سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

27‏/02‏/2014

نقد أفعال معاوية بن أبي سفيان

نقد أفعال معاوية بن أبي سفيان

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

............................

     لقد وضَّحنا أن الصحابة ليسوا معصومين ، ولا يملكون أية حصانة إلا حصانة الكتاب والسُّنة الصحيحة لمن التزم بهما ، أما الذين لم يلتزموا بهما ، فنحن نحذِّر الناسَ من أفعالهم الشريرة لئلا يحدث الاغترار باسم الصحابي المرتبط بهم . مع التنبيه إلى أن وجود قِلة نادرة من الصحابة ذات السلوك السيئ لا يطعن في باقي الصحابة _رضوان الله عليهم_، لأن وجود ابن كافر للنبي نوح صلى الله عليه وسلم لا يعني بأية حال من الأحوال أن نوحاً لا يتقن تربيةَ الأبناء ، ووجود يهوذا الإسخريوطي لا يعني أن المسيح صلى الله عليه وسلم لا يَعرف اختيارَ أصحابه . كما أن بروز صحابي ذي سيرة سيئة هنا أو هناك لا يعني أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لا يعرف تمييزَ أصحابه، فليس كلُّ الصحابة هم العشرة المبشَّرين بالجنة . فالصحابة الذين قام على أكتافهم الإسلامُ هؤلاء من اختيار النبي صلى الله عليه وسلم ، ووردت نصوص شرعية في تعديلهم وتزكيتهم وفضلهم وأنهم من أهل الجنة ، وهؤلاء هم الصحابة من الطبقات المتقدمة في التمسك بالإسلام ، ولكن من المحال أن يكون كل الصحابة على وتيرة واحدة من الالتزام الشرعي، فنحن نتحدث عن مجتمع الصحابة الذين يتجاوزون مئة ألف صحابي،ومن الجنون اعتقاد أنهم كلهم ملتزمون بالشرع التزاماً حقيقياً . ومن هؤلاء الذين ارتكبوا الموبقات والكبائر ، ولم يتوبوا منها معاوية بن أبي سفيان الذي تضافرت الأدلة الشرعية ضده بشكل واضح وحاسم. ونحن في هذا المقام نستعرض الأدلة التي جاءت ضده مُرَقَّمةً، ومعتمدة على مصادرها الموثوقة : 
     [1] ينبغي أن ندرك أن معاوية قد جعل شتم علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه_ على المنابر يوم الجمعة ، وهذا متواترٌ لا مجال لإنكاره أبداً ، فمن غير المعقول أن كل الولاة الذين وضعهم معاوية يَشتمون علياً ، ولا يكون الأمر صادراً منه أو أنه لا يَعلم بالموضوع .

فإن كنتَ لا تدري فتلك مصيبة          وإن كنتَ تدري فالمصيبة أعظم

     ولو افترضنا جدلاً أن معاوية لم يأمر بِسَب علي مع وجود كل ولاته يشتمون علياً، فهذا لا يعفيه من المسؤولية، بل هو شريكٌ في الشتم ، بل هو الذي أسَّس هذا المنهج الفاسد، وجعله أمراً مفروضاً على العباد .
     روى مسلم في صحيحه ( 4/ 1874 ) عن سهل بن سعد _ رضي الله عنه_ قال : اسْتُعْمِلَ على المدينة رَجلٌ من آل مروان ، قال: فدعا سهل بن سعد ، فأمره أن يَشتم علياً ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أمَّا إذا أبيتَ فقل : لعن اللهُ أبا التراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب ، وإن كان ليفرح إذا دُعِيَ بها.
     [2] روى مسلم في صحيحه ( 4/ 1870) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ،  فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟!، فقال : أمَّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أَسُبَّه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إِلَيَّ من حُمر النَّعم .
     وقد ذهب بعض الشراح إلى أن معاوية يتساءل فقط عن السبب الذي منع سعداً أن يشتم علياً ولم يطلب منه الشتمَ. وهذا تحايلٌ واضح، فما معنى عبارة" أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً" ؟، وبالطبع فقد أمره أن يسب علياً ، لكن سعداً _رضي الله عنه _ رفض هذا العارَ .
     [3] عن زياد بن علاقة عن عمه أن المغيرة بن شعبة سَبَّ علي بن أبي طالب ، فقام إليه زيد ابن أرقم، فقال: يا مغيرة، ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات ، فَلِمَ تسب علياً وقد مات ؟! [(1)] .
     [4] وروى الطبري في تاريخه ( 3/ 218 ) : إن معاوية بن أبي سفيان لما وَلَّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة إحدى وأربعين دعاه فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (( ... ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحم عن شتم علي وذمِّه ، والترحم على عثمان ، والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي ، والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم )) اهـ .
     [5] وروى البخاري في صحيحه ( 3/ 1358 ) برقم ( 3500) أن رَجلاً جاء إلى سهل ابن سعد ، فقال : هذا فلان لأمير المدينة يدعو علياً عند المنبر .
