اغتيال العصفور تحت نجمات الدمع / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.................
الذي وَضَعَ أغاني أدغالِ الدَّم عَلى سَرْجِ
حِصانٍ / هو النِّسْيانُ الأخضرُ / أيُّها القلبُ الذي يَتحوَّلُ وَطناً للغُرباءِ
وعَابِري السَّبيلِ/ يَصيرُ خَيْمةً للغَجرياتِ/ وكَهْفاً للقصائدِ الممنوعةِ / يَنامُ
المطرُ على رُموشي / مَسْكونٌ أنا بالطُّوفان/ خَبِّئْني يا أَبي في أكفانكَ /
وأَنْجِبني في لُغةِ احتضاركَ / تَحتلُّ دَفاترُ الريحِ وَجَناتِ الأسيراتِ /
والمساءُ هَجَمَ عَلى جُثتي الْمُوَزَّعَةِ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطاراتِ/
يا وَطناً يَتساقطُ على طَاولاتِ القِمار/
وَدِّع العُشَّاقَ الذين يَصْنعون توابيتَ عَشيقاتهم / مِن خَشبِ طَاولاتِ المطاعم
/ وَاحْرُسْ جُمجمتي الملقاةَ على أصابعِ العاصفة / وخُذ المشرَّدين مِن حُقولِ
البَارودِ إلى سَريرِ التَّعبِ ليرتاحوا !/ لا تُسَلِّمْنِي لثرثرةِ قُضبانِ السِّجنِ
/ في جِهاتِ جَوْز الهِند / أَعِدْ لِي جُثثَ الأَرانبِ المتعفِّنةَ / كي
أَدْفِنَها في الهِضابِ الخارجةِ على قانونِ النَّخاسين /
أضاعَ الضَّبابُ فُرشاةَ أسنانه / في
بَراميلِ البَارودِ / وفي مدائنِ الصَّمتِ بُكاءٌ لَم يَرِثْ عَن أبيه إلا المِنجلَ
/ لكنَّ الصَّفْصافَ المذبوحَ في أبجديةِ قَوْسِ قُزَحَ / يُشاهدُ رَجلاً يُردِّدُ
أناشيدَه في البَرِّيةِ / تَابَعُوا خُطاهُ على القَش المطعون / وَجَّهوا رِماحَهم
ذات الرؤوسِ الفِضِّيةِ في عَيْنَيْه/ وأَطْلَقُوها / كانتْ زُجاجاتُ الدَّمْعِ
شَاهِدةً على اغتياله / فَكَسَرُوها ! /
وَلَمَّا اصْطَادَت الفِضَّةُ حَبْلَ
مِشْنقتي / قَالت له: (( عَلَيْكَ أن تنتميَ للوطنِ ))/ فقالَ وَالسنابلُ تَجْرحه
: (( أين هو الوطنُ حتى أنتميَ إليه ؟! )) / وَطَنَ النوارسِ
الذي يَضيعُ في وَرِيدي مَشانقَ ضاحكةً / ومجلاتٍ بلا عناوين / أنتَ زِنزانتي
وَحُرِّيتي وطفولتي المقتربةُ مِن جَمرِ العَطَشِ / وَالشَّجرُ يَعْملُ بَعْدَ
الظُّهْرِ طَبيبَ أسنان /
كَيْفَ أَغْرسُ صَنوبرَ الجِراح في مقابر
الجرادِ/ وَيَدَاي مُلطَّختان بأشلاءِ الفجر؟!/ اكْتَشِفْني في مَقبرةِ عائلتي/
وأنا أَدُورُ كالطَّيْرِ المذْبوحِ دَمْعاتٍ/ واكْتَشِفْ في الأناشيدِ الميْتةِ
زَوْبعةً / عِندما تنامُ البُروقُ على بُرتقالةٍ جَاهِزةٍ للرَّحيلِ / خُذْ أشعاري
لِسَقْي حَنجرةِ الصحراء/ ذِئبةٌ مُحَنَّطةٌ في عُلبةِ المِكياجِ / وَدَمِي
