خشبة المسرح وخشبة الإعدام / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
غَزا البرتقالُ صَوْتَ النُّجُومِ في عُقْرِ
دَارِه / أَعرفكَ أيها النَّزيفُ المنتصِبُ ذاكرةً للثلجِ / لا شَكلُ الياقوتِ
عَشيقُ المومساتِ / ولا عَظْمي حارسُ الملكاتِ / عُصفورةٌ تَعزفُ على حَبلِ
مِشنقتي/ والشواطئُ أحْمرُ شِفاهٍ للسَّجيناتِ/ فلا تَسأل السَّجانةَ / لماذا
تَغسلين نَعْشَكِ بالمبيداتِ الحشريةِ ؟ /
أيُّها الأعمى في المحاكمِ العَسْكريةِ/
أَعْطِني عَصاكَ كَي أَصطادَ ذِكْرياتِ البَعوضِ/ خَاتَمُ الخطوبةِ في إصبعِ
خَيْمتي/ يَحتلُّ مَطاراتِ كَبِدي/ يَتفرَّقُ دَمي بين قَبائلِ الموْجِ / كما
يَتفرَّقُ رِجالُ البوليسِ السِّري بين أزرارِ قَميصي / فاكْرَهِيني يَا مِدْخنةَ
كُوخي أو أَحِبِّيني / إِنَّ الآلةَ الحاسبةَ لم تَحْسِبْ دَقَّاتِ قَلبي /
يَا ضَباباً يَبيتُ
جائعاً في زَوْرقِ البُكاءِ / لماذا تَستخدمُ دَمِي لِتَقْطيرِ الويسكي ؟ /
يُعلِّمني ضَحايا المجزرةِ جَدْولَ الضَّرْبِ/ أسلاكُ المعْتَقَلِ الصَّحراويِّ في
آخِرِ الصَّيْفِ / وَلَحْمُ البُحيرةِ مُقطَّعٌ على مائدتي / والأريافُ الدَّمويةُ
تُنادي على أهدابي / أُتَرْجِمُ ظِلالي إلى لُغةٍ يَفْهمها سَجَّاني ولا تَفْهمها
أرملتي / أُضَيِّعُ وَقْتي في احتضانِ مِرْآتي / وأَدْفعُ مَهْرَ ابْنةِ حَفَّارِ
قَبْري / وأَجْمعُ ضَفادعَ النَّحيبِ كالطوابعِ البريدية في أكواخِ الصَّفيحِ /
سَتَبْذرُ العاصفةُ اللازورديةُ رائحةَ الجثثِ في الرِّياحِ الشَّمْسيةِ / وأَمْشي
إلى قَبْرِ أبي رِيفاً بلا سُكَّان / أَو سُكَّاناً بِلا رِيفٍ / وَسَوْفَ
يَدْفِنُ زُجاجُ الكنائسِ الراهباتِ في مَقبرةٍ رِيفيةٍ / تَحْتَ أضواءِ المساءِ
الجريحِ /
الليلُ النازفُ فَراشاتٍ عِندَ شُطآنِ
مَعِدتي / جِئْتَ يا حُزْنَ القطاراتِ في مَوْعدِ احتضاري / قصائدي تَتْلوها
الأشجارُ أمامَ ضريحي / وثُلوجُ بِلادي قُبَلُ المجازرِ على خَدِّ المساءِ / لَم
تَجِد الغَيمةُ ألواناً زَيْتيةً لِرَسْمِ انتحاراتي/الأنهارُ الحُبْلى بالبارودِ/
هَل تأخَّرتْ عِظَامي عَن حَفْلةِ الهياكلِ العَظْميةِ؟/ أُطْلِقُ كُرياتِ دَمي
على تِلالِ الشَّمْسِ / وأبكي مَعَ القَمَرِ الميِّتِ / خانتني دُموعُ الميناءِ
ولم أَخُنْها / والهِضابُ تُهرِّبُ أسماءَ فراشاتي إلى سكرتيرِ الجنرالِ / في
