هل وردت السلفية في القرآن والسنة ؟
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
............................
من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم
تأليف: إبراهيم أبو عواد .
............................
لنرجع
إلى كلمة " السلف " ومعناها اللغوي . ( سَلَفَ ) _ سُلُوفاً ، وسَلَفاً
: تَقَدّم وسبق ومضى وانقضى ، فهو سالف [انظر المعجم الوجيز ،مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ص
318 .] .
ولنقم الآن باستعراض الجذر " سلف
" ومشتقاته في الكتاب والسنة الصحيحة لنُكوِّن فهماً دقيقاً عن الأساس الفكري
لبدعة السلفية النجدية البعيدة عن الكتاب والسنة الصحيحة .
1) قال الله تعالى : ) فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن ربه فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ
وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ([ البقرة: 275] .
ومعنى )
مَا سَلَفَ ( ما
مضى . والآيةُ تتحدث عن أكل الربا . فأكلُ الربا قبل تحريمه معفو عنه ، فهو في
حُكم الماضي .
قال الطبري في تفسيره ( 3/ 101 ) عن معنى )
فَلَهُ مَا سَلَفَ ( :
(( ما أكل وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك )) اهـ .
وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 436 ) : ((
قال سعيد بن جبير والسدي : ) فَلَهُ مَا سَلَفَ (
فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم )) اهـ .
2) قال الله تعالى : )
وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ( [
النساء : 22] .
ومعنى )
مَا قَدْ سَلَفَ ( ما قد مضى . فاللهُ تعالى عفا عما مضى في
جاهليتهم ، حيث كانوا ينكحون ما نكح آباؤهم. وقال الطبري في تفسيره ( 3/ 659 ) :
(( وعفا لهم عما سلف منهم في جاهليتهم وشِركهم من فعل ذلك )) اهـ .
3) قال الله تعالى : ) وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ( [
النساء : 23] .
ومعنى )
مَا قَدْ سَلَفَ ( ما قد مضى . والآيةُ تتحدث عن حُرمة الجمع
بين الأختين ، ومَن فَعلَ ذلك فيما مضى ( الجاهلية ) ، فقد تجاوزَ اللهُ عنه ،
وعفا عنه .
قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 2/ 90 ) :
(( أي وحُرِّم عليكم الجمع بين الأختين معاً في النكاح إلا ما كان منكم في
الجاهلية فقد عفا الله عنه )) اهـ .
4) قال الله تعالى : )
عَفَا اللهُ عَما سَلَفَ ( [ المائدة : 95] .
والمعنى : عفا اللهُ عما مضى وانقضى ، فلا
يؤاخذكم به .
5) قال الله تعالى : )
قُل للذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم ما قَدْ سَلَفَ ( [
الأنفال : 38] .
والمعنى : أن الكافرين إذا انتهوا عن كفرهم
وضلالهم وأسلموا ، فإن الله يغفر لهم ما مضى أيام كفرهم ، ويتجاوز عنهم ، فالإسلام
يَجُبّ ما قَبْله ، أي : يَمحوه .
6) قال الله تعالى : )
هُنَالِكَ تَبْلُوا كُل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ ( [
يُونُس : 30] .
فكل نَفْسٍ تَعلم ما سلفَ من عملها ، أي ما
قَدّمَتْه من خير أو شر .
قال القرطبي في تفسيره ( 8/ 301 ): (( تختبر
كل نفس ما أسلفت أي جزاء ما عملت وقَدّمتْ )) اهـ . وقال ابن كثير ( 2/ 546 ) : ((
في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر )) اهـ
.
7) قال الله تعالى : )
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيامِ الْخَالِيَةِ ( [
الحاقة : 24] .
)
أَسْلَفْتُمْ ( ، أي : قَدمْتُم في الأيام الماضية ( أيام
الدنيا ) .
قال القرطبي في تفسيره ( 18/ 236 ): (( )
بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيامِ الْخَالِيَةِ ( ، أي
قدمتم في أيام الدنيا )) اهـ .
8) قال الله تعالى : )
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرِين ( [
الزخرف : 56] .
إن اللهَ تعالى قد جعلهم عِبرةً لمن جاءَ
بعدهم ، ومَثَلاً يَعتبرون به لئلا يُصيب المتأخرين ما أصاب المتقدِّمين ( السلف ) من العذاب .
قال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 165 ) : (( قال
أبو مجلز : سَلَفاً لمثل من عمل بعملهم، وقال هو ومجاهد: ومثلاً أي عِبرة لمن
بعدهم )) اهـ .
