سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

06‏/07‏/2011

عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 7 _ 9 )

عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 7 _ 9 )
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

(( أبي ، أين تأخذني ؟ )) . كانت الحيرةُ تضربُ بشدةٍ حبالَ غمدٍ باحثٍ عن سيفٍ يتأرجح بين شفتيها . إنها صغيرةٌ جداً، لم تأخذ من بيئتها سوى وأدها . كانت تكبرُ شيئاً فشيئاً ، وتلعب في فناء الدارِ . حملها أبوها في ظهيرةٍ غَلَّفَها زئبقٌ سَامٌّ ينسلخُ من واجهات المرمر في ضريح لا يُعرَف صاحبُه .

خَبَت الفيافي . انطفأ المطرُ. انتشرت عدوى الجدب. أحطابٌ من سلالةِ أشجار نقية. بشر في الأسواقِ يبيعون صمتَهم ، ويَتَّحِدُون بالضوضاء. وعلى الضفاف البعيدة الهامشية كحياة القتيلاتِ، نبع رملٌ أخرسُ يَسْكُنها . كَرَّرتْ سؤالها : (( أبي ، أين تأخذني ؟ )) . لم يُجب . ولم يُكَلِّف نفسَه عناء الالتفات إليها .

راحت عجلاتُ التزلج تتساقطُ في جبالِ الألبِ . صحاري تخلعُ معاطفَها، وتضعها على شَمَّاعةِ الذل. شموعٌ تعلن استقلالها في عيد احتلالها. إنها أبعد ما يمكنُ عن ليلةِ العُرسِ. أيتها الأنثى المنذورةُ للوأدِ والجريمة، المنحوتةُ على الخزف الأثري في مائدةِ قِمَارٍ لإناثِ كلابِ بناتِ القياصرة . يا قتيلةً ممدَّدةً على كل خيانات الحضارات المسعورةِ . أنتِ وحشةُ الطريق تُسحَقين لوحدك تموتين ، والبارونةُ تكتبُ رسائلَ لعشيقها وزوجها نائمٌ في حضنها. لن ينفعكَ تكرارُ الأسئلة في عالَمٍ يمقتكَ، ويحترمُ الزواني المرخَّصاتِ من الجهات الرسمية .

انزوى والدُها في القطب المتجمد الصحراوي في نزيفها. حفرَ حفرةً في حِبر نَسِيَه الليلكُ على أسماك السردين. رمى ابنتَه فيها وهي تنظرُ غير مُباليةٍ، فقد كانت تظن أن حضن أبيها دافئ بما يكفي ليدافع عنها ويحميها. ومن مأمنه يُؤتى الحَذِر . أهال عليها الجِراحَ ، فبدأت الرمالُ المتحركة تبلعها، كأن الذراتِ الرملية تستنزفُ أو تمص رحيقَ عظام الأنثى تدريجياً .

أنا المقاتِلُ الوحيدُ المتروك لمواجهة الإغريقِ، وتماسيحِ الأمازون ، وحيداً ، فقد تخلت عني قبائلُ الأعرابِ . أُناظِرُ أرسطو وأُفحِمُه على جسر ذابلٍ من الورد الصناعي، لكن أثينا ترجُمني بالطوبِ تعصباً لفيلسوفها. ولم أجد بلاداً تحضنني. لا تُضَيِّعوني مثلما ضيعتم ابن خلدون والخوارزمي. كُنْ يا مَوْتي الشرارةَ التي تُشعِلُ تفاحاتِ أدمعي وغاباتِ نظراتي .

حياتي محصورة : من المشنقة إلى البيتِ ومن البيتِ إلى المشنقةِ ، وربما ألعبُ كرة السلة في برهة قمةٍ تتفجرُ بين وَادِيَيْن . الطبيب النفسيُ للإمبراطورة . وشركسيةٌ لا أستحق أن أكونَ زوجها. ومُحْسِنٌ يتكفلُ بنفقاتِ إعدادِ جنازتي . أنا الحافي ، ولستُ بشرَ الحافي . وذراتُ الإسفلتِ شوكُ فِرَاقٍ عاصفٍ. أنا الثائرُ الذي سلخني أهلُ الكوفة وبَكَوْا عليَّ أمام وسائل الإعلام، لأصيرَ سَبُّورةً مستويةً تكتبُ عليها المراهقاتُ قواعد اللغةِ الفرنسيةِ .