الباردُ على الثلجِ الساخنِ / سَأَظَلُّ غَامِضاً حَتَّى يُسْقِطَ الموتُ قِناعي /
والذِّكرياتُ مَمْلكةُ المنبوذِين /
يا كُلَّ المخبِرِين العائدين إلى أرضهم
الميْتةِ / في صَباحاتِ الخريفِ الدَّمويةِ / أُطردوني مِن جُرحي / تَجِدوني في
جِراحِ الآخرين /
عَلَّقْنا طُفولتَنا على رُموشِ العواصف / فادْفِنوا ضَحاياكم
بَعْدَ أن تُصَلُّوا عليهم / أُمَّهاتهم رَجَعْنَ إلى الصُّوَرِ الذابلةِ في
بَراويزِ البُرتقال / وَسَجدتْ حَنجرتي على سَجاجيدِ الجامعِ / تِلْكَ دموعٌ
خَضْراءُ في الغُرفِ السِّرية في الدَّيْرِ / والباستيلُ صُورةُ السُّعالِ على
الفُؤوس / ألواحُ المسْلَخِ الشَّمعيِّ / والزَّيْزفونُ القتيلُ / والتلالُ
الذهبيةُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَّالِ المناجم / والأعاصيرُ لا تَرحمُ بُكاءَ قَهوةِ
الأسرى / ما لَوْنُكِ يَا قَلعةَ الأحزان / عندما يُوقظُ شُعاعُ الشمسِ مِدْخنةَ
البَيتِ الخالي ؟ /
كَقَصَبِ السُّكَّر في الضُّحى/ كان شَاهِدُ
قَبْري / دَخلتْ نعومةُ الأمطار/ في ثيابِ حفَّارِ القُبور / رَفَضَتْني نِساءُ
المزهرياتِ / لأني لا أنامُ إلا مَعَ سَيْفي / هَزمتُ الأكاسرةَ في خَريفِ الظلالِ
/ وخَسرتُ أمامَ صُورتي في المِرآة / أصابعي بَابُونَجُ الثورة/ وَلْتَنْهَضْ
شوارعُنا تُكَنِّس أحطابَنا / المتقمِّصةَ إناثَ الكلابِ /
زَوْجتي لم تُولَدْ لكني أُحِبُّها / ولا
أَعْرفُ مَن سَيَموتُ أوَّلاً أنا أَم اكتئابي/ فيا قَمَري الجريحَ / إن الياقوتَ
يَحتسي مِشنقةَ العاشقِ الوَحيدِ / قَتَلوه / نَسَجوا من سُنبلاتِ كَبِده مِعطفاً
سميكاً / ولم يَرَوْا وِشاحَ ابنته مُمدَّداً على القناديلِ / قالبُ شوكولاتة في
يَدِها / ذَوَّبه وَهَجُ الرَّصاصِ في دَمِها / زُمردةٌ غامضةٌ في مرايا
الرَّحيلِ/ تموتُ وتسألُ عَن نجمةِ الشَّتاتِ / والغاباتُ الضَّوْئيةُ التي
وُلِدَتْ في دِمَشْق / مَاتتْ في قُرْطُبَة / شَمْسٌ تَطعنُ جَدائلَ الرِّيح /
أعلامٌ مُنكَّسةٌ في إعصارٍ / يَبْحثُ عَن عُروش دَمي/ أنا آسِفٌ لأني تألمتُ
حِينَ قَتلتموني / أنا آسِفٌ لأنَّ لُعابي لَوَّثَ مَعاطفَ الملكاتِ / وَهُنَّ
يَبْلَعْنَ الشَّمبانيا على جُثتي / أنا آسِفٌ لأنَّ رؤيةَ أكفاني عَكَّرَ مِزاجَ
الذُّبابِ / أنا آسِفٌ لأنَّ صُداعي أَزعجَ ضُيوفَ القَيْصرِ في رُفاتِ المجازرِ /
المخْبِرون جَالِسون في جَوْف بِنطالي /
