رواية جبل النظيف / الفصل التاسع
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
................
كانت أمُّ بسام تتجول في وسط البلد من أجل شراء بعض الحاجيات . إنها تتصفح
زجاجَ المحلات التجارية كما يتصفح الناسُ الجرائدَ . تَحمل على يدها ابنتها
الصغيرة سارة، وترافقها ابنتها الوسطى حورية . لم تترك محلاً تجارياً إلا اقتحمته
رغم ضعف الميزانية . ظهر على وجهها علاماتُ الانبهار . فألوانُ السِّلع كانت فاقعةً
تستقطب القلوبَ قبل العيون ، والأنواعُ مختلفة تشدُّ الزبائن بكل قسوة . اشترت
بعضَ الأشياء الخفيفة ، ومضت إلى أحد محلات العطارة . وما إن رآها أبو شهاب صاحبُ
المحل حتى رحَّب بها بحرارة فهي زبونة دائمة ، وقال :
_ تفضَّلي يا أم بسام ، كيف يمكن أن أخدمك ؟
.
تلعثمت في الكلام ، وشعرت بأنها متضايقة،
وغير قادرة على التعبير عمَّا يَجول في صدرها . فنظرت إلى ابنتها ذات الخمسة عشر
ربيعاً ، وقالت :
_ اذهبي يا حورية إلى محل الأسماك في نهاية
الشارع ، واسأليه عن سِعر الكيلو .
تنفَّست أمُّ بسام الصعداء بعد ذهاب ابنتها
، وقالت بصوتٍ ثابت :
_ بصراحة ، أُريد خَلْطة تزيد من القوة
الجنسية ، وتطيل مدة الجِماع .
_ الخلطة لكِ أم لزوجك ؟ .
_ طبعاً لزوجي . أنا مِثْل الفَرَس . لكنْ
أبو بسام صار ضعيفاً هذه الأيام ... أكيد حَسَدوه. كان لا ينام ولا يتركني أنام.
والآن يا حسرة صار ينام مثل الدجاج.
_ عندي أعشاب من الصين لمثل هذه المواضيع .
ولكني أريد وقتاً لإعداد الخلطة السرية .
وأردف قائلاً :
_ وبصراحة يا أم بسام ، الخلْطة مُكْلِفة قليلاً
.
_ كَم يعني ؟ .
_ ثلاثون ديناراً .
صُدمت أم بسام عندما سَمعت بالمبلغ ،
وأَخرجت منديلاً لتمسح العَرَق عن جبينها. وانعقد لسانُها، وضاعت الأحرف من
أبجديتها . وقبل أن تتفوه بأية كلمة ، قال العطار قاطعاً حبل أفكارها الواهي :
_ صَدِّقيني يا أختي يا أم بسام ، وبدون
حَلف ، إن هذا السِّعر فقط للزبائن الدائمين . لا تظني أن أستغلك ، والعياذ بالله .
لكن الأعشاب القادمة من الخارج سِعرها نار. وأحب أن أُذكِّرك أن هذه الخلطة تدوم
لمدة شهر . وهي فعالة مئة بالمئة، وأنا
جَرَّبْتُها على نَفْسي ، والنتائج مذهلة ! .
رفع هذا الكلامُ معنوياتِ المرأة التي بَدت
مصمِّمة على شراء الخلطة بأي ثمن . وقد كان
تفكيرها محصوراً في زاوية محددة، فلم تدخل في مفاوضات تخفيض السِّعر. وفي
نَفْس الوقت لم تكن تملك المال الكافي، لذا قررتْ أن تعيدَ الأشياء التي اشترتها ،
وقالت للعطار :
_ ابدأْ في إعداد الخلطة ، وأنا سأذهب لكي
أعيد ما اشتريتُه . وإذا جاءت ابنتي
أثناء غيابي قُل لها أن تنتظرني ولا تتحرك .
هَزَّ العطارُ رأسَه ، وقال :
_ كلامكِ على العين والرأس .
ارتفع الصراخُ في المحل الذي اشترت منه أمُّ
بسام ، وكادت أن تشتبك مع البائع بالأيدي. فقد رَفض في البداية أن يعيد لها المالَ
، لأن البضاعة المباعة لا تُرَد ولا تُسْتَبْدَل . لكنه خضع لرغبتها خوفاً من تجمُّع
الناس بسبب الصراخ ، وحدوث فضيحة في المحل تُشوِّه سُمعته .
انتهى العطارُ من إعداد الخلطة . وَضع عليها
اللمساتِ الأخيرة . فالحاج أبو شهاب عطَّار من الطراز الأول ، وخبير أعشاب ،
ومتخصص في الطب الشعبي . وفي بعض الأحيان تتم استضافته في البرامج التلفزيونية
لتوعية الناس بخصائص الأعشاب ، والرد على أسئلة المشاهِدين .
عادت أم بسام فَوَجدت الخلطة جاهزة ،
وموضوعة في كيس ورقي . كما أنها وَجدت ابنتها واقفة . أمَّا أبو شهاب فكان ينتظرها
على أحر من الجمر لإعطائها التعليمات ، حيث قال :
_ ضَعي رُبع ملعقة صغيرة على الطعام ، ولا
تزيدي الكمية، ولا تنقصيها. فالزيادةُ تسبِّب الإسهالَ ، والنقصان يُسبِّب
الصداعَ .
دَفعت المرأةُ كلَّ ما تَملك . وكان عليها
هي وابنتها أن تنطلقا إلى جبل النظيف سيراً على الأقدام لأنهما لا تَملكان أُجرةَ
النقل . مَشَيَتا بسرعة دون النظر إلى واجهات المحال التجارية لأن المفلِس يمر في
الأسواق سريعاً . وأثناء الطريق قالت البنت لأُمها :
_ ما هذه الخلطة التي جَعَلَتْنا نمشي على
الأقدام في هذا الحَر ، ولا نَقْدر على ركوب سيارة أُجرة ؟ .
اشرأبَّ عنقُ المرأة ، وقالت بلهجة الواثق :
_ هذه الخلطة دَفعتُ فيها دم قلبي .. حياتي
كلها تعتمد عليها .
ثم استدركتْ قائلةً :
_ أقصد حياتنا ، فهي تزيد من الذكاء
والتركيز ، وسوف تحصلون على أعلى العلامات
في امتحانات المدرسة .
قالت البنت بكل بساطة :
_ ضَعِيها في كل الوجبات التي آكلها لكي
أصبح الأولى على الصف .
ردَّت الأمُّ بسخرية لاذعة :
_ ستصبحين الأولى على جبل النظيف ، وليس
الصف فقط ! .