نقد عقائد الشيعة الروافض ( بحث فلسفي ) / الجزء الأول
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
لستُ معنياً في هذا الصدد أن أرد على عقائد
الشيعة الروافض بالتفصيل لأن الردود موجودة في آلاف المجلدات عبر تاريخ المسلمين
كله ، وكل عقائدهم تمت غربلتها اعتماداً على منهجية علمية قوية جداً على يد كبار
العلماء القدماء والمحدَثين المتخصصين في عقائد القوم . ولن أكون أفضل منهم بأية
حال من الأحوال، لكنها مقالة سريعة تعتمد تياراً فلسفياً شخصياً من أجل تسليط
الضوء على بعض الجوانب العَقَدية من وجهة نظري. فالأمر أشبه ما يكون بغربلة
فلسفية، والغوص في فلسفة تكونات هذا المذهب المنحرِف عن الجادة . ولستُ أدَّعي
كمالاً في هذا الزخم الفكري إلا أنها خواطر فلسفية تحليلية نابعة من أفكاري
وتصوراتي المعتمدة على قراءاتي واستنتاجاتي . وقد تم الرد على عقائد الشيعة
الروافض بشكل شرعي تفصيلي وفق الأدلة المعتمدة سواءٌ عند أهل السنة والجماعة أم
عندهم ، وأنا هنا لا أود تكرار ما قيل ، إلا أنني أحاول تأصيل منحى فلسفي تشريحي
تفتيتي لهذا المذهب، وفق صورة سريعة موجزة تعتمد على إصابة الهدف .
بدايةً
ينبغي أن ندرك أن لفظة " الشيعة" نطلقها على الروافض مجازاً لأنهم
عُرِفوا بها ، فصارت لفظةً دالة عليهم يمتازون بها ، ولكن هذه اللفظة في واقع
الأمر خاطئة إذا ما التصقت بالروافض ، لأن الشيعة الحقيقيين هم أهل السُّنة
والجماعة الذين شايعوا آل البيت_عليهم السلام_ وصاهروهم ودافعوا عنهم ، وعرفوا
قَدْرهم بدون اختراع الأكاذيب والأساطير حولهم . أما الروافض فكان ديدنهم طوال الفترات
التاريخية المتعاقبة هي خيانة آل البيت عبر تسليمهم لأعدائهم ، واختراع الأكاذيب
ونسبتها إليهم، ولنتذكر ما فعله أهل الكوفة الخونة الذين خانوا علياً والحسين _
عليهما السَّلام_ ، وباعوا ضمائرهم من أجل الدرهم والدينار ، ومع هذا يقدمون
أنفسهم على أنهم شيعة آل البيت ، ومناصروهم ، وحماة أفكارهم ومدرستهم . وهؤلاء
الشيعة الذين قتلوا أئمةَ آل البيت ثم بكوا عليهم، هم تماماً مثل الذين خانوا
المسيحَ ، ثم صاروا ينتظرون قدومَ المسيح المخلِّص آخر الزمان .
قال الشيخ
عبد القادر الجيلاني _ قدَّس اللهُ روحَه _ : (( وأما الشيعة فلهم أسامٍ منها
الشيعة والرافضة والغالية والطيارة ، وإنما قيل لها الشيعة لأنها شايعت علياً _
رضي الله عنه _ ، وفضَّلوه على سائر الصحابة ، وقيل لها الرافضة لرفضهم أكثر
الصحابة ، وإمامةِ أبي بكر وعمر _ رضي الله عنهما _ ، وقيل سُمُّوا الروافض لرفضهم
زيد بن علي لما تولى أبا بكر وعمر _ رضي الله عنهما_ وقال بإمامتهما ، وقال زيد :
رفضوني . فسُموا رافضة )) [الغُنية لطالبي طريق الحق (1/ 86و87 )، مطبعة مصطفى البابي الحلبي (
1375هـ، 1956م).] .
