سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

11‏/07‏/2011

عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 9 _ 9 )

عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 9 _ 9 )
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

حليمةُ ، حتى ولو زرع الحقلَ غَيْري فسأعود مع توابيت الفطر غير السام. دفنتُ حبي الأولَ في أقرب مجرة . وفي ناحية من عروق البراري المطرودة حيث يخسر امرؤُ القيس ابنةَ عمه، جلست الأدغالُ تحتسي ضوءَ عَرَق النجمات . عرباتُ باعة الخضار تدور في رئة خاتِمي. تزأر المراعي في وجه الغزاة . يُخَيَّل إليَّ أن ابنةَ عمي ستُخيط أكفاني ، وأن أُمِّي سَتَكُفُّ _ عند مماتي _ عن البحث عن زوجة المستقبل ، وأبي سوف يخنق الملحَ في دمعاته أمام رجال القبيلة .

حياتي نُطْفَةٌ مُتشكِّلة في رَحِم الطوفان . بَشَرٌ لا يعرفون من الحياة سوى ممارسةِ الجنس . جروحي التي تعتبرني خائناً ، سأترك رأسي الدائرةَ على رماح شوارع الموز في أوجاعي تدافع عني . تُكَذِّبينني وتُصدقين بائعاتِ الهوى في حجرات محاكم التفتيش . لا يُفَرِّقون بين النساء والدمى في مسرح العرائس. وفي ذكرى مجيئي إلى هذه الأرض الدمارِ تحتفل القواربُ بوفاتي .

عباءةُ أبي مَرْمِيَّةٌ على الحصير . بكاءٌ غريبٌ في منزلنا يستأصلني . نظراتٌ مُتعَبة عابرة . ولا زلتُ أذكر طريقةَ القمر الخصوصية في تقشير خجل البرتقال . شِبْهُ جزيرة وجعي . تغفو سيوفُ الفرح في تعرجات وجه إبرةٍ عجوزٍ . شَريعةُ المسدَّس الخشبي. ضَيَّعْنا ميراثَ آبائنا وَوَرِثْنا لونَ حِبْر المذبحة، ولم نتعلم لغةَ التراب. رضيعان يخططان لانقلاب عسكري في كريات سُعالي .

فمي لقاءُ الشمال بالجنوب. وجوهٌ ميتة ينهشها خوخُ الطرقات اللانهائية. أفتح شرياني لتشرب منه أرضي، وأَبسطُ جسمي لتأكله أشجارُ بلادي . ما كنتُ أظن أن جسدَ النعنع النحيل سيقف في وجه السلاطين وحِرابهم . تتشقق أوصالُ العَتمة فيسيل ضوءٌ شمسيٌّ عَابِرٌ. أنزع السِّهامَ من صدر العاصفة الذي يعج بضياء البارود. هي الموقعة الشهيرة بين انحناء ظهر جَدِّي وبين الغضب البحري في الذكريات . يا حُلْماً مَرَّ على طاعون الأعشاب ، وما زال يبتسم للكاميرا عند إطارات قارب الشوك المحترِقة .

ثائرةٌ حُفَرُ الوداع على صمت الجياع . عطشي خاتِمُ خطوبة في رقبة مغارة تَمُرُّ عاليةً كالعائدين من المجد الذاهبين إلى المجد . ما أكثرَ جراحات زوجة البركان الشاعرة . للطين جوازُ سفر في شوارعنا ، والمطر يُلقي بيانَ الثورة على البراكين المتجمعة على إبهام الزوبعة . امرأةٌ واقفة على حافةِ الميناء حِنَّاءِ المرساة أبواقِ المأساة ترقب زوجَها البَحَّارَ .

أُنادي الصليلَ في جبهتكِ يا فَرَسَاً تفترش أحصنةَ العنف في خريفها الربيعي . براميلُ الورد عاصمةُ المساء الرَّعوية . والقُدْسُ تنقش اسْمَها في جبين السماء. بَيْتُنا الخالي المغلَّف كالشوكولاتة في يد قذرة .

