تتجلى قوة الأبعاد الاجتماعية للقصيدة في التصاق القيمة الشعرية بالمفردات اليومية للإنسان العادي بصورة خالية من التعقيد أو الابتذال . وهذا الالتصاق الحتمي يجعل من العلاقات السيكولوجية طريقاً لاكتشاف أعماق النص الشعري بشكل يتماهى مع البؤرة المركزية لمجتمع القصيدة .
واللغةُ هي أنوية متفجرة على الدوام دائمة البحث عن معنى ، ودائمة التشظي من أجل لجم الهستيريا الوحشية التي ترتع فيها مجتمعات كثيرة لا حلم لها سوى اللاحُلم . ومن هنا تبرز المهمة الثورية للشِّعر التي تُحوِّل فعلَ الكتابة إلى تيار مناوئ للتوحش في العلاقات الإنسانية الذي يُغذِّيه الفقرُ والبطالة والكبت والتطرف.
والكتابةُ الشعرية تقضي على فكرة " الخوف من الحلم " المنتشرة في المجتمعات المقهورة . إذ إن أفضل طريقة للتخلص من الخوف اقتحامه ، وبذلك ينكسر حاجزُ الرعب إلى الأبد . وهذا يشير إلى أن الشِّعر رأسُ حَربة في معركة الإنسان الطامح لإعادة اكتشاف إنسانيته في زَحمة الأضداد ومتاهةِ الأسئلة .
ومما لا شك فيه أن التفاعلات السيكولوجية المرتبطة بالفعل الأدبي الإبداعي تهدف إلى خنق الأساسات الفكرية للوهم الذي يحتل كثيراً من المجتمعات البشرية . وهكذا تغدو الكتابةُ الإبداعية حياةً جديدة ضد الخرافات التي تُروِّجها الأنظمة القمعية بُغية إدخال الناس في حالة ذهنية تجريدية منقطعة عن الواقع، وبالتالي يتم ضمان بشر مُدَجَّنين لا يملكون أن يَعترضوا حتى لو أرادوا ذلك .
وتتمثل الأهميةُ الفلسفية للفعل الشِّعري في قدرتها على علاج العَمى المجازي المتكاثر في المجتمع، وحقن عيون العُميان بقوة البصيرة التي ترى ما وراء الطريق المسدود. وهذه هي نقطة قوة القصيدة في مواجهة الأنظمة السُّلطوية . فالاستبدادُ يُحوِّل الناس إلى عُميان ليسهل حُكمُهم واقتيادهم إلى الهاوية دون اعتراض ، أما الشِّعرُ فيفتح عيونَ الناس لكي يختاروا طريقَهم بأنفسهم ويُميِّزوا الغث من السمين .
فلا يمكن للفرد أن يجد كيانَه وسُلطته الاعتبارية اعتماداً على الخبز وَحْدَه. فالأشواق الروحية لها دور محوري في وضع القطار الإنساني على السِّكة لئلا يصطدم بالجدار . والقصيدة تتيح لنا اكتشاف أرواحنا ، لأنها الشكلُ الأدبي القادر على تعرية الواقع ، وتخليص النفس البشرية مما عَلِقَ بها من شوائب تحت ضغوطات الحياة .