هذه الآيات الشريفةُ هي التي وَردت في
القرآن الكريم ، وتتضمن كلمة " سلف " وما يتفرع عنها ، وهي واضحة لمن له
أدنى معرفة باللغة العربية ، ومعناها واضحٌ في تحديد الفترة الزمنية السابقة
الماضية لا تحديد مذهب إسلامي أو منهجية عَقَدية أصولية فقهية . فمعناها لا يخرج
عن الإطار اللغوي المعروف . وعبثاً حاول البعض إخراج المعنى إلى المجال الديني ،
فهذا مضاد لسياق الآيات الكريمة ، وقواعد اللغة العربية . والذين ينادون بما
يسمونه السلفية ليس لهم أي حُجّة أو بَيِّنة من القرآن الكريم لتثبيت مصطلحهم
البدعي وانتزاع الشرعية الدينية له ، فالقرآن الكريم أورد لفظة " سلف "
وما يتفرع عنها ليُظهِر المعنى الزمني لهذه اللفظة وما يتفرع عنها ، فالمعنى
القرآني حصرَ هذه اللفظة في المجال اللغوي فقط لا الديني أو التعبدي . فمن ينادون
بهذه البدعة لا دليل لهم من القرآن الكريم ، والله تعالى أجل وأعلم . وأولئك الذين
كوّنوا مذهباً بدعياً وأسموه السلفية مرجعهم في ذلك إلى أهوائهم ، فالسلف الصالح
لم يكن لهم مذهب محدد لهم ، فالصحابة _
رضوان الله عليهم _ اختلفت اجتهاداتهم ومذاهبهم ، والتابعون كذلك ، ومن تبعهم
بإحسان كذلك ، والإسلام يتسع لاجتهادات مختلفة ويعترف بها ما دامت ضمن المنهج
الإسلامي المبني على الكتاب والسنة الصحيحة .
أمّا المعاني الواردة في السنة النبوية
الشريفة حول لفظة السلف فمختصة بالمعنى اللغوي فحسب، وهو معنى التقدم والسبق دون
وجود أية إشارة لمعنى ديني أو مذهب إسلامي . والذين لم يجدوا في القرآن الكريم ما
يؤيد بدعتهم المذهبية انطقلوا إلى السنة النبوية فلم يجدوا سوى المعنى اللغوي
المعروف في لغة العرب ، لكنهم احتجوا بهذا الحديث النبوي الذي يُعتبَر عمدتهم في
هذا السياق بعد أن فهموه فهماً خاطئاً ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة
فاطمة الزهراء _ عليها السلام _ : (( فإني نِعْمَ السلف أنا لكِ )) .
[متفق عليه. البخاري( 5/ 2317 ) برقم ( 5928) ، ومسلم (
4/ 1904 ) برقم (2450) .] .
ومن العجيب أن يُحمَل هذا
الحديث الشريف على شرعنة بدعة السلفية استناداً إلى فهم مغلوط لمعنى كلمة "
السلف "، ولنعد إلى تفسير الحديث فقد قال الإمام النووي في شرحه على صحيح
مسلم ( 16/ 7 ) : (( والسلف المتقدِّم
، ومعناه أنا متقدِّم قُدّامك فَتَرِدين عليّ )) .
وقد تبيّن لك عدم وجود مرجعية
من القرآن أو السنة لما يسمى بالسلفية ، فليست هي بأكثر من مذهب بدعي حزبي غير منقّح
فلا أصول قاعدية معتمَدة له ولا فروع ، يستند إلى كثير من الأفكار المنحرِفة لابن
تيمية قديماً ومحمد بن عبد الوهاب حديثاً ، ومن هنا كانت التسمية الحقيقية لهذه
الفئة السلفية التيمية النجدية ، فابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب هم سَلَف من يقول
بهذه البدعة، والأمر لا علاقة له بالسلف الصالح _ رضوان الله عليهم _ في كثير من
الأمور التي يعتنقها من يسمون أنفسهم بالسلفية .
وفي هذا الصدد سنحاول فهم أهم
العقائد والأفكار التي يعتنقها محمد بن عبد الوهاب ، وذلك من خلال نقد كتابه
المسمى بالتوحيد ، علماً بأننا سننقد عقائد ابن تيمية في هذا الكتاب لاحقاً ، وبعض
العقائد التي روّجها مجسِّمة الحنابلة الذين أساؤوا إلى الإمام أحمد وشَوّهوا
مذهبه ، وصار _ للأسف _ لا يُقال حنبلي إلا قيل عنه مُجَسِّم ، بعد أن أداروا
ظهورهم لعقائد الإمام أحمد المستقيمة المبنية وفق الأصول الشرعية ، وأكثر من يتحمل
المسؤولية هو ابن تيمية لما له من الشهرة وسعة العِلم، حيث نشر عقائد التجسيم
وكثير من العقائد المنحرِفة ونسبها إلى السلف الصالح وهم منها براء . وقد نقل
الزمخشري في الكشاف( 2/ 573 ) طبع مصر عام 1307 ما يؤيد تلوث الحنابلة بالتجسيم
وانتشار ذلك بين العلماء فقال:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به أكتمه
، كتمانه لي أَسْلــمُ
وإن حنبلياً قلتُ قالوا بأنـني ثَقيلٌ
حُلُولِي بغيضٌ مُجَسِّمُ