أنا والقططُ المنبوذةُ جائعون نُفَتِّشُ في المزابلِ عن قطع اللحمة والأرز التي رُمِيَت بعد الحفلاتِ. إن كان لا بد من أن تأكل الطيورُ جيفتي ، فأرجو أن تأكلها العقبانُ لا الغربانُ . كن متكرراً كالأطباء النفسيين الذين يُعالجون رصيفَ الميناء في الدُّول المجنونة .

يا رائحةَ ثيابِ الممرِّضين في مختبراتِ التجاربِ، حيث تأتي القططُ لزيارةِ عدوتها الفئرانِ حاملةً في حنجرتها الشعارَ الرسمي لدولة القططِ . وبناتُ العائلات الأرستقراطيةِ في مراقص فِيينا حيث يُبَدِّلْنَ أقنعتهن وكلابهن وعشاقهن وسياراتهن وملابسهن الداخلية ، بينما جارُنا الأعزب لا يملك حبل غسيل .

يتيماً منبوذاً أنتشلُ حضاراتِ البرقوقِ من غيبوبة الاكتئابِ . واليونانياتُ يتم جَزُّ أجسامهن في حظائرِ الخنازيرِ . زُجاجاتُ ويسكي في طرقاتِنا المرعوبةِ المتلاشيةِ مختومةٌ باستغراب الإناثِ المسحوقاتِ مثل جِرار الأعرابياتِ الخارجاتِ من غرف النومِ إلى الفيديو كليب . والذئابُ الماجنةُ ترسم إشارات النازية في مقابر المسلمين في فرنسا . وقَتَلةُ الحسين يُعَلِّمونا كيفية البكاء على الحسين .

كاستهلاكِ أجسادِ الراقصاتِ الراجعات من المشرحةِ . كمضاداتِ الاكتئابِ التي تتناولها الزوجاتُ الإيطالياتُ اللواتي اكتشفنَ خياناتٍ زوجيةً جديدة . كالحزن المصطنَع على ملامح حفارات الخوخ العائداتِ من دفاتر ملاحظاتهن متسربلاتٍ باليعاسيبِ ، كانت حضارةُ الغُزاةِ.

وقتٌ ضائعٌ للتماسيحِ القادمة من أسمال الجنونِ. جذورُ السَّرْوِ تُخفي وراء ابتسامتها حقولَ مأساةٍ . وابتسامةُ يمامةٍ تُخفي في تشتتها مجراتِ قحطٍ. ولكن المرأةَ الساقطة لم تُجَرِّبْ شعورَ الثائرة الممنوع من دخولِ ثلاثين بلداً ، والمحكوم عليه بالإعدامِ في خمسين بلداً .

ما الفرقُ بين مدافن العائلة الإمبراطورية ومدافنِ اللصوصِ ؟. أُحِبُّ البحيرةَ لأنها تُشبه قلادةَ أُمِّي. كيف سيعيشُ الضبابُ الإنجليزي الآنَ وقد فقد الثقةَ بزوجته وطبيبه النفسي ؟ . رُوحي مُشقَّقة تتشبثُ بأستارِ الكعبةِ . كلما اقتربتُ من جُروحي ابتعدتُ عن نزيفي . والقادةُ يرفعون على انكسارِ جُندهم راياتِ دويلاتهم المضمحلة. هل أذهبُ إلى عَظْمي أم أنتظرُ عظمي يأتيني ؟. ضابطُ مخابراتٍ شابٌ يأخذ إجازة كي يتزوج شريكة انتحاره . أصعدُ على أنقاضي وأبتسمُ لكيلا تظن الشلالات أنها هَزَمَتْنِي. إِرْثُ اللهيبِ لا يجد من يأخذُه . تندثرُ خطواتُ الماسِ في قلعةٍ يطل عليها بحرُ روحي. أُحَرِّرُ الإنسانَ من نفسه. أنا وعينُ الماءِ انكسرنا وصَعَدْنا من موتنا المؤقَّت. إنني خارجُ دائرة الآباءِ، وهي خارجة دائرة الأمهات .

