فواديسواف ريمونت وحياة الريف
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ،16/9/2016
.....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ،16/9/2016
.....................
وُلِدَ الأديب فواديسواف ريمونت (1867_ 1925) في قرية كوبيل فيلكي بوسط
بولندا ، وكانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة الروسية . تعلَّم القراءة والكتابة
على يد قِس محلي في القرية. ثم تلقى تعليماً نظامياً في المدارس. أرسله والده إلى
وارسو (عاصمة بولندا) في عام 1885، من أجل تعلُّم إحدى المهن ، وذلك في رعاية
شقيقته الكبرى وزوجها . وقد تَعَلَّم مهنة الخِيَاطة، لكنه رفض العمل كخيَّاط،
وهذا أزعج عائلته بشدة ، لأنها شعرت أن مستقبله في خطر.
أحبَّ العملَ في المسارح ، والسفرَ مع
الفِرَق المسرحية ، فعمل ممثلاً متجوِّلاً ، لكنه لم ينجح في هذا المجال ، ولم
يستطع جمع الأموال . ورجع إلى أهله مُفْلِسَاً . وبفضل والده ، استطاع الحصول على
وظيفة عامل في السِّكَك الحديدية . وقد هرب مَرَّتين من هذه الوظيفة . المرة
الأولى في عام 1888 ، حيث سافر إلى باريس ولندن . والمرة الثانية ، هرب من أجل
الانضمام إلى إحدى الفِرَق المسرحية . لكنه فشل في إثبات نفْسه كَمُمثِّل بسبب
انعدام الموهبة ، فعادَ إلى الوطن مرة أخرى .
استقرَّ في وارسو ، وقرَّر أن يتفرَّغ
للكتابة ، فعمل كَمُراسِل لإحدى الصُّحف ، وزار عِدَّة عواصم أوروبية ، مِن بينها
برلين وبروكسل ولندن ، وسافر إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية
الأولى . بدأ ريمونت في كتابة القصص القصيرة ، وزار مكاتب التحرير في مختلف الصحف
والمجلات ، وقد اهتمَّ بعض المسؤولين بكتاباته ، واقتنعوا بإمكانياته الأدبية .
في عام 1894 ، ذهب في رحلة إلى الحج إلى
شيستوشوا ( ثالث أكبر موقع حج كاثوليكي في العالَم ) ، وقد كتب تفاصيل هذه الرحلة
الروحية في كتابه " الحج إلى جبل النُّور " الذي نُشر في عام 1895 ،
ويُعتبَر هذا الكتاب تجسيداً لأدب الرحلات في صورته الكلاسيكية .
لم يستطع الأدبُ أن يُوفِّر له مصدر دخل
ثابتاً ، فعاشَ حياةً فقيرة ، ولم يتمكن من ممارسة هوايته في السَّفر بسبب غياب
الموارد المالية . لكنه في عام 1900 ، حصل على أربعين ألف روبل ( العملة الروسية )
، كتعويض من مؤسسة السكك الحديدية ، وذلك بعد تعرُّضه لحادث خطير وإصابته بجروح
بالغة . وأثناء رحلة العلاج ، تعرَّف على إحدى النساء ، وتزوَّجها في عام 1902 بعد
أن قام بدفع قيمة فسخ زواجها السابق . وقد استغل التعويض المالي الذي حصل عليه
لتحقيق طُموحه بأن يُصبح أحد مُلاك الأراضي ، فاشترى عقارات في عام 1912 ، لكنه
فشل في إدارتها.
كتب ريمونت العديد من الروايات ، أشهرها على
الإطلاق رواية " الفلاحون " التي نشرها عام 1904 ، وكتبها أثناء فترة
إقامته في منطقة النورماندي الواقعة في شمال فرنسا ، وهي الرواية التي نال عنها
جائزة نوبل للآداب عام 1924 .
وهذه الرواية الضخمة التي تقع في أربعة
مجلدات ، تُجسِّد فلسفة الكاتب في حياته ، فقد عارضَ آراء المفكِّرين الذين آمَنوا
بالتصنيع ، وانتقلَ من حياة المدينة إلى حياة الريف ، وصار الريف هو الركيزة
الأساسية في أعماله القصصية . وهذا يُشير إلى قناعة الكاتب بأهمية العودة إلى
الطبيعة ، وأن الأرض هي مستقبل الإنسان ، وليس الآلة الصناعية ، وعلى الإنسان
العودة إلى التراب بإرادته قبل أن يعود إليه رغم أنفه ( بالموت ) .
لقد رفض ريمونت الثورة الصناعية ، واعتبرها
خطراً حقيقياً على وجود الإنسان وأحلامه وذكرياته . فهذه الثورة حوَّلت الإنسان
إلى آلة بلا مشاعر ، تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة في مجتمع استهلاكي متوحش،
وليس لديه وقت للمشاعر الإنسانية ، والأحاسيس الحياتية . وقد مَزَجَ هذه الأفكار
بالسُّخرية ، وخلطها بشريعة الغاب ، حيث تغيب الأفكار النبيلة ، وتنهار الأخلاق ،
وتتساقط المشاعر ، وينقلب الإنسان على نفْسه ، ويُقاتل أخاه الإنسان من أجل
التصنيع الوحشي والتَّحضر الزائف ، حيث يتم قتل الإنسان والطبيعة معاً .
اهتمَّ ريمونت في كتاباته بالواقع المادي
والعادات والسلوك والثقافة الروحية للشعب . وكان يستخدم لهجة الفلاحين البولنديين
في الحوار والسرد ، وكان حريصاً على إظهار إيقاع الحياة اليومية مع البساطة
الصارمة والأحلام الضائعة . وكانت كتاباته مرجعاً للتجربة الإنسانية والحياة
الروحية العميقة ، ولم يكن لديه أفكار عقائدية أو تعليمية ، فلم يهتم بالمذاهب
الفكرية ، وإنما اهتمَّ بطبيعة الحياة ، وأفكار الناس ، والإحساس بالواقع الْمُعاش
.
وقد كان آخر مؤلفات ريمونت بعنوان "
نَطحة " ، ونُشر عام 1924 ، ويصف فيه تمرُّد الحيوانات في المزرعة من أجل
المساواة ونَيل حقوقها ، كما يصف ما يحدث في المزرعة من اعتداء وإرهاب دموي .
والقصة كناية عن الثورة البُلشفية ( 1917 ) . وقد مُنع الكتاب في بُولندا الشيوعية
في الفترة ما بين ( 1945_ 1989 ) ، جنباً إلى جنب مع رواية جورج أورويل الشهيرة
" مزرعة الحيوان " التي نُشرت في بريطانيا عام 1945. ومن غير المعروف ما
إذا كان أورويل قد تأثَّر بأجواء رواية ريمونت الممنوعة .
من أبرز أعماله : الْمُخادِع ( 1896) . أرض
الميعاد ( 1898 ) . الفلاحون ( 1904_ 1909) . الحالم ( 1910) . مصَّاص الدماء (
1911) . نَطحة " الثورة " ( 1924) .