نقد عقائد الشيعة فلسفياً / الجزء الأول
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
........................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
........................
لستُ معنياً في هذا الصدد أن أرد على عقائد
الشيعة الروافض بالتفصيل لأن الردود موجودة في آلاف المجلدات عبر تاريخ المسلمين
كله ، وكل عقائدهم تمت غربلتها اعتماداً على منهجية علمية قوية جداً على يد كبار
العلماء القدماء والمحدَثين المتخصصين في عقائد القوم . ولن أكون أفضل منهم بأية
حال من الأحوال، لكنها مقالة سريعة تعتمد تياراً فلسفياً شخصياً من أجل تسليط
الضوء على بعض الجوانب العَقَدية من وجهة نظري. فالأمر أشبه ما يكون بغربلة
فلسفية، والغوص في فلسفة تكونات هذا المذهب المنحرِف عن الجادة . ولستُ أدّعي
كمالاً في هذا الزخم الفكري إلا أنها خواطر فلسفية تحليلية نابعة من أفكاري
وتصوراتي المعتمدة على قراءاتي واستنتاجاتي . وقد تم الرد على عقائد الشيعة
الروافض بشكل شرعي تفصيلي وفق الأدلة المعتمدة سواءٌ عند أهل السُّنة والجماعة أم
عندهم ، وأنا هنا لا أود تكرار ما قيل ، إلا أنني أحاول تأصيل منحى فلسفي تشريحي
تفتيتي لهذا المذهب، وفق صورة سريعة موجزة تعتمد على إصابة الهدف .
بدايةً ينبغي أن ندرك أن لفظة " الشيعة" نطلقها على الروافض
مجازاً لأنهم عُرِفوا بها ، فصارت لفظةً دالة عليهم يمتازون بها ، ولكن هذه اللفظة
في واقع الأمر خاطئة إذا ما التصقت بالروافض ، لأن الشيعة الحقيقيين هم أهل
السُّنة والجماعة الذين شايعوا آل البيت_عليهم السلام_ وصاهروهم ودافعوا عنهم ،
وعرفوا قَدْرهم بدون اختراع الأكاذيب والأساطير حَولهم . أما الروافض فكان ديدنهم
طوال الفترات التاريخية المتعاقبة هي خيانة آل البيت عبر تسليمهم لأعدائهم ،
واختراع الأكاذيب ونسبتها إليهم، ولنتذكر ما فعله أهل الكوفة الخونة الذين خانوا
علياً والحسين _ عليهما السَّلام_ ، وباعوا ضمائرهم من أجل الدرهم والدينار ، ومع
هذا يقدمون أنفسهم على أنهم شيعة آل البيت ، ومناصروهم ، وحماة أفكارهم ومدرستهم .
وهؤلاء الشيعة الذين قتلوا أئمةَ آل البيت ثم بكوا عليهم، هم تماماً مثل الذين
خانوا المسيحَ صلى الله عليه وسلم ، ثم صاروا ينتظرون قدومَ المسيح المخلِّص آخر
الزمان .
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني _ قدَّس اللهُ روحَه _ : (( وأما الشيعة
فلهم أسامٍ منها الشيعة والرافضة والغالية والطيارة ، وإنما قيل لها الشيعة لأنها
شايعت علياً _ رضي الله عنه _ ، وفضَّلوه على سائر الصحابة ، وقيل لها الرافضة
لرفضهم أكثر الصحابة ، وإمامةِ أبي بكر وعمر _ رضي الله عنهما _ ، وقيل سُمُّوا
الروافض لرفضهم زيد بن علي لما تولى أبا بكر وعمر _ رضي الله عنهما_ وقال
بإمامتهما، وقال زيد : رفضوني . فسُمُّوا رافضة ))[الغُنية لطالبي طريق الحق (1/
86و87 )، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ( 1375هـ، 1956م).] .