عائداً من سراويل الحيتان المهدَّدة بالانقراض اكتشفتُ زلزالاً يشقُّني نِصْفَيْن فأنطلقُ شظايا . فلتفتح الخفافيشُ سجونها، ولتنتشر أعوادُ المشانق في أحجار السراب . جسدي يخلع جسدي ، والعواصفُ مذكراتُ الأعين المتفجرة. ذلك قبري، والبارود ذاكرتي. وما زلتُ أُقاتِل مع اليانسون. حياتي مَوْتي ، ومَوْتي حياةُ كلِّ الأدغال .

تسقط الشرايينُ اليابسة من كف الجسر الذي سارت عليه مَرْكباتُ الغُزاة . جثتي هي الضوء في آخر نفق أجنحة اليعسوب . يا بناتِ أُورشليم ، يرجع آباؤكنَّ من قتل الأنبياء، وتذهبنَ إلى نهايات الرماد ، فلتبكين على انتحار حُلْمكنَّ . والليل أنيابُه شَحْمُ السيوف المغروسة في كلام قوس قزحَ، والبكاءُ يَضْرب أوتادَ خيمته في الكوليرا القادمة. سياراتُ نقل الموتى في دروب الرَّصاص. نعنعُ وجعي لم يترك سجناً إلا دَخَلَهُ . فَجْرٌ جديد ليومٍ دمويٍّ .

امرأةٌ أَغلقتْ قلبي بالمفتاح وماتت، ولا زلتُ أبحث عن المفتاح. بورصةُ لندن لبيع النساء. ربما يتألم جارُنا ضابطُ المخابرات حين يسمع نبأ إصابتي بمرض الشاطئ، وربما يتناقشُ شاب وخطيبته في صالة الديسكو حول كتاباتي وأشكالِ مصرعي . سأنزع قبري من عيون شعبي ، وأموتُ _ كما البحر _ شريداً .

مُهاجِرٌ أبديٌّ أنا، وقوةُ العشبِ تكمن في حُزنه الثائر. يَرِثُني صليلُ القيود، والندى في صرختي آلامُ سُدُودٍ . والوجعُ متأرجح مثل أن يحب الفقراءُ بناتِ الأغنياء . وأنا الذي طَرَدَتْني آلامي لأنه ليس لي قبيلةٌ يتكئ عليها جرحي. امرأةٌ تفتح ثدييها للكلاب البشرية ثم تُنظِّر في حقوق المرأة .

يا أيها الوطنُ المتفجر في صُداعي ثقوباً سوداء مقبرةً لانهائية تحرث أعصابي بالغبار الشمسي، لأني أحبكَ سأبتعد عن عيون القراصنة المرة. استيقظَ سُلَّمُ المجاعات مبكراً ، ووصل متأخراً إلى حفل القتل. مللُ الطاعون من كثرة الزنابق الميتة. السُّلُّ في الرئات المشرَّدة حول مرساة الذبول . والزوابعُ تقف خلف زجاج غرفتها المقاوِم للرصاص . حركةُ السيف ستُخَلِّص لمعانَه من الكآبة .

وَاصِلْنَ المطالبةَ بدمي يا مُسْلِماتِ بُطْرُسْبُرْغَ . يحتاج الشتاءُ إلى امرأته كي يبكيَ في حضنها في الليالي القتيلات. صِرْنا تجاراً محترفين في بيع أوطاننا. الفرنجةُ ذئبٌ أحولُ يمشي على عكازتين في سنواتِ اللهيبِ . صليبيةٌ تلعب التنسَ الأرضي في حموضة حليب الضائعات . إناثٌ جَرَّبْنَ كَلَّ شيء ، وبقيَ أن يمضغنَ حبلَ مشنقة دمعاتي عند مماتي .

لا تُحِبِّيني يا فراشةَ الرُّكام، ابحثي عن رجل أعمال يُفطِر في موناكو ويتغدى في برلين، وعنده مشاعر كثيرة مثل الدولارات . وحين يفقد الصخرُ قدراته العقلية، ربما ينقله جارُه إلى المصحة العقلية بالسيارة القديمة .

