النظام الأردني ينتخب نفسه
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية 23/10/2012
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية 23/10/2012
إن سلوك النظام الأردني منذ بدء الثورات
العربية يشير إلى أنه لا يعترف بوجود الشعب، وغير مستعد للتعاطي بإيجابية مع
المطالبات الشعبية بالإصلاح والعدالة ومحاربة الفساد . فالنظام يرى أن المظاهرات
التي تعم البلاد مجرد زوبعة في فنجان لا بد أن تنتهيَ بعد أن يُفرِّغ الناس ما
بأنفسهم من مشاعر مكبوتة ، ويذهبوا إلى بيوتهم مصابين بالتعب والملل من كثرة
الشعارات واللافتات . وهذا التفكير القاصر شديد الخطورة لأنه يحمل استهانة بقوة
الشعب وقدرته على مواصلة مسيرته لنيل حريته المستلبة وصناعة مستقبله الخالي من
الأزمات . كما أنه يغض الطرف عن الجمر الملتهب تحت الرماد .
وفي واقع الأمر إن الشعب يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لأنه لم يُقدِّم
نفسه كلاعب أساسي في هرم السُّلطة الأردنية ، فبقي خارج دائرة صنع القرار ، فهو
ضيفٌ ثقيل الظل غير مرغوب فيه . فالنظامُ يُفكِّر نيابةً عن الشعب ويتخذ القرارات
باسم الشعب، وعلى الشعب السمع والطاعة والتطبيل والتزمير للزمرة الحاكمة ، وتقديم
الولاء الأعمى لقاء حصوله على رغيف الخبز . وعلى المواطنين أن يَشكروا النظامَ
الحاكم ليلاً نهاراً لأن الأردن لم تصبح مثل العراق أو سوريا ! . وهذا الخضوعُ
الشعبي جعل النظامَ الأردني يتمادى في انحرافاته لعلمه المسبق بعدم وجود من يحاسبه
ويعاقبه . ومَن أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدبَ .
إن الشعب الأردني قد قبل _ سابقاً _ بدور الضحية المستسلمة لمصيرها وأدواتِ
ذبحها ، وهذا رسَّخ القناعة في عقلية النظام الحاكم بأن الشعب غير مؤهل لنيل
الحرية والحصول على حقوقه المشروعة ، ولا بد من الحجْر عليه ، وإقصائه من المشهد
السياسي العام ، وإتاحة الفرصة للمرتزقة الذين يعيشون كالطفيليات حول النظام
الحاكم لكي يتحكموا بالأردن ، أرضاً وشعباً وثروةً. لذلك صار النظامُ الأردني
جزءاً من منظومة الفساد في ظل غياب الوازع الوطني أو الرقيب الشعبي. وكما قيل: ((
مَن عَوَّدْتَه على أكلكَ كلما نظرَ إليكَ جاع )). وهذا بالضبط حال الشعب الذي
أهان نفسه _ عبر عقود _ على أعتاب القصر طمعاً في مكرمة ملكية _ من أي نوعٍ كانت _
. وهذا جعل النظامَ أكثر تغوُّلاً في قوتِ الشعب وثرواتِ الوطن .
كما أن النظام يرى في المعارضة السياسية ظاهرةً صوتية لا تقدر أن تفعل أكثر
مما فَعلتْ . وهذا يبعث برسالة طمأنينة للنظام بأنه اجتاز مرحلة الأعاصير التي
ضَربت وتضرب دولَ الإقليم . وهذا الانطباع الخادع له عواقب وخيمة وتأثيرات سلبية
للغاية على الكيان السياسي الأردني . فالقوةُ الشعبية ليست مجموعة مظاهرات في
الشوارع ، إنها قوة شاملة متغلغلة في أدق تفاصيل النسيج الاجتماعي للفرد والجماعة
والوطن ، وإهمالها سيؤدي _ حتماً _ إلى تفكك النسيج المجتمعي ، وانتحار روح الولاء
والانتماء إلى الوطن ، وتناحر مكونات الشعب ، ودخول البلاد في فوضى عارمة .
والمضحك المبكي أن النظام الأردني لا يرى نفسه مضطراً لإحداث تغيير جذري في
فلسفته ومساره ، فالضغوطُ الشعبية عليه ما زالت دون المستوى المطلوب ، فلماذا
يُقدِّم تنازلاتٍ مجانية ؟! . وهذا بالضبط لسانُ حاله . ولا يخفى أن الحرية
تُنْتَزَع ولا تُمنَح على شكل مكرمات ملكية أو تعديلات دستورية شكلية تجيء على
صورة صدقات يرميها النظامُ على الشعب .
والمشكلة الأساسية في النظام السياسي الأردني أن ما يسمى بالدولة الأردنية
لا تقوم بواجباتها تجاه المواطنين، فقد أضحت عبئاً ثقيلاً عليهم ، تتسول باسمهم ،
وتستغلهم في وضح النهار حتى الرمق الأخير . وهذه "الدولة" لا تثق بنفسها
ولا بالشعب ، لذلك صَنعت مجتمع الكراهية والخوف والتمييز والشطط الطبقي عبر اللعب
على أوتار الأصول والمنابت ( فلسطيني ، شرق أردني ، شركسي ، ... ) ، وقامت بتوظيف
سياسة " فَرِّقْ تَسُدْ " ،
والتخويف من الإصلاح بحجَّة أن الإصلاح قد يأتي بأردنيين من أصول فلسطينية
فيُجرِّدون الشرق أردنيين من امتيازاتهم ويذبحونهم ، أو قد يأتي بشرق أردنيين
فيذبحون أصحابَ الأصول الفلسطينية . وهذه اللعبة يستخدمها النظامُ لإطالة عملية
التنفس الاصطناعي التي يعيش عليها .
إن هناك قناعةً راسخة عند أركان النظام الأردني وعلى رأسهم الملك بأن نظام
الحكم غير قابل للإصلاح ، وإصلاحه يعني زواله ، على الرغم من كل عمليات التجميل
التي يتم إجراؤها لوجه النظام السياسي . فالإصلاحُ خطرٌ حقيقي على الطغمة الحاكمة
التي تخاف من النور ، تماماً كالخفافيش التي تخاف من أشعة الشمس . لكن الشعب لا
يطلب أن تصبح الأردن مثل سويسرا ، فينبغي إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، والوصول إلى نقطة
ما في منتصف الطريق تحفظ كرامةَ المواطن ، ووحدةَ الوطن ، وهَيْبة المؤسسات
الحكومية المبنية من عَرَقِ الشعب .
لقد أضاع النظامُ الفرصةَ تلو الأخرى ، ومَن لا يستغل الفرص السانحة سيندم
على إضاعتها يوم لا يَنفع الندم ، وعقاربُ الساعة لا يمكن أن تعود للوراء . وللأسف
فإن قطار السياسة الأردنية سائر نحو الاصطدام بالحائط ، وكل راكبٍ يحاول أن ينجوَ
بنفسه قبل أن تدق ساعة الحقيقة .