ولكن البعض قد يقول إن هناك مسلمين قتلوا عظماء من آل البيت ، فنقول إن هذا
صحيحٌ ، ولكن من قال لك إن هؤلاء القَتَلة يُمثِّلون أهلَ السُّنة والجماعة ، ومن
قال لك إن أئمة آل البيت يُمثِّلون الشيعة الروافض . إن أعداء آل البيت يُمَثِّلون
أنفسهم بشكل فردي محض ، وإذا كانوا نواصب فهذه مشكلتهم لا مشكلة أهل السُّنة
والجماعة . أما خيانة الروافض فكانت جماعية مُنظَّمة عبر خياناتهم المتكررة لآل
البيت ، وحياكة الأساطير ونسبتها إليهم ، وهذا سيأتي تفصيله لاحقاً _إن شاء الله_.
وبالتأكيد فإن النواصب والشيعة الروافض وجهان لعملة واحدة اسمها خيانة آل البيت
بكل تطرف ، فكل واحدٍ فعلٌ وردُّ فعلٍ في آن معاً ، وكلاهما غارق في الوهم
الأيديولوجي المنفي عن قِيَمه الوجودية .
وهؤلاء القوم يُسمُّون أنفسهم بالشيعة
ليوهموا الناس أنهم مُتَّبعون لآل البيت ، وهذا اللفظ إنما جاء في أذهانهم وفق
أفكارهم النسقية المبنية على مبدأ الاقتران . فالشيء الذي يقترن بشيء محبَّب
للنفوس يصير محبَّباً للنفوس هو أيضاً ، وكل المسلمين مجمِعون على حب آل البيت ،
وفكرة اقتران طائفة ضالة بهم ، وانتسابهم إليهم ، سيعطيهم شرعيةً في أذهان العوام
وأصحاب العقول البدائية الخالية من المنهجية العلمية المتينة . وهذا الاقتران
الأيديولوجي يعكس التشويشَ الرهيب في الدِّين الشيعي الرافضي الذي يُحاول إعادة
تكوين نَفْسه من خلال الارتباط بأمور خارجة عنه . أي إن الارتباط في عقائد القوم
يتخذ طابعاً حياتياً خارجياً لتحقيق مكاسب سياسية . ولا يَخفى أن عوامل الانهيار
كامنة في الدِّين الشيعي، فهو يَحمل بذرةَ سقوطه في داخله، لأنه يَعتمد على أدلجة
متواصلة لا تتمتع بالسيادة على المكوِّنات الفكرية .
إن نشأة العناصر الوهمية في العقيدة الشيعية تفتقد إلى المنطق ، وتَخلو من
التناسق الزمني والترتيب المكاني . فهذه النشأةُ المتطرفة هي شعورٌ هلامي غير مبني
على قاعدة صلبة . وهذا الوهمُ الديني الذي يأخذ شكلَ " حُب آل البيت " ،
إنما هو وهمٌ يَسعى إلى تأويل التاريخ الذاتي ، ومحاولة تعميمه ، وتصويره كتاريخ
عام للعرب والمسلمين . ويسعى _ أيضاً_ إلى احتكار متواليات الشعور القامع للحرية .
وفي العقل الشيعي الجمعي ، يتم بناءُ النَّص الدِّيني على تتابع الوهم
الأيديولوجي ، وهذا أدى إلى بروز تيارات فوضوية تستند في تكوين أنساقها الهلامية
إلى منظور متخيَّل في الذهن ، لا يتمتع بالمنطق والعقلانية . وذلك من أجل توظيف
العقائد المتصوَّرة لصالح تدعيم الأسطورة . وبعبارة أخرى ، إن الشيعة الروافض
يَكتبون تاريخَ المسلمين كما يتصوَّرونه ، وليس كما هو موجود في الواقع . وهذا
الانفصام في طبيعة الأفكار قادَ إلى شروخ خطيرة في النَّص الديني المتطرف . وهذه
مصيبةٌ تضاف إلى المصيبة الأساسية ، وهي أن النص الديني عاجز أن يُثبِت نَفْسَه
بِنَفْسه ، فهو غير قائم بذاته، وإنما قائمٌ بفعل الإسناد الخارجي الذي يأتي على
شكل أساطير دينية، وخرافات تاريخية. وسببُ هذا الانهيار الميثولوجي الحاد يَرجع
إلى إعلاء السياسة على الدِّين ، وتجذير المصلحة السياسية كبُنية دِينية معصومة ،
من أجل نشر أوهام الذاكرة الجزئية ، وصناعة ذاكرة جماعية غير قابلة للنقد .
