الفعل الشعري والتنمية الاجتماعية
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 22/10/2012
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 22/10/2012
إن الفعل الشعري يضبط إيقاعَ العناصر
الاجتماعية المتغيرة ، وينقل الأبجديةَ المعرفية إلى قلب المجتمع ، وهذا يساهم في
تعزيز نفوذ الكلمة حتى تصير امتداداً لوجود الإنسان ، ومُعادِلةً للنمو الثقافي
أفقياً وعمودياً . والكلمةُ هي رئةُ المجتمع، والعالَمُ الموازي للشعور الإنساني ،
وروحُ الأبجديةِ التي نكتبها وتكتبنا . وشرعيةُ الكلمة تكمن في قدرتها على تزويد
الحراك الاجتماعي بالطاقة الفكرية، وضمانِ استمرارية بناء الإنسان على قاعدة الإبداع
الثقافي ، وترسيخِ الرؤية القادرة على التجرد والتجريد . وكلما التصقت الكلمةُ
بالمصير الإنساني واقعاً وحُلماً ، اندفعت الكثافةُ اللغوية في أقاصي المعاني
الاجتماعية . وعندئذ تتولد أبجدياتٌ تكسر حواجزَ الصمت ، وتقتل الخوفَ في الإنسان
.
وعندما
يَزرع الفعلُ الشعريُّ الكلمةَ في نخاع المجتمع ، فإن تقنيات القصيدة سوف تؤول إلى
حركة اجتماعية نشطة تعيد الاعتبار لكينونة الفرد وتنقله من الهامش إلى قلب
الأحداث. وذلك لأن القصيدة هي انقلاب عقلاني لا فوضوي ، يتجسَّد في التفاصيل
الاجتماعية على شكل حالة معرفية دائمة الحركة والانتشار . وبذلك يصبح الفرد هو
الخندق الأول في مواجهة القيم السلبية التي تكرِّسها السُّلطات القمعية ، سواءٌ
كانت سياسية أو اجتماعية .
والمشكلة
التي تواجِه النسقَ الشِّعري هي سيطرةُ الفوضى الخلاقة على القيم البشرية
السلوكية. فصار للمَرْكب أكثر من دفة ، وأكثر من ربَّان . وهذا الأداء الهستيري
يظهر _ على الدوام _ في مجتمعات انهيار الذاكرة وانكسارِ الحلم .
وفي وضع كارثي كهذا لن تكون مهمة القصيدة سهلة في إعادة بلورة
الوعي العام وتجذير القيمة الإنسانية. لكنَّ القصيدة لا يمكن أن ترفع الرايةَ
البيضاء أو تهرب من المواجهة ، فهي تمتلك المقوِّماتِ الذاتية ، والتصميمَ على إدخال
المجتمع في قلب التنمية الحقيقية لا الشعاراتية، وعندئذ يدرك المجتمعُ كينونته
الذاتية ، وكينونةَ العناصر المحيطة به .