ولكن البعض
قد يقول إن هناك مسلمين قتلوا عظماء من آل البيت ، فنقول إن هذا صحيحٌ ، ولكن من
قال لك إن هؤلاء القتلة يُمثِّلون أهلَ السُّنة والجماعة ، ومن قال لك إن أئمة آل
البيت يُمثِّلون الشيعة الروافض . إن أعداء آل البيت يُمَثِّلون أنفسهم بشكل فردي
محض ، وإذا كانوا نواصب فهذه مشكلتهم لا مشكلة أهل السنة والجماعة . أما خيانة
الروافض فكانت جماعية مُنظَّمة عبر خياناتهم المتكررة لآل البيت ، وحياكة الأساطير
ونسبتها إليهم ، وهذا سيأتي تفصيله لاحقاً _ إن شاء الله_. وبالتأكيد فإن النواصب
والشيعة الروافض وجهان لعملة واحدة اسمها خيانة آل البيت بكل تطرف ، فكل واحدٍ
فعلٌ وردُّ فعلٍ في آن معاً ، وكلاهما غارق في الوهم الأيديولوجي المنفي عن قيمه
الوجودية .
وهؤلاء القوم يسمون أنفسهم بالشيعة ليوهموا
الناس أنهم متبعون لآل البيت ، وهذا اللفظ إنما جاء في أذهانهم وفق أفكارهم
النسقية المبنية على مبدأ الاقتران . فالشيء الذي يقترن بشيء محبَّب للنفوس يصير
محبَّباً للنفوس هو أيضاً ، وكل المسلمين مجمِعون على حب آل البيت ، وفكرة اقتران
طائفة ضالة بهم ، وانتسابهم إليهم ، سيعطيهم شرعيةً في أذهان العوام وأصحاب العقول
البدائية الخالية من المنهجية العلمية المتينة . وهذا الاقتران الأيديولوجي يعكس
التشويشَ الرهيب في الدِّين الشيعي الرافضي الذي يُحاول إعادة تكوين نَفْسه من
خلال الارتباط بأمور خارجة عنه . أي إن الارتباط في عقائد القوم يتخذ طابعاً
حياتياً خارجياً لتحقيق مكاسب سياسية . ولا يَخفى أن عوامل الانهيار كامنة في
الدِّين الشيعي، فهو يَحمل بذرةَ سقوطه في داخله، لأنه يَعتمد على أدلجة متواصلة
لا تتمتع بالسيادة على المكوِّنات الفكرية .
إن نشأة
العناصر الوهمية في العقيدة الشيعية تفتقد إلى المنطق ، وتَخلو من التناسق الزمني
والترتيب المكاني . فهذه النشأةُ المتطرفة هي شعورٌ هلامي غير مبني على قاعدة صلبة
. وهذا الوهمُ الديني الذي يأخذ شكلَ " حُب آل البيت " ، إنما هو وهمٌ
يَسعى إلى تأويل التاريخ الذاتي ، ومحاولة تعميمه ، وتصويره كتاريخ عام للعرب
والمسلمين . ويسعى _ أيضاً_ إلى احتكار متواليات الشعور القامع للحرية .
وفي العقل
الشيعي الجمعي ، يتم بناءُ النَّص الدِّيني على تتابع الوهم الأيديولوجي ، وهذا
أدى إلى بروز تيارات فوضوية تستند في تكوين أنساقها الهلامية إلى منظور متخيَّل في
الذهن ، وغير موجود في العقل ، وذلك من أجل توظيف العقائد المتصوَّرة لصالح تدعيم
الأسطورة . وبعبارة أخرى ، إن الشيعة الروافض يَكتبون تاريخَ المسلمين كما
يتصوَّرونه ، وليس كما هو موجود في الواقع . وهذا الانفصام في طبيعة الأفكار قادَ
إلى شروخ خطيرة في النَّص الديني المتطرف . وهذه مصيبةٌ تضاف إلى المصيبة الأساسية
، وهي أن النص الديني عاجز أن يُثبِت نَفْسَه بِنَفْسه ، فهو غير قائم بذاته،
وإنما قائمٌ بفعل الإسناد الخارجي الذي يأتي على شكل أساطير دينية، وخرافات
تاريخية. وسببُ هذا الانهيار الميثولوجي الحاد يَرجع إلى إعلاء السياسة على
الدِّين ، وتجذير المصلحة السياسية كبُنية دِينية معصومة ، من أجل نشر أوهام
الذاكرة الجزئية ، وصناعة ذاكرة جماعية غير قابلة للنقد .