     وقال الحافظ في الفتح ( 1/ 301) : (( وأمير المدينة هو مروان بن الحكم فيما أظن )) اهـ .
     وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 5/ 147) ناقلاً عن ابن سعد بإسناده : (( كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رَجلاً رضي الله عنه، فلمَّا ولي هو أمسك عن ذلك. فقال كثير عزة الخزاعي :      
وَليتَ  فلم تَشْتِـــم علياً ولم تخف      بريَّاً ولم تَتْــــــبع مقالةَ مجرمِ
تكلمـــــتَ  بالحق المبين وإنما       تبين آيات الهـــــدى بالتكلم
          فصدقتَ  معروف  الذي قلتَ بالذي       فعلتَ فأضــحى راضياً كل مسلم )) اهـ. 

العواقب الخطيرة لسب الصحابة خاصةً علي بن أبي طالب :
     [1] عن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تَسُبُّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه )) [(2)].
     [2]عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلتُ على أم سلمة_رضي الله عنها_ فقالت لي : أَيُسَبُّ رسول الله ؟!، فقلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها، فقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَن سَبَّ علياً فقد سَبَّني )) [(3)].
     [3] روى مسلم في صحيحه ( 1/ 86 ) عن زر بن حبيش قال: قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهدُ النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق .
     قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 12/ 510) : (( فمعناه أن حُب علي من الإيمان ، وبغضه من النفاق. فالإيمان ذو شعب وكذلك النفاق يتشعب . فلا يقول عاقل إن مجرد حبه يصير الرَّجل به مؤمناً مُطْلقاً ، ولا بمجرد بغضه يصير به الموحِّد منافقاً خالصاً . فمن أحبه وأبغض أبا بكر كان في منزلة من أبغضه وأحب أبا بكر ، فبغضهما ضلال ونفاق وحُبهما هدى وإيمان )) اهـ .
     [4] عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال: قال رَجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي ! ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( مَن أحب علياً فقد أحبني، ومَن أبغض علياً فقد أبغضني )) [(4)].
     [5] عن عمرو بن شاس الأسلمي _ رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من آذى علياً فقد آذاني )) [(5)].
     إشارات أخرى موجَّهة ضد معاوية :
     [1] روى مسلم في صحيحه ( 4/ 2010 ) عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (( اذهب وادْعُ لي معاوية )) ، قال : فجئتُ فقلتُ: هو يأكل، قال : قال لي : (( اذهب فادعُ لي معاوية ))، قال : فجئتُ فقلتُ : هو يأكل ، فقال : (( لا أشبعَ اللهُ بَطْنَه )) .
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 152 ) : (( وفي حديث معاوية : لا أشبع  الله بطنه ، ونحو ذلك ، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء )) اهـ .
     قلتُ : هذا الكلام فيه نظر، فالإمام النووي يحاول الدفاع عن معاوية بلا وجه حق ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قاصداً الدعاء على معاوية ، بدليل أن دعاءه صلى الله عليه وسلم تمت استجابته . فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية ( 6/ 169 ) عن معاوية : (( لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته ، فيقال إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاماً بلحم ، وكان يقول : والله لا أشبع وإنما أعيى )) اهـ .
     وعن مغيرة عن الشعبي قال : أوَّل من خطب جالساً معاوية حين كبر ، وكثر شحمه ، وعظم بطنه [(6)].
     وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 3/ 123) : [ فسَّره بعض المحبين قال: لا أشبع الله بطنه، حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة لأن الخبر عنه أنه قال : (( أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة ))[(7)] ] اهـ .
     قلتُ : وهذا التأويل الذي أورده الذهبي على لسان بعض المحبين بعيدٌ جداً ، ومحاولة واضحة لتحميل النَّص ما لا يحتمل ، فعبارة " لا أشبع الله بطنه " دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية ، وتمت استجابته كما وضَّحنا ، ومن الثابت أن معاوية كان معدوداً في الأكلة ، وهذا يدل على أن الدعاء عليه قد اسْتُجِيب .
     [2] روى مسلم في صحيحه ( 2/ 1114) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس عندما استشارته في الزواج من معاوية: (( وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له )).
     وقد حاول البعض جعل الأحاديث السابقة منقبةً لمعاوية عن طريق لوي أعناق النصوص ، وإحالتها إلى معانٍ أخرى غير مقصودة، ظناً منهم أنهم بذلك يدافعون عن معاوية . فأوردوا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ( 4/ 2008 ) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه فإنما أنا بشر ، فأي المؤمنين آذيتُه شتمتُه لعنتُه جلدتُه ، فاجعلها له صلاة وزكاة وقُربة تُقرِّبه بها إليك يوم القيامة )) .
