أيَّتُها الشَّركسيةُ
السَّاكنةُ في عُيوني / أنا مَيْتٌ / وأنتظرُكِ كَي تُحْيِيني / لَوْ تَعْرِفِينَ
كَم أتعذَّبُ في ليالي الشِّتاءِ / أركضُ في طُرُقَاتِ الرَّحيلِ / وَحيدًا
كالبَحْرِ المذبوحِ / خَائِفًا كَرَصَاصَةِ القَنَّاصِ / تائهًا كالقِطَطِ الضَّالَّةِ
/ مَنْبُوذًا كَنَافِذَةِ السِّجْنِ / وأبكي بين أوراقِ الخريفِ وقَطَرَاتِ المطرِ
/ ليالي الصَّيْفِ تُنَقِّبُ عَن
الذِّكرياتِ في ثُقُوبِ جِلْدِي / بَعْدَكِ تَسَاقَطَت الذِّكرياتُ في كُرَيَاتِ
دَمِي / فَكَيْفَ تَصْعَدُ أجنحةُ الفَرَاشَاتِ مِن أظافري ؟ / سَقَطَتْ شُمُوسُ
الذِّكرى في دَمِي / وَلَيْسَ لي تاريخٌ سِوَى البُكَاءِ / تَحْتَ أشجارِ
الصَّنوبرِ في المقابرِ القديمةِ / فَكُونِي زَوْجَتِي/ لأنَّ المِقْصَلَةَ
عَشِيقتي /
أنا
الرُّبَّانُ الغريقُ في بَحْرِ الدُّموعِ/ وَلَمَعَانُ عُيُونِ الشَّركسياتِ هُوَ
طَوْقُ النَّجَاةِ / صَوْتُ اللبُؤةِ مَبْحُوحٌ كَصَوْتِ النَّاي / وأنا الرَّاعي
المقتولُ / أرْعَى قَطِيعَ الدُّموعِ في مَملكةِ الجثامين / وأرْعَى الأغنامَ في
حِصَارِ ستالينغراد / وأُهَاجِرُ إلى شَمْسِ القُلوبِ التي لا تَغِيبُ / صَارَ
الصَّيادُ فَريسةً في الغاباتِ الشَّمْعِيَّةِ / وَضَوْءُ القَمَرِ يَغسِلُ
جَدَائِلَ النِّسَاءِ بِعَرَقِ الفَرَاشَاتِ ودَمِ البُحَيراتِ /
أيَّتُها
الشَّركسيةُ التي تَسِيرُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ /
فَلْيَكُنْ جُثماني حَارِسًا شَخْصِيًّا لأجفانِكِ/ سَوْفَ تَرْتَدي البُحَيرةُ
المُتَجَمِّدَةُ قَمِيصًا / أزْرَارُهُ مِن جَماجمِ العُشَّاقِ / رَاياتُ
القَبَائِلِ مُنَكَّسَةٌ / وقَمِيصُ عُثمانَ ضَاعَ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ
ومُلوكِ الطوائفِ / سَوْفَ نُتاجرُ بِدَمِ الأنهارِ/ كَمَا تَاجَرَ الفَجْرُ
الكاذبُ بِدَمِ عُثمان/ فلا تَقُصِّي جَدَائِلَكِ عَلى ضِفَّةِ دَمِي/ انتظِري
مَوْتي / كَي تَكُونَ كُرَيَاتُ دَمِي كُحْلًا لِعَيْنَيْكِ/فَرَاشَةٌ نَسِيَتْ
جُثْمَانَهَا في صَوْتِ البيانو/ ورَحَلَتْ إلى بُكائي/
لا
تَقْتُلْني يا ضَوْءَ القَمَرِ في الشِّتاءِ البَعيدِ / أزُورُ ضَرِيحَ أُمِّي
تَحْتَ شَجَرَةِ التُّوت / وتَتساقطُ شَظَايَا قَلْبي في كُوبِ الشَّايِ الباردِ /
والزَّوابعُ لا تَعْرِفُ هَل تَعِيشُ الذِّكرياتُ أَمْ تَمُوت / ماذا قَالَ شَجَرُ
المقابرِ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ ؟ / تَعَالَوْا أيُّها القَتْلى نَكْتَشِفْ
أسرارَ أعشابِ المقابرِ في الخريفِ المُضِيء/ مَاتَ حَفَّارُ القُبورِ/ لَكِنَّ
أرْمَلَتَهُ تَقِفُ في طَابُورِ السَّبايا/ لاستلامِ رَاتِبِهِ التَّقَاعُدِيِّ /
والأيتامُ يُنَظِّفُونَ شَوَاهِدَ القُبورِ مِنَ الغُبارِ والذِّكرياتِ /
ويَجْمَعُونَ رُفَاتَ الموتى في الحقائبِ المدرسيةِ /