إن غياب
تجانس البناء الزمكاني ( الزماني _ المكاني) في معمارية الفكر الدِّيني، ما هو إلا
ارتداد طبيعي لحالة التخبط التي يعيشها النَّص الدِّيني . فهو يَعيشُ على التنفس
الاصطناعي في ظل غياب الوعي الجزئي والكلي ، وفي ظل انهيار معرفةِ الذات ، ومعرفة
الآخر . كما أن سياسةَ النص الديني تائهة بين الجذور والأغصان . أي إن الأجزاء لا
تُشكِّل الكلَّ ، والكلُّ لا يمكن تَفكيكه إلى أجزاء ، والأطرافُ تتصادم مع المركز
، والمركز لا يَعترف بالأطراف . وهذا الغبشُ المذهل كان نتيجةً حتمية لحالة تغييب
الوعي .
وبسبب غيابِ
الوعي عن مسار المتمركِزات ( الأنوية الأساسية ) ، ارتطمَ اللفظُ بالمعنى ضمن حركة
دورانية فراغية قَتلت روحَ النَّص الديني ، وسلَّطتْ السلوكياتِ المنحرِفة على
بؤرة الفكر الديني المركزي ، فصار الدِّينُ الشيعي ذا صبغة جدلية هشَّة ، وعاجزاً
عن الصمود أمام النقد والنقض .
إن لامنطقية
العقيدة الشيعية ، وتقاطعها مع انكماش الهوية الشرس ، وسَيْرَها بموازاة الأداء
العقلاني ، كل ذلك ساهم في تكوين تيار مُؤَدْلَج نزع من قُدرة المعنى استمراريةَ
البناء على الواقع ، فحدث الشرخُ العنيف بين صورة النَّص الديني وواقعه الافتراضي
. وبالتالي ، تحوَّلت أنساقُ المعرفة الدِّينية إلى منظومة ذهنية تتبنى احتكارَ
تأويل إفرازات التاريخ المتخيَّل . أمَّا التاريخُ الحقيقي ، فتمَّ إقصاؤه من
النسق الحضاري، وإخضاعُه لآليات لغوية مشوَّشة تقوم بقراءته بشكل متطرف مغرِض،
وتصويرُه في أذهان العامة كعبء ثقيل . والذين يَقومون بهذا المهمة الدنيئة ،
ويَلعبون هذه اللعبة الخطيرة ، هُم رِجال الكهنوت الشيعي ( آيات الله ) الذين
يَحملون في عقولهم فكرةً مسبقة ، ويُريدون إثباتها بأية وسيلة ، لذلك يلجأون إلى
الأحداث التاريخية ، ويُطوِّعونها حَسْبَ أهوائهم ، ثم يُسقطون أفكارَهم المريضة
عليها لكي يَبنوا التجانس الوهمي بين الفكرة الدينية والحدث التاريخي . إنهم لا
يَتركون التاريخَ يَتحدث من تلقاء نَفْسه ، وإنما يَجعلون التاريخَ يَقول ما
يُريدون . وبعبارة أخرى ، إنهم يُقوِّلون التاريخَ ما لم يَقل . وهذه اللعبة
المكشوفة هي الأساس الفكري للتشيع . فالتشيعُ _ أولاً وأخيراً _ هو حركة تاريخية
ضد التاريخ ، وتم إلباسها لبوساً دينياً لأغراض سياسية وشعوبية .
والإشكالية
الوجودية الحقيقية التي لا يَقدر الشيعةُ الروافض على التخلص منها ، والتي سبَّبت
لهم كثيراً من الاضطراب والتناقض هي القراءة المتطرفة للتاريخ ، فهم أكثر تطرفاً
في قراءة التاريخ من الماركسيين. فإذا ارتكب علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ خطأ
ما ، فلا خطأ عليه لأنه إمام معصوم من وجهة نظرهم ، أما إذا ارتكب عثمان _ رضي
الله عنه _ خطأ، فعلى الفور يتم تكفيره، وإخراجه من الملة لأنه أُمويٌّ، وتبدأ
حكايات ألف ليلة وليلة عن عداوة الأمويين للهاشميين، وتبدأ القصص البوليسية التي
لا تنتهي. وإذا أخطأت فاطمة الزهراء _ رضي الله عنها_ في مسألة ، فهذا غير مقبول
لأنها معصومة لا تخطأ نهائياً _من وجهة نظر الروافض _، أما إذا أخطأت عائشة _ رضي الله عنها _ ، فعلى الفور يضعونها في
النار برفقة أم جميل زوجة أبي لهب، لا لشيء إلا لأنها ابنة أبي بكر الصديق_ رضي
الله عنه_، وتبدأ مغامرات اغتصاب الخلافة المشوِّقة ! .