     ينبغي أن نفهم هذا الحديث الشريف في سياقه الحقيقي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كل أخلاقه حميدة ونقية وطاهرة، لا ينطق إلا بحق، فلسانه طاهرٌ نظيف، فليس فاحشاً ولا وقحاً ولا بذيئاً ، وكذلك كل الأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام_ . وهذا الحديث الشريف يُبيِّن شفقةَ النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، ورعايته لمصالحهم وشؤونهم في الدارين .
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 151و152) : [ إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلماً ، وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة، فإن قيل كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه أو يَسُبه أو يلعنه ونحو ذلك ؟! ، فالجواب ما أجاب به العلماء ومختصره وجهان : أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى ، وفي باطن الأمر ، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالْحُكم بالظاهر والله يتولى السرائر.والثاني: أن ما وقع من سَبِّه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله : (( تَربت يمينك ))[(8)]، و(( عَقرى حَلْقي )) [(9)]...ونحو ذلك. لا يقصدون بشئ من ذلك حقيقة الدعاء فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل رَبَّه _سبحانه وتعالى_ ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقُربة وطهوراً وأجراً ، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفْسه، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا : ادْعُ على دَوْس ، فقال : (( اللهم اهْدِ دَوْسَاً ))[(10)]،وقال : (( اللهم اغفر لقومي ))[(11)] ] اهـ .
     وقال الحافظ في الفتح ( 11/ 172) نقلاً عن القاضي عياض:[ كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلم في حال غضبه إلا الحق لكنَّ غضبه لله قد يَحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الإغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة : (( ما انتقم لنفْسه قَط إلا أن تُنتهَك حُرمات الله ))[(12)] ] اهـ .
     قلتُ : وهذه الأحاديث الشريفة لا يمكن حملها على جعل الدعاء على معاوية مِن قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم منقبةً له ، لأن معاوية أهلٌ أن يُدعَى عليه وفق الأدلة التي قدَّمناها وسنقدمها بإذن الله ، وخاصةً أن الدعاء عليه " لا أشبع الله بطنه " قد تمت استجابته ، وهذا دليلٌ ساطع على النبي صلى الله عليه وسلم كان قاصداً ما يقول حرفياً ، وليس وفق ما تعارف عليه من لغة العرب بأن يقولوا كلاماً ظاهره الدعاء على الشخص ، وباطنه غير ذلك .
     وروى أحمد في مسنده ( 5/ 347 ) برقم ( 22991) عن عبد الله بن بريدة قال : (( دخلتُ أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفُرش ، ثم أتينا بالطعام فأكلنا ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ، ثم ناول أبي ثم قال : ما شربتُه منذ حرَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ...)) .
     وقال الهيثمي في المجمع ( 5/ 54) : (( رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح )) اهـ .
     كما أن معاوية قتل عدداً كبيراً من الصالحين من أجل شهوة الْمُلْك والاستبداد بالسُّلطة، منهم الصحابي حُجْر بن عدي _ رضي الله عنه_ لما أنكر على ولاة معاوية سبَّ علي _ رضي الله عنه_.
     قال ابن حجر في الإصابة ( 2/ 37) : (( وقُتِلَ بمرج عذراء _ قرية بغوطة دمشق _ بأمر معاوية )) . اهـ . وقال الذهبي في دول الإسلام ( 1/ 38) في أحداث سنة 51 هـ : (( أمرَ معاوية بقتل حُجْر بن عَدِي الكِنْدي وأصحابه ، فقُتِلوا بمرج عذراء _ رضي الله عنهم _ ، خاف معاوية من خروجهم عليه )) اهـ . 
     وعن أبي إسحاق قال : رأيتُ حُجْرَ بن عَدِي حين أخذه معاوية ، وهو يقول : هذه بَيْعتي ولا أستقيلها ، سماع الله والناس [(13)]
     وقد عَنْوَنَ خليفة بن خياط في تاريخه ( 1/ 213)  : (( سنة إحدى وخمسين ، مقتل حُجْر بن عَدِي ، فيها قتل معاوية بن أبي سفيان حُجْرَ بن عدي بن الأدبر ، ومعه محرز بن شهاب ، وقبيصة ابن ضبيعة بن حرملة القيسي ، وصيفي بن فسيل من ربيعة )) اهـ .
     قال ابن كثير في البداية والنهاية ( 8/ 50) عن حُجْر بن عدي: (( شهد القادسية وافتتح برج عذراء ، وشهد الجمل وصفين ، وكان مع علي حُجْر الخير )) اهـ .
     وذكر الحلبي في سيرته ( 3/ 162) : (( وكان ابن سيرين _ رحمه الله_ إذا سُئل عن الركعتين قبل القتل، قال : صلاهما خُبَيْب _رضي الله تعالى عنه_ وحُجْر ، وهما فاضلان . ويعني حُجْر ابن عدي _رضي الله تعالى عنه_ )) اهـ .
     وقد عقد الحاكم في مستدركه ( 3/ 531) باباً سَمَّاه " ذكر مناقب حُجر بن عدي _ رضي الله عنه _ وهو راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وذكر مقتله " .
