الأمثال في القرآن
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
قال الله تعالى : (( ولقد ضَرَبْنا للناس في هذا القرآن مِن كل مَثَل لعلهم
يتذكرون )) [ الزمَر : 27] .
فاللهُ
تعالى يضرب الأمثالَ النافعة ، ويُبيّن الصراطَ المستقيم للناس من أجل أن يتفكروا
ويتذكروا . وهذه الأمثلة تقوِّي إيمانَ المرء ، وتزيد من التزامه بالمنهج الإلهي ،
وتجعل منه خليةَ نحل دؤوب لإصلاح نفسه ومحيطه ، وإعمار مجتمعه ، وبث الخير في
المعمورة. فالقرآنُ وضّح طريقَ الحق للخلائق ، وضرب لهم الأمثالَ ليكونوا على
بَيِّنة من أمرهم . فاللهُ تعالى لا يريد من عباده أن يكونوا عمياناً يسيرون على
غير هدى، ولا يريد منهم أن يُردِّدوا آياتِ القرآن كالببغاء دون فهم. لذلك أنار
لهم السبيلَ ، وقرّب القضايا المصيرية إلى عقولهم ، وأعطاهم أمثالاً عظيمة قريبة
من أذهانهم ليتفكروا فيها فتكون خيرَ معين في حياتهم لكي يحصلوا على السعادة
الأبدية يوم القيامة .
واللهُ
تعالى لا يستحيي من ضرب الأمثال النافعة للخلائق ، وإن بدت _ للوهلة الأولى _ أنها
بسيطة. فقال تعالى : (( إن الله
لا يَستحيي أن يَضرب مثلاً ما بعوضةً فما فَوْقها ))[البقرة : 26].
فليست
البعوضةُ مقصودةً لذاتها في الآية . لكن القرآن يُعلِّمنا أن نأخذ العِبر من كل
شيء ، سواءٌ كان صغيراً أم كبيراً ، ولا نتوقف عند ظواهر الأشياء . بل نُعمِل
عقولَنا في فهم الآيات القرآنية المشتملة على الأمثال النافعة لكي نستفيد منها في
حياتنا الإيمانية .
وفي الدر
المنثور للسيوطي ( 1/ 103) : { وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم عن قتادة قال : (( لَمّا ذكر اللهُ العنكبوتَ والذباب ، قال المشركون
: ما بال العنكبوت والذباب يُذكران ؟ ، فأنزل الله : [ إن الله لا يَستحيي أن يَضرب مثلاً ما بعوضةً فما
فَوْقها ] ))
} .
فالكفارُ
المعانِدون يتوقفون عند ظواهر الأشياء الواردة في القرآن الكريم مثل العنكبوت ،
والذباب ، والنمل. ولا ينظرون لما وراء هذه الأشياء من العِبر الباهرة ، ولا
يدركون أبعادَ السياق القرآني العظيم الذي أورد هذه الأشياء . وبما أن الجاهل عدو
نفسه فإنه يُعرِض عن القرآن بسبب جهله فيطعن فيه . فهناك عميان يعتقدون أن المشكلة
في نور الشمس لا في عيونهم .
وصدق الشاعر
إذ يقول :
لا تحقرن صغيراً
لصغـــره
إن البعوضة تُدمِي
مُقْلةَ الأسد
ويجيء النهي
عن ضرب الأمثال لله تعالى ، لأنه _ سبحانه _ لا مثل له ولا شَبَه . (( فلا تَضرِبوا لله الأمثالَ إن الله يَعْلم وأنتم لا
تَعلمون ))[ النحل : 74] .
أي : لا
تجعلوا له أشباهاً وأمثالاً وأنداداً . فهو _ عز وجل _ مُنَزهٌ عن الأضداد
والأنداد والنظائر . فليس كمثله شيءٌ . فالخالق خالقٌ ، والمخلوقُ مخلوقٌ . فهذه
النظائرُ التي اخترعها الوثنيون عبر الأزمنة المختلفة من بنات أفكارهم كالأوثان
والحجارة المعبودة من دون الله تعالى ، إنما هي انحرافٌ عن التوحيد ، والعقيدةِ
الصحيحة . فكل مثلٍ يقتضي تشبيهَ الخالق بالمخلوق أو المخلوق بالخالق ، إنما هو
مثلٌ باطل . وكما قال الشاعر : ألا كُل شَيْءٍ ما خلا اللهَ باطلُ .