كانت آفاقُ الشَّتْلاتِ مَداريةً . تزرعُنا فنحصدُها ، وتجمعُنا فنفرِّقها. فِيَلةٌ في الأقفاصِ تنتظرُ مصيرها المحتومَ، إنها ذُبِحَتْ من أجلِ العاجِ. والناس سائرون في مواكبِ خلفاءِ التَّوحشِ ، يمسكون أفئدتهم الخالية أوتاراً على ربابة الاستجداءِ والنفاقِ والمديح الفارغِ . كانوا يَسْلخون من عيونهم بريقَ السيوفِ لكي يهربوا من المعركة . وعلى الرغم من هروبهم حصلوا على أرفعِ الأوسمةِ والألقابِ . بقعٌ جديدةٌ لِعَرَقِ الشيطانِ وهو يلهث لإغواءِ البشرِ .

ماءٌ يُنَظِّفُ رجليه بالنارِ. أنثى تبتسمُ لذابحِها . خرج الفلاحون بصدورهم العاريةِ يتصدون للجرادِ. إن مساكنَنا أفلاكٌ تدورُ فينا وندورُ فيها، وبيوتُنا نتركها للخرابِ ونرحلُ . نحرسُ أموالَنا ليتأتيَ ورثتُنا يتقاتلون على اقتسامها. نحن راكضون في حطامِ أجسادنا المتحلِّلة الذي كلما خَفَتَتْ لمعتُه المخادِعةُ اقْتَطَعْنا جزءاً من أعصابنا ، وألصقناه بكل لمعانِ العتمة الوحشي .

كلما ابْتَعَدْنا عن راياتِ المسدَّس صارت وجوهُنا ظلماتٍ بعضها فوق بعضٍ أسواقاً منقوشةً على الكسادِ ، شواطئَ ترتعشُ من منظر المراكب المكسَّرةِ . والبَحَّارةُ الممدَّدين في الهدوءِ الذي يسبق الصُّراخَ. مَشَيْنا فإذا الطباشيرُ الراسخة في غضاريفِنا تستهزئ بنا . الذابحُ والمذبوح يمشيان جنباً إلى جنب ، ولا أقواسُ نصرٍ تعلونا . بدأت أتداخلُ في النَّشيجِ مع هواجس المحاكمة وشكلِ قاعة المحكمة .

ربما يحتل السقفَ ثُرَيَّاتٌ فخمةٌ مُعفاةٌ من الجمارك. قد يتواجد القفصُ في إحدى الزوايا. أتخيَّله مَطْلياً بمادة مضادة للصدأ ، مُحاطاً بمخبِرين يفكرون في الجنسِ الذي تعدُّه زوجاتُهم الساذجات ، وثقوبه متناهيةٌ في الصِّغَرِ . قد ترتسمُ مقاعدُ خشبيةٌ في صفوفٍ منتظمة . كأنني أرى مُصَوِّرين وعدساتٍ تدورُ في قفزاتِ سدودِ العُصور . والقُضاةُ يرتدون زِيَّاً مُوَحَّداً تم تفصيلُه حسب رؤيةِ رجالِ الأمن . وحضورٌ لا يدرون ما الموضوعُ . والهلعُ يقضمُ آخرَ الديدان الباحثة عن طعام على بابِ القاعة. وربما تأتي صحفيةٌ مبتدئةٌ متأخرةً بعضَ الشيء، تطمح لإثباتِ جدارتها على حسابِ نحيبي . وقد تكون مخطوبةً وتفكر مع خطيبها في عش الزوجية، ولكنها بالتأكيد لا تعلم عش الآلامِ الذي ينتظرُني .