     ومن الصفات الذميمة عند معاوية : أخذ الأمر بالسيف بلا مشورة مع وجود الصحابة ، وجعل الخلافة وراثية استبدادية بعد أن نقل الحُكم إلى ابنه يزيد ذي السيرة السيئة، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الولد للفِراش وللعاهر الْحَجر )) [(14)]، وقتله حُجْراً .
     قال الحافظ في الفتح ( 12/ 54) عن زياد بن سُمَيَّة : (( ادَّعاه معاوية وأمَّره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه وسار زياد سيرته المشهورة وسياسته المذكورة ، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين بحديث الوَلد للفِراش )) اهـ .
     وفي الحديث المتفق عليه ، البخاري ( 3/ 1292 ) ومسلم ( 1/ 79 ) : (( ليس مِن رَجل ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر )) ، وفي صحيح مسلم ( 2/ 995) برقم ( 1370): (( ومَن ادَّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يَقبل اللهُ منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً )) . ومعاوية ادعى زياداً فهو مشارك في هذا الإثم ، وداخلٌ في الوعيد ضمن هذا الحديث الشريف ، لأن من أعان على الجريمة فهو شريكٌ فيها .
     قال ابن كثير في البداية والنهاية ( 8/ 54) : (( وقد ذَكر ابن جرير وغيره عن حُجْر بن عدي وأصحابه أنهم كانوا ينالون من عثمان ، ويُطلقون فيه مقالة الجور )) اهـ .
     ولنحاول مناقشة هذه التهمة وفق التأصيل الشرعي الدقيق بعيداً عن التهم المفتقدة إلى أدلة مُعتبَرة . بدايةً إن علياً_ رضي الله عنه_قد وضع حُجْر ابن عدي_رضي الله عنه_على الميمنة في حربه ضد الخوارج [(15)]، وكما هو معلومٌ فإن القادة الكبار الذين كانوا حَوْل علي _ رضي الله عنه_ هُم باختياره وتحت إشرافه . ولو قلنا إن علياً يُوَلِّي المناصبَ الحساسة للذين يشتمون عثمان ، ويتطاولون عليه راضياً بأفعالهم الآثمة، لكان هذا منقصةً كبيرة في حق علي _ وحاشاه _ .
     وما اعتماد علي بن أبي طالب على الأشتر النخعي ومحمد بن أبي بكر الصديق رغم دورهما الكارثي في قتل عثمان _رضي الله عنه_ إلا أداء خاص في ظروف الفتن وتفرق كلمة المسلمين ووجود خطر حقيقي على الوجود الإسلامي في المنطقة ، لا كما يظن البعض أن علياً يقرِّب أعداء عثمان حباً في الآثام التي ارتكبوها ، أو نكاية في عثمان . لقد كان علي واضحاً وحازماً في الاقتصاص من قتلة عثمان الذين هم تحت إمرته بعد أن تهدأ الأمور وتستتب، وبعد أن يحقِّق في طبيعة قتل عثمان ، ومن الذين نفَّذوا القتلَ ، ومن الذين أعانوا على القتل ، ومن الذين أعانوا على الحصار. فلم تكن الأمور بتلك السهولة، لأن حالة قتل عثمان معقدة للغاية ، لتعدد الأشخاص والجهات والأحداث المحيطة بالموضوع ، وخصوصاً أسماء أعيان القتلة. ولم يُرد أن يفتح جبهاتٍ عديدة ، ثم يختلط الحابل بالنابل ، وتنهار دولة المسلمين. فمعاوية يتربص بالخلافة لينقض عليها متاجراً بدم عثمان ، والخوارج دخلوا في شذوذهم العَقَدي وخطيئة التكفير حاملين السلاح في وجه علي بن أبي طالب الخليفة الشرعي. لكن الأمور لم تجر كما يريد علي ، وهذا ما جعله يعتمد على بعض أعداء عثمان في الحروب التي خاضها ، لأن الأمر كان أكبر من عثمان وأكبر من علي ، إذ إنه يتعلق بالإسلام كدِين ، والوجود الإسلامي في هذه البقاع . فمثلاً يزيد بن معاوية قاتل الحسين كانت سيرته في الحضيض ، ومع هذا انضم تحت لوائه المسلمون حينما غزا القسطنطينية قائداً للمسلمين ، لأن مسألة بهذا الحجم أكبر من الحسين وأكبر من يزيد ، وليس لأن يزيد هو الإمام العادل . قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 4/ 36) عن يزيد بن معاوية : (( له على هناته حسنة ، وهي غزو القسطنطينية وكان أميرَ ذلك الجيش ، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري )) اهـ. فانظر إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري _ رضي الله عنه_ كيف انخرط تحت قيادة يزيد سيء السمعة من أجل نصر الإسلام ، فلا بد للناس من إمام بَر أو فاجر . وذكر الحافظ الذهبي بإسناده في سير أعلام النبلاء ( 2/ 404) عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال: (( ما عليَّ من اسْتُعْمِلَ عليَّ )) اهـ . والأمر متعلق بغزو القسطنطينية ، وهو يقصد يزيد بن معاوية .   