بلدٌ تَفَجَّرَ في حُلْمِهِ. ليلٌ تَبَخَّرَ في غَيْمه . ثقوبٌ لا معنى لها في الصوف الصخري وهو يَفْصل بين أقنعة الصواعق داخل الخِيَامِ. جدليةُ الظل المتآكل على موائد النساءِ . امرأة تُباعُ في أسواقِ صمتها. والليالي تقص شريطَ عمرها، وتقضُّ مضجعَها في الإسطبلاتِ . زمانٌ احتضن مكانَه ومات بعيداً عن أحاسيس حفار القبور العجوز الذي يطمحُ لزيادة راتبه الشهري كي يُدخِلَ ابنته الجامعة.

العيشُ في قلوب شعبكَ ، دون أن تشتريَ أصواتهم الانتخابية بما وَرِثْتَهُ عن أبيكَ . كيمياء خاصة من الأزهار تتلاشى فتبكي عليها الأمطارُ الأُرجوانية، هناك حيثُ ضَيَّعَ امرؤ القيسِ عُمُرَه على أطلال جسد ابنة عَمِّه . أصفادٌ من شَعْرِ السَّبايا في العتمة المنقبِضةِ على سطوح دبابات الجيش العبثي. امرأة مُهذَّبةٌ تتناول فُطورَ الصباح مع زوجها ، تسمع نبأَ دس السم لي في زنزانتي فتُغيِّرُ الإذاعةَ. كُلَّ يومٍ ، يذهبُ مثلثُ برمودا إلى خِزانة ملابس زوجته الميتةِ، ويشم خيوطَ القماشِ. يشم أوراقَه المخضَّبة بعطرها، ثم يستسلم للبكاءِ الحارقِ. خطأ بشري تَرتَّب عليه وضعُ رغوة دمي بدلاً من رغوة القهوة في فناجين مقهى سيدات الأعمال . تملأ البدوياتُ جرارهن بهمومِ عُشبةٍ مُطَلَّقة . أتركُ الإجابةَ لظَهْر الزوبعةِ عندما تعود من رحلة الاستجمامِ . مطرٌ آخر للحزن فوق رابيةِ حُبِّنا على أبواب المستشفيات المخصَّصةِ للأغنياء وليس لنا. أتخيلُ بحراً مريضاً نفسياً،لكنه غير خجول من مرضه لأن حقولَ القمر مريضة نفسياً . أن تنجحَ في لمس خاتِم الريح ، وتفشلَ في تجميع دولارات الدماءِ لشراء فُستان العُرسِ .

تموتُ نساءٌ ذابلات من الجوعِ ، وأخرياتٌ بسبب التُّخمة . تسويةُ أصابع أبي بقطعها من أجل تحويلها إلى أرضية تَزَلُّج في المرتفعات الجبلية . انبعاثُ انتحارٍ من مطبخ الدَّيرِ حيث الرَّاهباتُ يخدمنَ ضيوفَ القس رغماً عنهنَّ . عواصمُ تحتقرُني لأنهم لم يجدوا في ثيابي الرثة سوى عائلتي التي أُبيدت . تسليطُ أضواءِ المعتقَل إلى وجهكَ لمنعكَ من النوم . منشورٌ سريٌّ يتم تداوله في الخفاءِ خشيةَ معرفة الطابور الخامس . عندما يسرقون البحرَ من أَبوَيْه ، ويضعونه في ملجأ الأيتامِ. مرمرٌ يُصارِع وحشةَ أجزائه ، والوطنُ يقطرُ عسلاً لغيرنا. صراعٌ في موانئ الليلِ المحمَّلة بالشركات التي تشحنُ جثامينَ الثائرين إلى مدافن النفايات النووية في عظامنا .

تأتي إلى المرفأ الترابي امرأةٌ تنتظرُ ضوءَ منارةٍ أو سفينةٍ تخبرها عن زوجها البَحَّارِ الذي اختفى. علاقات عنيفةٌ في نظريات الكيمياء التي وضعها علماءُ باعوا الشمسَ من أجل الأعشاب الأجنبية . بقعة دمويةٌ تعتمرُ شعاعَ الغصونِ تحتل مساحاتٍ من لوحاتٍ فنيةٍ اشترتها الأميرةُ بأموال الشعبِ ثم ادعت أنها رَسَمَتْها . هدأةٌ ثقيلةٌ كالصخب الميت المتسرب إلى بناتِنا في المدارسِ الأجنبيةِ .

