نقد عقائد الشيعة فلسفياً / الجزء الثاني
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
...........................
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
...........................
إن النَّزعة الفارسية المجوسية المتطرفة متجذرة في الموروث الشيعي الرافضي
، فحتى هذه اللحظة تُسَمِّي إيران الخليجَ العربي بالخليج الفارسي ، وهذا تطرفٌ
مصادم للتاريخ يعكس نزعة توسعية في المنطقة تستغل الدِّين للحصول على أكبر قَدْر
من الابتزاز والتوسع والسيطرة. وأيضاً يتم الاحتفال بعيد النيروز بصورة أكبر بكثير
من الاحتفال بعيدَي الفطر والأضحى . كما أن كراهية عُمر_ رضي الله عنه _ إنما تنبع
من تحطيمه لدولة فارس التي ينظرون إليها على أنها ذات حضارة لا تُجارَى ، وأن
هؤلاء الأعراب البدائيين قد حطَّموا هذه الحضارة المزدهرة ، وهذا النظرة المضادة
للحقيقة متجذرة بشكل صاعق في النص الشِّيعي الرافضي العَقَدي . وهذه النزعة
الشعوبية الرافضة للعرب إنما تنبع من النظرة الدونية للعرب على أساس أنهم لا
يملكون حضارة ، وأن الفُرس هم أصحاب الحضارة التي لم يأتِ مثلها . وهذا سبب التمييز
العنصري ، واضطهاد العرب في إيران وتهميشهم واحتقارهم، واستبعادهم من وظائف الدولة
، والمناصب المهمة . واتسع هذا الأمر لينال أهل السُّنة كلهم في إيران ، والذين
يُشكِّلون نسبةً كبيرة من عدد السكان . وطهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي
لا يوجد فيها أي مسجد للسُّنة . حتى عاصمة الكيان الصهيوني فيها مساجد للسُّنة ،
وحتى روما عاصمة الصليب فيها مساجد للسُّنة. كما أنهم يَسوقون الإمامة في أولاد
الحسين دون الحسن _ عليهما السلام_ ، لأن زوجة الحسين هي السيدة شهربانو بنت
يزدجرد، وهي فارسية . أي إن أولاد الحسين أخوالهم الفُرْس ، وهذا لا يتوفر في
أبناء الحسن ، مما أدَّى إلى استبعاد أبنائه وإقصائهم وتهميشهم من وجهة نظر
الروافض . ويأتي تعظيمهم المتطرف ، والمغالاةُ في تقديس سَلمان الفارسي _ رضي الله
عنه _ دون باقي الصحابة فقط لأنه فارسي.
إن النَّزعة
الفارسية المجوسية الضاربة جذورها في قلب الموروث الدِّيني الشِّيعي ، تتحدد وفق
تصادم المسارات الفكرية العاجزة عن تشييد تصور فكري واعٍ للمسار التاريخي العمومي
الدقيق . وعمليةُ ترقيع المنظور الدِّيني الشيعي المتوارث لا تجدي نفعاً ، لأن
انحسار قيم الوعي يَضرب بشدة في مراكز بؤر الأساطير الأيديولوجية المشيَّدة على
الظواهر التاريخية المتخيَّلة .
