اقتحم الخوفَ كرُبان السفينة
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
................
1
إن البُنية الرمزية للظواهر الاجتماعية
تُحدِّد مساراتِ الخيال الذي يتم إسقاطه على الواقع . وهذا الخيالُ ليس كُتلةً
هُلامية سابحة في الفراغ الفكري والعدم الاجتماعي ، وإنما هو كُتلة مركزية ذات
أبعاد واقعية ، قابلة للتطبيق على الأرض . وكُل الأحداث الواقعية هي نتيجة حتمية
للخيال ، لأن الأفكار تنشأ في الذهن ثم تنزل إلى الواقع ، تمامًا كالسفينة التي
تُصنَع على اليابسة ثم تنزل إلى البحر . ولا يُمكن للخيال أن يتكرَّس كواقع محسوس
إلا إذا تحوَّلت الرموزُ الذهنية إلى أشكال للأخلاق الاجتماعية ، وتحوَّلت
الإشاراتُ الفكرية إلى ثقافة منهجية توازن بين طموح الفرد ومصلحة الجماعة . وعندئذ
، سيقتنع الفردُ بأهمية الخيال كمشروع للخلاص الواقعي ، وخطوة أُولى لا بُد مِنها
من أجل تأسيس ظواهر اجتماعية عقلانية ، تُقدِّم حُلولًا عملية لمشكلات المجتمع .
2
يُمثِّل الأساسُ الاجتماعي للخيال تجسيدًا
حقيقيًّا لحياة الفرد روحيًّا وماديًّا . وهذه الحياةُ المتشعبة لا تتحرَّك وفق
نظام خطَّي بسيط،وإنما تتحرَّك وفق أنظمة متوازية ومتقاطعة شديدة التعقيد. والفردُ
في سباق مع الزمن من أجل أن يجد نَفْسَه الحقيقية في الزِّحام ، ويجد صوته الخاص
في الضجيج . وكلما اقتربَ الفردُ مِن عوالمه الداخلية ، اقتربَ مِن فلسفة الظواهر
الاجتماعية . وهذا الأمر ليس غريبًا، لأن الفرد ظاهرة اجتماعية قائمة بذاتها، وهو
مندمج بالكُلِّية مع تراكيب المجتمع المادية ، وتقاطعاتِ بُنية المشاعر والأحاسيس
. وفي ظل هذه الأنظمة المعرفية المتشابكة ، يَصنع الفردُ تاريخَه الشخصي ، ويبني
أُسطورته الخاصة ، ويؤسِّس ملحمته الحياتية الذاتية ، ويُوصل معنى وجوده إلى عناصر
البيئة المُحيطة به . الأمرُ الذي يَجعل الفردَ أيقونةً متفردة ، وهُوية متميزة .
وكُل فرد _ مهما كانت مكانته الفكرية والاجتماعية _ يخوض معركةً يوميةً حقيقيةً
داخل جسمه وخارجه ، فهو يُقاتل على الجبهة الداخلية التي تتمثل في المشاعر
المختلطة ، والأحاسيس المُبعثرة ، والأفكار المتناقضة ، والصراعات الفكرية .
ويُقاتل أيضًا على الجبهة الخارجية المتمثلة في تناقضات السلوك الإنساني، وتشظِّي
الهُوِيَّات، وتحدِّيات الأصول والمنابت، والخوف الإنساني من المستقبل المجهول .
وينبغي على الفرد أن يتعلَّم مِن الرُّبَّان الذي يَقُود السفينةَ في بحر هائج .
إنه يُواجه العناصرَ الطبيعية غير المُتوقَّعة ، ويتصادم مع الأحداث المُفاجئة ،
ويُسيطر على حركات البَحَّارة ، ويرى المَوْتَ بأُم عينيه.ومع هذا، لا يَستسلم،ولا
يندب حظَّه،ولا يُعلِّق أخطاءه على القضاء والقَدَر.وإنما يُقاتل حتى النهاية ،
ويَقتحم قَلْبَ الخوف. وأفضل وسيلة للتخلص من الخوف أن تقتحمه .