ابدأْ من حيث انتهى المطرُ ، لأن العاهرةَ لا تُولَدُ عاهرةً ، ولأن الضائعةَ لا تُولَدُ وهي ترتدي تنورةً فوق الركبتين . علاقة الأنثى بالدم أشد من علاقة الرَّجل به . مؤتمرٌ صحفي سريع يجمع القاتلَ والمقتول في صالة الباليه المفتوحة للطاعون . رَذاذُ الوخزِ على حساسيةِ جلودِ الكائناتِ البحرية المصفوفةِ على بقع الزيت المنهمرِ من ناقلات النفطِ الغارقةِ . أولاد يبيعون العلكة على الإشارات الضوئيةِ لم يسمعوا بالكافيار أو دروس تعليم الفرنسية في الرياحِ المسيَّجةِ بالحواجز الأمنية والكلابِ البوليسية .

بُقَعٌ ذات نفوذٍ في كؤوسٍ تدورُ في مجلسِ الأميرِ، وهو يسلبُ غرناطةَ خُضرَتَها. أن يطردَكَ والدُ فتاةٍ تقدمتَ لخطبتها، لأنكَ لا تملكُ غير مقصلتكَ . أكثر من هذيانٍ، يقومون بإيقاظه من جوعه، حيث يصبحُ فِراشُ الاحتضارِ جاهزاً. أنا أتلاشى بلداً احتياطياً. أعيشُ في موتي البطيء . أحترقُ في عين غزالةٍ ساكنة . أنسحبُ من حياةِ عقارب الساعة. أنا المهاجِرُ الأفقي النازفُ على الدوامِ . تزوجتُ الغابةَ لا حُبَّاً فيها، ولكن خوفاً من أن تُصاب بصدمة عصبية حينما تعلم أني تَرَكْتُها .

سادتي سيداتي ، عما قليل ستشاهدون حفلَ تقطيعي في بث حي ومباشر . نتمنى لكم وقتاً ممتعاً، ونُذكِّركم أن البرنامج برعاية حكومة المذابح الإلكترونية. المدينةُ الضائعةُ والحب الضائعُ، لكنني سأُقاتِلُ لئلا تصبحَ رقبتي مدخلاً للبارِ ذي الحصانةِ الدبلوماسية .

دهشةُ الغموضِ في حنجرة بنتٍ جاهليةٍ، أخذها أبوها كي يئدها في البيداء. أيها البلدُ المنثورُ في عُلبِ المكياج لممثلاتِ السينما الناشئاتِ في الدمار. شابةٌ عاريةٌ تتمشى مع كلبها في شارع الإمام الشَّافعي على كوكب المشتري. احتفالُ غبار المكانسِ في ذكرى تزاوج الأرصفة في المحاكم العسكرية. الإنسانُ حقلُ أمراض ، ولكن الأطباء عجزوا عن تشخيصها، وسوف يُشفَى منها عندما يموت. الشجرُ المختون كلما ناقشَ الكستناءَ الجامعية خَسِرَها . بنكرياسُ الصقيع يُطَوِّق العرائسَ المجبرات على الانتحارِ . إن كانت الحِراب لا تنمو إلا على نسرينِ وريدي فيا خُلْجانُ ضُمِّيني . كلما سَكِرَ الجنرالُ أكثر حصل على أوسمة أكثر . دارت أقداحُ القتلِ حَوْلي ، وكُلُّ لقمة طعامٍ أطلبها بقطعة من لحمي .

