عدالة الصحابة
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد
.......................
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد
.......................
إن عقيدة " عدالة الصحابة "
وُضِعت لرسم هالة من العِصمة والقداسة حول الصحابة بحيث لا يمكن نقدهم أو انتقاص مَن
فرَّط مِنهم ، وقد تعزَّزت في بدايات الدولة الأموية التي أسَّسها معاوية بن أبي
سفيان على دماء المسلمين الطاهرة ، فمِثل هذه العقيدة ستضمن له ولجماعته حصانة ضد
النقد وغربلة أفعالهم ، وهذا هو المطلوب . إذ إن الأمر صار مثل الحصانة
الدبلوماسية التي تكفل للفرد أن يخلط الحابل بالنابل دون مساءلة ، وتحت حماية
القانون الواضح للعيان . وللأسف الشديد فإن ردة الفعل عند الشيعة الروافض قد
تكرَّست على شكل " عِصمة الأئمة " من أجل إعطاء حصانة للأكاذيب المنسوبة
إلى أئمة آل البيت ، وبالتالي تتكرس القداسة حول مذهب الإمامية الاثني عشرية ليضمن
أن يشق طريقه دون معارِضين أو حركة نقدية تميِّز الغث من السمين.
لكننا نقول إذا كان المراد
بعدالة الصحابة هي عدالة الصحابة كوَحدة جمعية كلية فهذا صحيحٌ، مثل أن نقول إن
المسلمين معصومون من الوقوع في الضلال ، أي إن المسلمين كوَحدة جمعية لا تجتمع على
ضلالة، والأمر بهذا المعنى مقبول، أمَّا أن نقصد أن كل صحابي معصوم بِعَيْنه، أو
كل صحابي عَدْلٌ بعَيْنه، فهذا مرفوض بشكل قطعي ، وإليك الأدلة :
أ) قال اللهُ تعالى : } يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا
قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ { [ الحجرات :
6] .
قال القرطبي في تفسيره ( 16/ 264)
: (( قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وسبب ذلك ما رواه
سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة مصدقاً إلى بني
المصطلق ، فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم . في رواية لإحنة كانت بَينه وبينهم
فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم ارتدوا عن الإسلام فبعث نبي الله
صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن يتثبت ولا يعجل ، فانطلق خالد حتى
أتاهم ليلاً فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام وسمعوا
أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه فعاد إلى نبي الله صلى
الله عليه وسلم فأخبره فنزلت هذه الآية )) اهـ . وقال الطبري في تفسيره ( 11/ 383)
: (( وذُكِرَ أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ... عن أم سلمة
قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة
فسمع بذلك القوم ، فتلقوه يُعظِّمون أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: فحدَّثه
الشيطان أنهم يُريدون قتله ، قالت : فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال:
إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ))
.
والوليد بن عقبة بن أبي معيط صحابي بالمفهوم
اللغوي المتداول والمنتشر ، وهو أخو عثمان ابن عفان _ رضي الله عنه _ مِن أُمِّه ،
وكان الوليد بن عقبة شارباً للخمر ، والصحابة اتفقوا على جَلْده [ كما في شرح
النووي على صحيح مسلم ( 11/ 219) ]. وقد وصفه الله تعالى بالفاسق في آية مُحْكَمَة
مُوَجَّهة إلى شخص بعَيْنه . فهذا الصحابي فاسقٌ بنص القرآن الكريم ، ومن أنكر هذا
فهو كافرٌ لتكذيبه القرآن . ومن سمَّاه اللهُ تعالى فاسقاً ، فلا بد أن تسقط
عدالته .
لكنَّ مفهوم العدالة يقودنا
إلى البحث بالتفاصيل في بعض التعريفات والملابسات حول هذا الموضوع ، فكلمة العدالة
التي نجدها هنا وهناك لا بد لها من ضوابط تعريفية وسلوكية، وإليك هذا التلخيص
السريع لهذه المسألة الذي يضع النقاط على الحروف بشكل غير مُخِل .
فقد قال ابن رشد في بداية
المجتهد ( 1/ 1273) : (( أمَّا العدالة فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول
شهادة الشاهد لقوله تعالى : } مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ { [ البقرة : 282]. ولقوله تعالى : } وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ {[ الطلاق : 2] . واختلفوا فيما هي العدالة فقال الجمهور : هي صفة
زائدة على الإسلام هو أن يكون ملتزماً لواجبات الشرع ومستحباته مجتنباً للمحرَّمات
والمكروهات. وقال أبو حنيفة: يكفي في العدالة ظاهر الإسلام وأن لا تعلم منه جرحة .
وسبب الخلاف كما قلنا ترددهم في مفهوم اسم العدالة المقابلة للفسق ، وذلك أنهم
اتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تُقبَل لقوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ { [الحجرات:
6]. ولم يختلفوا أن الفاسق تُقبَل شهادته إذا عُرِفت توبته إلا من كان فسقه مِن قِبَل
القذف ، فإن أبا حنيفة يقول : لا تُقبَل شهادته وإن تاب ، والجمهور يقولون تُقبَل
)) اهـ .
ب) الحديث الشريف : (( في
أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَم الخِياط
)) [ سبق تخريجه ] .
ج) الحديث الشريف :(( ... ألا
إنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال لا
تدري ما أحدثوا بعدك )) [ سبق تخريجه ] .
د) روى البخاري في صحيحه ( 1/
172) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( وَيْح عمار تقتله الفئة الباغية ،
يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار )).
وهذا الحديث الشريف يوضح أن
هناك صحابة دعاة على أبواب جهنم ، يَدعون إلى النار ، فكيف تجتمع العدالة مع مَن يَدعو
إلى النار ؟! . وأيضاً فإن الصحابة أعملوا سيوفهم في رقاب بعضهم البعض ، فلا بد أن
تكون طائفة على الحق ، وأخرى على الباطل ، فمحال أن يكون الطرفان على حق ، لأن
الحق واحد فقط لا يتعدد .
وهذه الأدلة التي سُقْتها على
عجالة تنسف بشكل نهائي حاسم خرافة " عدالة الصحابة " بمعنى عدالة كل
صحابي بعَيْنه ، مع إيماني بأن الصحابة عدول ومعصومون عدالةً عامة ، وعِصمة عامة .
facebook.com/abuawwad1982