بِئرٌ تراودني عَن نَفْسي/ أَهْربُ من المرايا/ واحتضاري مِرْآتي / ضريحي أحجارٌ
غَيْرُ كَريمةٍ/ تَكْسِرُ تاجَ الرُّكامِ/ يا تاريخَ الأسماكِ المتكسِّرَ / على
بَلاطِ مَعابدِ رُوما/ المعقَّمِ بالرُّؤوسِ المقْطوعةِ / ارْفُض قِناعَ السَّيافِ
/
جُمْجمتي رَايةٌ للغرباءِ / مَنْصوبةٌ في
المجموعة الشَّمْسيةِ/ أَكْمِل المِشوارَ يا وَجهي إِن انتقلتْ أعصابي / مِن
الصَّحاري إلى الثُّكناتِ العَسكريةِ / الزنابقُ المحترقةُ تَقفزُ على أكتافِ
الغيومِ / حَضاراتٌ مُتَّشحةٌ بالمبيدات الحَشريةِ / واليمامُ نَحَتَ خَرائطَ
الفحيح على أظافري / والفراشاتُ تُحاوِرُ ظِلالَها بالبُندقية /
أَعْزِفُ على أشلائي / وخَشبُ البيانو
يَحترقُ في شَهيقي / نُخبِّئُ دُموعَ أُمَّهاتنا في الأواني الفخَّارية/ قُتل
المغنِّي / عَقَدْنا اتفاقيةَ سَلامٍ بَيْنَ الصَّوْتِ والصَّدى / السِّهامُ
تَعرفُ تضاريسَ قلوبنا / لكنَّ الضَّبابَ أضاعَ مِفتاحَ قَفَصي الصَّدْريِّ /
والجسورُ الخرساءُ تَعرفُ أحذيةَ الجنودِ/ جُيوشٌ لا تَعْرِفُ غَيْرَ قَصْفِ
أغشيةِ البَكارة/ أينَ القُبطانُ الذي أهدى دَفَّةَ السَّفينةِ للسَّائحات ؟ / أين
العاشقُ الذي بَصَقَ في بُلعوم النَّار ؟ /
كانت قوافلُ
الغزاةِ المصلوبةُ/ تمشي عَلى رُموش الصخور/ نَحْوَ ضوءِ الإعدام / شَمْعُ الجنونِ
تَحْمِلُه بَغايا بَني إِسرائيل / لإِرشادِ زَبائنِ آخِرِ الليلِ / أتى هُولاكو
مِن أبراجِ المراقَبةِ في الكنائسِ / مَقاصلُ حَجريةٌ حَفَرَتْها على الأجساد
الذابلة أصنامٌ بأسماء مُسْتعارة / دمُ الحيضِ للفتياتِ المغْتَصَباتِ يَختلطُ
بالشوارع الوحشيةِ / شُعراءُ يَموتون على أقدامِ الإسكندرِ / والزَّوْبعةُ
تُوقِّعُ على وَثيقةِ اغتيالِ الزَّيْتون /
جِراحُنا عانقتْ صَوتَ
الرُّعودِ عِندَ كُهوفِ الرُّعاة / هياكلُ عَظْميةٌ لكلابِ الخليفةِ/ حَطبُ الغروب
في سِيناريو المذبحة / والوحلُ النحاسيُّ / والدُّودُ الخارجُ مِن أمعائنا / باحَ
المرفأُ بأسراره للسرابِ المتوحش / وجوائزُ الأدب تُمنَح لمهرِّبي البضائع في
السوقِ السوداء / يا وَطناً يَفْرُشُ حَدَقاتِ العُمْيانِ على السَّجادِ الأحمرِ/
لاستقبال القاتِلين / اخْرُجْ مِنكَ كي تلمحَني رَسَّامَ أنهارٍ في عُنفوانكَ / يا
وطناً يُخفي مجاعةَ خيوله في فناجين عذاباتي / عِشْ خارجَ مِصفاة النفط / كي
نلتقيَ في عِشقِ خِيامكَ / قلبي يَنْصِبُ فَخَّاً لناقةِ جَدِّي / عِندَ أطلالِ
قلوبِ بَناتِ آوَى / الدلافينُ تنامُ في قميصي الدَّامي / واليانسونُ الغريبُ