وبما أن
تأريخ النَّزعة الفارسية ينبثق من عبثية التأطير الذهني الذي يصير تياراً توليدياً
للميثولوجيا الشِّيعية ، تكرَّست حالة التنافر بين مفردات الذاكرة البدائية ، وهذا
أدى إلى صناعة أنساق دِينية مشوَّشة ، هي في الحقيقة إفرازات سياسية موظَّفة بشكل
مَصْلحي . كما أن تقييد المنحى الفكري بالهالة الإعلامية الشرسة المعزَّزة بقراءة
تاريخية متطرفة ، أنتجَ مساحةً من الانتكاسة المعرفية في عوالم الشعور الدِّيني
داخل الحوْزات ، الأمر الذي جعل كلام الفقيه فوق النَّص . فالخميني مَثَلاً الذي
قادَ انقلابَه من فرنسا ( التي آوَتْه ودَعَمَتْه ) ، استطاعَ تحقيق مكاسب شخصية،
وتثبيت نفْسه إماماً معصوماً كلامُه يُقدَّم على القرآن الكريم ، ويُقدَّم على
كلام الإمام جعفر الصادق _ رضي الله عنه _ شخصياً . وفي ظل هذا العبث المريع ليس
غريباً أن يتم اختراع لقب من قبيل " آية الله العُظمى " ، وهو لقبٌ
دعائي لا معنى له . وللأسف فهو يُطلَق على أُناس يفتقدون الحسَّ الدِّيني المستقيم
، وتنقصهم المعارفُ الدينية اللازمة . وهؤلاء الذين يَحْملون هذه الألقاب لا يمكن
اعتبارهم متبحرين في العلوم الشرعية، لأن تحصيلهم العِلمي يعتمد على كلام الأشخاص
النابع من الأهواء والعصبيات ، ولا يَعتمد على المنهج العلمي المتكامل . وهُم _ في
حقيقة الأمر _ يُقدِّسون آراءَ الرجال ، ولا يُقدِّسون النَّصوص الدينية في الكتاب
والسُّنة . وقد صارت مسألة إعطاء الألقاب مثل الواسطة في المؤسسات الحكومية ، لأن
مؤسسة التشيع الدينية تتنافس عليه قوتان : عربية وفارسية ، عربية متمثلة في النجف
، وفارسية متمثلة في قُمْ . وهذا التنافس الهستيري جعل الألقاب تبدو جزءاً من
الصراع العنيف بين هاتين المؤسستَيْن، مما أدَّى إلى فقدان هذه الألقاب لمعناها ،
حيث أضحى كل من يحفظ عدة سور من القرآن الكريم ، أو يحفظ عدة صفحات من كتاب الكافي
فقيهاً لا يُستدرَك عليه، وآية من آيات الله العظمى ، وهذه كلها محاولاتٌ يائسة
لذر الرماد في العيون ، وخداع العامة الذين لا يملكون مستوى علمياً دينياً ،
فتراهم يتشبَّثون بكل صاحب عِمامة سوداء ظناً منه أنه من أئمة آل البيت _ عليهم
السَّلام _ ، وهذا مرفوضٌ جملة وتفصيلاً، لأن الشيعة ضد منهجية أئمة آل البيت ،
حتى لو انتسبوا إليهم ظاهرياً ، فالنَّسبُ المجرَّد من الاستقامة لا قيمة له البتة
.
والصراعُ على
احتكار إشكاليات النَّص الشِّيعي بين هاتين المدرستين ، سَيُدْخِل الحالةَ
المعرفية الفكرية في نزاع صادم ودائم ، مما يؤدي إلى انكماش مساحات الوعي ، وتغييب
العقلانية عن المستويات المعرفية في جزيئات المسار العَقَدي . لذلك صار التاريخُ
المتصوَّر في أذهان الشيعة كياناً جدلياً عاجزاً عن الانفتاح على باقي العناصر ،
ووعياً جزئياً مفكَّكاً ومُؤَدْلَجاً بصورة فجَّة ، وكتلةً معرفية مشوَّهة ،
ومسيطر عليها مِن قِبَل فرضيات الصراع السياسي الذي أُلبِس لبوساً دِينياً . وهذا
الصراعُ السياسي يتم إخضاعه لتكثيف أيديولوجي صِدامي وغير منطقي .