ذهب الذين كانوا يبكون عليَّ : (( أُمِّي وجارتُنا العجوزُ وساعةُ يدي ومعادلاتُ الرياضيات واللحدُ الختامي المتوِّج لحياةٍ حافلةٍ في مختبرات تجريب السموم على أجسادنا الغضة، وأشياء أخرى )) . كلما أحببتُ امرأةً انسحبتُ من خريطةِ أطيافي وابتعدتُ عنها . تتزلج الشاباتُ الألمانيات على كريات الجليد على سطح الدانوبِ ، والصرخةُ تتزلج في قرحة معدتي مثل المحارِبين الذين يكتبون رسائل لخطيباتهم .

الليالي سارت. فأيُّ لونٍ سينبجسُ من مضاربِ قبائلِ العنبِ ؟. والزوابعُ تتثاءبُ على سطوحِ خيماتِ السَّبايا. ولم يكن في استقبالي في كل مطاراتِ العالَمِ غيرُ وجهي المترفعِ عن زجاج غرف الانتظار . تَخْلُطُ المشاعرُ السجاجيدَ بالغموضِ في غرفة التوقيفِ ، وعقاربُ السَّاعةِ سياطٌ تهوي على أطلال أهزوجةِ الأغرابِ. عيونٌ متتابعةٌ كأنها قافلةٌ ، يستقر بها المقامُ على أبوابِ صوامع الحبوبِ من أجل خُبزِ الشَّعيرِ .

سأسندُ رأسي على ساريةٍ في الجامعِ ، وَأُحَدِّقُ في الفضاءِ، وأبكي حتى أتلاشى في مصابيح الثريا في السقفِ. أتداخلُ مع أكفاني . وقَنْدهارُ تُكَفِّنني برموش ذكرياتها . لأني أَعشقكِ يا قرطبةَ دمائي ، أطلبُ منك أن ترحلي عن مدائنِ نزيفي ، وعينيَّ السائرتين على خَدَّيْكِ .

تسطعُ الرِّيحُ في آخر أيامِ حياتها آخرَ سُطوعٍ . يقطرُ البارودُ ضوءاً جسراً ينمو على الأشلاءِ القديمةِ. وشمٌ آيلٌ للذوبان في يد الوباءِ. شموعُ الظهيرةِ تُبَخِّرُ دماءَ السناجبِ المنبوذةِ .

دَخَلْنا وحشودُ الغربانِ تتفرقُ في قصةٍ لم تقرأها أُمُّ الجدار لابنها قبيل اندلاع النعاسِ أو الحربِ الأهلية . ارتعشتُ ازددتُ ثقةً بجرحي ، فقدتُ مخزونَ عَرَقٍ من حِبالٍ تُقَيِّد نظراتي. أَوْقَفُونِي أمام منصةِ القضاةِ. كانت أدغالاً من الانفعالات المكبوتة خاليةً من سكانها الدُّمى . إنها لحظات أنتظرُ فيها قدومَ قَتَلَتِي الأنيقين .

لا عائلة لي ، حيثُ وَجَدْتُني في بئرٍ ملفوفاً بقطعة قماشِ بالكاد تغطِّي عَوْرتي . وحينما صَعَدْتُ رأيتُ أبي وأمي مصلوبَيْن على ذرات الهيدروجين . وأخبرني البرقُ أن هناكَ ضفدعةً تضع خطةً لانقلابٍ عسكري .

الزنازينُ الإلكترونية ، حيث يتم تعذيب السجناءِ بحقنهم بفيروسات الكمبيوتر ، وقتلهم بواسطة البريد الإلكتروني . مزهريةٌ الأطيافُ الآسرةُ ، والعوسجُ يغدرُ بي . كأنني زعفرانُ العذاباتِ، والهديلُ ينبثقُ من أزيزِ الطائراتِ. أمسى حاضري يُلغيني ، لكني سأنزلُ إلى قاع شبكيةِ عيني أستأصلُ خيوطَ الصهيلِ في اندماج الأهازيجِ مع خشبِ طاولات المنافي . إنها الملاجئُ، فهل النسيانُ في دمائي لأتأكدَ أنه لن يسيلَ على زجاج نظارتي غير الطبية وأنا في عيادة طبيب الأسنان أُرَتِّبُ انقلاباً عسكرياً في البحيرات ؟ . أَفْرِجوا عن سريري في المستشفى ولو لساعةٍ . أشتهي النظرَ إلى نظارتي وهي تتكسرُ على رتب عساكر الانطفاء ، رافضةً كل أجزاء الصولجان التي تُكنِّسني وتصعقني بأوديةِ الحنين إلى صهر الرصاصةِ الهمجية التي اخترقت أظافرَ تحتوي على شِعابِ الجبالِ، ومواقعِ المنازَلات بين طفلةٍ بوسنيةٍ والتنين . والارتعاشةُ منديلٌ لِعَرَقِ السعالِ . زِندي _ المنشقُّ عن حكومةِ فؤادي _ معملُ صَكِّ العُملةِ التي تحملُ صورةَ الرئيسِ المخلوعِ .