مَشْرحتي / قَرِفْتُ مِن الرُّومانسيةِ / فاكرهيني أيتها العانِسُ /
المرفأُ القُرمزيُّ مَسقطُ رأسِ البُكاء / كُلَّما قُتلتُ في أرضِ
المعركةِ / وُلِدْتُ في قلبِ امرأةٍ غامضةٍ / فيا أجفاني الموزَّعةَ بين زَيْتونِ
المذابح وأبجديةِ المجرَّات / لَسْتُ المتنبي أَرْصف جِلْدي على أعتابِ الخُلفاءِ
/ لستُ قُبَّعةَ المهرِّجِ في الجهاز التناسليِّ للخوْخِ / البرقُ يَحْصِدُ كلامَ
الضفادع في صَمتِ الفلاحين / عِندَ الساعةِ التي تبكي فيها الخُلجانُ اليتيمةُ /
يَخْتفون في حُروفنا / لكنهم يَتَحَدَّثون لغةَ النارِ / وُلدوا في أظافرنا /
لكنهم يُدافعون عن رُوما / يَنامون على أوسمةِ القائدِ المهزومِ / في انحناءاتِ
السِّنديان / عَرَضوا سَوائلهم المنويةَ وأعينَ أُمهاتهم في المتاحفِ / لا تَلعبوا
بِكُرياتِ الدَّمِ على سُطوحِ المرايا / عُودوا إلى رُموشكم / خُذوا أسماءكم مِن
الشمس /
يا ذُباباً يَثْقبُ رِئةَ الفَيضانِ في
شَمالِ الجِيَفِ / لا تَنكسرْ أمامَ دُموعِ ماري أنطوانيت / لا تنخدعْ إذا
تَنَزَّهَ الأباطرةُ في اكتئابِ الحقول / تَغفو إسطبلاتُ الكَهرمانِ في لُغةِ
المساميرِ / فاذْكُرْ صُورتي على حائطِ المنفى / وعانِقْ صَوْتي على أثاثِ
المجزرةِ / خِيامُ اللاجئين على مِقَصِّ الأظافرِ / والزَّعفرانُ يَمتصُّ رائحةَ
الجثثِ في ضَبَابِ المقابرِ / وَكُلَّما رَأيتُ دُموعَ أُمِّي / مَشَيْتُ في
طُرقاتِ قُرْطبة /
يَزرعون في أعصابِ
المرجانِ مَاءَ الثَّورةِ / عِندما يَتَّحدُ الاكتئابُ مَعَ الوَسْواسِ القَهْري /
جَاؤوا مِن بَنكرياسِ الرِّيح / يَحملون دَمَهم في ضفائرِ أُمَّهاتهم / كَسَروا
صَمْتَ أثاثِ المنافي / صَعَدوا إلى لحمهم كَي يَقْذفوه على الطُّغاةِ / رِئتي
سَرْوةٌ لا يَقْطِفُها الشَّيطانُ ولا سَبايا الرُّومانِ/ فيا أنهارَ بلادي/
أَطْلقي النارَ على سَقْفِ المعْبَدِ/
سَارَ الشَّجرُ مَطَراً
يَهُزُّنا / يُخرِجُ النيرانَ مِن بَطْنِ أُمِّها / لَم يَعُدْ في حقائبي غَيْرُ
الدِّيناميتِ وجُمْجمتي/ نَهْرٌ يُضْرِبُ عَن الطعامِ/وَيَعْملُ سائقَ تاكسي في
أزقةِ المجزرة / وعِندما عَرَفْتُ المرايا عَرَفْتُ البُكاءَ/ فلتكنْ أحلامُكَ
لُغماً يَخْمِشُ حَوَاسَّ الوثنِ / أنشأَ الصُّبْحُ مَصْنعاً للسياراتِ المفخَّخةِ
في بُؤْبُؤ القُرصانِ / قَزَحِيَّتِي كُرةُ ثلجٍ تتدحرجُ على جِباهِ أُمراءِ
الحروب / اغْتَصَبَتْني سَمكةٌ غَازَلَتْني حَشرةٌ / فَتَّشُوا أجندةَ الثَّلْجِ
