفي المقابل نرى أن النظام المصري المحتضر يحاول الاستنجاد بأمريكا لكي تمنحه الشرعية ، وتسمح له بسحق المتظاهرين وإنهاء هذه الثورة ، وذلك عبر التلويح " بفزاعة " الإخوان المسلمين لإخافة الغرب من حكم الإسلاميين الذين يتم تصويرهم كوحوش قادمة للقفز على سدة الحكم،وأكل " إسرائيل " والقضاء على مصالح الغرب ، وتدمير استقرار المنطقة . وهذه اللعبة المكشوفة للجميع والتي تم استهلاكها طوال الأعوام الماضية لا تجدي نفعاً . فالجميع يعلم أن هذه ثورة شعبية تشمل كل أطياف الشعب بلا استثناء . فلا فائدة من بحث النظام عن طوق نجاة في البيت الأبيض ، لأن الشعب قال كلمته وسيقولها .
فلا بد للرئيس المرفوض شعبياً أن يُسلِّم السلطة بشكل سلمي ، ويُجنِّب البلاد والعباد إراقة الدماء إذا كان حريصاً على مصالح شعبه _ كما يقول في كل خطاباته _. مع ضرورة توفير محاكمة عادلة له ولفريقه ومحاسبتهم عن الثلاثين سنة الماضية ، وطوي هذه الصفحة ، وبدء كتابة فصل جديد من تاريخ مصر ، يكتبه أبناؤها الشرفاء الذين لم يهربوا إلى واشنطن أو لندن بالحقائب الدبلوماسية .