وهذه الحالة
الموغلة في إرهاصات التطرف متماهية مع المسار الماركسي في إثبات أوهامه عن طريق
نشر أوهامه ، وإسقاطها على الواقع المتخيَّل في الذهن القاصر ، فيبدأ العقلُ في
قراءة الوهم الذي يُغلِّف الصورةَ ، وينسى الصورةَ الحقيقية . وهذا المبدأ الأحادي
المنحرِف أُسميه مبدأ قراءة واقعية الذهن التحطيمي لا قراءة واقعية الواقع .
فمثلاً أنا أفترض أن جارنا لص مع أنه رَجل شريف، وأُسقِط عليه صفاتِ اللصوص،
وبعدها يبدأ عقلي بقراءة الصِّفة التي صَبغتُ جارنا بها وهي اللصوصية ، فيستنتج
عقلي أنه لص بحكم الظاهر له من الصفات التي أسقطتُها عليه.
وتظل
السلوكياتُ الرمزية تُوَظَّف لصالح تكريس هيمنة الموروث الدِّيني المسيَّس ، وذلك
من أجل تثبيت دعائم الانهيار التكاثري في زمكانيات القراءة المتطرفة للتاريخ التي
يقوم بها الرافضة . وبالطبع ، فإن تغييب إشارات المعنى _ عن سبق الإصرار والترصد _
من شأنه تثبيت الألفاظ على خارطة شرعية الأسطورة، وإحالة الذات الإنسانية إلى
شظايا متماهية مع شريعة المتخيَّل الوسواسي. وعندئذ تحل الكلماتُ المؤدلَجة محل
المعاني المحدَّدة . وفي هذه الحالة يَحدث الخلطُ الرهيب بين تقاطعات العناصر
المنبوذة في الذات الذهنية، فتتشابك التصوراتُ المنحرفة في عقل الدِّين الشيعي .
وهذا الخلطُ
المقصود يُغذِّي الجذورَ السياسية للتشيع الظاهري والباطني، ويُكرِّس الدلالاتِ
الدينية العمياء، ويَصبغها بهالة الصورة الوظيفية للشعائر المؤدلَجة، فيتزاوج
الموروث العَقدي مع الموروث الشعبي العابث، مثل : إحياء يوم عاشوراء باللطم والضرب
وتمزيق الثياب ... إلى آخر هذه الشعائر الأسطورية التي هي بالأساس موروث شعبي
خرافي لا أساس له من الناحية الدينية، بل هو يسير باتجاه مضاد للدِّين. وللأسف،
فإن هذا الموروث الصوري قد تمت صناعةُ برواز دِيني له ، وتصويره كعبادة يتم التقرب
بها إلى الله تعالى . وهنا تتضح خطورةُ استثمار جهل العوام في صناعة الدِّين
المسيَّس ، واستثمار الدِّين في توجيه التراث الشعبي الأسطوري لتحقيق مصالح شخصية
، وفوائد مادية. وبالطبع، فهذه المكاسب المادية يَجنيها عِلْية القوم ( رِجال
الدِّين ورِجال السياسة ) . وهذان الصنفان ( العلماء والأمراء ) بينهما زواج مُتعة
ومصلحة ، وكلُّ طرفٍ يُحقِّق أهدافَه الشخصية بواسطة الطرف الآخر . إنها علاقة
تبادلية مصلحية شائكة تدرُّ أرباحاً وفيرة متعددة الصور والأشكال .
إن
تَدْيِينَ الموروث الشعبي ( جَعْله دِيناً )، وصَبَّ الأنساق الشعبية المتوارثة في
قالب الأيديولوجية الشِّيعية ، يُسهمان في نقل السلوك الاجتماعي الانهياري إلى
بؤرة اللامنطق الدِّيني . وبما أن أوهام الانحراف العَقدي تتخذ من ذاتها
المتوازِية مع قيمة الوهم الموظَّف سياسياً ، نَصَّاً دينياً معصوماً، كان لزاماً
على الشعور الوجداني الناقد أن يُشرِّح مساراتِ احتكار تأويل النص التاريخي،
ويَكشف العلاقاتِ المتشابكة بين الطبقات الفكرية المبنية على قاعدة " افتراق
الرؤية عن الرائي "، إي افتراق المشاهَدَات الواقعية عن الذهن التحليلي .