لكي يُنقذوني مِن دِمائي الملوَّثةِ بالتِّيجانِ / طُوفانٌ أعزبُ يَموتُ على
المسرحِ وحيداً / فَاقْطِف الرَّصيفَ قَبْلَ مَوْعدِ حَصادِ الجماجمِ / إنَّ
النَّخاسين يُطفئون سَجائرَهم / في حَلَماتِ زوجاتهم الضائعاتِ في حَنينِ
المسافِرين / يُخفون بَراميلَ البارود في أجنحةِ دِيكٍ رُوميٍّ / حُلْمٌ يابسٌ
مِثْلُ بُكاءِ التُّوتِ وحيداً / في فُنْدُقٍ مملوءٍ بالنَّملِ ورجالِ الأعمالِ /
كيف نأكلُ تَمْرَنا وَهُم يُحاكِمون النخلَ في المحاكمِ العسكرية ؟! / مُلوكُ
الحطبِ أجسادُهم خارجَ أجسادهم / أينَ نحاكِمُهم ؟ / فيا ثائرُ / مُدَّ أهدابَكَ
أمامَ العواصفِ / خُذْني إِلَيْكَ / خُذ استراحةً في قلب حَمامةٍ / واقْتُل الصدى
في أرشيفِ المذابحِ / ولا تَعْشَق أحصنةَ المستحيلِ الدائرةَ مَعَ طَواحينِ
البُكاء /
ضَاعَ الوطنُ وَهُوَ يَبْحَثُ عَنَّا/ هَل نَشكرُ المخبِرِين في
مطاعم الوجبات السريعة/ أَم المراهِقاتِ العاشقاتِ في مملكةِ الجماجمِ كافتيريا
العُنوسةِ ؟! / الوطنُ ضَاع / أيُّ الموتى أحقُّ بالرِّثاء مَلِكٌ لِصٌّ أَم لِصٌّ
مَلِك ؟!/ لَم يَضِع الوطنُ / وَمَا زِلْتَ تُكابِرُ يا نَبْضي ! / تَزرعُ
الفَتياتُ أحمرَ الشِّفاهِ / عَلى إِشارةِ المرورِ الحمراءِ في طريقِ المذبحة / ورائحةُ
الموْجِ تُعطِّرُ صَنوبرَ المقابر / الأشجارُ البَرمائيةُ تَطفو على عَرَقي /
ورِجالُ الأمنِ يُخبِّئون الرواتبَ الشَّهريةَ في دُموعهم القُرمزيةِ /
تتفجَّرُ أجنحةُ الفراشاتِ في ليالي
الخريفِ/والغرباءُ يُعانِقون الغرباءَ في الكُهوفِ/ وأسمنتُ عَمودي الفِقريِّ /
يُعِدُّ رِسالةَ دُكتوراة في تاريخ المجاعاتِ / وكُلما لَمستُ إمضاءَ اليمامِ على
طُفولةِ التِّلالِ/ نَبعت مِن خُدودي غَيْمةٌ / رُموشي انقلابُ الأُنوثةِ على
الأُنوثة / والقَمحُ يَخون رِئتي اليُمنى مَعَ رِئتي اليُسرى /
أَكتبُ دَمي بالألوانِ الزَّيتية / كَي
أَكسرَ زُجاجَ قِطاراتِ أَوْردتي / في صَيْف الإبادةِ الجماعيةِ/ كي تتحوَّلَ
أكبادُ شَعْبي إلى جِسْرٍ / تَعْبرُ عَلَيْه شَمسُ اللهِ / أصابعي مكتبةٌ للأحكامِ
العُرفيةِ / وأهدابي مَحْكمةُ أمْنِ الدَّوْلةِ بَعْدَ انقراضِ الدَّوْلةِ /
غَزَلَ الطِّينُ دَوْلةً مِن الصَّرخاتِ والأجسادِ المحروقةِ / أسواقُ الجماجمِ في
أوطانٍ تتَّسعُ للمُرابين/ وفأرةُ الصَّدى الخشبيِّ تُجَهِّزُ للأسرى وَليمةً /
قَبيلةُ الخاسرين / وضَوْءُ الصنوبر في
