سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] الديانات في القرآن الكريم [16] بحوث في الفكر الإسلامي [17] التناقض في التوراة والإنجيل [18] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [19] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [20] عقائد العرب في الجاهلية[21]فلسفة المعلقات العشر[22] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [23] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [24] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [25]مشكلات الحضارة الأمريكية [26]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[27] سيناميس (الساكنة في عيوني)[28] خواطر في زمن السراب [29] أشباح الميناء المهجور (رواية)[30]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/05‏/2011

انتحار الجنرال

قصيدة/ انتحار الجنرال
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

بَرْقوقُ الشموس يخترق أمعاءً مُهَشَّمةً على أزرار البِزَّة العسكرية لجنرال اليأس . كُنيتي عاشق الفجر . وكان الضوءُ يُقاوِم جنرالاتٍ أصحاب مخالب قرميدية . يُجْرون القرعةَ أَيُّهم يبدأ في تشريح تابوت كروان واقع في الأسر . عَقَدوا على أشلاء الإنسان مؤتمراً لحقوق الإنسان ! .

خَبَّأَ نسيانُ الحجارة رحيقَه في روابي قريتي المخضَّبة بالسيوف . للحطامِ قُبَّعاتُ المغول . ارتفع منسوبُ الانهيار في دم الأحزان المتقاعِدة . وَقَّعَ إمبراطورُ اليابان وثيقةَ الاستسلام . كأن قذائفَ المدفعية تجفِّف ذكرياتِ فأر نيويورك الرمادية .

وبَيْنما كانت نِساءُ رُوما يَأْكُلْنَ الشَّبابَ المدمِنِين على الأفيون ، كانت عُيونُنا تَقْصِفُ أوروبا من الإسكندرية لتحرير الوهمِ من الوهم . استقالت أطرافُ القَيْصر من العمل في المذابح بعد خبرة طويلة ! .

يا رمالاً تنحت في رقاب التتار صورتَها. لا تشكريني لأنني حَوَّلْتُ أشعةَ حبل المشنقة إلى رسائل بين الأصدقاء . وَدِّعْ أشكالَ الأواني الفخارية يا لون جِلدي . ولا تحضرِ المؤتمرَ الصحفي للشَّيْطانة . وكالاتُ الأنباء تبحث في أشلاء زهرة عن سَبْقٍ صحفيٍّ .

بَيْتي الذي كان طابعَ بريدٍ ، نفاه رجالُ الأمن إلى منحدرات الثلج المجروحة . هَيَّا إخوتي رُعاةَ الغنم نبكي مع أغنامنا. دَمُنا في عُروق الرَّعد ، فكوني يا أعشابَ القصدير أكثرَ وفاءً من أنثى العنكبوت . كَبِدي ، هل سمعتِ زئيرَ الجداول يضرب الغابةَ ؟ . هل رأيتِ صولجانَ القمر يلتفُّ حول مذكرات النبع السِّرية ؟! .

وعلى أيدي القتلة يعيش غبارُ البحيرات : (( دُويلاتٌ يستأجرها الرَّمدُ البرونزي . صورُ مُتَسَكِّعين يذبحون دهانَ أقنعتهم في السِّرداب . جيوشٌ بلاستيكية تقبض حِصَّتَها من الهزيمة )) .

سَيْفي صَرْخةُ النجوم في ليل الخوْخ . أنا صَوْتُ المطر في مراعي التطهير العِرْقي . وَقَعتْ جَرادةٌ على انعكاسات شراع قاربي الذي يَغرق ولا يَغرق . كلما تَرَسَّبت بواخرُ السلاح في قاع معدتي تجمَّع القراصنةُ لسقي أزهار البحر .

أيتها الريحُ اعْتَقِلي تجارَ الحروب. للرصيف البلاستيكي عائلةٌ قلقة على غيابه. كتبت الأعاصيرُ تقريراً غامضاً عن حالتي الصحية وسَلَّمَتْهُ إلى النَّعنع في أنسجة الجهاز العصبي للبحيرة .

30‏/05‏/2011

خواطر جندي فرنسي

قصيدة/ خواطر جندي فرنسي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

يا قَائِدي لا تَنْسَ أن تُمَثِّلَ بجثتي لترتاحَ نفسُكَ الشريرةُ وتتأكَّدَ أنَّكَ من الغُزاة .

وَلْتَفْرَحْ بناتُ باريس حين يتذكرنَ انكساري ويذهبنَ إلى حفلة الجماجم في أُمسيات لاس فيجاس .

كنتُ في الحانة الرَّمْلية مع عشيقتي نتجرع هزيمة نابليون .

كتيبةُ الدِّيدان اذْهَبي واسْرِقي الجزائرَ .

عِنَبُ الجزائر نَبيذُنا ، ونحن شوارعُ الضَّجر .

يا زوجاتِ الجنود السَّمينات ، أَجِّلْنَ الخيانةَ قليلاً ! .

لا تُسْرِعْنَ في المشي على الأكفان .

لَدَيْنا الوقت الطويل لإحراق المحاصيل الزراعية .

دِيغولُ يا رمزَ الجريمة المرصَّعة بالفيتو الفرنسي .

تَقَدَّموا يا شبابَ هَوَسِ القَتْل .

اسْحَقُوا جِرَارَ الماء لِيَعْطشَ أطفالُهم .

اشْرَبُوا بَحْرَهم لتُصَابَ سَوَاحِلُهم بالجفاف.

أَحْضِروا عُكَّازاتِ العجائز إلى متاحفنا .

أيها الجنديُّ يا ذا الأصابع الحاقدة .

كَرِّرْ أَوهامَكَ حتى تُصَدِّقَها .

كَرِّرْ إِجْرامكَ حتى تَراه حُرِّيةً .

مَزِّقْ أَشجارَ الرُّمان .

واغْرَقْ في ألحان مُشاة البَحْرِيَّة .

29‏/05‏/2011

بلبل يهزم الطاغية

قصيدة/ بلبل يهزم الطاغية
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

ذُبابةٌ تنحدر من عائلة مفكَّكة تمتص عَرَقَ الفلاحين في الحقل الذي تراقبه وِزارةُ الإبادة الجماعية . إن الغَرْبَ يُشَرِّح جَسَدَ المرأة على موائد المقامِرين قطعاً متساوية الحجم ، ويُسَمِّي ذلك حقوق المرأة ! . والبَدْوُ الرُّحَّلُ يَحملون نِساءَهم في عربات اليأس ويركضون خلف جائزة نوبل .

بُلبلَ التَّحدي. اصْعَدْ من هزيمتكَ في معركة الظلال ، وادفن دموعكَ في جثمان خجلكَ . عَلامَ الخجل ؟! . هل خجلوا منا حين قتلونا ؟! . لا يوجد في قبعة الطاغية متسعٌ للزهر والينابيع . وَدِّعْ محاصيلَ الذُّرة واحْرِقْ ظلالَ نعشكَ وانطلقْ أجنحةَ عُقبان . لا تمسحْ عن جبهتي الترابَ لأن سجودي لخالقي ثَوْرتي . مَزِّقْ هُبَلَ واعْبُرْ حُقولَنا كي يندثر الاختناقُ وينكسر .

أُصيب الطاغيةُ بالصُّداع من كثرة القتل الذي اقترفه ، وقال لأعوانه غداً نُكمِل القتلَ ! . قَارَّاتٌ عَاقِرٌ مثل صخرة مُتَّشحةٍ بالزئبق . باضت حمامةٌ على جذوع الهديل في عرين الندى . وقواتُ الأمن تلاحقها وتفرشُ السُّمَّ على صَخْرٍ مُشَقَّقٍ كرداء حضارة الذئب. إن المساءَ أكثرُ نقاءً من خدودي في الشتاء القريب من سَيْفي .

تنهار راياتُ الفاشيين على خاصرة الجليد الحادة كحواف الموانئ القديمة التي شهدت أعراسَ السَّمك . لا مكان في كبدي لمقابر القياصرة المتَّسخة . لا مكان في بستاني لشجر الغرقد . لا مكان في كلامي لمدح القاتِل . لا مكان في أضراسي لأوحال الأكاسرة .

اقتلي فحيحَ غرف التعذيب يا صواعقُ ، وتعالي هادرة كي نهزم هولاكو . تعالي في الصباح تعالي في المساء . لا ترقبي قدومي . فالشموسُ العشبية تَسقط في دمي الأبيض . أَفتح نوافذَ الوداع لمرور نَبْتةٍ تقصفها الطائراتُ المعادِية ، لعلَّ صَمْتَ الأغنام يحشو الرصاصَ في البنادق . لعل بوصلةَ الثورة تتجه إلى إلغاء تماثيل الأكاسرة المنصوبة على أصابع أطفالنا . كُلُّ سُفنِ القراصنة هاوية سحيقة. أَقتلعُ من ساق نَعَّامة عاصمةَ الفِطْر السَّام . أَنزعُ سجائرَ الفرنجة عن عِظام شطآن الصدى.

نزيفُ البرتقال على نحاس ساعات اليد نشيدُ السهام عند الغروب. وخريرُ الماء يحسب عددَ الأسئلة التي يطرحها المحقِّق الهندي على الثَّائر الكشميري . حَضَنَ الموجُ أطفالَه الصِّغار .

26‏/05‏/2011

قصيدة/ دمي ليس شاطئاً للعشاق

قصيدة / دمي ليس شاطئاً للعشاق

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

أنا وأحلامُ الصُّقور على قَشِّ الإسطبلات الواقف سَهْماً في جباه القراصنة . تَدَثَّرتْ أغنامي بجلود الفراشات . عاشت البريةُ في قناديل حياتي الثائرة ، وعاشت المراعي جزءاً من أحلامها في فمي نباتاتٍ مليئة بالندى والهدوء والقتل .

