إن اللغة الشِّعرية هي تاريخُ الثورة وجغرافية الأحلام التي تظل تطرح أسئلة المسار والمصير ، وتبث الوعي بالمكتسبات الحضارية . ومن هنا تنبع أهمية الاتجاهات الشِّعرية الحيوية في تدعيم التفاعل اللغوي مع الأبعاد الاجتماعية للأبجدية الذهنية العائشة في الواقع الصاعق ، من أجل تحويل المجتمع الهامشي الذي فقد الثقةَ بنفسه بسبب ابتعاده عن مرجعية الهوية الحضارية المركزية ، إلى مجتمع مُؤَثِّر واثق بنفسه يبث قِيَمَه الحضارية في كل الاتجاهات ، ضمن منهجية تصدير شامل للثقافة المعرفية الحقيقية ، ليس بهدف استنزاف الآخر حتى الرمق الأخير، وإنما بهدف انتشال الذات الكلية من الذوبان في الذوات الجزئية، ومنحِ الأمل للذين يفتقدونه، ومد يد العون للآخرين من أجل إنقاذهم معرفياً .
فالتصورُ الذي تحمله الأبجديةُ الشِّعرية عن العالَم ينطلق من الأبعاد الحضارية لهوية مركز المعنى ، وهكذا نضمن تثويراً متواصلاً تفسيرياً للمنحى الأخلاقي المتأجج . ولأن تكريسَ الذات الإنسانية وإعطاءَها بعداً ثقافياً كلياً امتدادٌ لوجود القصيدة كَطَوْر لا بد منه في تشكيل الوعي المجتمعي، كان لزاماً تحويل الأنساق الاجتماعية السلبية إلى مدلولات وظيفية قادرة على تنقية بُنى الخيال الواقعي ، وتدعيمِ الذاتية الجماعية بأسس صلبة تأتي من المعرفية السببية للتفسير الأدبي الذي لا يكتفي بالنقد المجرَّد ، وإنما يُزاوِج بين النقد التطبيقي والشك المنهجي ، ويتفاعل مع الوظيفة الاجتماعية لعناصر الطبيعة المحيطة بنا .
والتفاعلُ بين الثقافة القصائدية والثقافة الاجتماعية يَحول دون تحول النَّص إلى ماديات متراكمة موغلة في الرموز المبهَمة التي تصل حد الطلاسم . إذ إن تحول النص الأدبي إلى أُحجية مُشفَّرة سيحشر الثقافةَ في خانة الشعوذة ، ويؤدي إلى تفكيك دور الثقافة المحوري في انتشال الفرد والجماعة من المأزق الوجودي التراكمي .
ومن أجل زيادة التصاق الجماهير بالبعد الثقافي الحياتي لا بد من تفعيل الإشارات الاجتماعية في جسد التطور الشِّعري . ففي هذه الحالة تنشأ علاقات مصاهرة بين المجتمع والثقافة ، مما يؤدي إلى الارتقاء بتاريخ الفرد بعيداً عن التنميط ، ورفع مكانة الجماعة فوق أسوار التدجين ، ورفضِ منطق القطيع الذي يُقاد ولا يَقود.