أقاصي التَّطهيرِ العِرْقيِّ / فَمُدَّ يَدَيْكَ يا نهرَ التوابيتِ / خُذْني
إِلَيْكَ طِفلاً يتهجَّى أبجديةَ القَتلِ / الذِّكرياتُ المحروقةُ تَسقطُ في عَصيرِ الليمون /
والنوارسُ الجريحةُ تَجرحُ
تاريخَ الهديلِ / فَشُكْراً
للرَّصاصِ الحَيِّ الذي يُولَدُ في قِرميدِ الأكواخِ المهجورةِ
/ وَيَموتُ على أجنحةِ الجرادِ
/
اعْشَقْ أجفاني لكي نَقتلَ العِشقَ في
بِلادنا / التي لا تَعترفُ إلا بالمومياوات / كُلما بَحثتُ عَنِّي في زِنزانتي
وَجدتُ سَجَّاني/ خُدودُ البُحيرةِ حُجْرةٌ
للبعوض/ تصبُّ الحيواناتُ بياتها
الشَّتويَّ في أوعيتي الدَّمويةِ / وترسمُ الطيورُ هِجرتها على براويز شراييني / خَائفٌ أنا مِن أزهار الدُّموعِ
/ لكنَّ السنابلَ تركضُ إلى غابات الحِبر / نَقلي البطاطا بِدَمْعِ الصَّبايا
السَّاخنِ / والفراشاتُ الملوَّنةُ تَصعدُ مِن بَراميل النفط / اليَمامُ المنقوعُ
في الوَحلِ الأزرقِ/ ماتَ وَجْهُكِ يا زَوْجةَ الصقيع / فاكسري عُلبةَ المِكياج/ هذه
التلالُ تَخيطُ سُيوفَ القبائلِ فَساتينَ للعرائس / فاكسرْ سَيْفَكَ يا ضَوْءَ
الأمواجِ/ خَسِرَ البرتقالُ معركته في رمال القلب/واليَتيماتُ يَمْسَحْنَ بَساطيرَ
الجنود/ فَكُنْ يَا شَبَحي شَاعِراً / لِتُنَقِّبَ عَن السنابلِ في قُلوبِ
الزَّوْجاتِ الخائناتِ / وَاعْشَقْ نَباتاتِ مَقْبرتي /
ولا تَنْظُرْ إِلى كُحْلِ النِّساءِ السَّائراتِ في جِنازتي /
حَاضِناً طَيْفَ الأمواتِ في مَملكةِ
الطحالبِ / جُنودي هَرَبوا / وَبَقِيتُ وَحْدي / لكنَّ البَعُوضَ يَحْرُسُني مِن
أصدقائي / أَسْقُطُ في قَهوةِ المساءِ غَريقاً / وصورةُ البحرِ تَخرجُ مِن
البِرْوازِ / كُلما تَذَكَّرْتُ انتحرتُ / الذاكرةُ مَذْبَحتي الأبَديةُ /
والسَّجَّانةُ تَغسِلُ بَلاطَ الزَّنازينِ بِدَمِ الْحَيْضِ / والنَّوارسُ
مَصلوبةٌ على نافذةِ السِّجْنِ / التي تُطِلُّ على البَحْرِ المشلولِ /
لَو مَعِي عَرَقي لَمَا أبصرتُ شظايايَ
تشعُّ في أكواخِ الأراملِ / لَو مَعي سِحْنتي لَمَا ارتقيتُ على دَرجاتِ السلالم
في الشَّفق البنفسجيِّ / لَو مَعي قصيدتي الأُولى لَمَا بَكَتْني الشموسُ /
وَحَضَنَتْني أقفالُ المحالِّ التجاريةِ / لَو مَعي مَسقطُ رأسي لَمَا نَهبتْ مزهريةُ الجيرانِ لَوْني
/ لَو مَعي تَرنيمةُ النخلاتِ لَمَا انتظرني الباصُ في صباحِ مَقتلي / لَو مَعي
سَطْحُ دَارِي لَمَا استهزأتْ بِي عَذْراواتُ الغِيابِ/ لَو مَعي عِقْدُ أُمِّي
الشَّهيدةِ لَمَا أنكرني جَرسُ مَنْزلنا في الصَّهيلِ .