قلبي يُصافح الأنهارَ التي تخترق أزهارَ معدتي . في هَدْأةِ لحم الليل تنزف سُحُبُ الأحزان من أصوات الغرباء . ويبدأ البكاءُ يقتلعني . لا أبكي لأن خيمتي مَرَّت في زيوت شَعْر الأرصفة . لا أبكي لأن زوال بريق أعلام الحلم فقد وظيفته في طُحالي .

رُوما إحدى أقنعة ميلانو المهشَّمة . زيتُ الزيتون الأندلسي يدل على فأسِ جَدِّي . هذا الوهمُ الذي حَوَّلَ الإنسانَ إلى مِقْصلة لذبح الإنسان . حَوَّلَ زُرقةَ الشطآن إلى مشروع استثماري لتفريخ القتل . حَوَّلَ الشعبَ إلى آلة لإنتاج الحقد .

لن أنتظر القطبَ المتجمد حتى ينشر اعترافاتِه في الصَّحافة المكتوبة بدماء الضحايا . سأقول ما لم تستطع البحيراتُ المنبوذةُ قَوْلَه .

أَذْكُرُ أني أسقطتُ بمساعدة الشواطئ أربعَ إمبراطورياتٍ في نصف ساعة ! . طَعْمُ الجوافة يُحَلِّق فوق البراري جنوب ذكاء يعاسيب النحل . أَسَدٌ يَفْرض حظراً على حركة ظلاله على هياكل السفن الغارقة في جسد شمعة .

تتزاوج الثديياتُ بعيداً عن كيس الرِّماح الذي أَحْمِله على ظَهْري . غَديرٌ يزرع مِنقارَه في سِكَكِ حَديدٍ مهجورةٍ أَنشأها غِمْدُ سَيْفٍ يَقْطرُ مِنْه رَوائحُ النَّفي ، وملاحقةُ أنصاف رجال الأمن . كَهْفي مَطبعةٌ لمؤلفات الزَّوْبعة . رأيتُ نباتاتٍ تحيا بين القبور . ضَوْءُ البَرْقِ في أعالي حُنْجرتي .

يَنْشرُ عبيرُ الوِدْيان الهادرُ مصيدةً للأمواج . لا معدتي برقيةُ ولاءٍ للقاتِلين ، ولا كَبِدي مَخْبأ لأموال الملوك المهرَّبة إلى الخارج .

24‏/05‏/2011

قصيدة/ تناول الديمقراطية على الغداء

تناول الديمقراطية على الغداء
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

حمل اللصوصُ الحمَّى في عروقهم إلى سواحل أمريكا اللاتينية كي يستمتعوا بمنظر الغابات المحروقة. ودِنَانُ الخمر يأخذونها بعد شنق العنب على الصخور المفتَّتة في الأكواخ والبيوت الورقية.

لم يُفرِّقوا بين دماء الأطفال ولون الخمور . هذه ديمقراطيتهم تجري على نباتات متقدِّمة في الجماجم . أَشْعَلوا الخشبَ الذي يُظَلِّل صَمْتَ المرضى والعجائز . نَصَبوا على قمم السراب نقاط تفتيش لقوافل العصافير . قَسَموا ظِلَّ النرجس إلى نِصْفَيْن متساويَيْن . افْتَتَحوا مدرسةً لتعليم رقصة التانغو على القبور وبطون الثكالى .

دَمَّروا قواربَ الصَّيادين البسيطة ، وصنعوا منها أصناماً صبغوا بها الأسرى . سَرَقوا حجارةَ المسجد ليقيموا معابد ومذبحاً يتخذونه مَزْرعةَ خُشْخاش للقوَّادين. وقالوا : (( هذا تاريخنا العريق ، وهذه أراضي أجدادنا )) .

رَفَعوا لهم راياتٍ من دماء الملايين ، وأخبروا الصحفيين أن هذا عيدُ استقلالهم ! . حَفَروا الصُّلبانَ على أعين السناجب !. شَيَّدوا محاكمَ التفتيش في عُش بلبل مذبوح !. ولما سَمِعُوا الشمسَ تقول الحقيقةَ ، قَبَروا السكانَ المحليين لئلا يَعرفوا الشمسَ .

يا صُدورَ البحيرات الغربية ، رفضتِ الصليبَ فصلبوكِ . يا رمالَ الغرب الموغل في رماد العَلْمانية ، على شواطئ الكوليرا العُراةُ والشَّواذ جنسياً . يا زيتَ الزيتون القادم من الأندلس ، أجدادي زرعوا شجركَ ، وقُطاع الطريق قطفوكَ . وجذوركَ لو نَطَقَتْ لقالت الحقيقةَ .

مِن العصفِ الأُنثوي في الأورال الذي يتحدث الجنسَ بطلاقة يتسرب انتحارُ الغزاة الروس في أفغانستان . مِن النساء الأوروبيات اللواتي أخذ الفِرنجةُ ثيابهنَّ أشرعةً لسُفُنٍ يُحطِّمها مضيقُ جبل طارق تأتي الخيانةُ .

23‏/05‏/2011

قصيدة/ الرحيل إلى ضوء المئذنة

قصيدة/ الرحيل إلى ضوء المئذنة

( اعترافاتُ قِس اعتنق الإسلام )

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

كُنتُ حَجَراً لا أكثر . أَخلعُ قلبي وأُلقي به على حافة الهاوية ثم أدخل مختالاً إلى المقبرة الملوَّنة في ثيابي . لم أكن أعلم ماذا أفعل في حياتي . أُنشد التَّراتيلَ التي لا أفهمها ، والحضورُ يرددون ورائي ولا يَفهمون ما أقول . كُنَّا نضعُ عقولَنا في أحضان السراب سرابِ أهوائنا .

كانت الوجوهُ أمامي في عُنفوان الظلام . عيون تدور في دوائر الشك والريبة. رأيتُ العتمةَ تقفز على جباههم. خرجتُ من محيطٍ مُوحلٍ موغل في الأساطير. حقنوني في الدَّير الموحش بالخرافة، وهي أن إلهنا قد صُلب . وكان السؤال الذي أرَّقني في ليالي السهاد كيف سيدافع الإلهُ المصلوب _ حَسْبَ زعمهم _ عني وهو لم يستطع أن يدافع عن نفسه ؟! .

عِشْتُ جُزْءاً من حياتي في الحيرة والدمار ، ولستُ الوحيدَ . بل إِنَّ كُلَّ الذين يضعون رؤوسهم في أحضان اللامعنى هم موتى يمشون هائمين على أرواحهم بلا ضَوْءٍ آخر النَّفق . وهذا الظلامُ الذي نشأتُ فيه دفعني إلى البحث عن النُّور ، النور الذي لا تبدده الغيومُ . أُهاجِر إلى الضوء حاملاً جمجمتي في أكياس الشَّفق ، راكضاً إلى الأكسجين لكي تتنفس أعضائي مثل كل الغيوم . تذوب روحي في حروف القرآن ، ويتداخل قلبي مع خيوط حِجاب الفراشة . لأول مرة أكتشف أن وجهي ليس خيوطَ عناكب الأساطير . أنا العَتْمةُ المهاجِرةُ إلى نوركَ يا قُدُّوس .

22‏/05‏/2011

قصيدة/ الطريق إلى الطريق

قصيدة/ الطريق إلى الطريق

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

في صباحِ الأربعاء التي تَسبق إعداماتي ، تُلَوِّثُ أجراسُ صالات الرقص ذَرَّاتِ الأكسجين . يُصاب الرُّكام بالقرفِ من خرافات الأعشاب الخائنة . وتُصاب الزوجاتُ الخائناتُ بالغثيان من الحفلات الموسيقية . والفتيانُ يُردِّدون ما تقوله عِصابةُ الأوحال فرحين بالتعرف على فتيات جديدات كمسامير المقاعد . تَرى كومةً من الموتى ينشدون في المعبدِ نَخْبَ ضياعهم . تتجمع الفتياتُ العاريات اللواتي يَصْلُبْنَ الحزنَ على صُدورهنَّ المصلوبة أمام عيون تجار الرَّقيق الأبيض . وفي الجانب الآخر من الكفن الجوال يفتتحون المزاد العلني لبيع "صكوك الغفران". هناكَ أسعارٌ تناسب جميعَ الخفافيش ، وهناكَ قِسْمٌ للعائلات الغارقة في الخطايا ! .

هنا أو هناك . روما إلى الهلاك . سقط كُرْسِيُّ الجليد على ذَوَبان المستنقعات في القلوب الضَّحلة . كلابٌ بوليسيةٌ تقودُ كلاباً بوليسية . يحمل الشيطانُ على كتفيه قطيعاً من المسدَّسات لتسويقها بين الرماد . والمقاعدُ الخشبية عليها مقاعد خشبية أخرى تدعى زبائن الحرب .

حضارةُ الإبادة هي كُشْكُ سجائر مصنوع من خشب الإبادة الفاخر ! . تهريبُ ما هو أخطر من الأفيون في خاصرة السُّيول . احتمالٌ قوي أن يَغتصبَ الظلُّ الخشبيُّ لَوْنَ صَمْتِنا . صَمْتٌ رماديٌّ أَعني موزةً مُحترقةً بالثَّرى . دَخَلَتْ في الدهاليز إناثُ الطين هُنَّ آنساتُ العمى اللواتي تنخرُ أَيامَهنَّ الإعلاناتُ الكاذبة . والبرقوقُ مُخرجٌ سينمائيٌّ للأفلامِ الخياليةِ . إمبراطوريةُ السُّل على هامشِ يومياتِ المساجين . يُسعفُ نَابُ العاصفةِ المجروحين . من أرضنا نبتوا سُمَّاً صارخاً في تضاريسِ العُواءِ .

