قصيدة / كلام ضد كومة الأنقاض
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
أنا هنا يعني هناك . في داخلي ضوءٌ خَفِيٌّ للزنزانة . وجِسْمي نَوَّره البرقُ . قد لا يجدني الهديل حين يزورني في بَيْتي . وربما يمنعونه من زيارتي هنا ، فتحفر عيوني السُّورَ الملتف حول أهازيج البراكين . دمٌ يحشو الإسفلتَ في أوصال الأزهار . دمٌ يُغمَى عليه يسقطُ ينهارُ . ينهار كعظام الهنود الحمر على زجاج السيارات الأمريكية الصُّنع . لستُ أبحث عن أوسمة تنقشها الجيوشُ المسلَّحة بالشخير على جِسْمي . إن اليمامَ الذي كان يُلمِّع أوسمتي قد مات .
بكى البكاءُ في عينِ نورسٍ نَفَتْهُ قبيلتُه نزولاً عند رغبة السلطات . يُرَوِّضُ الزئيرَ رملُ الشاطئ لتعبر المرايا التي تنكسر على يد البحر. كأن مرفأَ الصَّخب يركض إلى السباحة فِيَّ ، ويترك قميصَه على الشاطئ فتأتي النوارس لتصطاده . والنوارسُ صَادقتْ البحرَ قَبْلي ، ولكنَّ وَجْهي لا يعرفني حين ينظر إِلَيَّ في المرآة .
طِفْلٌ بَاكٍ يبحث في أزقة المخيَّم المذبحة عن وَالدَيْه . بحيرةٌ تتشظى في دَمْعه . إنه لا يملك ثمنَ مِشْطٍ فاتخذ جذورَ السنديان مِشْطاً . في راحتَيْه زهرةٌ وبعضُ الأحزان . واليتامى يجمعون خوذاتِ الجيوش المهزومة كي يبيعوها في السوق السوداء. والحمَّى تشرب عصيرَ العنب في جسد الإسكندر المقدوني .
تَقدَّم حُرَّاسٌ مرتدون أقنعةً أمامَ موكب مؤلَّف من عدة جرادات يُرَبِّيها رئيسُ الألم في قلعته . وكان الحراسُ يقتادون غصناً ندياً إلى المقصلة في الساحة العامة. وكانت حشودٌ غفيرة من العاطلين عن العمل ، ومن هواةِ تصوير انكسار الضوء متجمعة بشكل لافت . حيث الناس واقفون على أحجار النسيان يحملون رايات الهزيمة. والعسكرُ المعدني أَضْرَموا عارَهم في رُتبهم العسكرية .
نَحْوَ فِتْيةٍ يتدارسون القُرآنَ في زوايا المعتقَل ينطلق مطرُ القلب . نحو جهةٍ تكون فيها الرياحُ أبطأَ من نبضات الإسفلت يسير النرجس . نحو أرصفةٍ أقل خشونة من القيود تمضي الينابيع . نحو تاجٍ يتكسر كظل القطط الضالة على الجدار تجري رائحةُ العفونة .
أحياناً يُقدِّم لي الشِّتاءُ دَعوةً لحضور العَشاء فأذهب أنا وخيمتي. تَكْسر أبجديتي تيجانَ الليمون. بقايا تيجان مكسَّرة في دماء العاصفة تدل على ثورة الموتى ضد الموتى . إن العارَ يسرق ما تبقى من أعضاء السجناء وفق دستور الألم ، ويُسمِّي ذلك عيد الاستقلال ! .
لما هَزمتُ كل السَّجَّانين استلقيتُ على خد الشجرة أُفكِّر في التشابه بين الحطام والحطام . مَلَلْتُ من خطابات آكل النمل ، لا يتقن سوى تأبين أشجارنا. كل الأدغال ستفيق. سأصعقها كي تفيق . أصدر الفيلُ مرسوماً يتهمني بالخيانة، وأنني أُشكِّل خطراً على الأمن القومي للتفاحات المقتربات من نبض الحمَام . لستُ خائناً أيتها البراري التي تسلخني عن لمعان رؤوس الرماح .
أيتها النساءُ العارياتُ على شواطئ الرَّغبة ، هذا جثماني فلا تَلْعَبْنَ الشطرنجَ على سَطْحه . أيتها الشاباتُ المكتئبات في أثينا، والمتعباتُ من ممارسة الجنس مع عدسات المصوِّرين ، هناك ضريحي في الشفق فلا تَصْعَدْنَ إليه . يا زوجاتِ فُرْسان الفرنجة الخائنات ، لا تتذكرنَ حوافرَ الخيول السابحة في معدتي .
أنا والكوكبُ ثورتان تصرخان في العَدَم كي تتكلم الحيطانُ . إنني أَخرج من عُزْلة الخوْخ لأكتشف اكتئابَ تفاح المشانق .
الخيولُ الخشبية ، والمراحيضُ الرخامية . والمستقبلُ الذي مضى ، والماضي الذي سيأتي .
يا ملكاتِ نزيفي اللواتي يسرقن نزيفي ، أَنتن دُمَىً في مسرح للعرائس سوف تجف المساحيقُ على وجوههن، تخلعنَ أُنوثتكنَّ كالمعطف البالي، وتَرْكُضْنَ في مدارات الرعشة على الرخام الوردي القاتل .
نَعْنَعٌ في السَّنة الأخيرة من تخصص الفيزياء. طَرَدَتْه مَعاولُ الهشيم . يتسلل ضوءُ الشمعة في جُزيئات الموجات المتلاطمة على سطح الصَّليل في أشجار السِّدْرِ. أَيُّ حُكومةٍ تجرح صوتَ العشب المغطى بعباءة الحصَّاد ؟! . النِّيل ذو نفوذ سياسي في أوساط أوتاد خيام المشرَّدين المقامة على الضِّفاف الزَّهرية ، ولكنه لا يُحدِّد موعدَ حصاد محاصيل القطن في قفصي الصدري .
أَرنبٌ يقود دراجته النارية على إزار بعوضة. رُعاةُ البقر يتبادلون التهاني عقب إبادة الهنود الحمر . أقامت قُرى الحمَام أسلاكاً شائكة حول مائدة يُرَكِّبُ أَرْجُلَها أيتامٌ لا يملكون أُجرة نَجَّار. رَجعت القِطَطُ إلى عيون الجبال في رؤوس الماء . أدغالُ عيوني تسجد في المحاريب للإله . حَسُّونٌ يأكل الحلوى في ناحية لا يرصدها المخبِرون المتكاثرون كبيض الحشرات . سيطرت جحافلُ الفاصولياء على مواقع إستراتيجية من حديقتي المنزلية . لم يَكْبُرْ جسدي على اقتلاع شرايين النَّهر .