إن غياب تجانس البناء الزمكاني ( الزماني _ المكاني) في معمارية الفكر
الدِّيني، ما هو إلا ارتداد طبيعي لحالة التخبط التي يعيشها النَّص الدِّيني . فهو
يَعيشُ على التنفس الاصطناعي في ظل غياب الوعي الجزئي والكلي ، وفي ظل انهيار
معرفةِ الذات ، ومعرفةِ الآخر . كما أن سياسةَ النص الديني تائهة بين الجذور
والأغصان . أي إن الأجزاء لا تُشكِّل الكلَّ ، والكلُّ لا يمكن تَفكيكه إلى أجزاء
، والأطرافُ تتصادم مع المركز ، والمركز لا يَعترف بالأطراف . وهذا الغبشُ المذهل
كان نتيجةً حتمية لحالة تغييب الوعي .
وبسبب غيابِ الوعي عن مسار المتمركِزات ( الأنوية الأساسية ) ، ارتطمَ
اللفظُ بالمعنى ضمن حركة دورانية فراغية قَتلت روحَ النَّص الديني ، وسلَّطتْ
السلوكياتِ المنحرِفة على بؤرة الفكر الديني المركزي ، فصار الدِّينُ الشيعي ذا صبغة
جدلية هشَّة ، وعاجزاً عن الصمود أمام النقد والنقض .
إن لامنطقية العقيدة الشيعية ، وتقاطعها مع انكماش الهوية الشرس ،
وسَيْرَها بموازاة الأداء العقلاني ، كل ذلك ساهم في تكوين تيار مُؤَدْلَج نَزع من
قُدرة المعنى استمراريةَ البناء على الواقع ، فحدث الشرخُ العنيف بين صورة النَّص
الديني وواقعه الافتراضي . وبالتالي ، تحوَّلت أنساقُ المعرفة الدِّينية إلى
منظومة ذهنية تتبنى احتكارَ تأويل إفرازات التاريخ المتخيَّل . أمَّا التاريخُ
الحقيقي ، فتمَّ إقصاؤه من النسق الحضاري، وإخضاعُه لآليات لغوية مشوَّشة تقوم بقراءته
بشكل متطرف مغرِض، وتصويرُه في أذهان العامة كعبء ثقيل . والذين يَقومون بهذا
المهمة الدنيئة ، ويَلعبون هذه اللعبة الخطيرة ، هُم رِجال الكهنوت الشيعي ( آيات
الله ) الذين يَحملون في عقولهم فكرةً مسبقة ، ويُريدون إثباتها بأية وسيلة ، لذلك
يلجأون إلى الأحداث التاريخية ، ويُطوِّعونها حَسْبَ أهوائهم ، ثم يُسقطون
أفكارَهم المريضة عليها لكي يَبنوا التجانس الوهمي بين الفكرة الدينية والحدث
التاريخي . إنهم لا يَتركون التاريخَ يَتحدث من تلقاء نَفْسه ، وإنما يَجعلون
التاريخَ يَقول ما يُريدون . وبعبارة أخرى ، إنهم يُقوِّلون التاريخَ ما لم يَقل .
وهذه اللعبة المكشوفة هي الأساس الفكري للتشيع . فالتشيعُ _ أولاً وأخيراً _ هو
حركة تاريخية ضد التاريخ ، وتم إلباسها لبوساً دينياً لأغراض سياسية وشعوبية (
فارسية معادية للعَرب ).