19‏/05‏/2011

يوم تزوج الخليفة الذي لم نبايعه

قصيدة/ يوم تزوج الخليفة الذي لم نبايعه

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

جرادةٌ مَزَّقت حاشيةُ الثلج أجنحتَها بعد أن وجدوا مذكراتها بين جثتين تسدان ثقوبَ الصولجان . إجبارُ أحزان الطرقات تحت تهديد السِّلاح على التصفيق للموكب العابر حشراتٍ . سنبلةٌ صادروا مؤلفاتِها كما صادروا رسائل السُّجناء السياسيين .

في بلادِ القياصرة العبيد يصير الشَّعبُ منظمةً سِرِّيةً محظورةً ! . يدخلُ الرَّمادُ في نعوش القبائل الموالية للشَّيْطان . ترقياتٌ لذئاب الوادي إلى رتبة مجرمي حرب . حفلٌ لتوزيع المسدسات على شيوخ الميليشيات لحراسة الأعداء .

يا أيتها الغزلانُ التي يكسر قُرونَها مواكبُ الآلهةِ المرتزقةِ . يا أيتها الغزلان التي تحمل أحلامَها على رموشها ، وتمشي أمام الينابيع لإيصال البِحار إلى صغارها . إِنْ تَعِبْتِ من المشي فنامي على زندي كي تستعيدي ذكرياتكِ في الأدغال . للقلبِ الطريدِ دربُ تحريرٍ عابر على أفئدة السنونو في جبهة القتال الأزرق . تتدفق مياهُ البئر على ريش نَسْر سَحَبَ منه العسسُ جنسيته لأنه رفض تقديم التهاني للخليفة .

إِنْ أَغْلَقوا الحدودَ أمامكم فارحلوا إلى صدري لتقيموا فيه . وإِن وصفوكم بأنكم خارجون على شريعة الديناميت ، فاشكروهم على مَوْتهم وارْحَلوا .

جُرِحَ عُقابٌ وسال بعضُ دمه في مياه نبع متدفق وسط الغابة . العسكرُ الملتفُّون حول خط الاستواءِ وأعوانهم من فئران الحقول يُطوِّقون كُوخَ حُلْمي . مِصْباحيَ الزيتيُّ في سقف الكوخ . أُحَضِّر مأدبةَ غداء للكستناء المنفية . وأنا أَسِيرُ جُنونِ الرَّمْل رهينُ الشَّفق الهش. بَطَّةٌ تشرب الشاي في ذاكرة حصان جامح ، وتُغادِر حُلْمَها المتشعب داخلةً في هواجسها ، وتذهب لتنظِّف الأغصانَ من كَهَنةِ البوليس السياسي .

18‏/05‏/2011

قصيدة/ أغنيات للطوفان القادم من وراء التل

قصيدة/ أغنيات للطوفان القادم من وراء التل

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .

صَاحِ ! ، لأنَّ المسافةَ من بيت صديقي إلى خيمتي مليئةٌ بالجثث وسيارات الإسعاف تختبئ النَّوارسُ في جيوبي . لأن الغابةَ منطقةٌ عسكرية مغلقة تأتي الكلاب المسعورة إلى مقر وزارات الحرب. لأن قفصي الصدري أعلى من البرق أَملأ أكياسَ الطحين الفارغة بالصهيل المقتول .

هبوبُ الرِّياح على شَعْر خُنصري يهمس في أُذُنِ القمر: (( لا سَنَامُ الْجَمل احتياطيٌّ نفطي، ولا جِيفةُ القِرْش بُقعةُ زيت )). إنني أُؤَدِّي التحية العسكرية لذكريات الشفق .

يا نبتةً تُغَنِّي في هذا المساءِ القريب من الرعود ، دمي أم دمكِ ذلك الأحمرُ اللامع على الأغصان ؟ . إن ملامحي المفتَّتة قنديل غامض . كلما حَطَّمت الصَّواعقُ المذياعَ التابع للهلوسةِ بخناجر الثوار، سمعتُ صوت محرِّكات الشاحنات العسكرية الراكبة في أنين الذباب المستورَد !.

وداعاً عمودي الفقري !. كان بودي أن تظل معي ، ولكنَّ الغُزاةَ سَرَقوه ليحشوه بالماريجوانا. ولكني سأنسفُ ما تبقى من ذكريات الشعير مُخَزِّناً البرتقالَ في بقايا عظامي .

مشت السكاكينُ على الجسر الواصل بين رِئَتَي الخريف بينما كنتُ أَعُدُّ جروحي التي تصطدم بثوب الثلج. إذا رأيتَ ذُبابةً تَحوم على النفايات ثم رأيتَها تحوم حول العسل ، فلا تصفها بأنها حمقاء .

في إحدى الأمسيات التي يحاصرها الغياب ، كان الصيف جالساً على كرسي يقرأ أشعاري أمام المدفأة . وفي الخارج كانت الثلوجُ على مرتفعات البكاء . لا أَملكُ الموتَ ولا الموتُ يملكني . كلانا مملوك ، واللهُ سَيِّدُنا. لا أُحاصِر خطواتي ولا خطواتي تحاصرني . كلانا محاصَر بسيوف التتار .

تبحث حبةُ أناناس عن ابنها في صراخ الحراب . ماتت الذُّبابةُ بعد أن أكلت بثديها . كنتُ أحرس أعراسَ الطيور من حديد الأقفاص .

أذكر ليلةً كان القمحُ والضباب يقتتلان على اقتسام شَفَتِي. نَسِيَ القمحُ أَنَّا كنا في قفص واحد في بلادٍ مسجَّلة باسم الإمبراطورة . نتناول الهواءَ البارد ونحتسي أكواباً من القش . هذا السَّرابُ يزرع القمحَ في لحمي . صَوْتي يَعُجُّ بالغابات . فكن وفياً أيها القش إن غدر مجلسُ الأمن بنا. إن تاريخَ أحزاني يُولد من لمعان الموج الصحراوي. والحقول أقربُ من ذاكرتي . أيها الجالسون في ضوء القمر ، لا تقتلوا القمرَ بعد أن تمتصُّوا ضَوْءَه .

أُصيبت بسرطان الثدي شجرةٌ لا تملك ثمنَ العلاج لكنَّ الأدغالَ تُقاتِل . تزوَّج التتارُ هزيمتهم في مياه مختلطة بالحِبر لكنَّ النارَ أَحرقت الرايةَ البيضاء . استراحتْ قوافلُ مُحمَّلةٌ بالموتى في جمجمة زهرة برية لكنَّ الصحراءَ فَرَشَتْ عَرَقَها استراحةً لسائقي الشاحنات . اكْتَشَفْنا آثارَ أقدام على جناح صقر مرميٍّ في قارب يستخدمه القُرْصانُ للإبحار في دموع الدلافين لكنَّ البحرَ لم يبكِ . رَسَبَت شُرفتي في امتحان الفيزياء لكنَّ نيوتن أحدُ تلاميذي .

يا أسماكَ الجوع المهاجرة في نبضاتي . ليكن الحوارُ بَيْننا دافئاً كالأمطار في الزنزانة الانفرادية غير المسقوفة ، شفافاً كالعواصف ، سريعاً كدموع الصبايا الخائفات من العنوسة ، هادئاً كبقايا القرى بعد الإعصار .

دمعي واقفٌ على درج بيتي ينتظر سيارةَ الأجرة . كلما اجتاح الفيضانُ خاصرةَ الشَّوْك كَبَّرَ قلبي ووجهي . سقط السقوطُ على سقوط الشَّعر المستعار للملكات ، وعلا صوتُ الأذان . رياحٌ تخدش العَرَقَ على جبيني . دماءٌ على وجوه شقائق النُّعمان تمسحها الفيضانات .

إلى حَبَّات التراب جسدانا أيها البلوط . فرض تاجُ الحصى الزجاجيِّ عُقوباتٍ على وجنتي حين رفضت قصائدي أن تُوَقِّعَ اتفاقيةَ سلام مع الشيطان . اشتاق الضبابُ إلى معانقة ضوء القمر عند التلة المقابلة لنظرات الصقر . حريقٌ أصاب حقولَ النفط في فم الشَّعير . لا تَرُشُّوا عليه بكاءَ الأطفال كي ينطفئ . لا ترشُّوا عليه حليبَ الأبقار التي ورثها الإسفلتُ عن أبيه .

الدُّروبُ التي تُفضِي إِلى رُمْحٍ منسيٍّ في ظهر الميناء مُغْبَرَّة . تاريخي صاعدٌ في حنجرة الغيم. هناك ، في أطرافِ غابةٍ يعلوها غيمٌ وقوسُ قُزَحَ، كوخٌ حَوَّلَتْه السُّلطاتُ إلى حَطَبٍ كانت تسكنه عائلة تحتفل بالعيد منتظرة قدوم أبنائها المنفيين .

أعيادُ الطوفان هُوِيَّةُ الحقول فوق طيران السنديان في موسم هجرته . عِشْنا مع دمنا المشاع في بيادرنا ، ولكنَّ الطغاةَ عند حضورهم أَحْضَروا كلابَهم البوليسية ليتأكدوا أنهم غُزاة .

تنطفئ أنوارُ الشوارع ، وتصبح خالية إلا من الريح . يحشد الظلامُ رمادَ الجرائم الرومانسية . الأذانُ ينزع الظلامَ الجاثم على هواء يتنفس زَيْتوني . وذكرياتُ الأعداء تحمل مِعْولاً وبندقيةً وتمضي إلى قتالهم . أرفض أن يحدد لي سَجَّاني موعدَ إفطاري . مِعْصمي غير واقع تحت الانتداب البريطاني . تَخَلَّتْ عني وِسادتي ، وحين قرأتُ ما كَتَبَتْهُ في سيرتها الذاتية دُهشتُ عندما لم أجد اسمي ! .