مَكْتبه القِرميديِّ على خَيْلِ التَّتارِ /
البراري تتحرَّشُ جِنْسياً بضريحِ الشَّلالِ
/ استغربَ الحِبرُ أن تُعْلِنَ الزَّوْبعةُ العِصيانَ المدنيَّ في جِلْدي / دَفنتُ
تِينةً في عَمودي الفِقريِّ / صَنعتُ أراجيحَ للسُّنونو في نظاراتِ القمرِ
الشَّمْسيةِ / دَرَّسْتُ الكِيمياءَ للقِططِ الضَّالةِ في القَبْو / والعواصفُ
تَبني مَحاكمِ الذُّبابِ/ خَلعتُ حُقولَ الكاكاو مِن نَعْشي/ كَمَا يَخْلعُ
الموْتى مُلوكَهم/ وكَمَا تَخْلعُ الفتياتُ المغْتَصَبَاتُ أجفانَ السَّجانِ /
افْتَخِرْ بِي أيها
الرَّصاصُ المطاطيُّ / تَقَيَّأْتُ جُمهورياتِ الظِّلِّ المتآكلِ/ وخَسرتُ مَقْعدي
على طاولةِ البَحر / قُولِي لِي : (( اذهبْ إلى جَمالِ الذي خَلَقَ جَمالي )) /
نَسيتُ حياتي لَمَّا رَأيتُ حَياةَ المقاصلِ / واخترتُ أثاثَ المنفى / لأنَّ
العناكبَ تَبني قَلْعتي/ والحشراتُ تَخرجُ مِن رؤوسِ القَتْلى / والغزاةُ يَغسلون
سَيَّاراتِهم بأكبادِ الثائرين / أيُّها النهرُ الذي يتوهَّجُ كالبنادقِ الجديدةِ
/ كُن أَجْملَ مِن غُيومِ دمائي عِنْدَ المغيبِ المرتعشِ /
أَمْسَكْنا ضَوْءاً قَادِماً مِن خَواتمِ
الجواري / لَمَحْنا نُعوشاً تَسيلُ مِن جَدائلِ البُحيراتِ / أَحْضِر الخِيامَ
أيها الذبابُ اللاجِئُ / لِنَعْقِدَ اتفاقيةَ سَلامٍ بين كُرياتِ دَمي الحمراءِ
والبيضاءِ / تَعَلَّمْنا الكِيمياءَ مِن حِبال المشانقِ/ والبُرتقالُ أرشيفُ
القَتْلى / والموْجُ صَديقي القتيلُ/طَارَدَ اليتيماتِ في مَذبحةِ الكهرمانِ/
ثُمَّ حَمَلَ السلاحَ في وَجْهِ الذكرياتِ/ الذُّبابةُ حَارِسةُ قَبْري/ أَشُمُّ
رائحةَ نزيفي على عَتباتِ المسْلَخِ / وأَسْمعُ بُكاءَ جُدرانِ شراييني/ أفعى
تتعلمُ الرَّشاقةَ مِن فِيلٍ / أَحالَهُ مِعْصمُ الفيضانِ على التقاعدِ/ودُفِنَ في
خَاتَمي سَيَّافٌ /مَشى في رَحيقِ العاصفةِ الْمُرِّ/ حَوْلي المطرُ الحِمْضِيُّ
غَارِقاً في براويزِ الأيتامِ / حُطامٌ أَزْرقُ كَشِبْلٍ يَصْبغُ ذاكرةَ البراكين
بألوانِ السنابل /
كُنْ أَيُّها الغَيْمُ المزروعُ بالجماجمِ
مِصْباحاً للأراملِ/ الجنودُ عَاطِلون عَن العَملِ/ ويَجْلسون على بابِ مَعِدتي/
تُسافِرُ قواربُ الصَّيْدِ إلى أصابعِ الغروب / ولا تَعود / تتبوَّلُ الأشجارُ في
