رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...................
أتمنَّى لَكِ حَياةً خَارِجَ الحياةِ/
أَنْتِ مَغْرورةٌ / لا أَعتبرُ رَفْضَكِ هَزيمةً لي/ فالذهبُ لا يبكي عَادةً إلا
عِندَ وَفاةِ النارِ/ أَرْحَلُ بِصَمْتٍ عَالي الصَّوْتِ قليلاً/ أَعُودُ
لأُكْمِلَ الانقلاباتِ على قَلْبي الوَحيدِ / لَكِ قِلادةٌ مِن العَاجِ / كَم
فِيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لِئلا تتضايقي / وَأنتِ تنامين في بُكاءِ الغاباتِ ؟
/ لَكِ خَدَمٌ مِن الثعالبِ الخائنةِ / هَل فَكَّرْتِ بالليلِ يَغْسلُ دَمْعَ
البَلَحِ ؟ /
احتضاراتُ الصَّقيعِ أقامت مَصْنعاً لتكرير
الملحِ على ضِفَّةِ دُموعي / إِنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ وَجْهي/ إِنْ أَعْشَق
الرَّصاصاتِ أفقدْ مَمالكَ المجاعةِ / فَعُودِي إِلى أسنانكِ / ونظِّفيها بِسَعَفِ
النَّخْلِ / فالأرضُ شَمْعةُ الغُرباءِ / إذا انطفأتْ أشعلتُها بذكرياتي في المدنِ
المنسيةِ / لَحْنٌ خَافِتٌ يَطْلُعُ مِن الشَّوْكِ / وَالشَّوْكُ لم تَلْمَسْه
أُنثى مُنذ مَصْرعِ أُمِّهِ / ولا أَذْكرُ أن أُنثى لَمَسَتْني إلا البحيرة / كُنْ
يا غُبَارِي عِندَ حُسْنِ ظَنِّ الميناءِ المحطَّمِ بِكَ / بَحَّارٌ صُداعُ
التَلِّ الحافي / والطاعونُ يحتلُّ ذَاكرةَ القَشِّ / يَسِيلُ دَمُ الوِلادةِ /
وأنا سَأموتُ / وَقَدْ يَأْتي عُمَّالُ مَناجمِ الفَحْمِ إلى مَغارتي / ويتناولونَ
خُبْزِي / وَيَسْخرون مِن تَاريخِ عائلتي في الأدغالِ / وَرُبَّما يَنْظرون إلى
قَبري باستهزاء / فهل سَتَبْكين عَليَّ ؟/ هَل سَتَقُولين إِنَّ نَمِراً أَحَبَّني
يَوْماً ما/ إِنَّ نَمِراً مَرَّ مِن هُنا ذَاتَ مَساء/ وَكَانت عَيْناه تَدْمعان
حَنيناً ؟/
أَيَّتها اللبؤةُ / عُيونُكِ تَنْقُشُ فِيَّ
رِحْلةَ اللاعَوْدةِ / أُريدُ مِنكِ حِينَ تَصْطادين السَّوسنَ المجروحَ / أن
تتذكَّري أحاسيسَ جُذوره / لكي تتذكَّري مَلامحي / أنا المنسِيُّ في قائمةِ
عُشَّاقكِ الكثيرين/ صِرْتِ مَرَضاً في عِظامي/ ونَزيفاً في أعصابي / أَنتِ
هَوَسِي / صَارت الفِئرانُ تَضْحكُ عَليَّ / أنا الأبُ الرُّوحِيُّ لأوراقِ
الخريفِ / صَارَ الجميعُ يَسْخرون مِنِّي / صِرْتُ نَبَاتِيَّاً / ماذا سَأَقول
لأبي وأنا أرجعُ كُلَّ لَيْلةٍ بِدُون فَريسةٍ ؟/ وَمَا زَادَ لحمي ظِلالاً أنِّي
استقلتُ مِن السِّيركِ / واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ / مَا كُنتُ أظنُّ أن أُنثى
سَتَفْعلُ بِي هذا/ ولكني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ ما دَامَ حُبُّكِ رُمْحاً
يُشرِّحني/ مَا زَالَ في تفاصيلي ضَوْءُ تمردٍ / وَرَفْضٌ لسَيَّافي الأرضِ /
رِياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ / أتذكرين لقاءنا الأولَ في المقبرةِ / والعناكبُ
تَقْفزُ سَعيدةً بوجودنا ؟ / شَعَرْتُ أنهُ حُبٌّ مِن الرَّصاصةِ الأُولى /
فَكَّرْتُ يَوْمَها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً بالمرايا المشروخةِ في الرماد /
كِدْتُ أقولُ لَكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ / مِن الصَّيادين وَعُلماءِ الأحياء /
لكني أدركتُ أنني حيوانٌ / وأن الحيواناتِ أُلعوبةٌ تستمتع بها بَناتُ الأغنياء /
أغارُ مِن شَوْكةٍ تَلْمَسُكِ / أصبحت
الحيواناتُ تفاحةً بائسةً تُؤَجِّرُ رَحِمَها للرِّيحِ / مَا عَساكِ أن تفعلي في
هذا العَالَمِ المتوحِّشِ ؟ / تعالَيْ أتزوَّجْكِ فتنجبي أنصافَ نمورٍ وأنصافَ
أُسودٍ / ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة / نحن خَاسِرون إِنْ لم نُرسِلْ
قاتلينا/ إلى أرشيفِ الهياكلِ العظميةِ / فَلْنَبْدَأْ مِن دَمِكِ وَدَمِي / مِن
مَوْتي وَمَوْتِكِ /
يَغْمرني المكانُ فأصحو ذَبيحاً / يَنتحرُ
الطُّغاةُ على بَوَّاباتِ اكتئابي / أَلْفُ مُسْتنقعٍ يَغْفو في أعمدةِ انهياري /
ناسفةَ حُطامي / عَشيقةَ ذُبولي/ مَن الخاسرُ فِينا ؟!/ لا أُصَدِّقُ أنَّا
جَرَحْنا أحزانَ الغُصونِ / وَتَبَادَلْنا الدُّموعَ بَدَلَ الهدايا / ولم ننتبه
إلى أننا قَتَلْنا الفَرَحَ في معاطفنا/ وَبَذَرْنا الكَرَاهِيَةَ في طُرودٍٍ
مَلْغومةٍ تتأرجحُ فِينا/ وفَجْأةً / أصبحت قِصَّتُنا فُكاهةً على ألسنةِ القُرودِ
وَدِبَبةِ الباندا /
إنها الأمطارُ فيذهبُ الجميعُ إلى مَخْبئه/
وأظلُّ هائماً مُبَلَّلاً بلا مأوى/ أنالُ عَطْفاً مُؤَقَّتاً مِن مُخرجِ أفلامٍ
وثائقيةٍ / يَجْني الملايين والتصفيقَ / ثُمَّ يَرْميني في الشَّارعِ / رُجولةُ
الزَّوْرقِ / وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ الرماديةِ كُلَّ لَيْلةٍ / تُذبَحُ في
أحضانِ زَوْجٍ تَكْرهه / أنا حيوانٌ / لكنْ لَدَيَّ شُعورٌ يَصْهرُ أعصابي في وَهَجِ
الزنابق / أحتاجُ إلى أُنثى تُشارِكني مَسيرةَ التَّوَحُّشِ / وشَهْوَةَ الاكتشافِ
/ وَجُنونَ الانطلاقِ الشَّرسِ/ لِيَكُن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها
بَقايانا / لن أَخْرجَ مِن جِلْدي / لكني سَأُجَهِّزُ على شُطآنه مَقعداً يَتَّسعُ
لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا/ ونضمُّ أجسادَ مَوْتانا ونموتُ / أَعْطَيْتِني دَمَ
الفَريسةِ تِذكاراً / تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ / كمساميرِ نَعْشي
المهترئةِ / أنا وأنتِ قاتلان / كِلانا سَرَقَ بَراءةَ الغِزْلان / فلا تَلْبَسي
الأُنوثةَ .
مَلِكُ الغابةِ غير المنتخَب
النمر