عَبَرَتْ تفاحةٌ نارية على جثة أرسطو إلى ذروة المواجهة بين الشرق والغرب . انتظرتُ قدومَ الصباح لأراها تحت شكل الصاعقة واضحةً كأي شيء سوى الوضوح. وَقَعَتْ جبهةُ الإمبراطور في ظلالها المالحة شمال الانهيار . عَلِقَ الصَّليلُ على أسلاك الكهرباء في أَنف عصفور ممنوع من الدخول إلى عشه ! . لم يُقاتِل ظمأُ الصحاري لأنه كان عريساً جديداً !. وتجارُ الحروب يُنظِّمون بازاراً خيرياً لمساعدة ضحايا الحروب !. ثَمَّةَ فرقٌ بين السَّجَّانين والرمال . فالرمالُ تُقلِّم أظافري ولكن السجانين يخلعونها . اتخذ المرفأُ أصدقاءَ من شموع يُسَخِّن عليها خَفرُ السَّواحل القهوةَ في فترة الحراسة الليلية .

عزيزتي الأمطار ، إِنْ مررتُ في بالكِ ذات مساء فاقتحمي قَيْدي وحديدَ القضبان . ظلالُ الهديل على خاتمي الفضة . قد تطير القُرحةُ في معدة نَسْر، ولستُ أدري هل يذهب النسر إلى المستشفى أم يبقى في قمم الصمت الواثق ؟ . سُنبلةٌ رَفَضَتْ سَيَّافي الأرض وأَبَتْ أن تَنتميَ إلى قصور مختبئة في حبات الندى .

نقش الهزيمة على حطب الضياع . القتلةُ يعودون إلى زوجاتهم في نهاية الدوام الرسمي في المجزرة. يعانقون أطفالهم ويحثونهم على الاجتهاد في المدرسة وعدم الكذب. وأطفالنا يأخذون حجارتهم من فراغات جنازير الدبابات .

أحزانُ الرصيف محطةُ قطارات لتحميل القتلى الإيطاليين في بنغازي . أبناؤنا يتباحثون حول مفهوم الرومانسية عند الممثلات الهنديات. أيتها الأميرةُ المزيَّنة بالحطب والزَّبدِ الفاخر، ليس بوسعك أن تشتريني، لأنني بعتُ نفسي قبل ولادتكِ . بِعْتها للخالق .

إنه الرَّحيلُ القادم عن هذه الأرض التي تخنق أجواءَها أجراسُ النزيف . أغنامي المتفرقةَ كالجلادين المتقاعدين ، لنكنْ أصدقاء ، اشْتَرَكْنا معاً في السَّفر في جبال الأشعة الشمسية . لي خطاي على ظهر كوكبنا ولك خطاكِ. اسْتَرَحْنا في فُوَّهة العشب. مَشَيْنا جَنْباً إلى جَنْب ، واقْتَسَمْنا دموعَ البراري. وسوف أسافر وَحْدي ، ورِحْلتي القادمةُ ذهابٌ بلا إياب . نِعاجَ المأساة ، لا تساعديني في إعداد كفني . سَأُعِدُّه بِنَفْسي. جَدِّي وآثار يديه على جذوع الزيتونات فوق التراب . وهو الآن أسفل التراب . فلا تَبِع دراجتك الهوائية أيها اليَنبوعُ لتشتريَ أكفاناً لي . لقد كان طموحي أن أكون مُؤَذِّناً على كوكب الزُّهرة.

أيها المطرُ الذي يَعبر الضبابَ البنفسجي ، أراكَ من وراء نافذتي . غُرفتي سِراجها مُطفئ ولكنْ تَوَهَّجَ نزيفي تحت جسور سراييفو . للنِّسيان وردةٌ صفراءُ، وللنَّحل مملكةٌ لا يخمشها ابتزازُ المنافي . وتِلْكَ الآبارُ في أطراف الهديل قريةٌ . أَتوكَّأُ على أفعى ، وبراميلُ البارود تتوكَّأ على عمودي الفقري . وفي كُرياتِ دمي حربُ شوارع ، إنني القاتِلُ والضَّحية .

17‏/05‏/2011

قصيدة/ كلام ضد كومة الأنقاض

قصيدة / كلام ضد كومة الأنقاض

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

أنا هنا يعني هناك . في داخلي ضوءٌ خَفِيٌّ للزنزانة . وجِسْمي نَوَّره البرقُ . قد لا يجدني الهديل حين يزورني في بَيْتي . وربما يمنعونه من زيارتي هنا ، فتحفر عيوني السُّورَ الملتف حول أهازيج البراكين . دمٌ يحشو الإسفلتَ في أوصال الأزهار . دمٌ يُغمَى عليه يسقطُ ينهارُ . ينهار كعظام الهنود الحمر على زجاج السيارات الأمريكية الصُّنع . لستُ أبحث عن أوسمة تنقشها الجيوشُ المسلَّحة بالشخير على جِسْمي . إن اليمامَ الذي كان يُلمِّع أوسمتي قد مات .

بكى البكاءُ في عينِ نورسٍ نَفَتْهُ قبيلتُه نزولاً عند رغبة السلطات . يُرَوِّضُ الزئيرَ رملُ الشاطئ لتعبر المرايا التي تنكسر على يد البحر. كأن مرفأَ الصَّخب يركض إلى السباحة فِيَّ ، ويترك قميصَه على الشاطئ فتأتي النوارس لتصطاده . والنوارسُ صَادقتْ البحرَ قَبْلي ، ولكنَّ وَجْهي لا يعرفني حين ينظر إِلَيَّ في المرآة .

طِفْلٌ بَاكٍ يبحث في أزقة المخيَّم المذبحة عن وَالدَيْه . بحيرةٌ تتشظى في دَمْعه . إنه لا يملك ثمنَ مِشْطٍ فاتخذ جذورَ السنديان مِشْطاً . في راحتَيْه زهرةٌ وبعضُ الأحزان . واليتامى يجمعون خوذاتِ الجيوش المهزومة كي يبيعوها في السوق السوداء. والحمَّى تشرب عصيرَ العنب في جسد الإسكندر المقدوني .

تَقدَّم حُرَّاسٌ مرتدون أقنعةً أمامَ موكب مؤلَّف من عدة جرادات يُرَبِّيها رئيسُ الألم في قلعته . وكان الحراسُ يقتادون غصناً ندياً إلى المقصلة في الساحة العامة. وكانت حشودٌ غفيرة من العاطلين عن العمل ، ومن هواةِ تصوير انكسار الضوء متجمعة بشكل لافت . حيث الناس واقفون على أحجار النسيان يحملون رايات الهزيمة. والعسكرُ المعدني أَضْرَموا عارَهم في رُتبهم العسكرية .

نَحْوَ فِتْيةٍ يتدارسون القُرآنَ في زوايا المعتقَل ينطلق مطرُ القلب . نحو جهةٍ تكون فيها الرياحُ أبطأَ من نبضات الإسفلت يسير النرجس . نحو أرصفةٍ أقل خشونة من القيود تمضي الينابيع . نحو تاجٍ يتكسر كظل القطط الضالة على الجدار تجري رائحةُ العفونة .

أحياناً يُقدِّم لي الشِّتاءُ دَعوةً لحضور العَشاء فأذهب أنا وخيمتي. تَكْسر أبجديتي تيجانَ الليمون. بقايا تيجان مكسَّرة في دماء العاصفة تدل على ثورة الموتى ضد الموتى . إن العارَ يسرق ما تبقى من أعضاء السجناء وفق دستور الألم ، ويُسمِّي ذلك عيد الاستقلال ! .

لما هَزمتُ كل السَّجَّانين استلقيتُ على خد الشجرة أُفكِّر في التشابه بين الحطام والحطام . مَلَلْتُ من خطابات آكل النمل ، لا يتقن سوى تأبين أشجارنا. كل الأدغال ستفيق. سأصعقها كي تفيق . أصدر الفيلُ مرسوماً يتهمني بالخيانة، وأنني أُشكِّل خطراً على الأمن القومي للتفاحات المقتربات من نبض الحمَام . لستُ خائناً أيتها البراري التي تسلخني عن لمعان رؤوس الرماح .

أيتها النساءُ العارياتُ على شواطئ الرَّغبة ، هذا جثماني فلا تَلْعَبْنَ الشطرنجَ على سَطْحه . أيتها الشاباتُ المكتئبات في أثينا، والمتعباتُ من ممارسة الجنس مع عدسات المصوِّرين ، هناك ضريحي في الشفق فلا تَصْعَدْنَ إليه . يا زوجاتِ فُرْسان الفرنجة الخائنات ، لا تتذكرنَ حوافرَ الخيول السابحة في معدتي .

أنا والكوكبُ ثورتان تصرخان في العَدَم كي تتكلم الحيطانُ . إنني أَخرج من عُزْلة الخوْخ لأكتشف اكتئابَ تفاح المشانق .

الخيولُ الخشبية ، والمراحيضُ الرخامية . والمستقبلُ الذي مضى ، والماضي الذي سيأتي .

يا ملكاتِ نزيفي اللواتي يسرقن نزيفي ، أَنتن دُمَىً في مسرح للعرائس سوف تجف المساحيقُ على وجوههن، تخلعنَ أُنوثتكنَّ كالمعطف البالي، وتَرْكُضْنَ في مدارات الرعشة على الرخام الوردي القاتل .

