الوجود والشعور في حياة الفرد والمجتمع
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
................
1
إن التصورات الذهنية عن البيئة الواقعية مرتبطة بثقافة المجتمع
والتاريخِ الشخصي للفرد . وكُل فرد يبحث عن صورته الخاصة في أنساق المجتمع ،
ويُصدِر أحكامَه وَفْقًا لتجربته الذاتية في الحياة . لذلك ، تختلف أحكامُ الناسِ
وتتعدَّد قناعاتهم حول القضية الواحدة . وهذا يدل على أن بُنية تفسير الأحداث
خاضعة للأفكار الذهنية المسبقة ، والمصالحِ الشخصية ، وتعدُّد زوايا الرؤية . وإذا
أردنا تحديد الخصائص الجوهرية للتحولات الاجتماعية ، فلا بُد مِن تحليل البُنى
الإنسانية رمزيًّا ، لأن الرمز الاجتماعي عابر لحدود الزمان والمكان وطبيعة الناس
، كما أن الرمز الاجتماعي لا يتأثر باختلاف الأمم والشعوب ، لأنه مُرتبط بالصيغة
الإنسانية، ولا يرتبط بالعقائد والعادات والتقاليد . وكُلُّ البشر مُتشابهون في
التكوين الإنساني والتركيب العاطفي ، ولكن الاختلاف يَظهر في العقائد والثقافات،
كما أن البنية الإنسانية سابقة على البنية العقائدية ، وكُل إنسان يأتي إلى هذا
العَالَم بدون عقيدة ، ثُمَّ بعد ذلك يعتنق العقيدةَ التي يَقتنع بمبادئها
وتعاليمها ، ويطمئن إليها ، ويَفرح بها . وأسبقيةُ الوجود الإنساني على الوجود
العقائدي ينبغي أن تُوضَع في سياق التعاون بين البشر لإعمار الأرض ، والنهوض
بالإنسان، وصناعة الحضارة ، بعيدًا عن القهر والإذلال والاحتقار . واختلافُ
الأديان والعقائد والثقافات لَيست عقبةً في طريق صناعة عَالَم جميل ، وحضارة
إنسانية راقية ، لأن قوانين الدنيا تختلف عن قوانين الآخِرة . والدنيا قائمة على
السُّلوك الاجتماعي، والتعامل الحَسَن، والاحترام المُتبادل، والسُّمُو
الروحي،والنهضة المادية. أمَّا الآخِرة فتقوم على أساس العقيدة الدينية التي
مَحَلُّها القلب ، وكُل إنسان حُر في اختياره ، ويتحمَّل مسؤولية اختياره أمام
الله تعالى . والإنجازاتُ البشريةُ والثورة التكنولوجية والنظريات العِلْمية لا
دِينَ لها .
2
لا يُمكن تحليل الشعور
الإنساني اعتمادًا على الحالات الوهمية العابرة في المجتمع ، لأن الشعور الإنساني
كُتلة حقيقية واحدة قائمة بذاتها ، وشديدة الاستقطاب ، ومُؤسَّسة على المنطق
الذاتي المركزي الذي يَملك القدرة على الانبعاث الدائم والتَّشَكُّل المُستمر .
وهذا يعني أن تحليل الشعور الإنساني يجب أن يعتمد على القيم المُطْلقة اليقينية،
والقيم النِّسبية الحقيقية . وهذه الثنائية القِيَمِيَّة ( المُطْلقة / النِّسبية
) تُمثِّل كيانًا فِكريًّا فِعليًّا ، وتُجسِّد تيارًا اجتماعيًّا محسوسًا ، وتقوم
على أرضية منطقية صلبة ومتماسكة ، بعيدًا عن الأوهام والشُّكوك والشُّبهات .
والشعورُ الإنساني يجب أن يتأسَّس على اليقين والحتمية ، من أجل تحليله بشكل عِلمي
منهجي ، ورَبْطه بعناصر التفاعل الاجتماعي ، لإيجاد حُلول واقعية لمشكلات الفرد
وأزمات المجتمع . واليقينُ يُغلِق الطريقَ أمام الشُّكوك والظُّنون والمُكوِّنات
الفاسدة ، وما قامَ على باطل فهو باطل . أمَّا الحتميةُ فتُغلِق الطريقَ أمام
الاحتمالات والمتاهات . وما طَرَأه الاحتمال ، سَقط به الاستدلال. وكما أن العمارة
تُبنَى على أساس قوي ومتين، يَقْدِر على حَمْلها ، كذلك المنهج العِلْمي يُبنَى
على الأدلة القاطعة ، التي لا مكان فيها للشكوك والاحتمالات وأنصاف الحُلول . ولا
معنى للحِياد حين يتعلَّق الأمر بالحقيقة والوهم .