أناتول فرانس ومبدأ رفض الأحزاب
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن ، 6/9/2016
....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن ، 6/9/2016
....................
إن الكاتب أناتول فرانس ( 1844_ 1924) يُعتبَر
من أبرز أدباء فرنسا في تاريخها كُلِّه . كان روائياً وناقداً وكاتباً ساخراً .
وُلد في باريس لعائلة تعمل في الفلاحة. ومعَ هذا فقد كان والده مثقفاً وحريصاً على
اقتناء الكتب . واستفادَ فرانس من مكتبة والده ، فأقبل عليها بكل شغف ، وقرأ عشرات
الكتب عن الثورة الفرنسية والتراث الإغريقي واللاتيني . وتأثَّرَ بالفلسفة القائمة
على الشُّكوك والاحتمالات والأسئلة. وتأثرَ بشكل خاص بالكاتب الشهير فولتير، وأسلوبه
الأدبي القائم على السخرية اللاذعة والانسيابية والحيوية .
كانت طفولته خليطاً من
السعادة والأحزان . وأحزانُ طفولته مرجعها إلى وضعه المالي المتدنِّي مقارنةً مع
زملائه الأغنياء في المدرسة . لذلك كان يشعر بعُقدة النقص ، ويَعتبر نفْسه أقل
شأناً من باقي التلاميذ بسبب طبقته الاجتماعية. كما أن قصص الحب الفاشلة التي
عرفها في مطلع شبابه ، تركتْ جُروحاً عميقة في نفْسه ، وأحدثت خللاً في طبيعة
شخصيته ، وغيَّرت كثيراً من أفكاره .
وعلى الرغم من هذه
المعاناة ، إلا أن فرانس كان يُبْرِز أحداث طفولته في كُتبه باعتبارها رمزاً
للسعادة ، ومثالاً للحب والحنين والذكريات الجميلة . وكأنه يُعيد اختراع طفولته من
جديد ، ويكتب تاريخاً جديداً لحياته . لقد أرادَ إعادةَ صناعة حياته بعيداً عن
الواقع ، وكتابةَ تاريخه الشخصي كما تَمَنَّاه في ذهنه لا كما عاشه . وبالتالي
أسقطَ تصوراته الذهنية على الواقع ، فصارَ الخيالُ هو الواقع الْمُعاش . وهذا
المبدأ حقيقة ثابتة في حياته الشخصية ، لا يمكن تجاهلها أو معارضتها، خصوصاً إذا
علمنا أن الاسم الحقيقي لهذا الكاتب هو " أناتول جاك تيبو " . لقد
اختارَ لنفْسه اسماً جديداً ، وطفولةً جديدة ، وتاريخاً جديداً . وهذا يشير إلى
رفض الواقع والتمرد عليه .
رسم فرانس مسارَ حياته
مُبكِّراً ، وقرَّر أن يُصبح كاتباً ، فبدأ في مطلع شبابه يُخالط الأوساط الأدبية
، وتعرَّف على الشاعر لوكونت دي ليل الذي ضمَّه إلى حلقة شعراء البارناس .
والبرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية التي تقوم على مذهب
الذاتية في الشعر ، وعرض عواطف الفرد الخاصة على الناس شعراً ، واتخاذه وسيلةً
للتعبير عن الذات ، في حين أن البرناسية تعتبر الفن غاية في ذاته ، لا وسيلة
للتعبير عن الذات ، وترفض التقيد سلفاً بأية عقيدة أو فكر أو أخلاق سابقة ، وهي
تعتبر شعار" الفن للفن" هو أساس وجودها. واختيارُ فرانس للبرناسية يشير
بوضوح إلى حالة التمرد على السائد والمألوف ، والسباحة ضد التيار .
نشر فرانس في عام 1868
كتاباً عن الشاعر دي فينيي ، ثم اشترك مع مجموعة شعراء البارناس في تأليف بعض
الأشعار. وهذا الأمر شجَّعه على مواصلة الكتابة . فصدر له بعد ذلك ديوان "القصائد
المذهَّبة" عام 1873 ، وقد أهداه إلى أستاذه وأبيه الروحي ( الشاعر دي ليل )
.
كانت أول رواية ناجحة
لفرانس " جريمة سلفستر بونارد " ( 1881 ) ، وقد استقبلها النقاد
بالتفاؤل والتقدير ، ومدحوا كاتبها ورأوا فيه موهبة أدبية حقيقية . وهذا المديح
لفت الأنظار إليه بشدة ، وجعل اسمه راسخاً في الحياة الأدبية الفرنسية ، فبدأ في
عام ( 1886 ) كتابة عمود أدبي لجريدة " لوتيمب " .
حقَّق فرانس شهرةً واسعة
، وذاع صِيته في كل مكان ، بسبب نزعته الإنسانية ، وأسلوبه الأدبي الرَّشيق ،
وسُخريته اللاذعة المغلَّفة بالحزن ( الكوميديا السَّوداء )، ودقة ملاحظاته ،
ورفضه للعنصرية والتطرف ، ونظرته الناقدة للمجتمع ، وتصويره البشر على أنهم
مُخادِعون منافقون شهوانيون .
انتُخِبَ
عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1896، وبدأ يبتعد عن الكتابة الروائية ،
ليتفرَّغ للسياسة والنقد الاجتماعي. وفي هذه الفترة، صار يميل إلى الاشتراكية
والشيوعية دون أن ينتميَ إلى أي حزب ، فقد كان رافضاً للأحزاب وأفكارها الجامدة ،
وتقسيماتها الهرمية التقليدية التي ترفض الآراء المخالِفة وتعتبرها انشقاقاً
وتمرُّداً . وكان يُدافع على الدوام عن حرية الفكر ، وضرورة فصل الدِّيني عن
الدُّنيوي ، والاهتمام بالعِلْم باعتباره الضمانة الأكيدة لتقدم البشرية .
حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1921 لمجموع
أعماله . وتبرَّع بالقيمة المالية للجائزة لمنكوبي المجاعة في الاتحاد السوفييتي .
مِن أبرز أعماله الأدبية : جريمة سلفستر
بونارد ( 1881) . كتاب صديقي ( 1885) . تاييس ( 1890 ) . الزنبقة الحمراء ( 1894)
. جزيرة البطريق ( 1908 ) . سيرة جان دارك ( 1908 ) . الآلهة عطشى ( 1912) . ثورة
الملائكة ( 1914) .