نَعْنَعٌ في السَّنة الأخيرة من تخصص الفيزياء. طَرَدَتْه مَعاولُ الهشيم . يتسلل ضوءُ الشمعة في جُزيئات الموجات المتلاطمة على سطح الصَّليل في أشجار السِّدْرِ. أَيُّ حُكومةٍ تجرح صوتَ العشب المغطى بعباءة الحصَّاد ؟! . النِّيل ذو نفوذ سياسي في أوساط أوتاد خيام المشرَّدين المقامة على الضِّفاف الزَّهرية ، ولكنه لا يُحدِّد موعدَ حصاد محاصيل القطن في قفصي الصدري .

أَرنبٌ يقود دراجته النارية على إزار بعوضة. رُعاةُ البقر يتبادلون التهاني عقب إبادة الهنود الحمر . أقامت قُرى الحمَام أسلاكاً شائكة حول مائدة يُرَكِّبُ أَرْجُلَها أيتامٌ لا يملكون أُجرة نَجَّار. رَجعت القِطَطُ إلى عيون الجبال في رؤوس الماء . أدغالُ عيوني تسجد في المحاريب للإله . حَسُّونٌ يأكل الحلوى في ناحية لا يرصدها المخبِرون المتكاثرون كبيض الحشرات . سيطرت جحافلُ الفاصولياء على مواقع إستراتيجية من حديقتي المنزلية . لم يَكْبُرْ جسدي على اقتلاع شرايين النَّهر .

16‏/05‏/2011

محاولة لفهم لغة البحر ( قصيدة )

محاولة لفهم لغة البحر ( قصيدة )
للشاعر / إبراهيم أبو عواد .

الآنَ ينتهي حُكْمُ الجواسيس في عواصم الرماد المثخنة بالقياصرة . تنكمش ممالكُ القُمامة ، وجُمهورياتُ الدَّيناصور في علب السردين الفارغة . بريدُ الفُستق هو تحدي جنون الأكاسرة . أَستعد لأن أُسَرِّحَ باريسَ من حقيبة ماري أنطوانيت المصنوعةِ من جلود الأفارقة . أعقد اتفاقيةً مع جفوني لأدفنَ مملكةَ الزَّبد في السَّاحل الذي يكون فيه الراعي عدوَّ الغنم !. ترعى المغاراتُ الصقورَ وأعوادَ الثقاب المخصَّصةَ لشموع الضحك . تتسلق طفولةُ المساء أناشيدَ الرعاة لتبلغَ طُفولتي التي رَمَتْها السُّلطانةُ في غرفة الألعاب الخاصة بأبنائها ! .

أزرع مذكراتِ التوقيف الصادرة عن بنات آوى على سياج حديقتي لأتعلم تعب الشموس الفضية في المحاكم العسكرية . لم يعد الرملُ يُفرِّق بين بنات آوى وبنات أفكاره . في مُخَيِّلتي تنمو أغصانُ النسيان ، ويختلط ظمأُ شفاه الوداع بأوجاع السيول. في رَاحَتَيْكِ يا نافذتي أوراقٌ للخريف المولود في دمائنا . الطريقُ إلى المدينة التي استعارها الملوكُ من ظلي بالقوة تمر عبر دمي. أماه لا تنتظريني خلف جَذْر الشموس الجريحة وأصفادِ نحيبي لأن السجونَ التي بَلعت الشَّجرَ الأخضر تجري ورائي . أيها السجانُ ، لا تَبِعْ قَلْبَكَ للقُرْصان الذي يتجسَّس على الملح الأسود في دموع التماسيح . الغُزاة يأتون من الجهات المحروسة بالصدى الزَّعفراني . يحملون أسماءنا ويسرقون ألسنتنا .

أنا والموتُ شقيقان في الطريق ، والأيتامُ حَوْلنا يلعبون بجثث أُمَّهاتهم . وهذا البحرُ سوف يَفنى كخَوْخةٍ هَشَّة . أَجمعُ مُفْرداتِ ثَوْرة اليانسون على ممالك أحزاني . أَحْفِرُ دمي في خشب المراكب المكسَّرة كي تستخرجَ قَشَّةُ الطريق اللوْزَ من عِظام البحَّارة الغَرْقى . أُفَتِّشُ عن ذكريات النَّار في القيود الحديدية الصدئة ، وحَبَّاتُ الرَّمل تسأل معدةَ الرَّصيف : (( من أين يأخذ السَّجانُ الرَّمادي راتبَه ؟! )) . أُجيب عن أسئلة المحقِّق في زاوية الغرفة . ومُسدَّساتُ العَدُوِّ التي تستحِمُّ على مكتبي بدماء الشهداء أعرفها كأزهار الطفولة التي نسفها المخبِرون والسلاطين الذين رَمَوا شعوبَهم في السكوت المحاصَر . كُلُّ شيءٍ في غرفتي سوف يُقاوِمهم: (( الجدران والبلاط وصورة جَدِّي )) .

صَوْتي مِنْجنيق يحرس الصوتَ والصدى . أناشيدُ الفجر تفور في أهدابي. أُقاوم الرمالَ المتحركة التي تتناوب على حراثة الأنهار الرومانسية. أَنا النُّطْفةُ المتشكِّلة في ذاكرة الإعصار .

أَسأل رمالَ الشَّفق : كم جثةً لهنديٍّ أحمر رماها الرجالُ المدجَّجون بالأرصفة ؟. كم بِنْتاً وَأَدَهَا أعضاءُ نادي الجاهلية ؟! . كم أميراً سرق براءةَ البرتقال في جثث الأطفال ؟! .

وطَبَّاخُ الأمير ما زال يبحث عن ذُلِّه. مِنْ حَقِّ مقاصلِ الحشائش أن تعيش في جوربي ! . ما أشقاني حينما أفتخر ببصري أمام العُميان ، وما أغباني حينما أمشي مُختالاً أمام البغايا . عُمُرُ الثلوجِ ياقوتُ المساء على مداخن أكواخ المنافي. الطَّحينُ شِعْرُ العواصف. وكان طفلُ المرعى يُحْتَضَرُ على كتف جدته القتيلة. خِنجري جمهوريةُ البطيخ العاري في أجساد الرفض الدائم .

هذه قصورُ الذئب التي شيَّدوها على جثثنا هي لونهم الزائل ، والطوفان لا يستأذن من البشر . السماء سوف تَنْشَقُّ وتكون وردةً كالدِّهان ، أين سيهرب القتلةُ الذين يقضون إجازة الصيف خلف رَبطات العُنُق ؟! . قطاراتٌ تحمل الدِّيناميتَ تَسْبح في معدتي الصحراوية . هل سيفتحون الزنازين للسائحات العاريات ؟! . اتركوا العصافير تُسَبِّحْ صَانِعَ أرواحِها وقابضَها. اتركوا النَّحل في البرية يُغَازِلْ حبوبَ اللقاح . لنحبَّ النخلةَ عَمَّتنا . لنحبَّ صورَ الخيل في كلام السَّحاب .

قيل لي إن اللصوصَ صَرَّحوا بضرورة إنشاء نَقَابةٍ لقطاع الطريق لتكون أعمالُهم موافقةً لدستور جمهورية أسماك القِرْش الذي استوردوه مع باقي البضائع ! . وتعجبتُ من ثقافة المخبِرين النابعة من الجرائد الصادرة على كوكب الشَّنقِ. تتسابقُ اللبؤاتُ في شراييني لفرض ضرائبَ جديدةٍ مُنَسَّقةٍ وملفوفة ببكاء الأيتام .

ملاحظةٌ كَتَبَتْهَا رئتي قبل اعتقالها : (( من مظاهرِ الديمقراطية عند حكومات الأدغال الدموية : مظاهراتٌ للشواذ جنسياً في طرقات الحيض . فتاةٌ تضع على وجهها نِصْفَ طُنٍّ من المساحيق تقود سيارةَ مَرْسيدس . مسابقةٌ لطلبة الهندسة في الجامعات الذَّابلة لتصميم أَفضلِ مقصلة رومانسية ! . ملابسُ البارونةِ تتوهج على جثامين الثائرين . تصاميمُ هندسية ممتازة لسجون عَصْرية ! . الانتخاباتُ التي حَقَّق فيها القَيْصر 99% والبقية تأتي ! ، والعدالة على طريقتهم : إذا سرق الشريفُ تركوه ، وإذا سرق الفقيرُ أقاموا عليه الْحَدَّ )) .

مزاجُ الضفدعةِ المتقلِّب ، وزَوْجها الذي لا يتفقد حفرَ المجاري إلا عند قدوم المصوِّرين لتكون الذكرى محفورةً على جلد الماعز ! . مَزارعُ تقوم بخَصْخَصة أجسادِ النوارس وملامحِ المراهقات ، وتناقش عَوْلمةَ ذبحِ النِّساءِ في المساء . أَشُمُّ روائحَ المنفى من شُرفتي المطلَّة على الطوفان . والحقول الخضراء ينهبون لونَها ليقيموا حضارة البارود. لم تعد دولةُ المرتزقةِ إِلا إِسْطبلاً لخيل زوجةِ الإمبراطور .

إِنَّ المسيحَ تاريخٌ من المحبة لم يُصْلَبْ ، لَكِنَّ الخائنَ يَهُوذا والخرافةَ صُلِبَا . يحاولُ النَّمرُ المستبدُّ حقنَ ظلالِ البحر بأكاذيب الغربان في الأيام النحسات . إِنَّ الفطرَ السامَّ خَدَمُ الهذيان في معسكرات الأرواح المتناقضة. وكانت الفئران تنهش دِهانَ الدروب الصاعدة إلى المواجهة الحتمية بين الصوت والصدى . فمتى يقتلعُ الصَّدى الورقيُّ عُمُرَ الإسفلتِ من قش الجنون ؟! .

