الرد على ابن تيمية في موضوع التوسل
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
.........................
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
.........................
أولاً :
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 1/ 221 )
: (( فيحمل قول القائل " أسألك بنبيك محمد" على أنه أراد إني أسألك
بإيماني به وبمحبته وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ونحو ذلك ، وقد ذكرتم أن هذا
جائز بلا نزاع ، قيل من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ، وإذا حمل على
هذا المعنى كلام من توسّل بالنبي بعد مماته من السلف كما نقل عن بعض الصحابة
والتابعين ، وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسناً ، وحينئذ فلا يكون في المسألة
نزاع ، ولكن كثيراً من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولا يريدون هذا المعنى ، فهؤلاء
الذين أنكر عليهم من أنكر . وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل
بدعائه وشفاعته، وهذا جائز بلا نزاع )) اهـ .
قلتُ : على ابن تيمية أن يكون أكثر دقةً ،
فقوله : (( ولكن كثيراً من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولا يريدون هذا المعنى ،
فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر )) فيه حُكم على النوايا ، وهذا غير مقبول ، لأن
أحكام الشرع تُجرَى على الظاهر ، وحساب السرائر عند الله تعالى . وما أدراك أنهم
لا يريدون هذا المعنى على فرض التسليم بكلامك ؟! . (( أفلا شَقَقْتَ عن قلبه ))
[رواه مسلم ( 1/ 96 ) . وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 2/ 107 ) : ((فيه
دليل للقاعدة المعروفة فى الفقه والاصول أن الاحكام يعمل فيها بالظواهر والله
يتولى السرائر ))اهـ. وقال الحافظ في الفتح ( 12/ 273 ) : ((وكلهم أجمعوا على أن
أحكام الدنيا على الظاهر ، والله يتولى السرائر )) اهـ . ] .
كما أن ابن تيمية اخترع بدعة التفريق بين
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بالإيمان به . وهذه البدعة لا معنى
لها . فنحن لا نؤمن بمحمد بن عبد الله لأنه محمد بن عبد الله ، فهناك الكثير من
الكفار يَحملون اسم محمد بن عبد الله، أو محمد عبد الله ، في كل زمان ومكان .
وإنما نؤمن به لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالتوسل في واقع الأمر توسل
بالأعمال الصالحة ، إذ لا يكون الصالح صالحاً إلا بأعماله ، فلا معنى لفصل الذات
عن الأعمال . وحتى على فرض أن المعنى لم يكن حاضراً في قلب الإنسان ساعة التوسل ،
فهو كامنٌ في عقيدته : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلا معنى لبدعة التفريق
بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرة ، والإيمان به .
ثانياً :
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 1/ 264 )
: (( جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد ابن أبجر، فجس بطنه ، فقال : بك داء لا يبرأ ،
قال : ما هو ، قال : الدبيلة. قال فتحول الرّجل فقال: الله الله الله ربي لا أشرك
به شيئاً ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، تسليماً يا محمد ، إني
أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي . قال: فجس بطنه، فقال : قد برئت ، ما بك علة
. قلتُ _ أي ابن تيمية _ : فهذا الدعاء ونحوه قد رُوي أنه دعا به السلف ، ونقل عن
أحمد بن حنبل فى منسك المروذي التوسل بالنبي في الدعاء ، ونها عنه آخرون . فإن كان
مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين
الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته . فهو محل النزاع ، وما تنازعوا فيه يرد إلى
الله والرسول، وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ فى
الشريعة ، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ، ويحصل
ما يحصل من غرضهم . وبعض الناس يقصدون الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك ويدعو
التماثيل التي في الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو باتفاق
المسلمين ، ويحصل ما يحصل من غرضهم، فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته وإن
كان الغرض مباحاً)) اهـ.
قلتُ : هذا الكلام لنا معه وقفات :
أ) قوله " ونها عنه آخرون " . هلا
قال لنا ابن تيمية من هؤلاء الآخرون الذين نهوا عنه ؟، فالتوسل ثابتٌ لم ينه عنه
سوى ابن تيمية نفسه الذي ابتدع بدعة سيئة بمنعه التوسل، وخالف إمام مذهبه، وكل
العلماء المعتبَرين، من أجل هواجس وخيالات وشكوك مَرَضية تدور في رأسه حول مفهومه
المتطرف للشِّرك .
ب) هلا قال لنا ابن تيمية من هم العلماء في
تاريخ الإسلام الذين فرّقوا بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به ومحبته
وتقديره ، فكل المسلمين على مدار التاريخ يُعظِّمون محمداً صلى الله عليه وسلم
لأنه رسول الله ، وأعظم مخلوقاته. وينظرون إليه بلا تفريق بين ذاته وأعماله، أو
بين ذاته والإيمان به . وبدعة التفريق اخترعها ابن تيمية ليتوصل إلى ما يريد
إثباته من خياله المريض ، وهذه المسألة ليست محل نزاع كما زعم ابن تيمية ، لأن المسائل في محل النزاع تكون بين وجوه
متعددة بين أهل العِلم ، وهذه المسألة متفق عليه شذّ عنها ابن تيمية وأتباعه فيما
بعد، فلا عبرة بهذا الشذوذ الراجع إلى الهوى لا الدليل.
ج) أما ما قاله ابن تيمية من أن الكثيرين
يدعون الكواكب والأوثان وتماثيل الكنائس ... إلخ ، فنقول إن القياس مع الفارق باطل
. وهل تريد أن تساوي بين سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم الذي ورد التوسل
والاستغاثة به في أدلة شرعية صحيحة ساطعة مع الأوثان والكواكب التي من يدعوها يخرج
من الملة قَوْلاً واحداً ؟! . كما أن التوسل والاستغاثة بالمخلوقات ليست دعاءً لهم
، لأن الدعاء لله تعالى وحده .
د)
إن ابن تيمية يجهل تماماً القاعدة التي تقول إن التّرك ليس من دلائل التحريم ، ولا
حتى من دلائل الكراهة . فلو ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلَ أمرٍ ما ، أو ترك
صحابته _ رضوان الله عليهم_ فعلَ شيء ما ، فهذا ليس دليلاً على تحريم ذلك الأمر أو
كراهته ، لأن الأحكام الشرعية بما فيها الحرمة والكراهية تثبت بالنصوص الشرعية ،
وليس بالتّرك .
ثالثاً :
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1/ 181 ) : (( ومنهم من ينسبه _ أي
ابن تيمية _ إلى الزندقة لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به. وأن في
ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم )) اهـ .
فانظر إلى وصف الزندقة الذي
أطلقه الأئمة المعتبَرون على مانع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد عَدّوا
ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم . مما يبرهن على أن موضوع
الاستغاثة كان محسوماً ومقطوعاً به ومُوافقاً عليه عند العلماء الربانيين قبل أن
يأتيَ ابن تيمية ببدعته . وهذا يعكس أن ابن تيمية قد خالف علماءَ عصره الأثبات ،
لا كما يعتقد بعض الجهال أن العلماء كانوا في ضلال مبين حتى جاء ابن تيمية لينير
لهم الطريق .