حكومات الملاهي الليلية
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 13/1/2011م .
لا يخفى أن الاستبداد والفساد الأخلاقي متلازمان بلا انفصال. وذلك لأن السياسات القمعية في العالم كله تحاول إشغال الشعب بالشهوات والمناحي الاستهلاكية لئلا ينتبه إلى الحياة السياسية فينقد الظواهر السلبية ويوجع رأس الحكومات وواضعي السياسات بالمساءلة والمحاسبة. فمن المهم جداً في الدول الفاشلة أن يظل الشعب غاطساً في الأوهام والملذات ، ومخدَّراً بالشعارات البراقة ، ولاهثاً وراء المتعة الآنية . مما يبعده عن التفكير المنهجي في مصير الشعب ومسار الوطن . وهذا هو هدف حراس الاستبداد والفساد الإداري في كل الأنظمة السياسية .
ففي الفترة الأخيرة تم افتتاح كازينو للعب القمار قرب العاصمة السورية مع أن الدستور السوري يُجرِّم لعب القمار . وفي نفس الفترة قامت الحكومة الأردنية بتحقيق إنجاز تاريخي غير مسبوق ، وهو السماح للأردنيات _ لأول مرة _ بالعمل في الملاهي الليلية . وهذان النموذجان غيض من فيض، وهما يعكسان الانهيار العربي من الخليج إلى المحيط . فالوطنُ العربي _ الذي هو ضحية تخبط السياسات وفشل المسؤولين في الإدارة _ صار ينافس لاس فيجاس وخليج أكابولكو في الانحراف الأخلاقي . فمنتجع شرم الشيخ _ مثلاً _ غطى على أشهر منتجعات العالم . وقد رأينا كيف أن الرئيس الفرنسي ساركوزي اصطحب عشيقته كارلا بروني _ قبل أن يتزوجا _ في رحلة إلى مصر والأردن ، وكأن الأمر روتيني ، فلم يذهب إلى منتجعات أمريكا اللاتينية أو أوروبا ، بل جاء إلى الوطن العربي وهو يعلم أنه سيسرح ويمرح بلا نكير من هذه الحكومات العربية المتهاوية .
وهذه الأمور تشير إلى أن الحكومات العربية الفاسدة مالياً وأخلاقياً بدأت تستثمر في الأجساد البشرية ، ليس بمعنى التنمية البشرية وتعزيز قدرات الشعوب ومعالجة مشكلات البطالة والعنوسة، بل بمعنى المتاجرة بأجساد الشعوب والتلاعب بمصيرهم، وإغراقهم في عمليات الكسب غير المشروع . وهذه نتيجة طبيعية لغياب مناهج الإصلاح والتنمية والتطوير الإداري .
فحينما تعجز الحكومات عن تحقيق تنمية عبر بناء الإنسان والوطن ، وتفشل في زيادة الدخل القومي، وتفقد بوصلة الاقتصاد ، وتتقاعس أمام معدلات العجز المذهل في الميزانيات ، وغلاء الأسعار، وتفشل في منع النهب المنهجي لمقدَّرات الدولة ، فعندئذ سوف تلجأ _ الحكومات_ إلى جني الأرباح من خلال تحويل الإنسان إلى سلعة في موضع البيع والشراء ، فتخترع القوانين لتنظيم لعب القمار والحصول على عوائد ضريبية مرتفعة ، وتزيد من رقعة الملاهي الليلية وجنسيات المشاركين فيها من القاعدة حتى الرأس . والحكومات تعتقد أنها بهذا العمل تحفظ رأس المال المحلي من الهجرة للخارج ، وتزيد من فرص العمل ، وبالتالي الحد من البطالة ، وتستقطب القادرين على الدفع في الداخل والخارج . وهذه كلها أوهام سرعان ما تذهب أدراج الرياح .
ولو أن هذه الأموال الضخمة التي تُصرَف على هذا الضياع الهستيري تم استثمارها في بناء الجامعات المحلية وفق أعلى المستويات ، ورعاية مواهب الشباب ، وإنشاء مراكز بحث علمي متقدمة ، وتزويج الشباب العاجز عن تحمل التكاليف الباهظة ، وإنقاذ ملايين العوانس من الخليج إلى المحيط ، من أجل إنشاء نظام أُسري قوي يصنع مجتمعاتٍ متقدمة قادرة على الإبداع وصناعة المستقبل المزدهر في مواجهة التحديات الشرسة المتكاثرة ، لكانت المجتمعات العربية حقَّقت أرباحاً مذهلة على كل الأصعدة ، وصنعت معدلات تنمية عالمية ، وصارت في مصاف أرقى مجتمعات العالم في العلم والحرية والديمقراطية وارتفاع الدخل القومي والتداول السلمي للسلطة .
لكن الحكومات العربية التي تنظر إلى الشعب باعتباره قطيع غنم قابل للذبح في أي وقت ، سوف تضحِّي به عند أية أزمة ، وسيجد الشعب نفسه وحيداً في معركة تحقيق الذات وصناعة الوطن ، فكل حكومة تبيع شعبها من أجل الدولارات لا يمكن الوثوق بها . وللأسف فهذا حال جميع الحكومات العربية بلا استثناء .