أعصابِ الأسرى/وأسنانُ البُحيرةِ تَتساقطُ كالحضاراتِ/ أخافُ أن تَخونني رُموشي /
فارجعْ يا بُركانَ العِشق إلى الشواطئِ الموْبوءةِ وحيداً /
اسْتَوْلَى على ضَريحي حِيتانٌ زَرْقاء /
مُحنَّطةٌ في الكَهْرمانِ الغريبِ / اكتئابي مَختومٌ بالشَّمْعِ الأحمر / أخافُ
مِن دَمي الممْزوجِ بالرِّمالِ / وأَحْلمُ بأنني لا أَحْلُمُ / تتساقطُ الذكرياتُ
كأغصانِ القلبِ / فَكُنْ وَاثِقاً بمرايا الطوفان / حِينَ تتساقطُ الدُّوَلُ
حَوْلَكَ كمشاعرِ العَوانسِ / حَبْلُ مِشْنقتي كَامِلُ الدَّسم / سأتحرَّرُ مِن
قَناديلِ شَنْقي / عِندما تتحرَّرُ الرَّاقِصةُ مِن رَقْصتها /
بَعْدَ مَوْتي سَتأخذُ رَاتبي التقاعديَّ
النُّسورُ / التي أَكلتْ جُثتي / يَلتصقُ عِطْرُ سَجَّاني بهواءِ العواصمِ
المحروقةِ / زِلزالٌ يَنامُ بين أجنحةِ عُقابٍ أعْزب/ وتنمو الألغامُ البحريةُ في
حَديقةِ مَنْزِلنا / أُخَزِّنُ بَراميلَ البارودِ في حَلْقي/ وأَرْفعُ الرايةَ
البيضاءَ أمامَ كُرياتِ دَمي البيضاءِ /
مَاتَ قَلبي مَسْموماً / وَمَاتَ المساءُ
بَعْدَ أن تَناولَ ذِكْرياتٍ مُنْتَهِيَةَ الصَّلاحِيَّةِ / وَطُردتْ مِن عَمَلِها
نخلةٌ / لأنها ترتدي الحِجابَ / قُلتُ للبيادرِ المنهوبة : (( إِمَّا أن أكُون
شهيداً أو شهيداً )) / ذُباباتُ تُعالِجُ النَّدى المريضَ على أسوارِ المنافي /
أنا متفائلٌ لأنَّ المشانقَ البيضاءَ سَتُزْهِرُ عمَّا قليل / ثائرٌ أنا في حُزْنٍ
يَحْكمه اللصوصُ المقدَّسون / مَرافئُ تُغيِّر جِلْدَها أناقةَ أعاصير / وعِندما
أَوْقَدَت الأمطارُ سِراجي/ كُنتُ أنام مَعَ الزِّنزانةِ في فِراشٍ وَاحِدٍ /
نَدفنُ أحلامَنا على ظُهورِ الخيْلِ / التي تَسحبُ توابيتَ آبائنا / أيتها
الغمامةُ التي تشنقني / كُوني الشَّاهِدةَ على ابتساماتي / كُوني شَعْرِي يَوْمَ
تَسكنُ النيازك في جِبالِ حَنجرتي / وتتهاوى اللبؤاتُ في عُلبِ الكِبْريتِ
الفارغةِ / ضِفدعةٌ اهترأَ مِشْطُها الفِضِّيُّ /
رَاجِعاً مِن أمعاءِ الحافلات/ اصطدمتُ
بِقَوْسِ قُزَحَ/ الزَّنبقاتُ الوحيداتُ / وقطاراتُ الغروبِ / والخبزُ المحمَّصُ
في شِتاءِ الأرامل / أُعلنُ قِيامَ دَوْلةِ شقائقِ النُّعْمانِ في سُعالي /
مُتَأَخِّراً وَصلتُ إلى ذِكرى مِيلادي / وكانتْ أحزاني تتقاسمُ الرُّتبَ
العسكريةَ / كما تتقاسمُ الجيوشُ أوسمةَ الهزيمةِ / عِشْتُ ومِتُّ / وقِناعي يُحاولُ