وهذه صكوكُ الغفرانِ أَخْشابُ طيف الهلوسة . والأرضُ تَلْفِظُ جراحي لكيلا تتسممَ . أُصيبت جيوشُ الهذيانِ بالتخمة المائية . رمى النَّخاسون إِخْلاصَ الجنود عبر الأبواب . سحقوا الشُّرفاءَ من أبناء جِلْدتنا ، وخلعوا جِلْدتنا، وفتحوا في أمعائنا ممراً لسَيْل هادر . أيها الجنونُ الذي يسكب عيونَ الشيوخ والأطفالَ في ابتسامته ، أُبَشِّرك بأنك ذاهب في أفلاك الندم. فلتعيِّن فأساً لتنظيم الحسرات الملائمة لإجرامك المقنَّع ! .

وَقَوْلُ النَّبي مُحِيطٌ من الشُّموس تَجرف الأساطيرَ . الديمقراطية لعبةٌ يتسلى بها بوابُ محكمةِ التفتيش في وقت فراغه قبل أن يُمارس هوايته في تلميع أوسمة الهوس . يا فلاحي بلادي ، احْرُسوا القمحَ بالذكريات والفرح . نحن الذين ننزع الأوسمةَ عن صدور الأوثان البشرية . القراصنة يُلقون المِرْسَاةَ في مدخل الملهى الليلي .

وَحْدي مع المسافِرين من اغتيال الخوخ في بستاني إلى مُدنٍ باعها حُكَّامها للصدى . لَسْتُ من سلالة قياصرة ولا أنتمي لقطيعِ الجلادين ولستُ الحقدَ . عَلَّمَني عَظْمِيَ المسحوقُ أن أَمحوَ كلماتِ الشعير من لافتات شوارع عمودي الفقري ، وألا أَفتحَ جُرحي مرعى لإِبِلِ الخلفاء غير الشرعيين .

أيتها النساءُ اللواتي يَضَعْنَ لحومَهنَّ أثاثاً للمسرح المكسور . أيتها النساء اللواتي يَغْرِسْنَ أعضاءهنَّ في أغلفة المجلات السياسية . أيتها النساء اللواتي يَكْتُبْنَ ذُلَّهُنَّ على ثياب عارضات الأزياء في عواصم الانهيار . أيتها النساء اللواتي يَفْرُشْنَ أجسادَهنَّ على إعلانات زيادة الضرائب . أيتها النساء اللواتي يُعلِّقْنَ على عُرْيهنَّ لافتةَ الثقافة . أُنظُرْنَ إلى المرايا في غرف نومكن مكياجاً ثقيلاً على قماش الدُّمى .

قفصي الصدري ليس فارغاً ، قد سكن فيه أطفالُ العشب الذين تَلهث خلفهم آلاتُ القتل . أيها القياصرةُ الذين يعطون بائعاتِ الهوى دكتوراة فخرية في البِغاء . أيها الذابلون الذين يبيعون الجنسية الوحشيةَ للبرقوق المحاصَر. كُنْتم محارِبين فاتحين في غرف نومكم أو موتكم . لا تَعْتَقِلوا التفاحَ ، وتحقِّقوا معه في قاعات الرقص المخصَّصة للضفادع الممتلئة بالبحيرات .

المنافي التي تنبع من المساء العسكري رصاصٌ في جَيْب الرَّعد. ولوس أنجلوس تُهَرِّبُ أبناءها في لحم الخنازير المعلَّب، وترسلهم لينكسروا كالديدان المخدوعة في فراش الزَّوْجية ! .

نقابةُ المومسات الديمقراطية . الأقسامُ المخصَّصة للحوامل سِفَاحاً في المدارس الثانوية للبنات. إنها جرادةٌ عمياءُ تأسرُ عنبَ الجزائر في النبيذ المفروش على طاولات الجنرالات قرب جبال الألب. أنا مُسْتَودعٌ مليء بتوهُّجات الفيضان . لُغتي سُطوع فراشات لا تستسلم للشَّبَكة . وحَواجِبي أَصُفُّهَا خنادقَ تبلع الجيوش التي ترفع خُشونةَ تواريخ الأوثان رايةً . قال الزَّبدُ المدفون في معدة المطر : (( أضمن أن يكون جسدي مع زوجتي، لكني لا أضمن أن يكون قلبي معها )).

يا حُرَّاسَ الغبار، اغسلوا وجوهكم حين تكسرون المرايا لكي تَرَوْا أقنعتكم خارج يانسون الأمطار . أعوادُ المشانق في الساحات العامة الممتدة في صدور الثائرين . أيها المنفيون في ساحل الجراح الساكنون في الحنين إلى بنادق الثوار في الميادين الأسيرة ، خُذوا قلبي سَدَّاً أَمَامَ زحف الجراد المتحضِّر ! .

أطمح أن أُسْقِط النظامَ الجمهوري في شراييني. أرضٌ جرداء كأعلام القراصنة . تاج مرصَّع بنزيف بلاد البروق . عَجوزٌ هَرِمةٌ في قصر رخامي من بقايا الحقد الإمبراطوري لتسميم كشمير . امرأةٌ تفتح كهوفَ مِكْياجها أمام عدسات المهرِّجين .

صديقي النِّسْيان ، حَاوِلْ أن تتذكرني ! . أنا فتىً من الشَّرق ، أخذوا الصنوبر من ثياب جَدِّي. وأبي ما زِلْنا نبحث عنه . أَدخل زنزانتي الخاصة مسلَّحاً بالذِّكريات . أخذوا أوراقي والأقلام حتى العنكبوتَ في الزاوية ، أخذوه ! .

تلقيتُ البارحةَ رسالةً من الصَّدى المسافر في ورود الدَّرْب اليتيم يخبرني أن عشيرة الجليد تخطط لخطف حبة رمان في أحضان الحقل . وكان ثلجٌ نائماً إلى جانبي على عشب مناجل يُحْتَضَر ويَستجوبُ القضبانَ : (( هل الحزنُ ضمن المقامرة التي يقودها إمبراطورُ الغبارِ في البار ؟! . هل الشعب ضمن أوراق اللعب على طاولة الإمبراطورة ؟! )) .

أنتعل أطيافَ الأنقاض . الصولجان يقتفي أثري على الرمال القاسية . لم أقضِ شبابي في ملاحقة الممثلات ، بل قَضَيْتُه مُؤَذِّناً في طبقة الأوزون ، فيلاحقني المخبِرون وحرسُ المطار .

عَرَّابَ المافيا الصاعدَ إلى الأرشيف الرمادي ، لماذا تأخذ شَعْري الفضي إلى قاعة الإعدام ؟! . لا تكن بائعاً متجولاً في مقاهي بنكرياسي المنثور على صنوبر العُشَّاق . لا تكن حطَّاباً لأشجارنا الدموية في الخريف الشَّاعري مثل الموظفين الجدد في ممالك رياح الخماسين . لا تُطْلِق على نعوش إخوانك لقب " مستقبلك السياسي" . اذهب إلى المقبرة لترى مستقبلكَ السياسي ! .

هذا الحطبُ القرمزي يسير على السجاد الأحمر في معتقلات إبادة الهنود الحمر . فيا سائقي سيارات نقل الجنود ، أَمْهِلوا قطتي العرجاء بعض الوقت للعبور إلى الرئة الثانية للزقاق . مزرعةُ خنازير برية في ثياب ممثلات هوليود . غرناطةُ زمردةٌ في أكف أصحاب الحانات والمراقص في مدريد الانهيار . وها هي أوروبا المهرولة في نداءات قتلاها القرابين . مملكةُ الشيطان في أوج احتضارها . أعضاء في جمعية مخترعي صكوك الغفران . قارة تقفز من غابة النفط إلى غابة النفط كقردة مبتدئين ضلوا طريقهم ، واحتاجوا إلى دليل سياحي ! .

المرتزقةُ كاتم صوت الشعوب مُرَكَّبٌ على مسدَّس خشبي . احتفال بذكرى ميلاد الدُّوقةِ يشارك فيه المرتزقة والصحفيون واللصوص الأنيقون ونسوة لتسلية العُميان . القاعة تغرق في تبادل الهدايا ، والمشرَّدون في الخارج يبحثون عن القش ليناموا عليه ! . ينام الميناءُ على ذراعي اليمنى . وأوسمةُ القش يُلمِّعها خنجرُ الذكريات . أُطهِّر عواصمَ رئتي من الديدان التي تسرق ظلالَ البابونج على رخامِ المجازر . يلاحقني الرعدُ في مراعي الكوليرا من كوخٍ إلى كوخ ، ويُلقي الألغامَ في نُعاس الياسمين . أَسألُ جثمانَ أبي : عندما تغفو على وسادتي الحيتانُ الزرقاء هل ستشهد رمالُ المحيط ضد الضحية ؟ .

قد يرمي الجلادُ أصابعي على أخشاب المرفأ . قد تُوزِّع السلطاتُ صُوَرَ الزنابق على الحمَام الزَّاجل ليبحث السُّلُّ عن خطوات الريح على الرخام الملوَّث باكتئاب الشطآن . تمشي السنابلُ حافيةً على رخام القبور الخالية ، ولكنَّ ألوانَ الحزن تُقاتِل .

جُرحي إشارة مرور لتعبر الدلافين إلى عروقي النحاسية . والأغرابُ مشغولون بترتيب غرف نومهم كجرذان في مقتبل العمر تتعاطى مضادات الاكتئاب . يَلمع البارودُ على الإسفلت الرصاصي المنتشر على لحوم الفرسان . أنهارٌ بلا أظافر على ساعة يدي ، ورمالٌ تركض في زفيري تُدَرِّبُ البعوضَ على السباحة في جماجمنا . المدنُ الذبيحةُ مرآةٌ مخدوشة على قماش أكفان البجع .

