خاثينتو بينافينتي والشذوذ الجنسي
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/9/2016
.....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/9/2016
.....................
يُعَدُّ الأديب الإسباني خاثينتو بينافينتي(
1866_ 1954) من أبرز المجدِّدين في المسرح الإسباني في القرن العشرين. وبالإضافة
إلى كَونه كاتباً مسرحياً ، فقد كان سيناريست ومخرجاً سينمائياً . أصبحَ عُضواً في
الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1913، وأهَّله إبداعه للحصول على جائزة نوبل
للآداب عام 1922 .
وُلد في مدريد . كان أبوه طبيب أطفال مشهوراً ، وهذا دفع الكاتبَ
فيما بعد إلى كتابة أعمال مسرحية خاصة بالأطفال. بدأ دراسة الحقوق في جامعة مدريد
، ولكن مَوت والده عام 1885 كان المنعطَف الرئيسي في مسيرته ، الذي غيَّر مسار
أفكاره وحياته إلى الأبد . فقد ورث من والده ثروة طائلة ، فتركَ دراسته الجامعية ،
ولم يعد بحاجة إلى العمل لكسب قُوت يَومه . وتفرَّغ تماماً للأدب والسَّفر . زارَ
فرنسا والأرجنتين وتشيلي وروسيا ومصر ومناطق كثيرة من العالَم . وبسبب كثرة أسفاره
، صارَ خبيراً بتقاليد المسارح الأوروبية والعالمية .
كان بينافينتي مُولَعاً
بالمسرح منذ طفولته ، وامتاز مسرحه بالسُّخرية اللاذعة الممزوجة بالنقد الاجتماعي
، كما ظهرت في مسرحياته النَّزعةُ البوهيمية ، والميولُ الواضحة نحو الفوضى في
العلاقات الاجتماعية . واهتمَّ بالأفكار الكوميدية في الفن، وهذا الاتِّجاه
المسرحي كان سائداً في فرنسا ، ونقله بينافينتي إلى إسبانيا ، كما نقل كثيراً من
المذاهب الفنية الأجنبية ، وأدخلها في صميم المسرح الإسباني .
تصادمت أفكارُه مع نظامِ
الْحُكْم ( السُّلطة السياسية ) والكنيسةِ الكاثوليكية ( السُّلطة الدينية )، فقد
كان ملكياً ليبرالياً ناقداً للاشتراكية . وعلى الصعيد الشخصي ، كان شاذاً جنسياً
ولم يتزوج مُطْلَقاً . لذلك خضعت أعماله للرقابة خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية (
1936_ 1939) . كما مُنعت بعض أعماله من العرض ، خصوصاً في السنوات الأولى لِحُكم
الجنرال فرانكو ، بسبب كَونه أحد المؤسِّسين لرابطة أصدقاء الاتحاد السوفييتي .
نشر في عام 1894 عملاً
أدبياً بعنوان" عُش الغريبة "، لكنه لم يلقَ نجاحاً . ويعود سبب فشله
إلى أن الجمهور والنُّقاد لم يستوعبوا المفاهيم التجديدية التي كانت غريبةً آنذاك.
وفي عام 1896 ، بدأ يُهاجم في أعماله الأدبية الطبقةَ العُليا من المجتمع ، ولكن
حِدَّة النقد بدأت تضعف تدريجياً ، إلى أن انتهى إلى العِتاب اللطيف في أعماله
اللاحقة مثل " غذاء للحيوانات المفترِسة " عام 1898 .
كانت علاقته بالمرأة
شديدة الغرابة، فهو يُصرِّح أنَّه لم يحب امرأةً في حياته ، ومع هذا ، يُظهِر
تعاطفاً بالغاً مع المرأة في مسرحياته ، ويتعامل معها على الورق بكل رقة ونعومة.
وقد أحبَّ في شبابه المبكِّر لاعبة سيرك، وكتب لها أشعاراً ، لكنه أنكرَ هذا الحب
، وزعم أنَّه كتب أشعاره لصديق كان يُحِبُّها .
يُعتبَر بينافينتي
المجدِّد الحقيقي في المسرح الإسباني بسبب أسلوبه السَّلِس ، ومهاراته الفنية .
ومعَ أن مسرحياته لم تشتمل على صراعات درامية عظيمة ، ولا على عذابات مأساوية ،
إلا أنه حافظ على الوسطية في الطرح ، وكثيراً ما وقع في السطحية والابتذال .
أوجدَ نوعاً من المسرح
الجديد القائم على السُّخرية الذكية ، والنقد اللاذع للأرستقراطية الغارقة في
العبث والمادية والنفاق . ، فقد فضح عيوبَ الطبقة العليا في إسبانيا في ذلك الوقت
، وتناولَ مشكلات الطبقة الريفية في المجتمع . وكانت مسرحياته تأريخاً لإسبانيا
بعد سقوط المستعمَرَات . وامتازت مسرحياته بالرؤية الواقعية ، حيث أدرك أهمية أن
يكون العمل الدرامي جاذباً للجمهور ، ومُحقِّقاً لأحلامهم ورغباتهم ، فحاولَ
جاهداً أن يجمع في مسرحياته بين الذَّوْقِ الجماهيري وذَوق النقاد . وقد حازت
مسرحياته على إعجاب الجمهور الذي حرص على الإقبال عليها ومتابعتها ، وأثنى بعض
النقاد على أعماله ، وأشادوا بها ، كما حصل على جوائز كثيرة لا حصر لها . لذلك كان
_ بلا مُنازِع _ زعيماً للثورة في المسرح الإسباني . وقد لَخَّص بينافينتي فلسفته
الحياتية بِقَوله : (( إذا لم يمر الشغف والجنون
، ولو لمرة واحدة في حياة المرء ، فما نفع هذه الحياة ؟ )) .
كتب في حياته أكثر من مئة وسبعين مسرحية ،
من أهَمِّها: عُش الغريبة ( 1894) ، المجتمع الراقي ( 1896 )، زوجة المحافظ (
1901)، ليلة السبت (1903)، خريف الورود ( 1905)، سيدة البيت ( 1908 ) ، حَيَوات متشابكة
( 1929) .