كالعاصفةِ حينما ترى لهباً ركيكاً تخلعه وتطفئه، أَمَّا إنْ رَأَتْهُ متماسكاً فلا تملكُ إلا أن تزيدَه توهجاً وثورةً. إنني البراعمُ المحترقةُ لكي أُشرِقَ في زنبقاتِ الإعصارِ . نَزْفي المعلَّبُ أشتالُ مساء. مستودعُ الموتى على أراجيح رِمْشي . طابورُ العذارى أمام نافذة احتضار عرسِ الجراحاتِ . استدارةُ قرصِ الفلافلِ في أضلاع الحزانى يمدُّ عنقَه وشماً لتذكرِ الرعشةِ. ولم تَسْلم جثثُ الخادماتِ في برلين من التحرشِ الجنسي . وزوجاتُ أصحابِ مصانعِ السيارات يُنفقن على وجوههن المنكسرةِ آلافَ مساحيق التجميلِ التي تكفي لغسل مذابح اغتصاب الكاثوليكياتِ في رواندا . يبدو أنني الوحيدُ الذي يتذكر مأساةَ أنوثة الشجرات في هذا المدى الهاجسِ الياقوتي المزيَّفِ النازفِ شظايا العابرِ صرخاتٍ المتوقفِ تابوتاً النائمِ حَربةً على عُنقِ حَجَرٍ صاعدٍ من بُلعومِ ليمونةٍ ذبيحةٍ في أقاصي الغابة المخفية بين تفاصيل مَرضي .

أيها العالَمُ الذي يعدو في مضمارِ حُقَنِ الجراثيمِ ، إنكم بعوضةُ الصرخةِ ، شكلٌ جديدٌ بدون شكلٍ على خرائطَ منقوعةٍ في حوضِ سمكٍ ملوَّث. لم تستفيدوا من الإدريسيِّ في بناء الخرائطِ، لأن مدافعَكم خرائطُكم، وهاجسَكم أغشيةُ بكارةٍ متآكلةٌ جاءت من العابرات في أزقة الطاعون الضيقةِ ، حيث تُقيم سلالُ القمامةِ نظاماً ديمقراطياً لا ينقصه إلا شعبٌ تافهٌ ، ونجماتُ سينما متنقلات بين المراحيضِ وشاشاتِ الفضائياتِ .

مراوحُ تستنشقُ قطعَ الحزنِ في السُّقوفِ ، وتغطي إغفاءةَ الجريحات على الرُّفوفِ. تسكنُ المراهِقاتُ في الذكرياتِ ، وتمتطي المزروعاتُ قلادةَ الأمطارِ . وفي الشتاءِ ضَيَّعْنا جُرْحَنا الأولَ، فَقَتَلْنَا حُبَّنا الأول، ثم شَيَّدنا قبرَنا الأول. لكننا لن نستسلم وسنقاتِل. إنها أوصالي زهرةُ الجوعِ في حفر المجاري. قد يرميني العسكرُ قمصاناً على حافة برميل البارود، فيأتي عمال النظافةِ النشيطون ، وَيُكَنِّسونني دون انتباه . إنهم يحددون سعرَ رُفاتي وفق سعر برميل النفط الخامِ .