فمثلاً ،
نجد أن علماء الشِّيعة الروافض يَدرسون حالة قتل الأمويين لأئمة آل البيت _ عليهم
السَّلام _ على أنها استمرار للصراع التاريخي بين الهاشميين والأمويين ، وتُسوَّق
هذه الأفكار على أنها صراع تاريخي بين أُسْرتَيْن . لكن هذه الأصوات اختفت عندما
قتل العباسيون أئمة آل البيت، لأن العباسيين هم هاشميون ومن آل البيت، فلم نسمع
أحداً من علماء الشيعة قال إنه الصراع بين الهاشميين والهاشميين، وإن آل البيت
يَقتلون آلَ البيت . وذلك لأن التركيب الأيديولوجي الشِّيعي المتماهي مع القراءة
الماركسية المتطرفة للتاريخ ، يحاول استثمار أية لحظة صراع تاريخي ، والعمل على
أدلجتها بشكل فوضوي لتحقيق مكاسب سياسية. فمثلاً عبد الله بن الزُّبير _رضي الله
عنهما_ لم يكن من آل البيت ، ومع هذا قتله الأمويون ، وصلبوه بطريقة وحشية .
فبطشُ
الأمويين والعباسيين لم يكن مُوَجَّهاً ضد آل البيت لأنهم آل البيت ، بل كان
مُوَجَّهاً ضد المعارِضين الخارجين على نظامهما السياسي . فلو خرج عليهم أي شخص
لقاموا بقتله دون النظر إلى كونه عَلَوياً أو أموياً أو عباسياً . فهؤلاء يريدون
تثبيت حُكمهم بأي ثمن حتى لو قَتلوا الصحابة أنفسهم . وقد قتل بعضُ خلفاء بني
أُمية بعض الصحابة بكل خيانة دنيئة ، فقد قتل معاويةُ بن أبي سفيان الصحابيَّ
الجليلَ حُجْر بن عدي _ رضي الله عنه_ ، وهذا مشهور ، وسيأتي تفصيله بإذن الله.
كما قتل يزيدُ بن معاوية أحدَ سادات الصحابة الإمام الحسين _ رضي الله عنه_، وقتل
عبدُ الملك بن مروان الصحابي الجليل عبد الله بن الزُّبير _ رضي الله عنهما _ .
فالمسألة هي قتل المعارِضين للحُكم بغض النظر عن انتمائهم العائلي . وكما هو
معلومٌ فإن أئمة آل البيت قضوا حياتَهم ثواراً ضد الظلم الأموي والعباسي ، وهذه هي
منهجيتهم في الخروج على الحاكم الظالم ، وهي نفس منهجية بعض علماء الأمة من خارج
مدرسة آل البيت البريئة من الشيعة الروافض . فنحن عندما نقول مدرسة أئمة آل البيت
نقصد العلماء الأفذاذ المتقدِّمين وبعض اللاحقين، وكل الأئمة الأثبات من آل البيت
هم تلقائياً من أئمة أهل السُّنة والجماعة ، فعلي أو الحسين أو محمد الباقر أو
جعفر الصادق ليسوا من الشِّيعة الروافض ، بل هم من أئمة أهل السُّنة والجماعة ،
كيف لا وهم ملتزمون بالكتاب والسُّنة ، أما المنحرِفون الذين ينسبون أنفسهم إلى آل
البيت ، فهذه دعوى واهية لا دليل عليها ، مثل اليهود الذين ينسبون أنفسهم إلى النبي
موسى صلى الله عليه وسلم وهو منهم بريء ، أو مثل النصارى الذين ينسبون أنفسهم إلى
السيد المسيح صلى الله عليه وسلم وهم أعداؤه . فالشِّيعة الروافض الذين بدَّلوا
وغيَّروا وانحرفوا هؤلاء أشد أعداء آل البيت _ عليهم السَّلام _ ، حتى لو سَمُّوا
أنفسهم بالشيعة ، وبكوا عند أضرحة أئمة آل البيت ، ولطموا وضربوا أنفسهم . فهذه
ليست بأكثر من دموع التماسيح . فأهل الكوفة الذين كان يسمون أنفسهم شيعة آل البيت
هم الذين خانوا علياً والحسين ، فلا تنخدع بالمظاهر الفارغة . فالدعاوى بلا
بَيِّنات لا وزن لها ، فالكلام سهل ، لكن النتائج على أرض الواقع هي المحك . فمبدأ
" قلوبنا معك وسيوفنا عليك " الذي اخترعه الشيعة الروافض هو نتاج طبيعي
لطبائعهم النَّفسية بعد أن باعوا آل البيت نتيجة التلويح بالمال والعصا، وقتلوهم
بكل وحشية .