وهذا الانفصام الصادم انعكاس طبيعي لحالة الحصار المفروض على الفرد ، وذلك لمنعه
من الخروج من التناقض إلى التأسيس الفكري المنطقي . فالفردُ خاضعٌ لسُلطة دِينية
جماعية تَحشره في اللاوعي الانتكاسي ، وحطامِ الذاكرة الإنسانية الفاقدة للمعنى.
وبالتأكيد فإن هذه الانحرافات الشيعية المحاطة بالعناصر المخيالية الأفقية والعمودية، من شأنها إعادة توليد
مصطلحات متطرفة تقيم قطيعةً مع عقائد أهل السنة والجماعة الذين هم الحراس
الحقيقيون للدِّين النقي .
فإقامة
قطيعة مع جيل الصحابة لأهداف سياسية ومصالح دنيوية بحتة ، وإسناد هذه القطيعة إلى
أئمة آل البيت، إنما يَعكس طبيعةَ التلاشي في أنساق النص التاريخي الشخصي الذي تتم
أدلجته لترسيخ تيارات التطرف، وتجزئةِ الانهيار الأنثروبولوجي في قيمة الوعي
الداخلي في أذهان الذين يعتنقون الخرافةَ عقيدةً لازمة .
ولا يمكن أن
يتحرر الشيعةُ من ثقل العقائد الخرافية، إلا إذا تم فصلُ المدلول الثقافي
الأُسطوري عن تكوينات ذاكرة التاريخ . وأيضاً ، فصل التفاعلات الدينية الهلامية
التي تتأجج في التاريخ الشخصي القابع في الذِّهن المريض .
والإشكاليةُ
المركزية في الدِّين الشيعي تتمحور حول مبدأ القراءة التاريخية المجتزأة . ويمكن
القول إن إصدار الأحكام على تاريخ شخصي مُنْتَزَع من واقعية النص التاريخي الكلي ،
ومُفَرَّغ من قيمة الحقيقة ، إنما هو من أجل منح الشرعية التأسيسية للمنظور
الأسطوري في الداخل الدِّيني الشيعي . حيث تظهرُ الماهياتُ المسمومة في أنوية
التكوين الذهني التاريخي ، وتتركز الدلالاتُ المعرفية على بؤرة سيادة الخرافة على
أنساق التَّدين. وهذه الأنساقُ المؤدْلَجَة ( الماهيات/الدلالات) تتحرك في مدارات
سُلطة كهنوتية شيعية موغلة في تقديس الأصنام البشرية الذين يُسَمُّون أنفسهم
" آيات الله " .
فمثلاً
" ولاية الفقيه " هي عقيدة متماهية مع سُلطة بابا الفاتيكان المقدَّسة
غير القابلة للنقد أو الطعن. تماماً كما كان يحدث في حقبة كنائس القرون الوسطى ،
حيث يتخذ الإنسان أخاه الإنسان إلهاً حاكماً على العناصر والتكوينات . وللأسف فهذه
الجاهلية الاستغلالية عادت بشكل أكثر شراسة في " ولاية الفقيه " ، فالفقيه
الذي يتخذ نفسَه صنماً إلهاً في أعلى هرم السلطة السياسية يصبح فوق مستوى النقد ،
والمناقشة، والاستدراك عليه ، والتعقيب على كلامه وأفعاله. أضف إلى هذا، العمق
الفلسفي لتجذير مبدأ المتاجرة بآل البيت على الصعيدَيْن : المادي والروحي.
وبالتأكيد
فالفقيه سيكون سعيداً بهذه السُّلطة الوهمية التي يعرف في قرارة نفسه أنها تحايل
وتطفل واضطهاد للآخرين وعلو بالباطل، حيث بساطير رجاله فوق رقاب الشعب المسحوق
الذي تم تدجينه بعدما أَقنعوه بأن انكساره وذله هو جزءٌ لا يتجزأ من الدِّين الذي
يمثله الفقيه صاحب أعلى سلطة سياسية في هذا المشروع العالي على رقاب الشعب
المطحون. وهكذا يُحصَر حق الحُكم بالصواب أو الخطأ في يد شخص يُنظَر إليه على أنه
إله معصوم ، ويتم إلحاقه تلقائياً بأئمة آل البيت المعصومين ، وبعد جيل أو جيلين
يصبح الشعبُ كله معصوماً ، وتستمر هذه الأدلجة الجنونية من فعل العِصمة ورد الفعل
والعصمة المضادة من أجل منح شرعية للعقائد الأسطورية ، واختزال الدِّين في رَجُل
واحد يُصَنَّف على أنه من طينة خاصة . ومن أجل ضمان ديمومة هذا المنصب الإلهي
المتجسد في وحدانية شخص واحد ، تُنقَل كل تفاصيل منهجية التسييس إلى الدِّين ، فيصير
الفقيه والدِّين شيئاً واحداً لا ينفصلان . فنقد الفقيه هو نقدٌ للدِّين ، ونقد
الدِّين هو نقدٌ للفقيه الذي يَحتكر سُلطةَ تأويل الدِّين ، وإصدار الأحكام نفياً
وإيجاباً . وهكذا يرجع الإنسان إلى الجاهلية الأولى ، حيث كان الناس يصنعون آلهتهم
بأيديهم ، ثم يأكلونها حينما يجوعون ، وهذا هو الحاصل في هذه الجاهلية المعاصرة .