لي رياضياتٌ صاعدة من أعواد المشانق من ممتلكاتي الشخصية ليس فيها الخوارزمي أو فيثاغورس. رياضياتٌ تنبعُ أرقامُها من كرياتِ دمي السجينة والمرقَّمة تصاعدياً. لي فيزياء خارجةٌ عن تفكير الحسن بن الهيثم ونيوتن ، حساباتُها تنبعُ من عدد مراتِ بيعي في سوقِ الخضراواتِ . إن منطقية إجابات الأسئلةِ تصطدم باللامنطق في طعناتي القادمة من الإلكترونات في ذَرَّةٍ تُمَثِّلُ دورَ قاتِلٍ مأجورٍ في فيلم يتضمن حوارات مع المشاركين في حفلةِ تنصيبي مَلِكاً على السجناءِ المشنوقين. مَن سيطفو أولاً على طاولةِ النهرِ: بقع النفط البشرية أم كستناءُ الظل الأسير ؟. مَن سيتذكر حطامَ النسيانِ في هذا الأفقِ الاحتفالي ؟ . ضلوعي فتحاتُ التهويةِ في الملاجئ والمنفى المتأرجحِ بين العيون المتوحشةِ والمسدَّساتِ .

كُنَّا للمجاعةِ وقودَ نظراتٍ عابرةٍ ، إلا أننا صِرْنا نظراتٍ عابرةً يومَ خَسِرْنا أعشاشَ الديناميت المستوطنة في أسوارِنا . وهجمت أوردتي عليَّ تُمزِّقني، وتُفجِّرني حتى أتخذَ من براعم النباتات مرايا تعكسني وتستغلني . أمدُّ يدَ العون للدماءِ المتجمدة على أحجار البساتين. وجُنَّ عشبٌ مغرورٌ.

للبراري إصرارُ الريح في الذكرياتِ، وجنونُ الغبارِ في الأمنياتِ. يا ليلاً مَرَّ على كل الحواجز الأمنية دون أن يُصاب بطلقةٍ أو مَوْجةٍ ، كيف اخترقتَ حاجِبَي الهدوءِ ومررتَ عندما توقفتَ عندي في القرى المطمورة تحت أحداقي ؟. للنورس عصفورٌ يرصدُه ، للأسى جانبٌ من البحر والفرح . هذه القنابلُ أعضاء خرساء في محكمةِ الهلعِ . هل ستنصبُ خيامُ النُّمورِ إغراءَ عود المشنقة في سُعالي أم في الناحية الأخرى من قفصي الصدري ؟ .

مكانٌ للزمن الذاهبِ. اجتمع الحطابون مبكراً في إشراقات السنابل المنحنية على بقايايَ . أعودُ إلى حبيبتي الرياح هذا المساءَ الذي يعطسُ فينتشلني من أخشابِ سُباتي. بقايا الحب في رُفاتي. زمنٌ للمكان الهاربِ في تقاطعات أوعيتي الدموية. لم أكترث بنزيفي الهادر فوق روابي الخيولِ ، لأن دمَ إخوتي أكثر صفاءً من دمِ الشموسِ . إن وجهي قنديلٌ على حائطِ المعركةِ ، والحَربة عروسي .

سأرجعُ من طريقِ النَّملِ في ممالكِ المدى. لسحنتي مملكةٌ ليست للصدى. وليس لي وجهٌ آخر سوى حقلٍ يجر مقطورةَ دمعي سوى غيمٍ يستمع لأناشيدي سوى أُمٍّ وَقَّعتْ على أوراقِ استلام جُثماني .

يا عرباتٍ تسحبُ خصلاتِ شَعْري المفكَّكة كزندي الآيل للانفجار ، والذي يتجمع حوله خبراء المتفجراتِ . أجهزةُ اللاسلكي تعملُ بكفاءةٍ . قلبي المفتوحُ للأطفال الذين عُلِّقُوا على كُراسةِ الجريمة في بغداد، هو الآخر يعمل بكفاءة . أدواتُ قتلنا تشتغل طوال اليوم. ألم تتعب السيوفُ من مُلاحقتنا في أبراج عصيرِ الدمِ وحدائقِ الجماجم ؟. مَن يستسلمُ أولاً جسدي الشامخ على المنارات، أم سوط الجلاد النازل على العظمات ؟.

