البحر صومعة الجثث / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...............
مَاتَ البَحَّارُ عَلى
ظَهْرِ السَّفينةِ / رَمَيْنا جُثتهُ في البَحْرِ / والرُّبَّانُ المشلولُ يَتَذَكَّرُ
الْحُبَّ الأوَّلَ وأحلامَ الطفولةِ / والسفينةُ تَغْرَقُ كَالقُلوبِ المكسورةِ / مَذْبُوحةٌ
أنتِ يَا شُموعَ الغاباتِ / مَجْرُوحةٌ أنتِ يا جَدَائِلَ البُحَيراتِ/والعناكبُ
الْمُلَوَّنةُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرفتي/والطحالبُ تُضِيءُ أوعيتي الدَّمويةَ/
سَيَعُودُ رَجُلُ الثلجِ إلى مَوْقَدَةِ الخريفِ في قَلْبِ الليلِ / والقَطِطُ
الْمُشَرَّدَةُ تنامُ عَلى الأثاثِ الملفوفِ بالأكفانِ البَيضاءِ / سَتَأكُلُ فِئرانُ
السَّفينةِ جُثمانَ الرُّبَّان / أشلاؤُنا هِيَ أعلامُ القَراصنةِ / وَشَوَاهِدُ
القُبورِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيورَ البَحْرِ إلى دُموعِ الأيتامِ/ حِينَ يَبْنُونَ
القُصورَ الرَّمليةَ وَيَهْدِمُونها/
أركضُ إلى البَحْرِ في الليلةِ الباردةِ كَي أسْمَعَ نَبضاتِ قَلبي/ أجنحةُ
العَصافيرِ هِيَ خَشَبَةُ المذْبَحِ/ لَكِنَّ الرَّاهبةَ العَمْيَاءَ تَسْكُبُ دُمُوعَها
/ في مَزْهرياتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالقَنَّاصُ يَصطادُ أشجارَ المقبرةِ فَراشةً
فَراشةً / كُلَّمَا سَأَلْتُ البَحْرَ عَن الذِّكرياتِ أخْبَرَني أنَّها مَاتتْ /
أشِعَّةُ القَمرِ تَتساقطُ على أجسادِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ / وأسرارُ البَنَفْسَجِ
تُولَدُ في خُدودِ الأنهارِ /
البَحْرُ هَادِئٌ كأعصابِ القَتلى / وَجَدائلُ النِّساءِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ
/ قَلْبي دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في المقابرِ الكريستالِيَّةِ / وأنا بَائِعٌ مُتَجَوِّلٌ
أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / أبيعُ أشلاءَ النَّهْرِ للغرباءِ والجرادِ/ والرِّيحُ
تُحَنِّطُ أشلائي في مَتْحَفِ أحلامِ الطفولةِ / وُلِدْتُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعترِ
/ لَكِنِّي مِتُّ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / كُلَّما قُتِلْتُ بَيْنَ طُفولةِ السَّنابلِ
وأسرارِ الزَّنابقِ / عَرَفْتُ أنَّ مَوْتي سَفَرٌ إلى قَلْبي/
أهْرُبُ مِن ذَاتي لأكتشِفَ ذَاتي / كُلَّما اقتربتُ مِن أوردةِ الزَّوابعِ
/ اقتربتُ مِن أكفانِ الخريفِ الزُّمُرُّدِيِّ / والنَّعناعُ يَصْعَدُ مِن فِرَاشِ
الموْتِ / والضَّبابُ يَكْسِرُ الْحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / والرَّصاصُ الْحَيُّ
يَغْسِلُ خُدودَ البُوسنِيَّاتِ / لَم يَعُدْ هُناكَ فَراشاتٌ كَي نَكْسِرَ
أجنحتها / لَم يَعُدْ هُناكَ ذِكرياتٌ كَي نَبكيَ عَلَيها / لا فَراشاتٌ ولا ذِكريات
/ كُلُّ شَيْءٍ مَات /
احْرِقْ خَشَبَ البَراويزِ بِدُمُوعِكَ / واكْسِر المِلْحَ في دُموعِ أُمِّكَ
/ وَابْحَثْ عَن صُورَتِكَ في مَرايا الموْتِ/ أنا شَاهِدُ قَبْرِكَ/ فَلا تَخَفْ
مِنِّي / أنا رايةُ المعركةِ / فاقْتُلْ أحزانَ الطفولةِ في الأغاني الوَطنيةِ/
يَمشي القَتلى تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / والأراملُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغارِ عَلى
الجنودِ / الذينَ هَرَبُوا مِنَ المعركةِ/ فَلا تَهْرُبْ مِنِّي/ أنا طَيْفُ
الأمواتِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / أنا ظِلالُ القَتلى عَلى نوافذِ الخريفِ/ قَد
أَمُوتُ في لَيلةٍ مَاطرةٍ / يَكْسِرُ المطَرُ مَساميرَ نَعْشي / وَيَأكلُ البَقُّ
أخشابَ تابوتي/ وَقَد أذهبُ إلى صَلاةِ الفَجْرِ / وأموتُ في صَباحٍ مَاطِرٍ / وَسَوْفَ
يَظَلُّ البَحْرُ شَابَّاً / لأنَّهُ مَاتَ شَابَّاً .