أن تبكيَ فلا تجد أحداً يمسحُ دموعَكَ إلا المطرَ . تبكي التماسيحُ بسبب بكاء النباتات تحت أظافر البئر . الجسد متكررٌ والمشنقة واحدة . إعداماتُ التراب النقي تُلمِّع مساميرَ نعشِ الكوليرا. وقَتلةُ الهنود الحمر يناقشون حقوقَ الإنسان . والخيولُ تمشي على الأسلاك الشائكة على سور المعتقَل. عرباتُ القش تسير على جبين المطر. تدخل قرى الغروب إلى عمودي الفقري مباشرةً . تجاعيدُ مبتلةٌ بالزعتر على خاصرة البرية . مصابيحي إمبراطوريات الفَرَاش الميت وهو يعتني بالموتى الذين لا يجدون موتى يعتنون بقمح الجراحات .

عندما كُنَّا صغاراً ظَنَنَّا أننا أصغر من المقصلةِ ، وحين كَبُرْنا عَرَفْنا أنَّ المقصلةَ أصغرُ منا. أَدخلُ إلى السجنِ فلا أجد من يستقبلني ، وأخرجُ منه فلا أجد من يستقبلني. يعانقني الشَّارعُ مختوماً بوهج الشمسِ . أستقل سيارةَ التاكسي إلى الغابةِ ، فأحفرُ هناك أجندةً للكستناءِ تخبِّئني من رعشاتي. جِلدي المشقَّقُ يمتطي دراجةً هوائيةً ويسيرُ أمامي يكشفُ لي الطريقَ. أَصِلُ كوخي في دماغ بُلبلٍ. أُزيحُ عن الأثاثِ المتواضعِ الأغطية البيضاءَ. أَغْسلها وأُطَيِّبُها لتصيرَ لي كفناً مستقبلياً. لكنَّ دمي أثاثُ مدافنِ الشموع المترنحة . أمتزجُ بنشوةِ البرقِ المتصاعدة . أن تقرأ الشركسياتُ أعمالي الأدبية بعد اغتيالي . ليس بمقدور الضوءِ أن يُقَدِّمَ عصا إلكترونية للفراشة العمياء كي تعبر إشارةَ المرور. وليس بمقدور الذبابة العرجاء أن تشتريَ رِجْلاً صناعية تشارك بها في حفلات القصرِ.

محارِبٌ إسباني نجا من الحرب الأهلية ، وذهب يعيش في المقاهي يتحدث عن الحب والحرب . كنغرٌ أضاعَ خارطةَ قبرِ جَدَّته . تنهض الأمواجُ من الأحكام العُرفية لتقولَ للشجيرات حكاية ما قبل نوم الظلال . إعدامٌ النعاسُ البلاستيكي في أذهان القوارب المحمَّلة بالتبغ المهرَّب . أطمحُ أن يأتيَ يومٌ أكون فيه إنساناً عادياً لا مقتولاً مشهوراً . حشائشُ تَصْعد أصعدُ والزئبقُ يَصْعد على كوليرا العُراة . والبابونج لم يعد يذكر راياتِ الغُزاة .

أنسى آبارَ السُّلِّ كي أتذكرَ غيمةً أنكرتْ معرفتي. لستُ أعرضُ أعضائي التناسلية في سوقِ النخاسة ، وإنما أعرضُ دمي السائل على الصلبان البلاستيكية في لوحات شِعْرِي. شيء جميلٌ أن تتمشى دون حرسٍ شخصي، ولكن الأجملَ أن يكون روحُكَ حرسَكَ الشخصيَّ .

رُبَّ بنتٍ أَنْقَذْتَها من الضياع، وما علمتَ أن عشقَها سَيُضَيِّعُكَ . ورُبَّ نعجةٍ أَنْقَذْتَها من الجليد ، وما عرفتَ أن حليبها مُسَمَّمٌ وسيقتلكَ. في رئتي غربةُ السَّنابل وجاءت غربتي عند المغيب. الطريق إلى مملكة جرحي مغلقةٌ فليتوقف الموزُ عن التحرش بمجرى تنفسي . الْتَمِسِي لصراخي عُذْراً لأن جثتي في حفر المجاري تلعبُ عليها الجرذانُ الشطرنجَ وكرةَ المضرب. دربٌ بئرٌ كمثرى . والليل ما زال يبكي . صمودُ الخشب رغم إصابته بالملاريا .