وفي صحيح
البخاري ( 5/ 2234 ) : عن بن أبي نعم قال : كنتُ شاهداً لابن عمر ، وسأله رَجل عن
دَم البعوض ، فقال : (( ممن أنتَ ؟ ))، فقال : من أهل العراق ، قال : (( انظروا
إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قَتلوا ابنَ النبي صلى الله عليه وسلم )) . [
يعني الحسين _ رضي الله عنه _ ] .
وقد خاطبَ
علي بن أبي طالب _ عليه السلام _ أهلَ العراق قائلاً : (( يا أشباهَ الرجال ولا رِجال
، ويا طغام الأحلام ، ويا عقول رَبَّات الحجال ، لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم )) [ جمهرة خطب العرب ( 1/ 429) ] .
وتستمر
لعبةُ قراءة التاريخ لتوظيفه دينياً من أجل شَرْعنة العقيدة الشِّيعية ، فمثلاً
وجدنا الروافضَ من الأعراب والفُرْس الذين يحتلون العراقَ يُصَنِّفون صدام حسين
سُنِّياً داعماً للعرب السُّنة وقاتلاً للشِّيعة والأكراد، وهذه نظرة قاصرة .
فصدام حسين لم يكن سُنِّياً ، بل بعثياً علمانياً . وهو قتلَ الكثيرين من العرب
السُّنة ، فإعدامُ الإخوان المسلمين، وقتلُ أصهاره ، وقتلُ الكثيرين من العرب
السُّنة ، وتهجيرهم خارج البلاد ، يُثبِت بلا ريب أنه كان ضد كل من يهدِّد نظامَ
حُكمه سواءٌ كان سُنِّياً أو شيعياً ، عربياً أو كردياً . وقد قتل الكثيرين من
رفاقه البعثيين شركائه في الحزب الذي يقوده . لكن لعبة قراءة التاريخ بشكل مغرِض
لدى الشِّيعة إنما تتم وفق إسقاطات مركزية موغلة في توظيف التاريخ لصالح مشروعهم
التوسعي ، وتأسيس دولتهم الموعودة انتظاراً لظهور المهدي المخلِّص الذي دخل في
سرداب من وُجهة نظرهم . وخرافة السرداب هذه ردَّها أحد أبرز علماء الشيعة في القرن
العشرين وهو محمد جواد مغنية [ معالم الفلسفة ص 204_ 206]. وهم بذلك يتشابهون مع
اليهود الصهاينة والنصارى المتصهينين ( المحافِظين الجدد ) الذين يريدون تأسيس
دولة" إسرائيل" المزعومة انتظاراً لمجيء المسيح المخلِّص من وجهة نظر
عقائدهم . وهذا التماهي ليس مستغرباً ، خاصةً بعد أن حدَّدْنا التشابهات العَقدية
بين الشيعة من جهة ، وعقائد النصارى واليهود والفُرس المجوس من جهة أخرى .
وهذا
الانهيار الانسحابي العَقدي يتشكل وفق تاريخ خاص بأمكنة تطبيق تاريخ ذهني مخيالي،
ومن ثم إسقاطه على وقائع انهيارات معرفية محدَّدة لغايات سياسية واضحة المعالم ،
وهي التوسع في المنطقة ، وتكوين هلال شيعي يجرف المنطقةَ ، ويعيد ذكرياتِ الدولة
الصَّفوية التي ارتكبت المجازر والإبادة الجماعية بحق السُّنة . لكن لعبة الشيعة
معروفة ومتكررة، فهم يزعمون حب آل البيت لكنهم أَخْرَجُوا الناسَ من الإسلام بهذه
الدعوى العريضة، ويزعمون أنهم يقاتلون العدو الصهيوني ، لكنهم يفعلون ذلك لتثبيت
وجودهم في المنطقة على حساب السُّنة ، وتأسيسِ هلال شيعي يقضي على الشعوب السُّنية
.