وكما أن
الأيديولوجية الشيعية متماهية مع التقديس النصراني للبابوات والكرادلة ومن هم
دونهم ، فهي أيضاً متماهية بشكل صاعق مع المشروع اليهودي العَقَدي . فقد قال
الإمام الشَّعبي : (( محبة الروافض محبة اليهود ، قالت اليهود : لا تصلح الإمامة
إلا لرجل من آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا لرجل من ولد علي بن
أبي طالب ، وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال ، وينزل
بسبب من السماء ، وقالت الروافض : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي
منادٍ من السماء ، وتؤخر اليهود صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الروافض
يؤخرونها ، واليهود تزول عن القبلة شيئاً، وكذلك الرافضة ، واليهود تنوّر في
الصلاة ، وكذلك الرافضة، واليهود تسدل أبوابها في الصلاة، وكذلك الروافض ، واليهود
تستحل دم مسلم ، وكذلك الروافض ، واليهود لا ترى على النساء عِدَّة ، وكذلك
الرافضة ، واليهود لا ترى في الطلاق الثلاث شيئاً ، وكذلك الروافض ، واليهود
حرَّفت التوراةَ ، وكذلك الرافضة حرَّفوا القرآنَ، لأنهم قالوا القرآن غُيِّر
وبُدِّل، وخولف بين نظمه وترتيبه، وأُحيل عما أُنزل عليه، وقُرئ على وجوه غير
ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد نقص منه وزيد فيه ، واليهود يبغضون
جبريل _ عليه السلام _ ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك صنف من الروافض
يقولون غلط جبريل _ عليه السلام_ بالوحي
إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما بُعِث إلى عليٍّ _ رضي الله عنه_، كذبوا تباً
لهم إلى آخر الدهر )) [الغُنية لطالبي طريق الحق (1/ 90 ) ] .
وهذا
التشابه المرعِب يُشير إلى التماهي الجزئي والكلي مع مشروع الكيانات اليهودية.
وهكذا تم إدخالُ عناصر صَهْينة الفكر الشيعي في عمق الأيديولوجية المرتكِزة إلى
تكرارات الوهم المغلَّف بصيغ احتكار التاريخ .
ومن الجدير
بالذِّكر أن ديناميكية الحِراك الشيعي لا تنبع من حيوية الحلم التاريخي ، وإنما
تَنبع من بؤر التمركز غير الطبيعي في مشاعر العلاقة مع تاريخٍ يُصبَغ بهالة
الالتباس ذهنياً . وهكذا تتجسد حالةُ الإغراق الهستيري في حقن التاريخ الذهني
بالقراءة المتعصبة ، مما يؤدي إلى تعارض اتجاهات المعنى الشيعي ، وتصادم أنويته
الداخلية . ومن خلال هذه الرؤية ، يتضح أن عوامل انهيار العقيدة الشيعية كامنة
فيها ، والشيء إذا سَقط داخلياً ، سَقط خارجياً .
وهذا السقوطُ المدوِّي يَدور في أفلاك فارغة
إلا من أدوات التحليل المغرِض المتناقض مع قيمة المسار التاريخي للفكر الاجتماعي
العام . فاللهاث وراء محور تضاد الجزيئات في العقل التصوري ، يفرز تياراً
انتكاسياً في طبيعة البناء الذهني على تاريخ مسيَّس يَطمس التاريخَ الواقعي .