والإشكاليةُ الوجودية الحقيقية التي لا يَقدر الشيعةُ الروافض على التخلص
منها ، والتي سبَّبت لهم كثيراً من الاضطراب والتناقض هي القراءة المتطرفة للتاريخ
، فهم أكثر تطرفاً في قراءة التاريخ من الماركسيين. فإذا ارتكب علي بن أبي طالب _
رضي الله عنه _ خطأ ما ، فلا خطأ عليه لأنه إمام معصوم من وجهة نظرهم ، أما إذا
ارتكب عثمان _ رضي الله عنه _ خطأ، فعلى الفور يتم تكفيره، وإخراجه من الملة لأنه
أُمويٌّ، وتبدأ حكايات ألف ليلة وليلة عن عداوة الأمويين للهاشميين، وتبدأ القصص
البوليسية التي لا تنتهي. وإذا أخطأت فاطمة الزهراء _ رضي الله عنها_ في مسألة ،
فهذا غير مقبول لأنها معصومة لا تخطِئ نهائياً _من وجهة نظر الروافض _، أما إذا
أخطأت عائشة _ رضي الله عنها _ ، فعلى
الفور يضعونها في النار برفقة أم جميل زوجة أبي لهب، لا لشيء إلا لأنها ابنة أبي
بكر الصديق_ رضي الله عنه_، وتبدأ مغامرات اغتصاب الخلافة المشوِّقة ! .
وهذه الحالة الموغلة في إرهاصات التطرف متماهية مع المسار الماركسي في
إثبات أوهامه عن طريق نشر أوهامه ، وإسقاطها على الواقع المتخيَّل في الذهن القاصر
، فيبدأ العقلُ في قراءة الوهم الذي يُغلِّف الصورةَ ، وينسى الصورةَ الحقيقية .
وهذا المبدأ الأحادي المنحرِف أُسميه مبدأ قراءة واقعية الذهن التحطيمي لا قراءة
واقعية الواقع . فمثلاً أنا أفترض أن جارنا لص مع أنه رَجل شريف، وأُسقِط عليه
صفاتِ اللصوص، وبعدها يبدأ عقلي بقراءة الصِّفة التي صَبغتُ بها جارَنا وهي
اللصوصية ، فيستنتج عقلي أنه لص بحُكم الظاهر له من الصفات التي أسقطتُها عليه.
وقد جاء التحذير شديداً تجاه هذه الحالة الحاملة للأفكار المسبقة ومحاولة
إثباتها بالحق والباطل. فقال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ {
[ البقرة: 6] . فَهُم متمسكون بمواقف مسبقة متوارثة ، ولا نية لديهم في تغييرها،
سواءٌ ظَهر لهم الحق أم لم يَظهر . إنهم لا يَبحثون عن الحقيقة إطلاقاً ، ولا
يَطرحون على أنفسهم الأسئلةَ . وبالتالي ، فهُم غير معنيين بالشك المنهجي، وثقافةِ
الأجوبة . إنهم متمسكون بأفكار جاءتهم من آبائهم وبيئتهم ، ويُريدون تحصينها من كل
هجوم _مهما كان الثمن _، وهُم سعداء بذلك. يَسبحون في الظلمات، ويتمتعون بالظلام ،
وسوفَ يَصعقهم نورُ الشمس بعد فوات الأوان .