قَبْلَ أن يَصُبُّوا نُعوشَ أهلي في البئر المجاورة للوداع ، بَحَثوا عن عُكازة أبي تحت الركام الهابط في رئة ذئب الهزيمة . قبلَ أن يَنْصُبوا الفِخاخَ لعصافير الحي في حناجر المصلِّين . قبلَ أن يبيعوا سريري وأظافري ليشتروا مكياجاً لبنات كِسْرى وبعضَ فساتين السهرة الليلية المضاءة بأضواء السيارات المارة على أجسام الفراشات. قبلَ أن تلتقيَ صديقاتُ السُّلطانة على أجزاء كَفَن وردة . قبلَ أن يرموا المذابحَ على شاشات التلفاز. قبلَ أن يبنوا شركةَ حفاري القبور على جلودنا. قبلَ أن يحبسوا دخانَ المصانع في شرايين الفتيات المغتصَبات في سراييفو ، أَطْلَقوا سراحَ الحدائق الأسيرة في خيامنا المرقعة لِتَكُون مَرْكباتُ نقلِ الجنود أَقلَّ تلويثاً للبيئة ! .

جنودُ العارِ دببةٌ سمينة . جيوشُ الصَّدى الرهيب مستنقعاتٌ مسعورة على الطرق الصحراوية ملتصقة على جدران النوم . تتمرد العصافيرُ في قسمات وجه المرعى . أيها الصَّيادُ الذي يتقيأ القياصرةَ في دفتر جمع الطوابع ، لا تَأْسِر الكروانَ بأغلال المطر الحمضي . لا تُرشِد العوانسَ إلى أشلائي في طرقات النسيان. لا تَعْرِضوا أظافري في المتاحف أمام الذباب المعدني . لا تُعطوا رئةَ جارتنا الأرملةِ هديةً لبنات الإقطاعيين المدمِنات على الكحول .

وحَفَروا الأحكامَ العُرْفية على أمعاء الشهداء التي تُقاتِل الأشواكَ المزخرفة . قِطَّةُ البكاء التي تُضْرِبُ عن تقبيل الفئران حَقَنُوها برمال المنفى . واللصوصُ الشُّرفاءُ يفتتحون في كبد حمامة معرضاً للمسامير الجديدة . والمراهقاتُ العاشقاتُ يُعَلِّقْنَ شبابَهنَّ على بوَّابات العمى . هيكلٌ من عظام بشرية . قلادةٌ مُعلَّقة في رقبة صنمٍ اسمه المنفى .

مُجَمَّعٌ لمحاكم التفتيش . جُحر الأكاذيب . مُلتقى الزبد والعمى . أجسامٌ خاوية ثعلبٌ ذو فراء وسخ . العواصم الخالية إلا من رِجال المافيا . إِنَّ الدَّمعَ شاهدُ قَبْرٍ للبرتقال الغريب . والرصيفُ مهرِّجٌ طُحلبٌ يتزلج على جدران أوردتي ، على حيطانِ بئرٍ مُسيَّجةٍ ببكاء البغايا تدعى رُوما .

حَاضِناً الكرز المهجور في دماء الشعوب المطحونة . والأرستقراطياتُ يُحضِّرْنَ رسائلَ الدكتوراة عن ديمقراطية المجزرة ، ودموعِ أُمِّي في خريف الرعود .

ربما يصبح اغتيالي خبراً رومانسياً في نشرة أخبار صادرة من مذياع على طاولة نظيفة في مطعم للوجبات السريعة . إما أن نَبصقَ قاتلينا في سلة المهملات تحت شبابيك غرف التعذيب المفتوحة على لعابنا من الأُذن اليمنى إلى اليسرى ، أو أن نبصق قاتلينا في أرشيف البوليس السِّري قرب أزهار النار . أزف إلى التراب أعضائي . هذه الشَّجراتُ المختبئة في سريري تنتظر الأكسجينَ .

وصالاتُ الرقص مفتوحةٌ أمام العشَّاق الذين صَمَّموا المذابحَ في قلوبنا . جان دارك ، أَمعكِ مرافقون سوى جِرذان عينيكِ ؟ . والقراصنةُ المهذَّبون يبحثون إمكانيةَ توسيع المعتقلات المارة أنهاراً من توابيتَ صنعها عُمَّالُ نظافةٍ محترفون في ورشة الخليفة . دمي يعشق الأندلسَ . يغرس رصيفُ الليل أنيابَه في كَفِّي . يذهب النخيلُ إلى المدرسة مُسرعاً. مطرٌ يُبَلِّل أعشابَ المذبحة ، والمجرمُ صار رومانسياً في حكومة انقراض المرجان البحري . يضع الموجُ حِزامَ الأمان بعد أن يدهسَ القصورَ الرملية . تَقَدَّمْ أيها الشاطئُ القرمزي. أنا وأنتَ فراشتان تحومان على ضفاف الجرح الممتد من غروزني إلى سراييفو جُثثاً وبساتين شابة .

تندلع المجازرُ في لون السنابل . والعشبُ منتدى للحوار مع أغنامي ، وساعدي كوخٌ لأسراب الدجاج المهاجر من الندى المذبوح في زنزانتي الانفرادية . قد يحتاج الغزاةُ إلى الكثير من الصابون بعد حروب الإبادة المصنوعة لملء وقت الفراغ ! . يقوم النَّرجسُ بعملية إنزال جوي في بطن رصاصة بِكْر . كُلُّ ممالكِ الإبادةِ أدغالُ هَوَسٍ . وجهي نهارٌ قادمٌ ساجدٌ لِلْمَلِكِ .

سِجْنٌ عجوزٌ يمتص طيرانَ العُقبان في الخريف . وكان ضفدعُ المذبحة يُخَزِّنُ أسناني في عُلب السجائر الأجنبية . نَعْشي صار مقهىً لراقصات النفط . يُداهمني القمحُ أُقبِّله لأنه سَيْفي .

بين كربلاءَ وجروحِ الفارس دمعيَ الشَّفاف . أُشاهد خيولَ الخليفة غير الشرعي تسقط كبيض النَّعام . ورأسُ الحسين لا تَسقط . عَبَر إلى غده الواضح سَيِّداً ، في جَنَّةٍ بلا شمس ولا زمهرير . أنيناً كان قَصْرُكَ أيها الولدُ الأُموي المتجول على إشارات المرور لبيع غثيان الصحراء . سراباً كان اختباؤك يا سارق الندى من نظرات طيور البحر بين الحيطان المدهونة بالقتل ومرآتكَ .

كرياتُ دمي نسورٌ في فُوَّهة القتال . طَلَّقْتُ خوفي من محكمة قُضاتها يتقاضون رماحَهم من حكومة على أُهبة الهذيان . أُحب الصهيلَ حين يجتاحني في ربيع التوابيت . وشوارعُ روما تركض في عظامنا الموزَّعة بالتساوي على رجال الأمن . ومُفاجئاً كندم الزوجات الخائنات في موسكو جاء اعترافُ الفرنجة : (( بِعْنا نساءنا للذي دفع أكثر ! )) .

جراحاتي زيتونةُ الأيتام ، ورموشي مُنْتَجَعٌ سياحي في إجازة آخر الأسبوع . إبليس ومارغريت تاتشر يتناولان غداءَ عملٍ سريعاً مُعَطَّراً بنعوش الجيش الجمهوري الإيرلندي . وكان الصربُ يشربون الويسكي في مقابر المسلمين في سراييفو عند شواهد قبور الشُّموس ، ويُلقون الزُّجاجاتِ الفارغة في برلمان الصحراء التي كانت يوماً ما رَوْضةً للبنات الصغيرات الرافعات الهلال شعاراً .

أحزانُ الأعشاب طائرةٌ ورقية . لن أَتركَ رَقَبتي مائدةَ غَداء لكسرى . الطيورُ المرتعشة مظلةُ المروج الغاضبة . والغزاةُ يأخذون الصور التذكارية عند الخراب المتدفق في أعصاب الجنرال فرانكو. والقواعدُ العسكرية في أمعائنا هي جواز سفر للفطر السام كي ينمو على واجهات لحومنا. التهمُ الجاهزة تنتظرُ السِّنجابَ المندهشَ في بلدته التي هدمها مَلِكُ الجنونِ الرماديِّ ليقيم إمبراطوريةً أكثرَ انفتاحاً على الجراد.وعندما يُذبَح الموتُ أكون في الجنة أو النار .

بلدتي المفتوحةَ للأشباح المغلقةَ أمامي ، قَبِّليني لأني ذاهب لكي أتزوج التُّرابَ. أصعد من قبري بأمر سَيِّدي. تعلمتُ كيف أُضَمِّدُ جراحي قبل أن تتعلمَ الإسبانيات قيادة السيارات في أندلسنا . أرى التوتَ البري ينشر صورَ لصوص البلاد ، وأرى النَّحلَ يهاجم بركَ السباحة المستعدة للهروب إلى عواء الحجارة في صحراء سيبيريا. لا الخيمةُ أُمِّي ولا الثورةُ البلشفية ثورتي. دمعي الثأرُ زاحفاً . وأصوات بلدتي تجرف نباحَ حطب الموقدة . ويُجَمِّعُ مجرمو الحرب أرصدتهم من الجماجم في معدةِ برميل البارود .

أنا حارسُ حدود الأسماك في الشفق البعيد عن خَيْمتي . حدود دولتي من القطب الشمالي إلى الجنوبي . ورأسي أرجوحةٌ لأطفال البرقوق يحملون تاريخ عمودي الفقري في الصحاري الجليدية . الغَسَقُ ابن عمي ، والوضوءُ نهرٌ يَغْسِلني . المِئذنةُ رايةٌ عالية تنير جبهةَ الصُّبح ولا تسقط .

