نَحيا ونَموتُ / أوْ نَموتُ ونَموتُ /
حَيَاتُنا الوَهميةُ كَانت مَوْتًا غَامضًا / وُجُودُنا المُؤَقَّتُ كَانَ مَوْتًا
يُفْضِي إلى الموتِ / لَكِنَّنا نَخْجَلُ مِنَ النَّظَرِ في المرايا / كُنَّا
مِثْلَ الفُقَرَاءِ الذينَ لا يَمْلِكُونَ ثَمَنَ إِعلانِ النَّعْيِ في الجريدةِ /
تَرَكُوا إعلاناتِ النَّعْيِ لِمُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ /
رَاعي الغَنَمِ يُكَرِّمُ
الفَيْلَسُوفَ/وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِوِسَامِ الثقافةِ/ وَيُشَجِّعُهُ عَلى
المُضِيِّ نَحْوَ الهاويةِ/ يَسيرُ القَطيعُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / ويَسْقُطُ في
الهاويةِ / بَعيدًا عَن صَوْتِ مِزْمَارِ الرَّاعي / بَعيدًا عَن الرُّومانسيةِ
التائهةِ بَيْنَ النِّعاجِ والحواجِزِ العَسكريةِ / رَمْلُ الصَّحْراءِ يُكَوِّنُ
جَيْشًا مِنَ البَدْوِ الرُّحَّلِ لِتَحريرِ الأندلسِ / وَالبَدَوِيَّاتُ
والغَجَرِيَّاتُ يَتَقَاسَمْنَ خِيَامَ اللاجئين / والأراملُ يَكْتُبْنَ قَصَائِدَ
الحُبِّ عَلى عِظامِ الغَرْقى / وقَهْوَةُ العُشَّاقِ تُولَدُ عَلى طَاولاتِ
المطاعِمِ الرَّخيصةِ / والشَّايُ الأخضرُ يَكتبُ تاريخَ الدَّورةِ الدَّمويةِ /
لا تاريخٌ لِحُزْني إلا المرايا / ولا جُغرافيا لِدُموعي إلا التِّلال /
في قَلْبي مَقبرةٌ مُحَاصَرَةٌ بَيْنَ
الرُّخامِ والسِّيراميك / رَجُلٌ يَغارُ على امرأةٍ مِن زَوْجِها / وَالحُبُّ
وَهْمٌ في أرشيفِ الضَّحايا / في مَقاهي العَاطِلِينَ عَن الوَطَنِ / تُرَبِّي
الأرملةُ الكريستالِيَّةُ أبناءَها / لِيَصيروا بَراويزَ عَلى الحِيطان / كَأنَّني
سَائِقُ حَافِلَةٍ جَميعُ رُكَّابِهَا مِنَ العَبيدِ والسَّبايا / كأنَّ غِشَاءَ
البَكَارَةِ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ مَساميرِ النَّعْشِ وفِرَاشِ الموْتِ/ هَل
أنا القائدُ الرَّمْزُ في مَملكةِ السَّرابِ أَم الضَّحيةُ الغامضةُ في غَاباتِ
الكَهْرَمان ؟ /
في آخِرِ لَيالي الخريفِ / تَغْسِلُ
الأمطارُ الحواجزَ العسكريةَ / وتَظَلُّ الجُثَثُ مَجْهُولَةَ الهُوِيَّة /
الفُقَراءُ يَنتظِرُونَ أمامَ الحواجزِ العَسكريةِ لاستلامِ جُثَثِ أقارِبِهِم /
خَرَجُوا مِنَ الزَّمانِ لِيَعيشوا في الذِّكرياتِ/ والذِّكرياتُ انقلابٌ عَسكريٌّ
ضِد الزَّمانِ والمكانِ/ والشُّعَراءُ يَبْحَثُونَ عَن الإيقاعِ بَيْنَ الجثامين /
فيا أيُّها الغريبُ / إنَّ الذينَ حَمَلُوا نَعْشَكَ ذَهَبُوا ولَم يَعُودوا /
وأنا الطِّفْلُ الضائعُ بَيْنَ شَواهدِ القُبورِ البلاستيكِيَّةِ / مَا فَائدةُ أن
أكُونَ زَهْرَةً بَيْنَ أضرحةِ الحَمَامِ الزَّاجِلِ ؟ / مَا فَائدةُ أن يَنْبُتَ
النَّعناعُ في قَلْبي بَعْدَ مَوْتِ قَلْبي ؟ /
أبْحَثُ في حُطامِ قَلْبي عَن مِنديلِ أُمِّي / أنا مُؤَرِّخُ الأنقاضِ في مَملكةِ الزَّبَدِ / أنا المُهَرِّجُ الذي يَنتظِرُ الرَّاتبَ الشَّهْرِيَّ / لَكِنَّ السِّيركَ مُغْلَقٌ أمامَ جُثمانِ أبي / وَلَمْ أجِدْ مِرْآةً في بَيْتِنا كَي أبكيَ أمَامَهَا / وَلَمْ أجِدْ امرأةً كَي أبكيَ عَلى صَدْرِها / حَياتي انتظارٌ في مَحطةِ القِطَاراتِ / وَجْهُ امرأةٍ يَتَكَسَّرُ وَرَاءَ زُجَاجِ القِطَارِ / الذي تُحَطِّمُهُ أمطارُ الخريفِ .