احتضارُ يوميات بنات أورشليم وهنَّ خاضعات لآبائهن الذين قتلوا الأنبياء . نتعلم الأحرفَ الهجائية من أنهار الغروب، وتشربُ الصقورُ في بنطالِ الشَّلال عصيرَ العنبِ مع الشجر العائد من المجازر . أنا شجرةٌ على الطريق لا الطريق . أنا عصفورٌ على الأسلاك الشائكة لا المعتقَل .

فصلُ عينيَّ عن مَحْجَرَيْهما وقلبي عن قفصي الصدري ، بحيث تصبح أعضائي مُقطَّعةً على الصفيحِ تتمتعُ بالاستقلال كامل السيادة . أن لا تملكَ عائلتي ثمنَ علب اللحمة المخصَّصة لكلاب الوزير . اختيارُ المرأة في حكومة الشواذ جنسياً وفق حجم صدرها ونوعية أحمر الشفاه وملابسها الشفافة . إقامةُ مسابح في قصور الخليفة بينما الشعب لا يجد ماءً للشربِ . أن تُباع المرأة لمن يدفع أكثر. ضياعُ أوقات في أهازيج الضحك المنبعث من مدينتي التي دَمَّرَتْها الصواريخُ . هُوَ الميِّتُ الذي سُلخ لحمُه عن ضوئه ، وسُكبت المجاعاتُ فيه. ولم ينبس ببنت شفة خوفاً من إزعاج ملوك العصور الوسطى في حفلة الرقص القشعريرة. بدلاً مِن أن يلعبَ الأعرابُ القمارَ في موناكو ، فإنهم يلعبونه في عاصمة البدو الرُّحَّل. وبدلاً من أن يشربوا النبيذ الآسيوي فإنهم يشربون النبيذ الفرنسي القادم من عنب الجزائر. رَقَصْنَا بما فيه الكفاية في إشبيلية وجاء موعدُ طَرْدِنا، وقتلنا الْحُبَّ بكل ما فيه من ثورة وحان موعدُ إعدامِنا ، لكننا سَنُحَرِّرُ أندلسنا .

وأنا في السجن أُواسي الدموعَ النازفة من ثقوب الحيطان ، جاءني أمرٌ عسكريٌّ من عُش نسر سَكَنتْ فيه طواويسُ غريبة . قال لي العشُّ بعد أن تَوزَّعَ في خيالي كالصفيح : (( صدر عَفْوٌ عنكَ بمناسبة احتفالات البلاد الجليدية بهزيمة جيشها في المعركة ! )) . البريقُ يضع على جانبه مُسدَّساً خالياً من الرصاص لكنه لا يعرف استخدامَه . أَدْرسُ مع سَجَّاني إسهاماتِ راقصات الباليه في النظرية النسبية .

خرجتُ من السجن أجرُّ أذيالَ الصحاري . ضَيَّعْتَني يا نهرَ الجماجم الرشيقة ، دَمَّرْتَني بكل هدوء. جسدي العَراءُ المر ، والريح تنخرني . لا أملكُ سوى ثيابي المهشَّمة . لا بيتٌ ولا قبيلةٌ ولا وطنٌ ولا أحدٌ يستقبلني خارج السجن. وكان الجوعُ يُطوِّقني بذراعَيْه . والقرميدُ أعنف مراحل اكتئاب المداخن .

مشيتُ ومشى الخريفُ الصيفي في أشجاري السائرات على غصنٍ تفشَّى في الكوليرا . مُدُني تركض في كُمَّثرى غامضة كحليب الطباشيرِ . جيوبي ملأى بالإسطبلات وخالية من النقود. خطبتُ الأزقةَ وملاحمَ الفقراء. الأنبياء رَعَوا الغنمَ ، ورعوا القلوبَ في كوكبنا . سلامٌ على أجسادهم النقية خارج نفوذ التراب.

أغنامي مريضةٌ بالوهم، وقَرْنيتي موضوعة على رأس رُمحٍ في متحف زئبقي. فقراتُ عمودي الفقري تدور كالرَّحى في أراضي الإقطاعيين . سرتُ وسارت الجوافةُ في رقصة البارود على خلخال أنثى الصقر في مشاوير مُتعَبة. صابونُ الليلِ في أرحام المقاصلِ.