وبالطبع فإن
الذي لَمَّع صورة التشيع وأعطاها الزَّخم هو وجود حركات شيعية مقاوِمة للعدو
الصهيوني ، مثل ما يُسمَّى بحزب الله ، وهذا جعله يحصل على تأييد قطاعات واسعة في
العالَم العربي والإسلامي . وأيضاً إيران وتحدِّيها للعدو الصهيوني والغرب عموماً
، فهذه العوامل أبرزت صورة الشيعة كقوة مقاوِمة ذات احتفاء شعبي ومناصَرة على
الصعيد السياسي . وهذا يشابه ما جرى في الستينات والسبعينات بالنسبة للمد الماركسي
والقومي ، فظهور حركة مثل " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " وعملياتها
العالمية من خطف الطائرات المشتملة على مبدأ تسليط الضوء عليها ، واستعراض القوة
على المسرح العالمي أدَّى إلى وجود أنصار لها،وتأييد شعبي قوي، لدرجة أن الجبهة
الشعبية بتوجهها الماركسي اللينيني كانت الحركة الثانية بعد ( فتح ) في منظمة
التحرير. ولم يكن لها أن تنال هذا القبول لولا اقترانها بالمقاوَمة،خاصة أن الشعب
العربي شعب عاطفي يجري وراء الشعارات والخطب الرنانة دون أن يخضعها لميزان العقل .
ونظرية
الاقتران هذه تم استعمالها على أكثر من صعيد ، فارتباط التشيع بآل البيت إنما يهدف
إلى الحصول على شرعية للشيعة الروافض عبر اقتران اسمهم بشرعية آل البيت المتفق
عليها ، مع أن الشيعة الروافض قد تخصَّصوا في الكذب على أئمة آل البيت البريئين من
خرافة مذهب الإمامية الاثني عشرية. كما أن ارتباط إيران و"حزب الله "
بالمقاوَمة ضد العدو الصهيوني والغرب أدَّى إلى وجودهم تحت مظلة التأييد وشرعية
التحدي والمقاوَمة ، ولكن للأسف فقد استغلت إيران هذا المشروع السياسي المدعوم من
شعوب العالَم العربي والإسلامي لنشر التشيع الرافضي بالمفهوم الدِّيني، وغزو
البلاد العربية والإسلامية عبر شراء الذمم بالأموال،واستئجار المرتزقة الذين
يقبضون بالدولار الأمريكي ثم يُطبِّلون ويُزمِّرون لمذهب الإمامية الاثني عشرية
الباطل ، والمنسوب_ زوراً_ إلى أئمة آل البيت .
إن فلسفة
التشيع تعتمد على اكتساب شرعياتٍ وهمية مَظهرية متعلقة بالمعايير الاجتماعية
الرافضة للمنهجية العلمية الدقيقة . والمدرسةُ الشيعية تَحصر التلقي في علي بن أبي
طالب _ عليه السلام _ ، وأبنائه من بعده ، والوحيد المخوَّل بالاطلاع على هذا
التلقي وتفسيره وشرحه واحتكاره هم فئة " آيات الله " الذين يمارسون
دوراً شبيهاً بدور الكهنة الذين يحتكرون سُلطة تأويل النص الدِّيني ضمن مساحة
مظلمة بعيدة عن الطبيعة العمومية لفهم النَّص . والتجربةُ الدينية الشِّيعية
باعتبارها مُراهَقَةً سياسية لا تُنتِج إلا مزيداً من الشكوك غير المنهجية ، فتظهر
الحيرةُ والتخبط في تشييد النصوص ، وتراكيبِ الفكر الديني .