ونحن هنا لا نُكفِّر الشيعةَ الروافض إلا في حالة إنكار معلوم من الدِّين
بالضرورة ، وانتفاء الموانع عبر إقامة الحجَّة ، وإزالة الشبهاتِ . لكن المبدأ
الذي تتحدث عنه الآية هو مبدأ الفكرة المسْبقة عند الكفار الذين لا يُغيِّرون
عقائدهم سواءٌ تم إنذارهم أم لا، لأنهم حاملون لفكرة الوهم ، ويتخندقون حولها، وهي
مثبتة في أذهانهم تلقائياً بشكل هلامي تفتيتي سواءٌ تم نفيها أو إثباتها ، وفي هذه
الحالة لا يستطيع الإنسان تمييز الخير من الشر ، لأنه ليس صادقاً في بحثه عن
الحقيقة ، واعتناقها حتى لو خالفتْ موروثَه الذي نشأ وتربَّى عليه طوال حياته التي
قضاها قامعاً مقموعاً .
وتظل السلوكياتُ الرمزية تُوَظَّف لصالح تكريس هيمنة الموروث الدِّيني
المسيَّس ، وذلك من أجل تثبيت دعائم الانهيار التكاثري في زمكانيات القراءة
المتطرفة للتاريخ التي يقوم بها الرافضة . وبالطبع ، فإن تغييب إشارات المعنى _ عن
سبق الإصرار والترصد _ من شأنه تثبيت الألفاظ على خارطة شرعية الأسطورة، وإحالة
الذات الإنسانية إلى شظايا متماهية مع شريعة المتخيَّل الوسواسي. وعندئذ تحل
الكلماتُ المؤدلَجة محل المعاني المحدَّدة . وفي هذه الحالة يَحدث الخلطُ الرهيب
بين تقاطعات العناصر المنبوذة في الذات الذهنية، فتتشابك التصوراتُ المنحرفة في
عقل الدِّين الشيعي .
وهذا الخلطُ المقصود يُغذِّي الجذورَ السياسية للتشيع الظاهري والباطني ،
ويُكرِّس الدلالاتِ الدينية العمياء ، ويَصبغها بهالة الصورة الوظيفية للشعائر
المؤدلَجة ، فيتزاوج الموروث العَقدي مع الموروث الشعبي العابث ، مثل : إحياء يوم
عاشوراء باللطم والضرب وتمزيق الثياب ... إلى آخر هذه الشعائر الأسطورية التي هي
بالأساس موروث شعبي خرافي لا أساس له من الناحية الدينية، بل هو يسير باتجاه مضاد
للدِّين. وللأسف، فإن هذا الموروث الصوري قد تمت صناعةُ برواز دِيني له ، وتصويره
كعبادة يتم التقرب بها إلى الله تعالى . وهنا تتضح خطورةُ استثمار جهل العوام في
صناعة الدِّين المسيَّس ، واستثمار الدِّين في توجيه التراث الشعبي الأسطوري
لتحقيق مصالح شخصية ، وفوائد مادية. وبالطبع، فهذه المكاسب المادية يَجنيها عِلْية
القوم ( رِجال الدِّين ورِجال السياسة ) . وهذان الصنفان ( العلماء والأمراء )
بينهما زواج مُتعة ومصلحة ، وكلُّ طرفٍ يُحقِّق أهدافَه الشخصية بواسطة الطرف
الآخر . إنها علاقة تبادلية مصلحية شائكة
تدرُّ أرباحاً وفيرة متعددة
الصور والأشكال .
إن تَدْيِينَ الموروث الشعبي ( جَعْله دِيناً )، وصَبَّ الأنساق الشعبية
المتوارثة في قالب الأيديولوجية الشِّيعية ، يُسهمان في نقل السلوك الاجتماعي
الانهياري إلى بؤرة اللامنطق الدِّيني . وبما أن أوهام الانحراف العَقدي تتخذ من
ذاتها المتوازِية مع قيمة الوهم الموظَّف سياسياً ، نَصَّاً دينياً معصوماً، كان
لزاماً على الشعور الوجداني الناقد أن يُشرِّح مساراتِ احتكار تأويل النص
التاريخي، ويَكشف العلاقاتِ المتشابكة بين الطبقات الفكرية المبنية على قاعدة
" افتراق الرؤية عن الرائي "، إي افتراق المشاهَدَات الواقعية عن الذهن
التحليلي . وهذا الانفصام الصادم انعكاس طبيعي لحالة الحصار المفروض على الفرد ، وذلك
لمنعه من الخروج من التناقض إلى التأسيس الفكري المنطقي . فالفردُ خاضعٌ لسُلطة
دِينية جماعية تَحشره في اللاوعي الانتكاسي ، وحطامِ الذاكرة الإنسانية الفاقدة
للمعنى. وبالتأكيد فإن هذه الانحرافات الشيعية المحاطة بالعناصر المخيالية الأفقية والعمودية، من شأنها إعادة توليد
مصطلحات متطرفة تقيم قطيعةً مع عقائد أهل السُّنة والجماعة الذين هم الحراس
الحقيقيون للدِّين النقي .