جسدٌ ، فينمو الصدى في مقابرنا الممتدة من مضيق بنما حتى سور الصين. إن ظَهْرَ الساحل حزين. حَيَاءُ الفتياتِ في ليلة الدُّخلةِ، وحياءُ البُحور حين يسبحُ فيها المصلوبون العُراة. الوجعُ طيفُكَ العُشبيُّ آخرُ الخيامِ آخرُ مولودٍ أَنْجَبَتْه الصحاري البلوريةُ . غدي يضع في أُصبع الغروب خاتِماً . بَسمةٌ حادةٌ على النِّصالِ الرمادية . للمدخنةِ أشجارُ دمائنا . لماذا مررتَ أيها القمرُ المحتضر في شارعنا ولم تُلقِ التحية على أصدقائكَ القدامى ؟ . جِسمي رحيلُ البرقوق الأسير إلى خيالِ الدودِ . أنا مُعرَّضٌ لأن يطردني إلهي في أي وقتٍ .

خَوْخي العَراءُ المالح في انطفاءاتِ الينابيع. بدأتُ أشجاراً، هل يتمزق بطنُ الصَّقر على مرايا السيارات في البيداء ؟. والليلُ قلوبُ الرمل. بَيْننا أشواق المطر. أيقتلني العسسُ في ذلك المساء الغامض مثل يمامة أَنشأتْ أرجوحةً على ظهيرة كُمَّثرى ؟. ذهبَ ريشُ الأوقاتِ مع أُمِّه إلى سوقِ بَيْعي. هل أبكي أم أترك ديدانَ الحقل تَبْكيني ؟ . لعقارب الساعة جِلْدُ المنطاد الذي يحملُ حقيبتي المشلولة .

خرجتُ من لحمي جائعاً. عَطشي يحملني إلى عطشٍ. جيوبي خاليةٌ إلا من الرصاصِ. فَتَّشْتُ عن نقودٍ زال لمعانُها في الأيدي المتسخة . ذهبتُ إلى المسجد المضيء. صليتُ العِشاء. قلتُ للناسِ عقب الصلاة : (( إنني محتاجٌ إلى مال لأشتريَ طعاماً )) . جلستُ على باب الجامع.كانت كواكبُ السماءِ تدورُ في أفلاكها. وكنتُ أدورُ في دمي بحثاً عن كسرة خُبز . والناس يخرجون بعد الصلاةِ ، يتصدقون عليَّ بسخاءٍ منقطع النظيرِ. وبينما كنتُ أعد النقودَ مَرَّت سيارةُ مرسيدس . توقفتْ على مقربةٍ مني. نزلتْ منها سيدةٌ مُحَجَّبة. مشت إليَّ برفقٍ. فتحتْ حقيبتها وأخرجتْ ورقةً من فئة العشرةِ دولارات. قال لها زوجُها المتسمِّر خلف المقودِ والزجاج غير المفتوح تماماً : (( إنه لا يعرف الدولارات . أعطيه بالعملة المحلية )) . نَفَّذتْ ما قاله بدقة ثم ذَهبتْ .

جمعتُ النقودَ واشتريتُ بها عَشاءً . سِرْتُ والظلامُ يلبسني. اتخذتُ ركناً في زقاقٍ بعيداً عن سلال القُمامة والقطط التي تعبث بها. استلقيتُ على ظَهْري. نَزلتْ من ذاكرتي دموعٌ لا أعرفُ سببها. لم أُلاحِظ سوى نعاسي وزهرتَيْن تبكيان الموتى ، ثم ذهبتُ في النومِ كيمامةٍ التقتْ برفيقِ دربها الذي كان مفقوداً .