ومن الجدير
بالذِّكر أن الأساطير المتفرِّعة عن أنسجة التناقضات العَقَدية ، تؤسس ماهياتٍ
ميكانيكية ذات ارتباط وثيق بإفرازات الوهم النخبوي والشَّعبي . لذلك ليس من الغريب
أن تبرز خرافةُ عِصمة الأئمة _ على سبيل المثال لا الحصر _ ، فهذه الخرافة إنما
جاءت لتثبيت شرعية هلامية ، وإضفائها على أئمة آل البيت ، ليصير كلامُهم نَصَّاً
مُنْزَلاً لا يَملك أحدٌ أن يُعارضه ، وبالتالي يريح الشيعةُ الروافضُ أنفسهم من
تلقي النقد والاستدراك على كلام أئمة آل البيت غير المعصومين . وبالطبع فتأصيل هذه
الخرافة دِيناً لازماً للأتباع من العوام يتعارض مع منهجية البحث العلمي. فلو كان
أئمة آل البيت معصومين لما ظهرت الاختلافات والتناقضات فيما بينهم . وخرافة عصمة
الأئمة الاثني عشر متماهية تماماً مع العقيدة النصرانية غير المنطقية التي تقول إن
الروح القدس شاء في القرن الأول للميلاد أن يوحيَ إلى أربعة رجال أن يُدَوِّنوا
الإنجيلَ : مَتَّى ومرقس ولوقا ويوحنا . وبالطبع فإن هذه العقيدة الباطلة هدفها
إضفاء العِصمة على كلام هؤلاء الرِّجال الأربعة وإنزاله مَنْزل العِصمة والقداسة
بلا نقاش ، وهذا بالتأكيد ما أراده الشيعة الروافض من اختراع عقيدة عِصمة الأئمة
لجعل كلامهم فوق مستوى النقد والاستدراك والمراجعات ، وهكذا يضمنون السيطرة على
العوام وابتزازهم باسم الدِّين لأطول وقت ممكن .
قال دلدار
علي في أساس الأصول 51 نقلاً عن حقيقة الشِّيعة 36 : (( إن الأحاديث المأثورة عن
الأئمة مختلفة جداً ، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، ولا يتفق خبر
إلا وبإزائه ما يضاده ، حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق ))
اهـ .
وقال الفيض
الكاشاني في الوافي المقدمة ( ص 9 ) عن اختلاف طائفة الشيعة : (( تراهم يختلفون في
المسألة الواحدة على عشرين قولاً ، أو ثلاثين ، أو أَزْيد ، بل لو شئت أقول لم تبق
مسألة فرعية لم يختلفوا فيها ، أو في بعض متعلقاتها )) اهـ .
وقال الطوسي
في مقدمة تهذيب الأحكام : (( ذاكرني بعض الأصدقاء بأحاديث أصحابنا ، وما وقع فيها
من الاختلاف ، والتباين، والمنافاة، والتضاد، حتى لا يكاد يَسْلم خَبر إلا وبإزائه
ما يضاده، ولا يَسْلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، حتى جعل مخالفونا ذلك من
أعظم الطعون على مذهبنا )). [ انظرْ هذه الأقوال وغيرها في كتاب " كشف الجاني
" ].
وهذه
المقالةُ لَيْست مقالةً دينيةً في ذكر عقائد الشيعة والرد عليهم بالكتاب والسُّنة
الصحيحة، بل هي مقالة فلسفية لنقد عقائد الشيعة ، والخلفية التاريخية والسياسية والفكرية
لتكوُّنها . وقد قُلنا إن عقائد الشيعة الروافض والرد عليها موجودة في الكثير من
المجلدات فراجعها إن أردتَ الاستزادة . أما منهجي في هذه المقالة فهو تشريح
الأنساق الدينية الشيعية فلسفياً لفهم المنهجية المضطربة التي يعتمد عليها القومُ
.