فإقامة قطيعة مع جيل الصحابة لأهداف سياسية، وعِرقية( رَفع العنصر الفارسي
على العربي )، ومصالح دنيوية بحتة ، وإسناد هذه القطيعة إلى أئمة آل البيت ، إنما
يَعكس طبيعةَ التلاشي في أنساق النص التاريخي الشخصي الذي تتم أدلجته لترسيخ
تيارات التطرف ، وتجزئةِ الانهيار الأنثروبولوجي في قيمة الوعي الداخلي في أذهان
الذين يعتنقون الخرافةَ عقيدةً لازمة .
ولا يمكن أن يتحرر الشيعةُ من ثقل العقائد الخرافية، إلا إذا تم فصلُ
المدلول الثقافي الأُسطوري عن تكوينات ذاكرة التاريخ . وأيضاً ، فصل التفاعلات
الدينية الهلامية التي تتأجج في التاريخ الشخصي القابع في الذِّهن المريض .
والإشكاليةُ المركزية في الدِّين الشيعي تتمحور حول مبدأ القراءة التاريخية
المجتزأة . ويمكن القول إن إصدار الأحكام على تاريخ شخصي مُنْتَزَع من واقعية النص
التاريخي الكلي ، ومُفَرَّغ من قيمة الحقيقة ، إنما هو من أجل منح الشرعية
التأسيسية للمنظور الأسطوري في الداخل الدِّيني الشيعي . حيث تظهرُ الماهياتُ
المسمومة في أنوية التكوين الذهني التاريخي ، وتتركز الدلالاتُ المعرفية على بؤرة
سيادة الخرافة على أنساق التَّدين. وهذه الأنساقُ المؤدْلَجَة (
الماهيات/الدلالات) تتحرك في مدارات سُلطة كهنوتية شيعية موغلة في تقديس الأصنام
البشرية الذين يُسَمُّون أنفسهم " آيات الله " .
فمثلاً " ولاية الفقيه " هي عقيدة متماهية مع سُلطة بابا
الفاتيكان المقدَّسة غير القابلة للنقد أو الطعن. تماماً كما كان يحدث في حقبة
كنائس القرون الوسطى ، حيث يتخذ الإنسان أخاه الإنسان إلهاً حاكماً على العناصر
والتكوينات . وللأسف فهذه الجاهلية الاستغلالية عادت بشكل أكثر شراسة في "
ولاية الفقيه " ، فالفقيه الذي يتخذ نفسَه صنماً إلهاً في أعلى هرم السُّلطة
السياسية يصبح فوق مستوى النقد ، والمناقشة، والاستدراك عليه ، والتعقيب على كلامه
وأفعاله. أضف إلى هذا ، العمق الفلسفي لتجذير مبدأ المتاجرة بآل البيت على
الصعيدَيْن : المادي والروحي.