في ذلك الصمت البنفسجي تُولَد مدينتي المعدنية في ضحكة الصنوبر . أَفتح قلبي للذكرياتِ الغريبة كي تدخلَ مياهُ البحر في نخاعي الشوكي . إن عيوني هي غُربتي ، فلا تبكِ عليَّ يا أنا . سأحتفل بأشكالِ ذبحتي الصدرية لأن الرعدَ طَهَّرَ خيوطَ نزيفي من حضارةِ دم الحيض . وتحت إبطِ الذاكرة مشنقةُ الأعشاب السامة . قد بِعْنا فلسطين وصِرْنا رومانسيين .

لم يَخْلُقْنِي الله لأفرشَ دمي سِجَّاداً أحمر للفرنجة. لم أتعلم القرآنَ لأَتْلُوَه على ضريح الطاغوت . لم أكتب الشِّعر لأمدح السيافين الذين يركضون وراء جذور الزيتون . لم أزرع في رئتي حقولَ الصَّوْت لأُقدِّم الزهورَ للعشاق في حانات بنسلفانيا . لم أُنظِّف بلاطَ زنزانتي ليمشيَ عليه فقهاءُ البلاط . لم أدرس الفلسفةَ لأُصفِّق للفلاسفة الألمان . لم أكتب القصائد لأتغزل بانكماش الراهبات في الحكايات . لم أُعَانِقْ لغتي لأخطَّ المراثي على أطلال الحزن المتدفق من شقوق الدولة البوليسية .

حين يأخذ الأباطرةُ أشجارَنا إلى التجنيد الإجباري في الجيش الذي يحارب نفسَه ، أجلس مع الأمواج ندرس بصماتِ البلابل على الحجارة البعيدة . أحترم أبجديةَ مَوْتي في أُمسياتِ صَوْتي .

قِطَطَ الوادي ، لا تبحثي عن وطن . أحزاني وَطَنُكِ . قد يرحل المرءُ عن الغرفة التي وُلد فيها، ويأخذ معه أشجارَ الحِبر ، ويترك الحصيرَ باكياً على كتف البلاط ، ثم يُقتَل في الغرفة التي وُلد فيها.

وحيداً كأرملةٍ خَلَعُوا حِجَابَها وبَنَوْا على ضفائرها ممالكَ السُّكوت، كان اليانسونُ الذي يُغطِّي رُفاتي . أنا المطارَدُ في بلاد الزَّرْنيخ ، في زجاج غرف التحقيق ، في الشوارع الموحلة التي تفضي إلى مغامرات أمراء الحروب المدوَّنة على جنازة الديناصورات . كلما فحص النرجسُ حيطانَ المعتقَل تكسرت ظلالُ الخنجر الأثريِّ .

ماحياً آثار مايكل أنجلو على أجساد الشَّحاذين في ممالك الانتحار شمال المتوسِّط. قُرى الجرذان البشرية التي حَوَّلوها إلى مدافن هي أضلاع النبيذ . يجرحون الفُلَّ الذي يُزَيِّن نافذةَ بَحَّار في عَكَّا .

صديقاتي نُجومَ السماءِ البعيدةِ عن جلود العُقبان، قد اختلط هديرُ محرِّكات الطائرات بدم الينابيع الساخن . أكواخٌ لطيور البحر تجمع الأكياسَ الورقية على الشاطئ ، هَيَّا نُخَزِّنُ في ريش دجاجةٍ أحزانَ شِبَاك الصيد الفارغة . البحرُ أقربُ مِنِّي إلى رموشي ، ويغارُ عليَّ مِنِّي . جُلودُنا تحرسُ أعداءنا ، والضبابُ يمضي إلى ثكنته العسكرية في هاوية القصور الرملية .

في إحدى الليالي نامت الليالي فِيَّ . وعندما يتفجر حُبُّ الصيد في عيون النوارس ، ويلتقط أطفالُنا الصورَ الفوتوغرافية لحركة البرق على الرمال الكُحْلية ، أشعرُ أن جِلْدي كوخٌ للشطآن تقضي فيه شهرَ العسل . وحين تموت النوارسُ تكون أجنحتها هي أكفانها .

لم أُشارِكْ في حفلة زِفاف حَبَّة رملٍ إلى الصدى . جَرَفَ السَّيْلُ ذكرياتِ النَّسر فوق رؤوس العبيد المتدحرجة على زنود السَّيَّافين . قال لي الخريفُ في يوم ربيعيٍّ : (( دمعاتكَ ليست بيئةً مناسبة لتكاثر الآبار )) . هناك نملةٌ تتحدى المرسوم الأميري القاضي بحرق مدن النمل . تسكب رِجْلُ المستنقع روائحَها في مسامات بطن التمساح . بِطْريقٌ يجمع أشلاءَ أُسْرته في كفيه الصغيرتين، ويذهب ليدفنها في قيعان المحيطات المتَّسعة . وذبابةٌ تَنْقل على جناحها ثوراً مكتئباً إلى عيادة الطبيب البيطري .

أعطاني مفتاحَ كهفه عُصْفورٌ ، ورحل إلى قمة العزلة قرب الهاتف النَّقال للنبع . إِنَّ الليمونةَ التي تَكْبر في شريان الأرض تكتب يومياتها على ذبول القراصنة . وأُمراءُ الأنقاض المأجورون يُنَظِّفون السُّفنَ في أحشاء شعوبهم التي قذفوها في الدروب .

وطني، تأخذ الغِربانُ ثماري المنكسرة، وتُلقي بها في مواسم خوف البِحَار. وطني دافِعْ عَنِّي . نَاشَدْتُكَ الله أن تَضُمَّني إليكَ .

غَطَّى سَيَلانُ قطرات الماء من جوف الصخور في مراكب الرَّاحلين سِيقانَ حُلْمِ نَمِرٍ . سألني الليلُ عن اسمي ، فلم أُجبه ، ومضيتُ ألتقط عَبَراتِ التلال، وأضعها في صندوق خشبي بسيط . أنا راعي غنم في المنافي التي شَيَّدوها لي في الجُزُر النائية . قد لا أَجِدُ من يدفنني إذا مِتُّ في منفاي .

جلستُ يوماً مع أغنامي نأكل الحشائش فسألتني لماذا لا تتزوج ؟، فأجبتها بكل صراحة : (( ليس لي مكان سكن سوى كهوف المنافي )) . أُناسٌ يُحمَلون إلى المقابر ، وأُناس يذهبون إلى المدرسة . في المنفى لا توجد ساعةُ حائط ، ولا يوجد جرسُ مدرسة .

شَوْكُ الضياع يثقب تجاعيدَ السلاحف . إن ممالكَ الغروب عائدةٌ مع قاربي من جَنْي الرؤوس المقطوعة . أمواجُ الشَّفق ليست نَبتةً يُمزِّقها الكهنةُ . أَمْسَكَتْني يمامةٌ ثم أَطْلَقَتْني لتطير مبتعدة عن خناجر الفيضان .

تَمُوجُ فَوْقَ الحقول أُغنيةٌ تسخر من لصوص النفط . غَزَالٌ يخلع جواربَه ويَعُدُّ أَرْجُلَه ، يُوَدِّعُ زوايا المغارة . يقود الزَّيتونُ في الشارع مظاهرةً في وجه الأحكام العُرفية . لسنا أثاثاً يُبدِّله أُمراءُ الجريمة متى شاؤوا .

مِنْ أوراق فهدٍ منبوذ : (( حكومة الحشائش السامة مصنوعة في الخارج ! )) . لماذا تعشقين سفكَ أعصاب المشرَّدين على ذيل الحيتان الرشيقة ؟! . لماذا تنقلين طلاءَ ناطحات السَّحاب اللزج على ظهور الجواميس النحيلة ؟! . مُخَنَّثون غارقون في التثاؤب ، ينامون على السِّيراميك البارد كصوف النعاج على مرآةٍ تحتاج لترى نفسها إلى مرايا أخرى . كأنَّ روائحَ الثوم تشنق فيروساتٍ بحجم محاكم التفتيش ، فيروساتٍ قِناعُها السَّيفُ المهووس .

إِنني أعيش في قلب لغتي الماحية . زَيتونةٌ هي رفيقةُ السِّلاح في الصراع مع الصدأ . أُفَتِّشُ عن جذورها لأرى امتداداتِ عُمُرها في جسد السَّحاب . محبةُ اللهِ تجمعنا حيث يُفرِّقنا المخبِرون . وَكُلُّ الشُّموسِ التي ترتدي الحجابَ تَاريخِي ، وذلك القمرُ يضحك لي ويقتلني . فتيات بغداد أنتن شجر أخضر في ربيع دم الأضرحة .

إنه الإنسان اللانهائي. الترابُ يستعدُّ لاستقبالنا . إلى التراب هذا اتجاهُ حواسنا . فهل جماجمنا ستصيرُ بعد إبادتنا إشارةَ مرورٍ في شارع مزدحم مقابل مصانع البيرة ؟ .

الزَّنازين مسقطُ رأس السنونو ، إبادةُ الزَّهر الذي يصعد من جثمانه . تُفتِّش دُموعي عن مساحة للكتابة لتحريض الحيطان المشققة على القتال لتحريض صدأ الحديد على الحديد ، لدفع قلبي إلى خلع قلبي . أتجوَّل في صحراء دمي كالسُّنبلة المشنوقة . ولا دراهم تحمل صور الخليفة غير الشَّرعي . وذلك السجين يتفكر في ضوء أبجدية النار . والفراشات تُكلِّم الحائطَ ، لكنَّ ثعالب الرجفة هي فقاعة صابون تخرج بعد أن يُعلِّق السَّجَّانُ أظافرَ إخوانه على حبل الغسيل الطويل . فلا تمنحوا الفراشاتِ تصاريحَ الدخول إلى انسياب الغدير ، ولا تسمحوا لأُمِّي أن ترى جُثَّتي المنثورة في أكواب الشاي الأخضر .