وإذا قُمنا بتشريح
فلسفة " عِصمة الأئمة " ، سنجد أنها ترتكزُ إلى أبعاد أُسطورية ذات قيم
شعبية ، وتنحازُ إلى الوهم الأيديولوجي الذي يَحمل عواملَ انهيار أنويته في داخله
. والفارسيةُ المجوسية كانت تميل دائماً إلى تقديس الأشخاص ، وصَبغهم بصبغة إلهية
. وقد وَرد أن أحد ملوك فارس قد تزوَّج إحدى محارمه لكي يحافظ على الدَّم الإلهي
الذي يسير في عروقه_على حد زعمه_، وبما أن التشيع مصبوغ بعوامل فارسية مجوسية
كثيرة فضلاً عن العوامل اليهودية ، كان متوقَّعاً صبغ أئمة آل البيت بصبغة القداسة
، ووضع برواز العِصمة حَوْلهم ، ورفعهم فوق مستوى بشريتهم . وهذه فلسفةٌ معروفة في
النسق الفكري الفارسي المجوسي ، تم تأطيرُها في قلب العقيدة الشيعية التي هي _
بالأساس _ مُنتَج جدلي يَدور في حلقة مفرغة .
والسؤالُ
الذي يَطرح نَفْسَه:لماذا تَمَّ بناءُ العقيدة الشِّيعية وفق الميثولوجيا الفارسية
اليهودية ؟!.
للإجابة عن
هذا السؤال الحيوي ، ينبغي أن نربطَ تناقضات الوعي الدِّيني الغامض بإفرازات
الوقائع الاجتماعية . وهذا الربطُ يفيدنا في تحديد ماهية التحولات الفكرية التي
أفرزت مذهباً ركيكاً قائماً على إسناد الانحراف العَقَدي إلى أئمة آل البيت _
عليهم السلام _ .
وصيغُ
التفاعلِ الشيعي مع العقائد المنحرفة ( اليهودية، الفارسية المجوسية، عقائد أهل
الجاهلية) تعكس غياباً تاماً للمرجعية الفكرية المبنية على الثبات اليقيني الحاسم
. فالناقصُ يَرفض الكاملَ ، وبالتالي ، فالناقصُ يَسعى إلى التكامل مع النواقص لتعزيز
وجوده في الفكر الديني والفكرِ الاجتماعي . ففي الفكرِ الديني ، امتزجت عقائدُ
الشيعة بعقائد اليهود والمجوس وأهل الجاهلية ، أمَّا في الفكر الاجتماعي فقد
تجمَّعت الأقلياتُ ضد الأكثرية ( أهل السُّنة والجماعة ) للحفاظ على وجودها _ من
وُجهة نظرها _ . وهذه اللعبةُ يتقنها الشيعة الروافض ، ويحاولون تعميمها في البلاد
العربية والإسلامية _ بشكل أو بآخر _ ، من أجل كسرِ أهل السُّنة والجماعة ،
وتحويلهم إلى طائفة ، مجرد طائفة . مع أنهم هُم الأُمَّة الإسلامية .
لا شكَّ أن
المذهب الشيعي عبارة عن مزيج من العقائد الجدلية المتناقضة ، وكتلة هجينة من
الفلسفات المنحرفة ، بسبب اختلاط الأصول مع الفروع ، وتحول الأصل إلى فرع ، والفرع
إلى أصل ، وتساوي الجوهر مع العَرَض . وهذا جعلَ الموروثَ الشعبي المشوَّش عقيدةً
دِينية معصومة ، وجعلَ الأفكارَ البشرية تعاليمَ سماوية . وإذا أدركْنا هذه
الحقيقة ، فلن نَستغرب من تحوُّل الأشكال الذهنية الشخصانية ذات البعد التاريخي
إلى أوهام مقدَّسة نهائية وحاسمة ، غير قابلة للطعن . ولن نَستغرب _ كذلك _ من
تحوُّل الزخم الميثولوجي إلى حقائق معصومة .