     ولو ثبت على أحد أتباع علي أنه ينال من عثمان لقام علي فوراً بتصويب الوضع ، وطالما صحَّح مفاهيمَ الناس المغلوطة ، وهذا غير مستغرب عليه وهو أفصح العرب على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم . فمحالٌ أن يسمح علي بالتطاول على عثمان، وهذا ما تؤيده كل الروايات التاريخية على الإطلاق. وصحابي جليل مثل حُجْر بن عَدِي لم أرَ في كلام الذين ذكروه ما يفيد أنه ينال من عثمان سوى الكلام الذي تفرَّد به ابن جرير ، بل إنهم ذكروا فضائله وتقواه وعبادته ، ولو أنه ينال من عثمان _ رضي الله عنه_ لانتشر هذا الأمر في الكتب وأقوال العلماء، وهذا غير موجود . كما أن حُجْراً لم يُعِن على قتل عثمان، ولم يسعَ مع الرعاع من أجل النيل منه، مع أن الأمر كان في متناول اليد . ولم يثبت أن صحابياً تورَّط في دم عثمان ، وهذا ثابتٌ في كل الروايات التاريخية . فالله تعالى طهَّر أيدي الصحابة _ رضي الله عنهم _ من دم عثمان. ولو سلَّمْنا جدلاً بأن حُجْراً نال من عثمان ، فهذا سيكون في موضع معيَّن ، وليس وفق منهجية شتم مستمرة كما فعل معاوية وشيعته تجاه علي . ونحن هنا لا نستهين بشتم الصحابة _ رضي الله عنهم_، ولكن حصل بين أكابر الصحابة أصحاب الفضائل الثابتة احتكاكات وصلت إلى حد الضرب أو الشتم وغير ذلك ، وهذه كارثة بالطبع ، لكننا ينبغي أن ندرك أن الصحابة مجتمع بشري يصيب ويخطئ لا ملائكي معصوم ، لكن الصحابة المستقيمين يرجعون إلى الحق فوراً ، ويتوبون ، ويستغفرون اللهَ تعالى ، ولا يجعلون من الكبائر منهجيةَ حياةٍ . فالمشكلة هي استمراء الإثم وعدم التوبة . كما أن الملابسات المحيطة بقتل حُجْر بن عَدِي منسوجة مسبقاً بإحكام بين معاوية وزياد بن سمية ، وهذان من ألد أعداء علي _ رضي الله عنه _ ، فكيف يمكن لهما أن يكونا قاضيَيْن مستقيمَيْن تجاه شيعة علي ، وهم يحملون عليهم كل ضغينة وحقد وكراهية ، فمن غير المعقول أن يكون الخصم هو القاضي. لذلك كان من الطبيعي أن يأخذا الناسَ بأدنى شُبهة ، فحب علي بن أبي طالب بحد ذاته تهمة تستوجب العقاب في شريعة معاوية وزمرته، وليس غريباً أن يُتهم حُجْر بن عدي بالنيل من عثمان، إذ إن علياً متهم بالنيل من عثمان عن طريق التستر على قَتَلته ومنحهم الأمان تحت جناحه ، ومتهم كذلك بأن له دوراً في قتل عثمان. وهذه القناعة الزائفة هي التي قادت رؤوسَ الفتنة معاوية وعمرو بن العاص وفئتهم الباغية مع حجم هائل من المصالح الشخصية التي ارْتَدت غطاءً دينياً . كما أنه يجب تدقيق ظروف الشهود وخلفياتهم في الشهادة على حُجْر ، فمثلاً الهيثم بن الأسود الذي كان من الشهود ، قال عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب( 11/ 79 ) : (( وكان عثمانياً منحرفاً ، وهو أحد من شهد على حُجْر بن عَدِي )) اهـ. وقال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب ( 1/ 577) : (( رُمِيَ بالنَّصب )) اهـ . فكيف تُقبَل شهادة هذا الشخص النابعة من التعصب والهوى ؟. وإن كثيراً من النواصب اتخذوا مواقف مسبقة من علي ، زاعمين أنهم سائرون على نهج عثمان ، وأنهم يطالبون بدمه ، والاقتصاص من قتلته . فصارت الثنائية ( عثمان _ علي ) إشكاليةً حقيقية في أذهان الكثيرين ، وظن البعض أنه لا يمكن الجمع بينهما باعتبارهما خصمَيْن ، فإن كنتَ مع الأول فأنتَ ضد الثاني، وأن كنتَ مع الثاني فأنتَ ضد الأول. وهذه النظرة سيطرت على العقول في ظروف شديدة التعقيد شقَّت وحدةَ الصف الإسلامي. فشبَّ أهل العراق على التشيع لعلي، ومن ثم المغالاة في تقديس علي، ورفض الصحابة. ونشأ أهل الشام على النَّصب ومعاداة علي ، والالتفاف حول معاوية . وهذه كله مبعثه الجهل والهوى والتعصب دون وجه حق، وكما قيل : هَلك فِيَّ رَجلان : مُحب مغالٍ ، ومبغض قالٍ .
