متى تحاكم الشعوب العربية حكامها ؟
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 4/1/2011م .
إن محاكمة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف بتهمة الاغتصاب والتحرش الجنسي تشير بوضوح إلى أن " إسرائيل " _ رغم كونها كيان احتلال _ ذات دستور يخضع له الكبير والصغير دون تمييز . وهذا جعل الساسة الإسرائيليين يتفاخرون أمام وسائل الإعلام بهذا الإنجاز، حيث يحاكم رأس النظام السياسي أمام القضاة ، ويتعرض للتحقيق والاستجواب ، ويُمنع من السفر في انتظار صدور الحكم . ومثل هذه المحاكمة سبق أن حدثت مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في فضيحة مونيكا لوينسكي ، حيث تم إخضاعه للتحقيق تحت القَسَم . وهذا الأمر متكرر في الأنظمة السياسية الغربية التي تنظر إلى رأس الدولة كخادم للشعب وليس الشعب خادماً له .
وإذا كان الرئيس الإسرائيلي السابق أُدين بالاغتصاب والتحرش الجنسي بحق بعض الموظفات، فإن الحاكم العربي قد اغتصب بلاداً وشعوباً بأكملها ، واختطف الدولة بكل ما فيها ، وحوَّلها إلى بقرة حلوب تدر المكاسب عليه وحاشيته دون وصول أية منفعة للشعب . فلماذا لا يتم تقديمه للمحاكمة كما يحدث في إسرائيل ودول الغرب ؟ .
والإجابة على هذا السؤال متشعبة للغاية بسبب تعقيد الحالة العربية . فالحاكم العربي _ في حقيقة الأمر _ غير شرعي ، إذ إنه يستمد شرعيته الوهمية من الإسناد الخارجي له لقاء التزامه بأوامر من نصَّبوه . فهو لم يأت عبر صناديق الاقتراع ، ولم يات بإرادة شعبية أو مباركة وطنية ، إنما نزل إلى سدة الحكم بمنطاد سياسي دون وجود أية قاعدة شعبية له . لذلك فالحاكم العربي هو عنصر شاذ عن مسار الشعب وهوية الوطن . وهو يعرف هذه الحقيقة ، لذلك نراه يتشبث بالسلطة بأظافره وأسنانه _ مدعوماً بالقوى الغربية _ حتى الرمق الأخير ، فهو يعرف أنه إذا تنازل عن الحكم أو تم إقصاؤه من السلطة سوف يُسأل عن كل أمواله وسياساته وأرصدة عائلته والمقربين منه . وهذا يزيده تمسكاً بالكرسي حتى وفاته . وهذا يفسر حرص الحاكم على الإنفاق الهستيري على حراسه الشخصيين وأجهزة الأمن ، وتخصيص ميزانية هائلة للتسلح ، مع أن الجيوش العربية نائمة لا تخوض حروباً خارجية ، فكل حروبها ضد الشعب المسكين المغلوب على أمره . كما أن الدساتير العربية يتم تفصيلها حسب مزاج الحاكم ، وبما يضمن استمراره في السلطة ، وجعله فوق مستوى النقد . لذلك فالدستور والشعب وكل عناصر الوطن في خدمة الحاكم " الملهَم " . والدساتير العربية مثل شباك العنكبوت لا يقع فيها سوى الكائنات الصغيرة ، أما الكائنات الكبيرة فلا تعرف غير تمزيقها .
والشعوبُ العربية تتحمل دوراً كبيراً في تقديس الحاكم . فهي مولعة بتصنيم الذوات ، أي جعلها أصناماً مُطاعة بلا نقاش ، وذلك من أجل تحقيق مصالحها الآنية ، والإفلات من ملاحقات رجال الأمن المتكاثرين كالفطر السام . وفلسفةُ الشعوب العربية هي تقبيل اليد التي لا يمكن قطعها .
وهذا الانهيار الكارثي على مستوى الوطن والشعب أدى إلى تمادي الحاكم وعصابته ، فصار الدستور لعبةً في يده ، وصار الشعب خادماً له يتسول على أبواب قصوره لقاء بعض الأعطيات ، وصارت أجهزة الإعلام الرسمية تُطبِّل وتُزمِّر ليلاً نهاراً لهذا القائد العظيم ( الزعيم الأوحد ) الذي لم يُحرِّر ذبابة ، ومع هذا يتم تقديمه كخليفة لخالد بن الوليد .
لكن بشائر التغيير باتت ملموسة على أرض الواقع ، فهناك قوى شعبية عديدة صارت تنزل إلى الشارع ، والمعارضة العربية صارت أشد تماسكاً ووعياً ، كما أن النخب المثقفة الشريفة بدأت تفتح عيون الجماهير وتقودها نحو التغيير المنطقي الواعي بلا فوضى أو شغب . وهذا كله يساهم بشكل كبير في تعرية الحاكم العربي أمام شعبه ، وتجريده من صفات القداسة ، وتعريضه للمساءلة أمام شعبه ، فالحاكمُ العربي يجب أن يتذكر أنه ليس إلهاً ، فهو يجيء ويذهب ، والشعب يبقى وسيقول كلمته .