اكتشافَ وَجْهي / والقَمحُ يَنمو على نَعشي /
يَا
فَتاةُ / عَلى سَاعةِ يَدِكِ انقلاباتٌ عسكريةٌ وَرِياحٌ جائعةٌ / حتى أنتِ
تُلاحقينني بالقُيودِ / كَيْفَ أَعُودُ بِلا مِنْجَلِ أَبي ؟ / كَيْفَ أَعُودُ ؟ /
ضَاعَ ساعي البريدِ في شَوارعِ بُلْعومي / أُعانِقُ بَقايايَ وأزهارَ المقابرِ /
ضَاعَ الضَّياعُ في ضَياعِ سَرطانِ الثدي في بَراميلِ النِّفْطِ / أتناولُ كَأْسَ
عَصيرٍ مِن يَدِ الزِّنزانةِ / سَلاماً أيُّها الوَطنُ الضائعُ / سَلاماً أيُّها
الحزنُ الطالعُ / رَمَاني المساءُ في قَوافي الشِّعْرِ / وَكُلُّ المحاكِمِ التي
تَعْشَقُ تَشْريحي بُرتقالةٌ مَنْفِيَّةٌ / أَلُمُّ فُتاتَ الخبزِ لِئلا يَدُوسَه
مَوْكِبُ الحاكِمةِ / جُعْتُ وَمَشَيْتُ حَافِي الرَّصَاصَتَيْن في المراعي /
نِمْتُ مَعَ الأغنامِ في الشَّفق الذبيحِ / اشْتَغَلْتُ عَامِلَ نَظافةٍ في
مَعِدتي التي تَصْلبني / والرَّمْلُ حَفِظَ جَدْولَ الضَّرْبِ / لِيَحْسِبَ
الرُّقَعَ في ثَوْبي /
خُلْجانُ الدُّموعِ / والمِدْخَنةُ
المكْسورةُ التي قَصَفَتْها الطائراتُ / والمطابِخُ الخاليةُ مِن الأُمَّهاتِ /
والرُّؤوسُ المقْطوعةُ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / كُنَّا نَائِمين في أكوابِ
الشَّاي الأخضرِ / في مَرْسمٍ لِتَلْوينِ الآلهةِ الفاشلةِ / حِينَ سُحِقَت
الشُّموسُ في ليالي العُشْبِ الأحْمرِ / والليلُ عُرْسُ الضَّبابِ الحامِضِ/
الفَتياتُ تَرَكْنَ مَناديلَ الوَداعِ لِنَوارسِ البَحرِ/ والعَصافيرُ تَنْقُرُ
جَدائلَ الرَّاهباتِ المجروحاتِ عاطفياً / وعُمَّالُ النَّظافةِ يُكَنِّسُونَ
الْجُثَثَ في الشَّوارعِ / وأنا الْمُهَاجِرُ في أشلائي الضَّوئيةِ / طَلَّقْتُ
الْمَلِكَاتِ / وتَزَوَّجْتُ البَدَوِيَّاتِ / وعُدْتُ إلى رَعْيِ الغَنَمِ في
الوَطَنِ الضَّائعِ /
انْتَظِرْني يا جُرْحي في أعالي زَفيرِ
الذبابِ / تكتبُ الشَّجراتُ وَصِيَّتها بِحِبْرِ
حَنْجرتي / يَا غَيْمةً تُظَلِّلُ التَّوابيتَ
الْمُزَخْرَفَةَ/ كُونِي أُخْتي في الدُّروبِ/ يَنْسِفُ المطرُ شَهيقَ صُكُوكِ
الغُفرانِ في مَمَرَّاتِ مَحاكمِ التَّفتيشِ / وعِندَما تَضيعُ الْجُغرافيا /
ابْحَثْ عَن جَسَدِ امرأةٍ لِتَعيشَ فِيه / وعِندَما تَضيعُ الدَّولةُ / ابْحَثْ
عَن صَوْتِ الْحَمَامِ لِتَمُوتَ فِيه .