وطمسُ
التاريخ بالإفرازات التشعبية ذات التأطير السياسي الرامي إلى أدلجة الأسطورة في
عقول العوام ليس عمليةً ساذجة ، أو كتلةً من النوايا الحسنة . فهذا الطمسُ تركيبٌ
مصدري لإيقاع اجتماعي يَدور في مسارات نافية لذاتها عن طريق إثبات قيمة النفي ،
فإثبات النَّفي نفيٌ .
وفي ظل
ازدحام دلالات العقيدة، يُصار إلى استحضار روح الموروث العَقدي وتجسيده في زوايا
الحقد العِرْقي داخل مجتمع الكراهية . وتصوراتُ المخيال التشعبي المسْبق من شأنها
أن تَنقل إمكانيات العقل الجمعي ذي النزعة التحليلية من الوعي بالمحيطات إلى
محيطات اللاوعي، أو محطياتِ وعي الصورة غير الواقعية . ومن هنا يبدأ التأسيسُ
الفكري المغلوط الذي يُفضي إلى أدلجة الصورة وفق صوت الفوضى الخلاقة .
وبالطبع فإن
تماهي المنظور الشيعي مع إفرازات الشخصية اليهودية يشير إلى الاختراق الاختزالي
الذي تعرضت له العقيدة الشِّيعية المحاصَرة بانهيار الوعي المؤَدْلَج . لذلك ، ليس
من الغريب أن تتكرس العقيدةُ الشيعية كإطار مُغلَق محصور في مدارات التسييس
المغرِض ، ومدفون في المعيارية النسبية لأنثروبولوجيا الوهم الدِّيني .
إننا أمام
حالة دِينية اصطناعية تمت هندستها في تأطير ذاكرة الوهم ، من أجل صناعة نصوص
عَقَدية متصوَّرة، ومدعومة مِن قِبَل المخيِّلة المتوارثة. وهذا الغبشُ الميثولوجي
_ المعتمِد على الابتزاز والاصطياد في الماء العكر _ أوقعَ الموروثَ الشِّيعي في
فخ التكرار الوهمي لتاريخٍ مُصْطَنَعٍ ، ومحاصَرٍ ذهنياً ضمن متواليات معاني تنظيم
الفوضى .
وفوضى
النصِّ الديني الشيعي ليست تأويلاً أيديولوجياً فَحَسْب ، بل هي _ أيضاً _ منظومةٌ
متكاملة تنتشر بصورة غير منطقية في مبدأ الاحتكارِ ، احتكارِ الخيال الموظَّف الذي
يتم إسقاطه على الآيات القرآنية. فالتفسيرُ الشِّيعي للقرآن هو إسقاطٌ هلامي بعيد
كل البعد عن الفهم الحقيقي للآيات القرآنية ، إذ إن مُفَسِّري الشيعة يقومون
بتفسير أوهامهم الذهنية ، ثم يُركِّبونها بصورة عجائبية ، ثم يُسقطونها على الآيات
القرآنية، وهذا تحريفٌ معنوي للقرآن الكريم .
فالتفسيرُ
يجب أن يكون منضبطاً بلغة العرب ، وأسبابِ النزول ، والظروفِ التاريخية التي نزلت
فيها الآيات. أمَّا اختراعُ واقعية عجائبية بعد استخدام الآيات القرآنية كداعم
للوهم الذهني، فهذا عدم احترام لكتاب الله تعالى ، ويتعارض مع قُدسية الكلام
الإلهي .
والذي قاد
إلى هذه العبثية الفجة في تفسير الآيات هو سيطرة فكرة " المسْبَق" على
مستويات البناء الذهني للإنسان السائر باتجاه مضاد لتاريخ إنسانيته . فالإنسانُ
الشيعي السجين في الشعائر الدينية البشرية التي تمَّت تغطيتها بالقداسة الافتراضية
غير الحقيقية ، هو جزءٌ ميكانيكي يقف محتاراً بين الألفاظ الشخصية والمعاني المعرفية.
فالألفاظُ والمعاني في الميثولوجيا الشيعية تسيران بشكل متعاكس ، مما يَجعل
النصوصَ الدينية متضاربة ، يُحطِّم بعضُها بعضاً ضمن متاهة لا نهاية لها . وكلُّ
نَص يُثبِت نَفْسَه عن طريق إلغاء نَص آخر. وهذه الثنائية الآلية الفوضوية (
الإثبات / الإلغاء ) هي نتيجة طبيعية للإشارات الأسطورية في الفكر الديني
المنسوب_زوراً_ إلى آل البيت عليهم السلام.
