زواج الخيال والواقع في القصيدة
جريدة العرب اللندنية
للكاتب/ ابراهيم ابو عواد .
إن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في عوالم القصيدة : أيها سابق على الآخر ، الخيال أم الواقع ؟ . وقبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي فهم أبعاد مدلولات نظام القصيدة، والاستناد إلى حقيقة أن القصيدة نص ثوري يعمل على عسكرة الكلام من منظور أدبي مع تجذير روحانية المعنى الشعري . ولو عدنا إلى السؤال السابق لوجدنا أن الجواب ينبع من كَوْن الخيال والواقع متكاملَيْن ، وكلاهما يؤثر في الآخر بصورة تبادلية غير عابثة . وهذا التأثير المتبادل يدفع منظومةَ القهر المتشظية في أنساق المجتمع الإنساني إلى التكسر على أمواج القصيدة الجارفة . وهكذا نصل إلى حالة شعرية متفرعة عن حرية المعنى ، تحترم كينونةَ الإنسان وخياله الواقعي .
والتزاوج بين الخيال والواقع يُحوِّل العناصرَ الاجتماعية الكبرى إلى مواد مصهورة في القصيدة الحاضنة للأحداث ذات العناصر الجمالية المدهِشة، وهذا لا ينفي دور عناصر الجَمال المختبئة في زوايا الأشياء البسيطة الهامشية . فالقصيدةُ هي القوة الشعورية الدافعة التي تجعل من الهامشي محوراً حياتياً رئيسياً ، فكل إنجاز فكري عظيم مرجعه إلى خاطرة صغيرة . وهذه الحقيقة تتجلى في أفق القصيدة باعتبارها مصنعاً للأحلام. واستناداً إلى حتمية انصهار الأنظمة الاجتماعية في الجسد القصائدي ، فإننا نكتشف ذواتنا في الجنين الشِّعْري غير الملوَّث بالقيم المادية الاستهلاكية المغلقة . وهكذا تغدو الكتابة الشعرية تصحيحاً لمسار القطار الاجتماعي، ويتكرس الأدب بكل أشكاله كأسلوب حياة لا وسيلة للتسلية والإمتاع المجرَّد وملء وقت الفراغ . فالفعلُ الكتابي مُعادِلٌ للوجود الإنساني الحر في عالَم غارِق في عبودية الإنسان للإنسان .
وكلما تكرست الثقافة الشعرية كحلم حياتي معاش، تعمَّقت أنظمة المعنى الفكري في الوجود الإنساني ، مما يؤدي إلى تحويل التوهجات المعنوية إلى معادَلات سيكولوجية كلامية نكتشف من خلالها حتمية الصدام بين طبقات النص الشعري والعناصرِ الاجتماعية المدجَّنة . فالقصيدة هي المعركة الذهنية الخيالية الواقعية النهائية .
وكلما أنعمنا النظر في تكريسات القهر والكبت ومتوالياتِ الانهيارات الإنسانية المتكررة ، وجدنا أن القصيدة هي القلعة الأخيرة وشرعية المعنى التي تعطي الأنساق الحياتية أبعادها ، وهذا غير مستغرب لأن الأفق الشعري هو وحدة الوجود الإنساني الذهني العاصف التي توصلنا إلى السلام الداخلي، ومصالحةِ الإنسان مع نفسه .
وهذا السلام المنتشر في الذات الإنسانية ينقل الومضة الشِّعرية من ردة الفعل إلى الفعل ، وهذا من شأنه نسف ثقافات الخوف التي كَرَّستها سلطةُ الموروث الاجتماعي عبر تراكم الأزمنة . ومن هنا ندرك أبعاد القصيدة كمُرشِد اجتماعي يُسَجِّل مواقفَ فاعلة في وجه الهيمنة السُّلطوية في مجتمعات الكراهية .