الحاكم العربي هو شاه إيران
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 18/1/2011م .
إن المشكلة الأساسية في عقلية الحاكم العربي أنه لا يتعظ بغيره ، ولا يأخذ الدروس والعِبر من حركة التاريخ وتقلبات السياسة . فهو يعتقد أن تقبيل يد الغرب واختباءه في قصره المحاط بجنوده المرتزقة كفيلٌ بجلب الأمن له وضمان استقرار حُكمه حتى يوم القيامة ، لكن هذه النظرة لا أساس لها من الصحة لأن كل الثورات التاريخية التي تضمنت إسقاط أنظمة الحكم حدثت ضد حكام مدعومين بقوة عسكرية كبيرة داخلياً وخارجياً ، ومع هذا سقطوا ، وتخلى عنهم الجميع . فلماذا لم ينتفع الحاكم العربي بهذا التاريخ ليعرف أن الحكم لو دام لغيره ما وصل إليه ؟ . ولماذا لم يأخذ العِبرة من تعاقب الدول والحكام عبر الأطوار الزمنية المختلفة ؟ .
والإجابة تتمحور حول ثلاثة أبعاد :
1_ البعد السياسي : فالحاكم العربي لم يبنِ دولة القانون والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لاعتقاده أن هذه الحياة السياسية ستسحب البساط من تحت قدميه ، وبالتالي قام بعسكرة المجتمع وتكوين الدولة البوليسية المنتشرة في كل تفاصيل المجتمع . وهذا أدى إلى حدوث فراغ رهيب في الكيان السياسي العربي ، ولا يمكن للحضارة أن تزدهر في فراغ ، لذلك غابت التنمية وانتشرت البطالة ، وتكاثرت الأزمات المجتمعية بشكل هستيري دون وجود حلول . فالفراغُ هو قاتل المواهب ، لذلك لم تستفد الحكومات العربية من الشهادات العلمية للوزراء من أكسفورد وهارفارد ، فصار المسؤولون الحكوميون غارقين في الروتين الوظيفي ، والحفلات الاجتماعية ، والولائم العامرة بأشهى المأكولات ، وهكذا غابت الثقة بين الشعب والطبقة الحاكمة ، فكل طرف في واد يُغنِّي على ليلاه ، وكلاهما يسيران وفق خطين متوازيين دون فرصة للالتقاء وتضافر الجهود . أضف إلى هذا أن الدول العربية تم تحويلها إلى كيانات مفرغة من المعنى ، فالمجتمعات أضحت إقطاعياتٍ طبقية على غرار كيانات السادة والعبيد ، وازدادت الفجوة بين الحاكم المشغول بسرقة الشعب وبين المحكوم المشغول بتحصيل كسرة الخبز . وهكذا نشأ مجتمع الكراهية والحقد والانتقام ، فصار الشعبُ مستعداً للثورة لأنه حُشر في الزاوية ، وصارت الحياة والموت عنده سيان .
2_ البعد الاجتماعي : إن سلوك النخب الحاكمة أنتج مجتمع النفاق والتطبيل والتزمير والثناء على الحاكم الفاشل، ليس حباً فيه، ولكن من أجل تحصيل بعض المنافع المادية . والكارثة الحقيقية أن الحاكم صدَّق هذه الأكاذيب والألاعيب ، فنفخ ريشه كالطاووس ، وصار يعربد بالطول العرض اعتقاداً منه أنه فوق القانون والوطن والشعب ، ولا يُسأل عما يَفعل . فقد أُصيب بالغرور والنشوة نتيجة المواكب الكاذبة التي تصنعها الأجهزة الأمنية لبيان التفاف الشعب حول القائد ، وهذه المسرحيات الكوميدية لم تعد تنطلي إلا على الساذجين . والغريبُ أن هذه الأساليب انطلت على الحاكم نفسه ، وبدأ ينظر إلى نفسه كشريف رغم معرفته في قرارة نفسه أنه لص . وهنا تمكن خطورة النفاق الاجتماعي في صناعة الأصنام البشرية .
3_ البعد النفسي ( السيكولوجي ) : إن رؤوس الأنظمة السياسية العربية هم من المرضى النفسيين المصابين بآلاف العقد النفسية والأمراض الداخلية الخطيرة . فهم ينظرون إلى الدولة ومرافقها كأملاك شخصية يريد الشعبُ أن يسرقها منهم . لذلك هم دائمو الخوف والشك في كل ما حولهم ، فينظرون إلى أفراد عائلاتهم على أنهم طامحون في السلطة ، وقد ينقضون على الحكم في أية لحظة ، وينظرون إلى الشعب كعدو ينبغي مقاومته . وهذا الاضطراب النفسي ينعكس على تفكيرهم وسلوكهم ، فتصبح قراراتهم مضطربة ينقض بعضها بعضاً، وتصبح سياساتهم فوضوية على شكل ردود أفعال ساذجة تفتقد إلى المنطق والاتزان ، ويتحول الدستور إلى كومة مواد متغيرة باستمرار يتم تعديلها حسب مزاج الحاكم غير السوي .
والشعوبُ العربية واعية لهذه الأبعاد ، وقد تجاوزت ثقافة الرعب ، وصارت تسعى إلى اختيار حكامها بأنفسها وصناعة مستقبلها بأيديها ، فهي لا تقبل أن يحكمها اللصوص والمرضى النفسيون والأصنام البشرية . فهي تصنع حياتها كما تريد لا كما يريد أزلام الدولة البوليسية . وهذا المارد الشعبي الذي استيقظ لم يعد بالإمكان الضحك عليه أو تخديره أو تنويمه مغناطيسياً .