     وكذلك فإن الاتهامات متضافرة حول قيام معاوية بقتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فذكر ابن الأثير في الكامل ( 3/ 453) ، والطبري بإسناده في تاريخه ( 3/ 202) واللفظ له : (( أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ، ومال إليه أهلها لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد عن المسلمين في أرض الروم وبأسه ، حتى خافه معاوية وخشي على نفْسه منه لميل الناس إليه ، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يُولِّيَه جباية خراج حِمْص، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفاً من بلاد الروم دسَّ إليه ابنُ أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص،فوفى له معاوية بما ضمن له، وولاه خراج حمص ووضع عنه خراجه )) اهـ .
     وقال المزي في تهذيب الكمال ( 8/ 175): (( وكان اتهم معاوية بن أبي سفيان أن يكون دس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد متطبباً يقال له ابن أثال،فسقاه في دواء شربة فمات فيها)) اهـ.
     وقال ابن عبد البَر في الاستيعاب ( 1/ 250 ) : (( لما أراد معاوية البيعة ليزيد ، خطب أهل الشام ، وقال لهم : يا أهل الشام ، إنه قد كبرت سني وقرب أجلي ، وقد أردتُ أن أعقد لرَجل يكون نظاماً لكم ، وإنما أنا رَجل منكم فأروا رأيكم ، فأصفقوا واجتمعوا ، وقالوا : رضينا عبد الرحمن بن خالد ، فشق ذلك على معاوية ، وأسرها في نفْسه ، ثم إن عبد الرحمن مرض ، فأمر معاوية طبيباً عنده يهودياً ، وكان عنده مكيناً ، أن يأتيَه فيسقيَه سقية يقتله بها ، فأتاه فسقاه فانحرق بطنه ، فمات ... وقصته مشهورة عند أهل السِّيَر والعِلم بالآثار والأخبار )) اهـ .
     لكن ابن كثير يقول في البداية والنهاية ( 8/ 31 ): (( وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ، ولا يصح )) اهـ .
     وأيضاً هناك شبهات تدور حول ملابسات قتل الحسن بن علي _ رضي الله عنهما_ . فقد قال ابن عبد البَر في الاستيعاب( 1/ 115): (( وقال قتادة وأبو بكر بن حفص : سُمَّ الحسن بن علي، سَمَّتْه امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، وقالت طائفة: كان ذلك بتدسيس معاوية إليها، وما بذل لها من ذلك ، وكان لها ضرائر ، والله أعلم )) اهـ .
     وقال ابن كثير في البداية والنهاية ( 8/ 43) : (( وعندي أن هذا ليس بصحيح )) اهـ .
     قلتُ : وهذه الروايات التاريخية ينبغي تدقيقها من كافة النواحي، وعلى أية حال فإن الاتهامات والشبهات تدور حول معاوية والموالين له ، فعِشق معاوية للسُّلطة والحُكم جنوني إلى أبعد حد ، وقد يرتكب أية كبيرة أو صغيرة من أجل شهوة الْمُلْك، وهذا من رواسب عقلية الكبرياء والظلم والجبروت عند بني أمية في الجاهلية .
............الحاشية....................
[(1)] رواه الحاكم وصحَّحه على شرط مسلم ( 1/ 541 ) برقم ( 1419 ) . وقال الهيثمي في المجمع ( 8/ 145) : (( رواه الطبراني بإسنادين ، ورجال أحد أسانيد الطبراني ثقات )) اهـ .
[(2)] متفق عليه. البخاري ( 3/ 1343 ) برقم ( 3470 )، ومسلم ( 4/ 1967)برقم ( 2540).
[(3)] رواه الحاكم في المستدرك وصحَّحه ( 3/ 130 ) برقم ( 4615 ) ، ووافقه الذهبي . وأحمد   ( 6/ 323 ) برقم ( 26791) ، وقال الهيثمي في المجمع ( 9/ 175) : (( رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة )) اهـ .
     قلتُ: قال ابن حجر عن أبي عبد الله الجدلي في تقريب التهذيب ( 1/ 654 ) : (( ثقة رُمي بالتشيع )) اهـ. وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى ( 6/ 228 ) : (( وكان شديد التشيع )) اهـ . وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 12/ 165 ) : ((وكان شديد التشيع )) اهـ . واتفق أهل العِلم على أن المبتدع إذا روى حديثاً في نصرة بدعته رُد ، حتى لو كان ثقة . قال ابن حجر في نخبة الفكر ( ص 230 ) : (( فالمعتمَد أن الذي ترد روايته من أنكر أثراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة ، وكذا من اعتقد عكسه ، والثاني يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح ، أي إن روى ما يُقَوِّي بِدْعَتَهُ فَيُرَدُّ )) اهـ .