والعقيدةُ
الشيعية تفتقد إلى المنطق ، لأنها ساوت بين الجوهر والعَرَض ، وأوصلت الفكرَ
الديني المتآكل إلى تأصيل فكرة التعادل بين الحامل الأيديولوجي والمحمولِ الإنساني
، فلم يَعُد هناك فرقٌ بين الكلام الإلهي ( القرآن الكريم ) وبين كلام البشر (
" الأئمة المعصومين " ) . وهذا الانهيار أدى إلى تعميق الانتكاسات الفكرية
. إذ إنه بتساوي الجوهر والعَرَض ، تَمَّ القضاءُ على أشكال الحياة الشيعية
الدينية وجوهرِها ، فانتشرت الطلاسمُ التي أُلبست لبوس الدِّين ، وتكرَّس نفوذُ
السُّلطةِ الكهنوتية السِّرية ( سُلطة آيات الله العُظمى وغير العظمى ) ، وظهرت
الانقساماتُ الحادة في الموروث الشِّيعي الرافضي ، وتفرقت طائفة الشِّيعة إلى
عشرات الطوائف.
وبالتأكيد
فإن انفصال الإسماعيلية عن الإمامية الاثني عشرية في تعيين الإمام المعصوم من وجهة
نظر الميثولوجيا الرافضية ، قاد حركة الانفصال الشديد بصورة متماهية مع انفصال
البروتستنتية عن الكاثوليكية على يد مارتن لوثر. وهذا الالتصاق بين الفكر الشِّيعي
الديني والفكر النصراني الديني ، يدل على تفشي الأنساق المعرفية السلبية. وعموماً
، إن العناصرَ الوجودية الشِّيعية المفتقِدة إلى المسار البنائي المنطقي ، لا بد
أن تلجأ إلى العقائد الخارجية من أجل صناعة شرعية لأساطيرها .
إن
الخيالاتِ الواهية المعتمِدة على تواجد" آيات الله " على خارطة احتكار
تأويل النَّص الديني، تكرِّس عصرَ الآلهة في الجاهلية. فمثلاً الْخُمْس الذي
يُخرجه الشيعة ويصب في جيوب رجال الدِّين هو فلسفة متماهية مع سلوكيات رجال
الدِّين النصراني في كنائس القرون الوسطى التي قَهرت الناسَ ، وسَرقتهم باسم
الدِّين . كما أنه فكرٌ استغلالي متمحور حول سلوكيات الرهبان الذين أرسلهم البابا
لبيع صكوك الغفران من أجل بناء كنيسة " القديس بطرس " .
ولا يخفَى
أن المتاجرة بالدِّين تدرُّ ربحاً مادياً وفيراً على الذين ينتهجون هذا الخط في
حياتهم ، لأنهم يستغلون جهل العوام الذين يطمعون في الجنة والخلاص الأبدي ،
ومستعدون لأن يفعلوا أي شيء مقابل نيل هذا الشَّرف ، ويبدأ السماسرة ببيع أوهامهم
المغلَّفة بصبغة دينية لتحقيق أكبر ربح مادي ممكن . إذ إن الأنظمة الدينية
المشوَّشة تعمد إلى استغلال جهل الناس وحاجاتهم من أجل تجذير سُلطتها على رقاب
المسحوقين ، وضمان أن يظلوا خاضعين لها على الدوام، ويدفعوا بانتظام، فيصير
الدِّينُ المنحرِف نظاماً إقطاعياً ، وعمليةَ ابتزازٍ تستنزف الأتباعَ حتى الرمق
الأخير . وعبارة " الدِّين أفيون
الشعوب " صحيحة مئة بالمئة في حالة الأنظمة الدينية الفوضوية المشوَّشة فقط ،
أي إنها تنطبق على كل الأديان سوى الإسلام ، لأن الإسلام دِين لا يَقبل الظلمَ ،
ولا يُخدِّر الناسَ ، وإنما يوقظهم من سُباتهم ، ويَبعث فيهم رُوحَ الانقلابِ
والثورةِ بشكل واعٍ لا بشكل فوضوي .
facebook.com/abuawwad1982