وبالتأكيد فالفقيه سيكون سعيداً بهذه السُّلطة الوهمية التي يعرف في قرارة
نفْسه أنها تحايل وتطفل واضطهاد للآخرين وعُلُو بالباطل، حيث بساطير رجاله فوق
رقاب الشعب المسحوق الذي تم تدجينه بعدما أَقنعوه بأن انكساره وذله هو جزءٌ لا
يتجزأ من الدِّين الذي يمثِّله الفقيه صاحب أعلى سُلطة سياسية في هذا المشروع
العالي على رقاب الشعب المطحون. وهكذا يُحصَر حق الحُكم بالصواب أو الخطأ في يد
شخص يُنظَر إليه على أنه إله معصوم ، ويتم إلحاقه تلقائياً بأئمة آل البيت
المعصومين ، وبعد جيل أو جيلين يصبح الشعبُ كله معصوماً ، وتستمر هذه الأدلجة
الجنونية من فعل العِصمة ورد الفعل والعِصمة المضادة من أجل منح شرعية للعقائد
الأسطورية ، واختزال الدِّين في رَجُل واحد يُصَنَّف على أنه من طينة خاصة . ومن
أجل ضمان ديمومة هذا المنصب الإلهي المتجسد في وحدانية شخص واحد ، تُنقَل كل تفاصيل
منهجية التسييس إلى الدِّين ، فيصير الفقيه والدِّين شيئاً واحداً لا ينفصلان .
فنقد الفقيه هو نقدٌ للدِّين ، ونقد الدِّين هو نقدٌ للفقيه الذي يَحتكر سُلطةَ
تأويل الدِّين ، وإصدار الأحكام نفياً وإيجاباً . وهكذا يرجع الإنسان إلى الجاهلية
الأولى ، حيث كان الناس يصنعون آلهتهم بأيديهم ، ثم يأكلونها حينما يجوعون ، وهذا
هو الحاصل في هذه الجاهلية المعاصرة .
وكما أن الأيديولوجية الشيعية متماهية مع التقديس النصراني للبابوات
والكرادلة ومن هم دونهم، فهي أيضاً متماهية بشكل صاعق مع المشروع اليهودي العَقَدي
. فقد قال الإمام الشَّعبي : (( محبة الروافض محبة اليهود ، قالت اليهود : لا تصلح
الإمامة إلا لرَجل من آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا لرَجل من ولد
علي بن أبي طالب ، وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال ،
وينزل بسبب من السماء ، وقالت الروافض : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي
وينادي منادٍ من السماء ، وتؤخر اليهود صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك
الروافض يؤخرونها ، واليهود تزول عن القِبلة شيئاً، وكذلك الرافضة ، واليهود تنوّر
في الصلاة ، وكذلك الرافضة، واليهود تسدل أبوابها في الصلاة، وكذلك الروافض ،
واليهود تستحل دم مسلم ، وكذلك الروافض ، واليهود لا ترى على النساء عِدَّة ،
وكذلك الرافضة ، واليهود لا ترى في الطلاق الثلاث شيئاً ، وكذلك الروافض ، واليهود
حرَّفت التوراةَ ، وكذلك الرافضة حرَّفوا القرآنَ، لأنهم قالوا القرآن غُيِّر وبُدِّل،
وخولف بين نظمه وترتيبه، وأُحيل عما أُنزل عليه، وقُرئ على وجوه غير ثابتة عن
الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد نقص منه وزِيد فيه ، واليهود يبغضون جبريل _
عليه السلام _ ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك صنف من الروافض يقولون غلط
جبريل_ عليه السلام_ بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما بُعِث إلى عليٍّ
_ رضي الله عنه_، كَذبوا تباً لهم إلى آخر الدهر )) [ الغُنية لطالبي طريق الحق
(1/ 90 ) .] .
وهذا التشابه المرعِب يُشير إلى التماهي الجزئي والكلي مع مشروع الكيانات
العَقَدية اليهودية. وهكذا تم إدخالُ عناصر صَهْينة الفكر الشيعي في عمق
الأيديولوجية المرتكِزة إلى تكرارات الوهم المغلَّف بصيغ احتكار التاريخ .
facebook.com/abuawwad1982