ومَن يَزرع
الوهمَ لا بد أن يَحصد الفراغَ . وكلُّ دلالةٍ دِينية مركزية تنشأ في محيطات ذهنية
مضطربة ، ستتحول _ حتماً _ إلى صورة مسمومة مندمجة مع فلسفة الخرافة . والخرافةُ
لا تَقدر أن تقوم بذاتها ، ولا تَستطيع أن تقف بمفردها ، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه
. لذلك ، يتم تجميعُ شظايا فكرية خارجية غير متجانسة من أجل أن تُسنِد الخرافةَ .
وعندئذ يصبح للخرافة منطقٌ تدافع به عن نَفْسها ، وشريعةِ وجودها في نفوس العامة ،
وشرعيةِ تواجدها على أرض الواقع .
والفكرُ
الديني في العقل الشيعي يَعتمد على تأسيس لغة تخاطبية بين تقاطعات الموروث
المتخيَّل. والهدفُ من هذه الحِيلة هو تعويم المصطَلَحات في تداخلات الموروث
المبني على أُسس غير منطقية ، ثم تحويل هذه المصطلحات إلى رموز زمكانية بين الرؤية
والرائي . وهذه اللعبةُ الثنائية المعتمدة على التعويم والتحويل هي الأساسُ الفكري
لمبدأ " التقية " الذي يُعتبَر من أهم عقائد الشيعة الروافض .
فالدِّينُ
الشيعي كتلةٌ نَسبية غير مُطْلقة ، ومليء بالمفاهيم المتشابهة غير المنضبِطة ،
والتعريفاتِ الفوضوية حمَّالة الأوجه ، لذلك يَسهل التلاعبُ بها، وتشكيلها حَسْبَ
الظروف الزمانية والمكانية، وإلباسها مئات الأقنعة . لذلك فمن الصعب مناقشة رَجل
الدِّين الشيعي وإفحامه ، ليس لأنه عبقري ، بل لأنه يتلاعب بالألفاظ والمعاني
معتمداً على اتباع الهوى واللف والدوران ولوي أعناق النصوص ، ولا يَعتمد على البحث
عن الحق والتسليم له . وهذا الرَّوغان المقصود _ مثل حركة الأفعى _ لا يمكن
السيطرة عليه ، ولا يمكن إمساكه .
والخطيئةُ
الكبرى التي يَغرق فيها العقلُ الديني الشيعي _ عامداً متعمِّداً _ ، هي تنسيق
مواقف دينية لا رابط بينها سوى التَّسييس الشَّيئي . وبعبارة أخرى ، تحويل الشعائر
الدينية إلى أشياء سياسية ، وبناء شظايا العِبادة على أنوية الظروف التاريخية وفق
منظور جزئي يتم تقديمه كتفاعل ديناميكي كُلِّي . وهذه الأفكارُ الدينية المنحرِفة
التي تُحصِّن الجزءَ وتَعتبره كُلاً لا يَتجزأ ، تَفتقد إلى منهج " البحث عن
الحقيقة ". وهذا المنهجُ هو الطريق الوحيد لفهم حقيقة الدِّين .
إن تخزينَ
الموْروث الشيعي الباطني الرمزي في بُنية الأساطير ، يستمد حيويته القاتلةَ
وديمومةَ أنساقه البدائية، من خيوط المجتمع الشِّيعي الخاضع قسرياً لسُلطة أُناس
يَنسبون أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون وجه حق ، أو هُم من آل البيت
حقيقةً، ولكن من جهة النَّسب فقط لا غَيْر ، وهذا لا يُعَوَّل عليه مُطْلقاً ، ولا
أهمية له بالمرة . وهي شرعية واهية لا دليل عليها . فالشرعية الحقيقية هي الالتزام
التام بالكتاب والسنة الصحيحة، وإذا كان بعد ذلك من أهل البيت، فيكون قد جمع
المجدَ من أطرافه. أما أن يكون من آل البيت ، ولكن سلوكه مخالف للإسلام، كأن يكون
شيعياً رافضياً أو صاحب فسق ومعصية، فلن يستفيد شيئاً من نسبه ، وسيكون نَسَبُه حُجَّةً
عليه لا له. ومحاولته العابثة لنيل الشرعية اعتماداً على النسب فقط، إنما هي
محاولة فاشلة، وحيلةٌ ساذجة لا تنطلي إلا على السُّذج .