إلقاءُ النظرات على الشخوص المتحركة بين الأنقاض يبعث فيَّ إحساساً مزدحماً بالسناجب الأسيرة ، والتي تقف على الأغصان وفي عيونها أسئلةُ الدهشة وارتباك المجهول. إن ألماً شديداً سُيصيبكَ لو كنتَ إنساناً حقيقياً. قد أكون الآن الراوي ، وبعد قليلٍ راعي غنم. أنا السَّجينُ في أعشاشِ الرعود . كاتبُ الأغنياتِ تحت شمس إسطنبول . النَّجارُ في مكاتبِ البحور . الموظفُ في مؤسسة الفراشاتِ . الأستاذُ في جامعة لحمي . بائعُ العصير في محطات القطارات الساكنة جراءَ الإضرابات . الوزيرُ في حكومة العواصفِ . الفيلسوفُ في زمن الوجبات السريعة .

ربما تجدني فلاحاً أو عامل نظافة أو إنساناً عادياً يجمع الجرائد المرمية في الطرقات لأنها تحوي أسماءً مقدَّسة . قد نتقابل يوماً ما في عيادة الطبيب النفسي ، لكنني لستُ مجنوناً . إن حقولَ القطن استوطنتْ في أوردتي ، لذلك أَمُرُّ بين الفينة والأخرى على دمي، أستطلع آخر أخباره، أستمع إلى مغامراته في السراديب المقتولةِ .

في أحيان كثيرة أشعر أن الكلام يصنعني ولا أصنعه . متى أتدخل ومتى أنسحبُ ؟ . عندما أرى الغُزاةَ يتقاسمون المهام الأمنية لمنع الشغب في جنازتي، هل أتدخلُ عندها أم أترك للآخرين إبداء الرأي نيابةً عني ؟ .

كلامي مبنيٌّ على عظام قفصي الصدري. إنني أقومُ بعملٍ آخر تمتزجُ فيه دقاتُ قلبي بدقات السَّاعةِ في الحقول الشَّاسعة والدماء الشَّاسعة . رجفةُ العشقِ الأولى والميتةُ الأولى . وهذه الكلماتُ ما زالت عصيةً على التصنيف ، وما زلتُ رافضاً أن أصيرَ آلةَ تكاثر .

لستُ أسردُ أحداثاً داميةً ثم أعود إلى بيتي، وأجلسُ على الأريكة المنتفخة أشاهدُ مباراة كرة قدم وأمامي صحن البسكويت المحشي بالشوكولاتة وعُلبةُ مشروباتٍ غازية. أؤكد لك أنني لا أفعلُ ذلك. أرجوك صَدِّقْ أنني وحيدٌ ، لأنكَ إن لم تُصَدِّقْني تَقْتُلْني.

أعيش حياتي مَيِّتاً راكعاً أمام الذي لا يموتُ ، لا لأكتب إهداءً لمراهِقة على أحد كُتُبي . وددتُ لو أتحدثُ الآن مع شخوص المطر ، أستطلعُ آراءهم حول مشاكل الفراشات المنبوذة العاطلة عن العمل. أضع نقطةً أخيرةً أُنهي الفقرةَ الأخيرة والفصلَ الأخير والدمَ الأخير، ولكن الدمَ متجددٌ .

أين أنا وأين أنتَ ؟. أخشى أن أُنهيَ الرِّوايةَ فتصعدُ الشخوصُ منها، وتغتالني بأن تطلقَ عليَّ حضورَها الطاغي. كأنني أتخيلُ نفسي وُلدتُ قبل قرون، وبقيَ مني الآنَ شبحي الذي يطوفُ في المدائن . أُوقظُ هَيْكلي وأَغْسِلُه .

إن حروفَ أنيني بعدد حروف أبجديةِ النوارسِ . ولا تزالُ أمي تُفتِّشُ لي عن عروسٍ، لكنني غير موجود في عالمكم . أحيا في كلامي ، ولستُ مستعداً أن أحب زوجةً أكثر من كلماتي . إنني كلمةٌ وجسد . وقد مات الجسدُ وبقيت الكلمةُ . مليون وباء يَنْخرني ، ويتركني هيكلاً قاعاً صَفْصَفاً . أرجوكَ صَدِّقْ أن لي كلماتٍ ، فإن لم تُصَدِّقْني تَقْتُلْني . ولكنني سأُقاتِل .