    قلتُ : وهذه المسألة بحاجة إلى تأصيل جديد وتفصيل أكثر دقةً . وسأطرح وجهة نظري في الموضوع اعتماداً على كلام بعيد عن موضوعنا للإمام الشافعي في الرسالة ( ص 461) : (( مَن شاهدَ أصحابَ رسول الله من التابعين فحدَّث حديثاً منقطعاً عن النبي ، اعتبر عليه بأمور منها : أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث ، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه . وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك ، ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العِلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوى به مرسله وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله )) اهـ .
     قلتُ : قد يتساءل أحدهم فيقول : وما علاقة هذا بموضوعنا ؟ . فأقول إن الشيعي المعتدل أو المغالي إذا روى حديثاً في فضائل علي ، وكانت شروط السند مكتملة ، لا ينبغي أن يُرَد الحديث بحجة أنه يؤيد بدعته بدون أي تدقيق. فالحديث إذا كان منضوياً تحت أصل شرعي ثابت، أي إنه ضمن منهجية الكتاب والسُّنة الصحيحة ولم يخرج خارجهما فيجب أن يُقبَل لأنه ضمن الدائرة الشرعية ، ولم يكن بدعاً من الحديث ، فهذا لا ينبغي أن يُحكَم بأنه يؤيد بدعةَ التشيع . والأمر كذلك لو كان الراوي ناصبياً وروى في فضائل عثمان ، واكتملت الشروط المعروفة لقبول الحديث ، وبقيت مسألة تأييد البدعة ، فيُنظَر إلى ما رواه ، فإن كان منضوياً تحت أصل ثابت قُبِل ، وعلمنا أنه لم يشذ تأييداً لبدعته، وإنما الأمور ضمن الدائرة الشرعية المعتمدة... وهكذا دواليك . فمسألة تأييد البدعة التي يُرَد الحديث لأجلها تعني أن الحديث مخصَّص حصرياً لدعم البدعة مخالِف للكتاب والسُّنة الصحيحة ، أمَّا غير ذلك فلا يُعتبَر تأييداً للبدعة . فمثلاً في الإنجيل والتوراة ، ما وافق القرآنَ الكريم كان حقاً ، وما خالفه كان باطلاً ، رغم أن الإنجيل والتوراة بلا سند ثابت، ورواتهما يعتريهم الغموض والانحراف والشكوك ، والله أعلم .
     فمثلاً، الحديث في صحيح مسلم ( 1/ 86) عن علي بن أبي طالب_ رضي الله عنه_ : (( والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إنه لعهدُ النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق )) ، في سنده عدي بن ثابت . قال المزي عنه في تهذيب الكمال ( 19/ 523 ) : (( قال أبو حاتم : وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم ))، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب( 1/ 388 ): (( رُمي بالتشيع)). وقال الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 490 ):((كان يتشيع))اهـ. ومع هذا فعدي بن ثابت من رجال البخاري ومسلم . وكما هو مقرَّر عند أهل العلم أن مرويات الثقة تُرَد إذا روى ما يؤيد بدعته ، لكن هذا الحديث لا يمكننا أن نحكم عليه بأنه يؤيد بدعةَ التشيع، لأنه ببساطة ضمن الدائرة الشرعية المعتمدة ، فحب الصحابة من الإيمان ، وبغضهم من النفاق، وهذا أمر مفروغ منه ، فما بالك بواحد من سادات الصحابة الكبار، ورابع الخلفاء الراشدين، والرَّجل الثاني في آل البيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي له صولات وجولات في المعارك والغزوات ورفع راية الإسلام ؟! . وفي الحديث المتفق عليه عند البخاري ( 1/ 14) ومسلم ( 1/ 85 ) : عن أنس _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار )). بل إن عدي بن ثابت نفسه المتَّهم بالتشيع روى عن البراء _رضي الله عنه_ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ))[صحيح البخاري 3/ 1379 ]. إذن، ببساطة ندرك أن المسألة لا يوجد فيها شيء مريب من قبل تأييد البدعة ، أو الخروج عن الأصول المعروفة الثابتة ، وخلاصة الأمر أن الحديث ينضوي تحت أصل ثابت ، وهو أن حب الصحابة إيمان ، وبغضهم نفاق . ومن باب أولى أن ينال هذه الميزة الصحابة المتقدمون مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي _ رضي الله عنهم_. وبالتالي فالحاكم على قبول الأحاديث أو رفضها إذا كان في سندها ناصبي ثقة روى فضائل لعثمان ، أو شيعي ثقة روى فضائل لعلي، هو الدائرة الشرعية المستمدة من الكتاب والسُّنة الصحيحة ، فإذا كان متن الحديث ضمن الإطار المقبول في منهجية أهل السُّنة والجماعة يُقبَل _ إذا كانت باقي الشروط محقَّقة _ ، أمَّا إن كان فيه تجديف يُعرَض عنه .  
