إصلاح مؤسسة العرش في الأردن
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 24/2/2011م .
إن المتأمل في الثورات العربية التي بدأت من تونس وانتقلت إلى باقي البلاد سيدرك أنها نابعة من الإقصاء المنهجي للشعب وتكريس المواطنين كأرقام لا وزن لها ، مما جعل الشعب يأخذ على عاتقه تغيير واقعه البائس والتحرك في سبيل استعادة حريته ودوره المفقود. فحينما يشعر الأفراد أن وجودهم كعدمه فهذا يعني أن الثورة على الأبواب ، لأن الشعب ليس صفحة تُطوى أو نزوة عابرة ، إنه الركيزة الأساسية في كل النظم السياسية ، ولا يمكن تهميشه أو بناء الدولة بدونه .
ومن خلال هذا المنظور ندرك أهمية مشاركة الشعب في صنع القرار السياسي ، وضرورة أن يشعر بأن كلمته مسموعة سواءٌ قال نعم أم لا ، وأنه يملك سُلطة فعالة على أرض الواقع لا سلطة شعاراتية أو حبراً على ورق دستور لا يقرأه أحد . فلا يوجد شعب حي يقبل أن يلعب دور المتفرج على الأحداث أو الكومبارس في صناعة القرارات .
وهكذا تتضح أهمية إصلاح مؤسسة العرش الأردنية عبر تطهيرها من المتسلقين عليها والمختئبين وراءها مثل رؤساء الحكومات المتعاقبة الذين يحرسون فشلهم عن طريق الاختباء في عباءة الملك والاحتماء بمؤسسة القصر . فينبغي أن يتحملوا مسؤولية الكوارث التي قاموا بها بحق البلاد والعباد ، وهذا لا يتأتى إلا برفع يد الملك عنهم لكي يقفوا أمام الشعب لمحاسبتهم على الخطايا والأخطاء المتراكمة .
ومن أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي القيام بخطوات منطقية متسلسلة على الأرض مثل حل مجلس النواب غير الشرعي الذي نتج عن تزوير الانتخابات والتلاعب بالقوانين ومصادرة أصوات المواطنين ، وتعديل الدستور ، وإجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة ، وبعدها يقوم رئيس الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة .
فمن المهم أن يتخلى الملك عن اختيار رئيس الوزراء ويترك هذه المهمة للشعب ، فهذه هي المشاركة الحقيقية في صنع القرار . والشعب حينما يطالب بتقليص صلاحيات الملك فهو لا يرتكب إثماً ، ولا يتطاول على رأس النظام الحاكم . وهذه ليست وقاحة تستدعي الاعتذار أو الأسف ، بل هي حق شرعي للشعب ، لأن الملك هو خادم للشعب. وهذا ليس كلامي . بل كلام الملك الراحل حسين بن طلال ( 1935م _ 1999م ) الذي قال : (( فلنبنِ هذا البلد ولنخدم هذه الأمة )) . فقد سمَّى نفسه خادماً للأمة ، وهذه وظيفة أي نظام حاكم .
لكن بعض المرتزقة يحاولون أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك ، فيعملون على توسيع الفجوة بين الحاكم والمحكوم لتحقيق مصالحهم الشخصية ، وهؤلاء هم فئران السفينة الذين يهربون منها عند الأزمات ، لأن ولاءهم _ في واقع الأمر _ لأرصدتهم البنكية ، وليس للوطن أو الملك ، وإن هتفوا وصنعوا الشعارات البراقة وعبارات الولاء والانتماء .
والمخلصون _ حقيقةً_ هم الذين يريدون إصلاح النظام من الرأس حتى القاعدة ، لأن صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك . وقد كان بإمكان الشرفاء أن يُطبِّلوا ويُزمِّروا للنظام والحكومة مثلما يفعل الكثيرون ، لكن هذا النفاق بالغ الخطورة لأنه يُخفي الأخطاء ولا يعالجها ، مما يؤدي إلى تفجر الأوضاع . وهنا تبرز أهمية وضع الأصبع على الجرح ومعالجته قبل أن يتفشى في الجسد كله فيقضي عليه . وعندئذ لا ينفع الندم .