تقطفُ المقاصلُ الرومانسيةُ برتقالاً لا هويةَ له سوايَ . البرتقالُ واجهةُ الرمال عند لحظة الاندثار . وكانت البراعمُ تصطاد عيونَ التماسيح في مياهٍ ملوَّثةٍ بالأجساد المتحلِّلة. يا وجوهَ الغُزاةِ المتكلِّسة فوق أحجار الشفاه اللاهثةِ في الاستجداءِ. يا حروفَ المرعى المتحجرةَ فوق أشعة الزَّيْزفون الخشبيةِ . لمن صوتُ البراري الغارقة في نشوةِ الغسقِ ؟.

العصافيرُ تتجمدُ في صقيع زفيري . وُلِدُوا وفي أفواههم ملاعقُ من ذهبٍ ، وَوُلِدْتُ وَعُودُ المشنقة في استقبالي فَرِحاً بقدومي . احتفالاتُ استنزافي تتخلَّلها إعلاناتٌ لصلصة الطماطم الكلسيةِ .

ما أبطأَ الأحصنةَ العجوزةَ المتجمعة في الشفاه القرمزية والمياهِ الجوفية والتفرقةِ العنصرية !. أيها الوهمُ، كم عددُ ضحاياكَ ؟. أَفْصِحْ عن جنونكَ كي أراكَ. وكان دمي على رأسي طُعماً لطيور البحر رغماً عني. أُجَرِّدُ ظِلِّي من اسمه لئلا تتعرفَ على وجه الحمَامةِ ألقابُ الوشقِ. وكان جُرحي أجمل ما يكون في معركةِ الهديل . الموزُ المقاتِلُ في أُفقي، والشعيرُ المتمرد على بيادرِ الديناميتِ. مَن يذكرُ الراعي المقتولَ مع خِرافه في نزاع زعماءِ القبائلِ ؟ . أنا والسدودُ ضَحِيَّتا النزاع بين عائلات القرميد المتحارِبة .

الجروحُ الذهبيةُ تحت إضاءةِ دمعاتٍ ليستْ من الزِّنك . أُهزوجةٌ على فَرَسِ الثورةِ. الدُّخَّانُ المهرَّبُ، والبلدةُ المهرَّبة في علب صياح الورودِ. هيجانُ جرثومة يتكئُ على قشرةِ موزٍ. أُعطي للفَرَاشِ مدى سُعالي، فيرتكزُ المطرُ على عصاي . ضفدعةٌ تَستعملُ مُزيلَ العَرَقِ أمام ضيفاتها الصاعداتِ إلى برقوقِ الصَّلْبِ. ساعاتُ الانتظار قرب حواجبِ زوجات القادةِ المهزومين . البارونةُ تُكْمِلُ رقصتَها . نزيفُ شعوبٍ أخضرُ كالقيح الملوَّن في أعصابِ غريباتٍ ينتظرنَ آباءَهُنَّ لكي يأتوا من حُلْمِ الهوس المفقودِ بعد الإعصار في زلازل رئاتِ القنال الإنجليزي .

وفي أواخر الصيفِ المجروحِ ضَيَّعْتُ حُبِّي الأولَ ، وتزوجتُ انكساري ، فَوُلِدْتُ في التحدي الماحي . خِزَاناتُ العاصفةِ في الغضبِ . أنابيبُ جراحاتٍ في الخشبِ . رعشاتٌ تعتقلُ رقمَ هاتفِ الحطبِ . زوجاتُ المساجين يُلقى بهنَّ في صناديقِ العفنِ . أَربطُ طيفي بحبالٍ من روائحِ الفضةِ لئلا يقفزَ على خصرِ دجاجةٍ استعارتْ ممحاةً من تلميذةٍ جاهزةٍ للوأدِ. رنينُ الجرح في الخريفِ القريبِ. طَوَّقت الخلجانُ الحديديةُ لمعانَ عيونِ البومِ، فلم يتدخل القمرُ في شؤون الإسطبلاتِ. سحبتُ كاملَ رصيدي من الأنين .