[(4)] رواه الحاكم في المستدرك ( 3/ 141 ) برقم ( 4648 ) وصحَّحه ، ووافقه الذهبي . وقال المناوي في فيض القدير( 6/ 32 ):(( ورواه أحمد ... وسنده حسن )) اهـ. وعند الطبراني في الكبير ( 23/ 380 ) برقم ( 901 ) بسند حسَّنه الهيثمي في المجمع ( 9/ 180 ) : عن أُم سلمة قالت : أشهد أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَن أحبَّ علياً فقد أحبني ، ومَن أحبني فقد أحبَّ الله ، ومَن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله )) .
[(5)] رواه الحاكم في المستدرك وصحَّحه ( 3/ 131) برقم ( 4619 ) ، ووافقه الذهبي .
[(6)] رواه ابن أبي شيبة في مصنَّفه ( 7/ 247 ) ، والشيباني في الآحاد والمثاني من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ( 1/ 380 ) برقم ( 521 ) . قال الحافظ في الفتح ( 2/ 401) : (( وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس قال : أول من خطب قاعداً معاوية حين كثر شحم بطنه، وهذا مرسل يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال : ... وأول من خطب جالساً  معاوية )) اهـ. وقال القرطبي في تفسيره ( 18/ 97) : (( ويُروى أن أول من خطب قاعداً معاوية )) اهـ . قلتُ : وقد رُوِيَ من ثلاث طرق تشد بعضها بعضاً وتقوِّيه : أ) مغيرة عن الشعبي ، ب) إسرائيل عن أبي إسحاق ، ج) سعيد بن منصور عن الحسن . 
[(7)] رواه الحاكم في المستدرك وصحَّحه ( 3/ 699) برقم ( 6545 ) . وابن ماجة ( 2/ 1112) برقم ( 3351) ، والطبراني في الكبير ( 6/ 236 ) برقم ( 6087 ) . قال المنذري في الترغيب والترهيب ( 3/ 99 ) : (( رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . قال الحافظ : بل واهٍ جداً فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى ، لكن رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات ، ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي )) اهـ . قلتُ : (( رواه الحاكم وصحَّحه ( 3/699) بسند ليس فيه فهد بن عوف ولا عمر بن موسى ، ويبدو أن الحافظ لم يطلع على هذا السند ، لأنه يتحدث عن سند آخر للحديث في المستدرك ( 4/ 346) صحَّحه الحاكم )) اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 5/ 34) : (( رواه الطبراني في الأوسط والكبير بأسانيد ، وفي أحد أسانيد الكبير محمد بن خالد الكوفي ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات )) اهـ .
[(8)] متفق عليه. البخاري ( 4/ 1801 ) برقم ( 4518)،ومسلم ( 2/ 1070 )برقم ( 1445). وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 221) : (( والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت ، ولكن العرب اعتادت استعماله غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي ، فيذكرون تربت يداك ، وقاتله الله ما أشجعه ، ولا أم له ، ولا أب لك ، وثكلته أمه ، وويل أمه ، وما أشبه هذا من ألفاظهم ، يقولونها عند إنكار الشيء ، أو الزجر عنه ، أو الذم عليه ، أو استعظامه ، أو الحث عليه ، أو الإعجاب به ، والله أعلم )) اهـ .
[(9)] متفق عليه. البخاري ( 5/ 2280 ) برقم ( 5805) ، ومسلم ( 2/ 877) برقم ( 1211). قلتُ : ومعنى هذه الكلمة في هذا الحديث" إنكِ لحابستنا " والخطاب مُوَجَّه للسيدة صفية أم المؤمنين .
وقال الزمخشري في الفائق ( 3/ 10) عن " عَقرى حَلْقي" : (( هما صفتان للمرأة إذا وُصِفت بالشُّؤْم ، يعني أنها تَحْلِق قومَها وتَعْقِرهم ، أي : تستأصِلُهم مِن شُؤمها عليهم )) اهـ .
[(10)] متفق عليه. البخاري ( 3/ 1073) برقم ( 2779)، ومسلم ( 4/ 1957) برقم ( 2524).
[(11)] رواه البخاري ( 3/ 1282) برقم ( 3290 ) ، ومسلم ( 3/ 1417 ) برقم ( 1792) .
[(12)] رواه البخاري ( 6/ 2491) برقم ( 6404 ) .
[(13)] رواه الطبراني في الكبير ( 4/ 34) برقم ( 3569 )، والحاكم في المستدرك ( 3/ 532) برقم ( 5976) ، وسكت عنه الذهبي . اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 5/ 394 ) : (( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات )) اهـ .
[(14)] متفق عليه. البخاري ( 2/ 724) برقم ( 1948) ، ومسلم ( 2/ 1080 ) برقم ( 1457).

[(15)] انظر تاريخ الطبري ( 3/ 121) ، والبداية والنهاية ( 7/ 289 ) .
facebook.com/abuawwad1982